من درر العلامة ابن القيم عن الذنوب والمعاصي (1)
فهد بن عبد العزيز الشويرخ
لم تزل أعمال بني آدم ومخالفتهم للرسل تحدث لهم من الفساد العام والخاص ما يجلب عليهم من الآلام والأمراض والأسقام والطواعين والقحوط والجدوب وسلب بركات الأرض وثمارها
- التصنيفات: الزهد والرقائق -
الحمد لله رب العالمين, والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين, نبينا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين...أما بعد: فمن المواضيع التي أكثر العلامة ابن القيم رحمه الله من معالجتها في العديد من كتبه موضوع الذنوب والمعاصي وآثارها على الفرد والمجتمع وهو وإن كان خصها بنصيب الأسد في كتابه الجيد النافع " الداء والدواء" أو" الجواب الكافي لمن سأل عن الجواب الشافي" إلا أنه تحدث عنها في بعض كتبه وقد يسّر الله فجمعت بعضاً مما ذكره في تلك الكتب.
" مدارج السالكين في منازل السائرين "
- قلوب أهل المعاصي في جحيم وقلوب الأبرار في نعيم:
قلوب أهل البدع, والمعرضين عن القرآن, وأهل الغفلة عن الله, وأهل المعاصي في جحيم قبل الجحيم الكبرى, وقلوب الأبرار في نعيم قبل النعيم الأكبر, { إن الأبرار لفي نعيم * وإن الفجار لفي جحيم } [الانفطار:13-14] هذا في دورهم الثلاثة.
- مطالعة العبد لمنة الله عز وجل عليه حال مواقعة الذنب وبعده:
كلما طالع العبد منته سبحانه قبل الذنب وفي حال مواقعة الذنب وبعد الذنب, وبره به وحلمه عنه وإحسانه إليه, هاجت من قلبه لواعج محبته والشوق على لقائه.
- العبد يبارز الله عز وجل بالمعاصي وهو يمده بنعمه ويعامله بألطافه:
القلوب مجبولة على حبِّ من أحسن إليها, وأي إحسان أعظم من إحسان من يبرزه العبد بالمعاصي وهو يمدُّه بنعمه, ويعامله بألطافه, ويسبل عليه ستره, ويحفظه من خطفات أعدائه المترقبين له أدنى عثرة ينالون منه بها بغيتهم...ويحول بينهم وبينه؟
- الفرح بالمعصية جهل بقدر من عصاه:
الفرحُ بالمعصية دليلُ شدة الرغبة فيها, والجهل بقدر من عصاه, والجهل بسوء عاقبتها وعظم خطرها, ففرحه بها غطى عليه ذلك كله, وفرحه بها أشدُّ ضرراً عليه من مواقعتها.
المؤمن لا تتم لذته بمعصيته أبداً ولا يكمل بها فرحه بل لا يباشرها إلا والحزن مخالط لقلبه...ومتى خلا قلبه من هذا الحزن واشتدت غبطته وسروره فليتهم إيمانه, وليبكِ على موت قلبه, فإنه لو كان حياً لأحزنه ارتكابه للذنب, وغاظه, وصعب عليه.
- المجاهرة بالذنب خطر عظيم:
وأشدُّ من هذا كله: المجاهرة بالذنب مع تيقن نظر الرب جل جلاله من فوق عرشه إليه, فإن آمن بنظره إليه وأقدم على المجاهرة فعظيم, وإن لم يؤمن بنظره إليه واطلاعه عليه فكفر وانسلاخ من الإسلام بالكلية.
- قد يقترن بالصغيرة أمور يلحقها بالكبائر:
قد يقترن بالصغيرة من قلة الحياء, وعدم المبالاة, وترك الخوف, والاستهانة بها ما يلحقها بالكبائر, بل يجعلها في أعلى رتبها.
من لم يتقطع قلبه في الدنيا على ما فرط حسرةً وخوفاً, تقطع في الآخرة إذا حقَّت الحقائق, وعاين ثواب المطيعين, وعقاب العاصين, فلا بدَّ من تقطُّع القلب إمّا في الدنيا وإمّا في الآخرة.
العبد في الذنب له نظر إلى محل الجناية ومصدرها وهو النفس الأمارةُ بالسوء ويفيده نظره إليها أموراً منها أنها جاهلة ظالمة فيوجب له ذلك بذل الجهد في العلم النافع الذي يُخرجها به عن وصف الجهل والعمل الصالح الذي يُخرجها به عن وصف الظلم.
- اتخاذ الشيطان عدو وكمال الاحتراز منه:
العبد في الذنب له نظر إلى...الآمر له بالمعصية, المزين له فعلها, الحاضِّ له عليها وهو شيطانه الموكل به, فيفيده النظر إليه وملاحظته اتخاذه عدواً, وكمال الاحتراز منه والتحفظ واليقظة والانتباه لما يريده منه عدوه وهو لا يشعر
" زاد المعاد في هدى خير العباد "
- من سقط من عين ربه خلي بينه وبين معاصيه:
الرب سبحانه...من سقط من عينه وهان عليه, فإنه يخلي بينه وبين معاصيه, وكلما أحدث ذنباً أحدث له نعمة, والمغرور يظن أن ذلك من كرامته عليه, ولا يعلم أن ذلك عينُ الإهانة, وأنه يريد به العذاب الشديد, والعقوبة التي لا عاقبة معها.
- الذنوب لذاتها تنقلب آلاماً:
العاقل متى وازن بين نيل محبوب سريع الزوال بفوات محبوب أعظم منه وأدوم وأنفع وألذ أو بالعكس ظهر له التفاوت, فلا تبع لذة الأبد...بلذة ساعة تنقلب آلاماً, وحقيقتها أنها أحلام نائم...فتذهب اللذة وتبقي التبعة.
- الشهوات تفسد على العبد مصالحه:
لينظر ما تجلبُ عليه هذه الشهوةُ من مفاسد عاجلته, وما تمنعها من مصالحها, فإنها أجلبُ شيء لمفاسد الدنيا, وأعظم شيء تعطيلاً لمصالحها, فإنها تحول بين العبد وبين رشده الذي هو ملاك أمره, وقوام مصالحه.
- العاصي يجد أثر ذنوبه في خلق زوجته وولده وخادمه:
قول كعب رضي الله عنه: " حتى تنكرت لي الأرض, فما هي بالتي أعرف ", هذا التنكرُ يجده المذنب العاصي بحسب جرمه حتى في خلق زوجته وولده وخادمه, ودابته, ويجده في نفسه أيضاً, فتتنكر له نفسه حتى ما كأنه هو.
- الذنوب تضعف القلوب وتهلكها:
الذنوب للقلب بمنزلة السموم, إن لم تهلكه أضعفته ولا بُدَّ, وإذا ضعفت قوته لم يقدر على مقاومة الأمراض.
- المعاصي توجب الهموم الغموم والأحزان وضيق الصدر:
المعاصي تُوجب الهم والغم والخوف والحزن وضيق الصدر وأمراض القلب, حتى أن أهلها إذا قضوا منها أوطارهم, وسئمتها نفوسهم ارتكبوها دفعاً لما يجدونه في صدورهم من الضيق والهم والغم.
- الذنوب تجلب الأمراض والطواعين وتسلب البركات والمنافع:
لم تزل أعمال بني آدم ومخالفتهم للرسل تحدث لهم من الفساد العام والخاص ما يجلب عليهم من الآلام والأمراض والأسقام والطواعين والقحوط والجدوب وسلب بركات الأرض وثمارها....وسلب منافعها أو نقصانها أموراً متتابعة يتلو بعضها بعضاً
- الذنوب توجب الآفات والعلل في الأغذية والهواء والماء:
وكلما أحدث الناس ظلماً وفجوراً أحدث لهم ربهم تبارك وتعالى من الآفات والعلل في أغذيتهم وفواكههم وأهويتهم ومياههم, وأبدانهم وخلقهم, وصورهم وأشكالهم وأخلاقهم من النقص والآفات, ما هو موجب أعمالهم وظلمهم وفجورهم.
- أكثر الأمراض بقية عذاب عذبت به الأمم السابقة:
وأكثر هذه الأمراض والآفات العامة بقية عذاب عُذبت به الأمم السابقة, ثم بقيت منها بقية مرصدة لمن بقيت عليه بقية من أعمالهم, حكماً قسطاً, وقضاء عدلاً.
- ظلم العباد لبعضهم سبب لجور الملوك:
جعل ظلم المساكين, والبخس في المكاييل والموازين, وتعدي القوي على الضعيف سبباً لجور الملوك والولاة الذين لا يرحمون إن استرحموا, ولا يعطفون إن استعطفوا, وهم في الحقيقة أعمال الرعايا ظهرت في صور ولاتهم.
- منع الزكاة يمنع الغيث من السماء:
قد جعل سبحانه...منع الإحسان والزكاة والصدقة سبباً لمنع الغيث من السماء, والقحط والجدب.
- أعمال العباد تظهر في قوالب وصور تناسبها:
الله سبحانه بحكمته وعدله يُظهرُ للناس أعمالهم في قوالب وصور تناسبها, فتارة بقحط وتارة بعدو وتارة بولاة جائرين وتارة بأمراض عامة وتارة بهموم وآلام وغموم...وتارة بتسلط الشياطين عليهم...وتارة بمنع بركات السماء والأرض عنهم.
كتبه / فهد بن عبدالعزيز بن عبدالله الشويرخ