المخدرات أزمة حضارية
لقد أصبحت المخدرات آفة من آفات هذا العصر، وتفاقمت تلك الآفة، وازدادت انتشارًا في العالم أجمع، وأصبحت المجتمعات المعاصرة تخشى آثار تلك الآفة على شبابها واقتصادها ومستقبلها.
لقد أصبحت المخدرات آفة من آفات هذا العصر، وتفاقمت تلك الآفة، وازدادت انتشارًا في العالم أجمع، وأصبحت المجتمعات المعاصرة تخشى آثار تلك الآفة على شبابها واقتصادها ومستقبلها.
ووصل الأمر بتلك المشكلة أن أصبحت ترتبط بمشكلات أخرى عديدة، مثل: انتشار الجريمة، وما يصحب ذلك من تفكك المجتمع، وتحطُّم كيان الأسرة.
فأضحت المخدرات مشكلة دولية تؤرق العالم بأكمله؛ إذ إنها غالبًا ما تنتج في بلد وتستهلك في بلد ثانٍ مارة عبر بلد ثالث.
إن جرائم المخدرات تعتبر من الجرائم القديمة في أي بلد، غير أنها في العصر الحديث، وخاصة في الزمن المعاصر أخذت شكلاً وبائيًّا بدرجة عالية؛ مما جعل منها أخطر الجرائم في كثير من بلاد العالم.
وجرائم المخدرات تتدرج من الاستعمال الشخصي إلى الترويج والاتجار فيها، والتصنيع والزراعة والتهريب، وحيث إن آثارها الاقتصادية والاجتماعية، والصحية والأمنية لا تخفى على كل شخص، وخاصة المهتمين بالمكافحة؛ سواء من رجال مكافحة المخدرات أم سلاح الحدود أم العاملين في الجمارك.
يقول الأستاذ علي أورفلي في كتابه «العالم في خطر»: تعتبر ظاهرة التهريب والاتجار بالمخدرات وتعاطيها من الظواهر الاجتماعية الخطيرة على المجتمع؛ نظرًا لآثارها السلبية.
إن الآثار المدمرة لتعاطي المخدرات في محيط الأسرة ربما كانت هي التي تشكل التهديد الأكبر للمجتمع، فعندما يتعاطَى أحد أفراد الأسرة المخدرات؛ سواء كان أحد الوالدين أم الأبناء أم أي فرد في الأسرة، فإن ذلك يسبب التمزق والتنافر.
فالذين يتعاطون المخدرات غالبًا ما تنتابهم الهواجيس والقلق، وهذا بدوره يؤدي إلى انهيار الأسرة.
إن متعاطي المخدرات شخص يعاني من الاكتئاب نفسيًّا وجسمانيًّا، ونتيجة لذلك يعاني جميع أفراد الأسرة الألم والعذاب وهم يرون الدمار التدريجي لفرد من أفراد الأسرة.
إن معظم الذين يتعاطون المخدرات يبدؤون ذلك في عمر مبكر، كمراهقين أو حتى أصغر من ذلك، فتعاطي المخدرات في فترة فيها ما زال الطفل ينمو ويتكون تعيق عملية النضج الطبيعي له، وتضاعف الأخطار التي ستواجهه عندما يكبر.
يرى بعض الباحثين أن استعمال المخدرات يعتبر مشكلة مدرسية؛ لأنه يضعف المقدرة التعليمية، ويعيق الأداء الدراسي.
فقد أثبتت الأبحاث أن الطلاب الذين يستعملون «الماريغوانا» بانتظام يحصلون على الدرجات الأقل من زملائهم الآخرين وأحيانًا الرسوب.
كما ثبت أن أكثر من نصف هؤلاء الطلاب لا يشاركون عمليًّا في النشاط المدرسي، ويغلب عليهم الغياب؛ نتيجة لتعاطيهم المخدرات.
إذ عندما يستعمل الطالب المخدرات، فإن مقدرته على التعلم والتحصيل ستكون ضعيفة.
إن المخدرات يمكن أن تؤدي إلى تمزُّق وتفتيت مدرسة بأكملها، فعندما يكون كثير من الطلاب في فصل دراسي تحت تأثير المخدرات أو غائبين بسبب تعاطي المخدرات، فإن تقدم مثل هذا الفصل سيعاق.
واستعمال المخدرات يجلب إلى بيئة المدرسة كثيرًا من الممارسات والأنشطة غير المشروعة التي ترتبط بالمخدرات، كالسرقة والدعارة، وبيع المخدرات للآخرين؛ مما يساعد على انتشار الترويج.
والنتيجة أن المجتمعات تدفع ضريبة باهظة الثمن من حيث النواحي الاقتصادية والبشرية؛ بسبب المخدرات، فمعظم متعاطي المخدرات في العالم تتراوح أعمارهم بين 18-35 سنة.
وللأسف فإن هؤلاء الذين يتعاطون المخدرات يحملون سلوكهم إلى محيط عملهم.
والمشكلة أن الانتشار الكبير لاستعمال المخدرات يولد عددًا من المشكلات الخطرة، فهناك الكثير من عمليات التجارة بالمخدرات تتم في مواقع العمل بين العمال.
فقد أوضحت الدراسات التي أجريت في إحدى الدول الصناعية أن متعاطي المخدرات أقل إنتاجية بمقدار الثلث، ونسبة حوادثهم الوظيفية ثلاثة أضعاف، ومعدل الغياب بالنسبة لهم ضعف ما لغيرهم من الموظفين الذين لا يستعملون المخدرات.
كذلك بلغ ما تدفعه الجهات الصحية لمتعاطي المخدرات أكثر من المستوى المتوسط هدرًا، وأن سوء الإنتاج يرفع من تكلفة المستخدم في أداء عمله، وهذا بدوره ربما يعيق مقدرة الشركة على المنافسة في مجال السوق.
يضاف إلى ذلك أن المنتجات والخدمات الرديئة تمثل مجازفة ومصدر خطر للعامة، وأن المستهلك يقع عليه تبعية التكاليف العالية بسبب استعمال المخدرات في محيط العمل، وذلك بشرائه لسلع رديئة بأسعار عالية، وضعت لتتكافأ مع تكاليف الإنتاج المتزايدة.
إن المشكلات التي تسببها المخدرات في محيط العمل لا يقتصر أثرها على مجالات الصناعة والتجارة فحسب، وإنما يمتدُّ إلى الزراعة أيضًا.
فالإنتاج غير المشروع للمخدرات يحدث عادة في مناطق نائية من البلدان المنتجة، وهي غالبًا ما تكون مناطق خارجه عن السيطرة الفعلية للحكومة المركزية.
إلا أن المزارع ربما يبدأ إنتاج النباتات المخدرة المحظورة تحت تهديد تجار المخدرات، وربما فعل ذلك بهدف زيادة دخل مزرعته.
ولا شك أن استعمال المخدرات والجريمة يسيران جنبًا إلى جنب، فالذين يستعملون المخدرات لا يتورعون من فعل أي شيء بهدف الحصول على المزيد منها لإشباع عادتهم.
إن جرائم متعاطي المخدرات هي تلك التي يحصل بواسطتها المتعاطي على أكبر مبلغ من المال وبأقل جهد، كالسرقة والدعارة والترويج، ومع ذلك فإنها لا تقتصر على هذه الأنواع فقط، فعندما يبدأ الأفراد في استعمال المخدرات، فإنهم يقبلون على كل شيء، فالمشكلة تتفاقم خاصة أن أكثر الجرائم تتم عندما يكون مرتكبوها تحت تأثير المخدرات.
وقد أوضحت دراسات عديدة أن حوالي 50% من الذين استوقفوا على الطريق العام وجدت بجوزتهم نوعيات مختلفة من المخدرات.
وعلى الرغم من النجاح الذي يتم مؤخَّرًا في بعض أجزاء العالم في مجال السيطرة على تمويل الاتجار في المواد المخدرة المحظورة، إلا إن التحدي يفوق فرض القانون ومسائل الصحة.
في الماضي كان تجار المخدرات ينظرون إلى نجاح القوانين وفعاليتها التي تعترض سيل عملياتهم الإجرامية كثمن لما يقومون به، ورد فعل من الحكومات مع الحرص على عدم مصادمتها؛ لعدم اتخاذ إجراءات صارمة ضدهم.
لكن اليوم نجد أن كثيراً من المنظمات المهيمنة على تجارة المخدرات أصبحت في موقف المدافع، إلى جانب ابتكار طرق جديدة للتجارة، وكذا انتهاج أسلوب العنف والإرهاب.
ختامًا أقول:
نحن اليوم نعيش أزمة حضارية خطيرة، ومن الصعب التنبؤ بما هو مرتبط بالوضع الاقتصادي العالمي، وما يهدد الإنسان في كيانه، إن الأخطار التي سيواجهها الإنسان في القرون القادمة كبيرة جدًّا.
وقد آن أوان أخذ الحيطة والحذر من كل مشكلة وأزمة اقتصادية وسياسية، واجتماعية وأمنية.
أليس كذلك؟!!
_________________________________________________________
الكاتب: د. زيد بن محمد الرماني
- التصنيف: