الكسل.. الموت البطيء
يُعدُّ الكسَل ظاهرة مميتة، وخسارة للإنسان في كثير من الجوانب؛ الصحيَّة، والنفسية، والدينية، والدنيوية والأخروية.
الكسلُ: هو حالة من التراخي، وعدم الرَّغبة في العمل، وهو عكس النَّشاط والعطاء.
وأنواعه ثلاثة: نفسي، وجسدي، وعقلي.
ويعرِّف الباحثون في علم النَّفس الكسل بأنه: "نوعٌ من الفتور والتثاقل، يَعتري الفرد، فيحول دون قيامه بما يجب أن يَقوم به، أو يجعله يقوم بالعمل ببطءٍ، مصحوب بالضيق، وخمود الحماس"، إنَّه نمط من التقاعس والخمول، وإيثار الرَّاحة إيثارًا يصل بالمرء حد العجز والإمعان في السلبية.
ظاهرة مميتة:
يُعدُّ الكسَل ظاهرة مميتة، وخسارة للإنسان في كثير من الجوانب؛ الصحيَّة، والنفسية، والدينية، والدنيوية والأخروية.
كشفَتْ بعض الدِّراسات أنَّ الخمول البدني كان سببًا في وفاة الكثير من الناس؛ بسبب خلوِّ حياتهم من أيِّ نشاط بدني؛ ففي بريطانيا كانت 17 % من الوفَيَات بسبب الخمول البدني، وفي اليونان 4.2 %، أمَّا في الولايات المتحدة الأمريكية، فكانت نسبة الوفيات 10.8 %، وكانت مالطا صاحبة أعلى نِسبة في الوفَيَات الناجمة عن مضاعفات الخمول البَدني؛ إذ بلغت نِسبة الوفيات 19.2 %.
أما أسباب الكسل: فالنِّفاق، والعجز وحبُّ الراحة، والفراغ والترف، وكثرة الطعام والشراب، وكثرة النوم، وطول الأمل، وصحبة أهل الكسل، والتعلق بالأوهام والأماني الكاذبة، وفساد البيئة، وقد يكون سببًا عضويًّا؛ كنقص هرمون التستسترون، أو فيتامين د، وقد تكون أسبابًا وأمراضًا نفسية.
الكسل مذموم شرعًا:
قال الله تعالى: {إِنَّ الْمُنَافِقِينَ يُخَادِعُونَ اللَّهَ وَهُوَ خَادِعُهُمْ وَإِذَا قَامُوا إِلَى الصَّلَاةِ قَامُوا كُسَالَى يُرَاؤُونَ النَّاسَ وَلَا يَذْكُرُونَ اللَّهَ إِلَّا قَلِيلًا} [النساء: 142].
وتأمَّل حال مريم عليها السلام، وقد جعل لها من الرطب الجَنِيِّ ما كفاها مؤنة الطلب، إلا أنَّه أمَرَها بهز النخلة: {وَهُزِّي إِلَيْكِ بِجِذْعِ النَّخْلَةِ تُسَاقِطْ عَلَيْكِ رُطَبًا جَنِيًّا} [مريم: 25].
وقد استعاذ النَّبي صلى الله عليه وسلم من الكسَل؛ مما يدلُّ على ذَمِّه، فقال: «اللهمَّ إنِّي أعوذ بك من العجز والكسَل»؛ (رواه البخاري ومسلم)، وقرَنه صلى الله عليه وسلم بالعجز؛ لأنَّ كليهما يؤدِّي إلى التثاقل عن إنجاز المهمات.
وقال صلى الله عليه وسلم فيمن نام ولم يصَلِّ بالليل حتى أصبح: «يَعقد الشيطان على قافية رأس أحدكم إذا هو نام ثلاث عُقد، يضرب على مكان كل عقدة: عليك ليل طويل فارقد؛ فإن استيقظ فذكر الله انحلَّت عقدة، فإن توضَّأ انحلَّت عقدة، فإن صلَّى انحلَّت عقدة، فأصبح نشيطًا طيِّب النَّفس، وإلَّا أصبح خبيثَ النَّفس كسلان»؛ (رواه البخاري ومسلم).
وقال الرَّاغب الأصفهاني في ذمِّ الكسل: "مَن تعطَّل وتبطَّل انسلخ من الإنسانية؛ بل من الحيوانيَّة، وصار من جنس الموتى".
وانظر إلى لفظ واحد من الألفاظ القرآنيَّة التي حثَّت على الحركة والعمل والمبادرة؛ ألَا وهو السَّعي، كم تكرَّر لبيان أهميته.
• قال سبحانه: {وَأَنْ لَيْسَ لِلْإِنْسَانِ إِلَّا مَا سَعَى} [النجم: 39]، {وَسَعَى لَهَا سَعْيَهَا} [الإسراء: 19]، {لِتُجْزَى كُلُّ نَفْسٍ بِمَا تَسْعَى} [طه: 15]، {وَأَمَّا مَنْ جَاءَكَ يَسْعَى} [عبس: 8]، {وَأَنَّ سَعْيَهُ سَوْفَ يُرَى} [النجم: 40]، {يَوْمَ يَتَذَكَّرُ الْإِنْسَانُ مَا سَعَى} [النازعات: 35]، {لِتُجْزَى كُلُّ نَفْسٍ بِمَا تَسْعَى} [طه: 15]، {وَجَاءَ مِنْ أَقْصَى الْمَدِينَةِ رَجُلٌ يَسْعَى} [يس: 20]؛ فقل للكَسول: اسْعَ للوصول!
قال ابن مسعود رضي الله عنه: "إنِّي لأبغض الرجلَ أراه فارغًا، ليس في شيء من عمل الدنيا ولا عمل الآخرة"، وقال: "يكون في آخر الزمان أقوامٌ أفضَل أعمالهم التلاوم بينهم، يسمون الأنتان".
وعدَّت المسيحيَّةُ الكسلَ واحدًا من الأخطاء السبعة المميتة عند الكاثوليك، كما اعتبر سببًا مباشرًا للفقر، وذمَّت البوذيَّةُ الكسلَ والمماطلة.
وسائل التخلص من الكسل:
• الامتثال لأوامر الدين ووصاياه؛ ((قل آمنتُ بالله، ثمَّ استقِم)).
• علو الهمَّة، والنَّظر في سِيَر أصحابها؛ من نبيِّين، وصالحين، وعظماء.
• وضع أهداف وبرامج يوميَّة، وشهرية، وسنوية لتحقيقها.
• المبادرة للعمل، وعدم الركون للرَّاحة والأماني، واقتحام الميادين التي تهابها.
• مخالطة المجتهدين وأصحاب الهِمَم، والابتعاد عن الكسالى.
• كثرة ذِكر الله، والمحافظة على الأدعية الشرعية، والاستعاذة من الكسَل.
• ملء الفراغ، وتحديد ساعات النَّوم، والاعتدال في الطعام والشراب.
وها قد تبيَّنت مخاطر الكسل وخسائره التي تترتَّب عليه، فلنبادِر إلى العمل وترك الكسل؛ فالله يحبُّ معاليَ الأمور ويكره سفاسفها، وقيل: من دام كَسَلُه، خاب أمله.
___________________________________________________
الكاتب: صالح الشناط
- التصنيف: