ملاحظات في تاريخ الانحرافات العقدية والعملية
ونجتمع جميعا في دين جديد ننتسب فيه إلى أبي الديانات الثلاثة وهو إبراهيم عليه السلام ، ومعروف طبعا أن اليهود هم أول المستفيدين من دعوة مثل هذه .
هناك مجموعة ملاحظات وإن شئت فسمها قوانين يلحظها القارئ في تاريخ الانحرافات العقدية والعملية التي ظهرت عبر تاريخ المسلمين :
الأولى : أن كثيرا من الانحرافات تبدأ صغيرة ثم تكبر شيئا فشيئا إذا لم تواجه برد حاسم وبيان واضح عند ظهورها .
الثانية : أنه إذا كان الغلط عند الرءوس شبرا ، فإنه يصير في الأتباع ذراعا ثم باعا ، ثم يتفاقم الأمر بعد ذلك ، وهذه سمة واضحة تكررت كثيرا مع أهواء وفرق شتى ، بدأت بانحراف ما في مرحلة النشأة عند المؤسسين والطبقات الأولى ، ثم تفاقم الأمر لدى الأتباع . وعبر مراحل التطور المتعاقبة ، ثم انتهت آخر المطاف إلى صورة مغرقة في الغلو والضلال ، أشد بكثير مما كان عليه الأمر في حال النشأة الأولى .
الثالثة : أن عوام الناس غالبا لا ينضبطون ولا يلتزمون بالقيود والحدود التي قال بها عالم ما في مسألة بعينها رأى إباحتها بقيود صارمة ، بل مع الوقت يتجاوزونها ويفعلون ما لا يختلف على حرمته .
اقرأ هذه الأمور مرة ثانية وقارنها بما تم تداوله من صور لصلاة الجنازة ( الغائب ) التي أقامها بعض المسلمين على الصحفية الفلسطينية النصرانية الفقيدة - التي نحزن جميعا لمقتلها - وسوف ترى كيف أن تجويز البعض لمسألة الترحم والاستغفار قد آل إلى هذا الفعل المنكر الذي لم يجوزه أحد من علماء المسلمين المعتبرين قط لا في القديم ولا في الحديث .
والخوف أن يتحول هذا الصنيع في المستقبل إلى عادة يفعلها كل تيار مع من يجله ويقدره ثم تتدخل السياسة والمصالح فيتحول إلى عرف مثل برقيات العزاء ، والليالى حبالى يلدن كل عجيب !!!
قصة أخرى !!
في عام 1953م هلك أحد سفاحي القرن العشرين وهو جوزيف ستالين الزعيم الشيوعي المعروف والذي تسبب في مقتل عشرات الملايين من بينهم ملايين من مسلمي الجمهوريات الإسلامية التي كانت ضمن الاتحاد السوفيتي سابقا .
والمهم أن أحد الكتاب الإسلاميين المشاهير جدا وقتها وهو ( خالد محمد خالد ) صاحب الكتاب المعروف ( رجال حول الرسول صلى الله عليه وسلم ) كتب مقالة صادمة عنوانها ( طبت حيا وميتا يا رفيق !!!)
تخيل رجلا يستعير مقالة قالها صديق الأمة أبو بكر في حق رسول الله صلى الله عليه وسلم حين وفاته ، ثم هو يستعملها في مدح هذا الطاغية الملحد !!
وللإنصاف فإن خالد محمد خالد تغير كثيرا فيما بعد وتحسن فكره بعد كتابه الصادم ذي النفس العلماني ( من هنا نبدأ ) وقد اعتذر في مذكراته التي ألفها في أواخر حياته عن مقاله الشنيع هذا وإن كان الاعتذار نفسه يدل على أن مكمن الخلل ظل موجودا .
( المرجع : مذكرات خالد محمد خالد : قصتي مع الحياة ص 484 وانظر نص كلامه في التعليقات )
هناك ملاحظة مهمة - في رأيي - قد لا ينتبه إليها ، ويجدر وضعها في الاعتبار وأنت تتابع الجدل الدائر حاليا حول مسائل الترحم والاستغفار والصلاة على غير المسلمين ، و بيان أنها ليست من قبيل الترف أو الانشغال بما لا يفيد ، كما أنها تخدم قضية الأقصى وأرض فلسطين المسلمة ، وليست مؤامرة أو تشويشا عليها كما يتصور البعض :-
وخلاصة الأمر : أن ضبط مسائل العلاقة بين الإسلام والأديان الأخرى - ولا سيما اليهودية والنصرانية - ووضع فواصل حاسمة ، سواء في جانب العقيدة وما يتعلق بها من الأحكام الأخروية مثل النجاة أو الهلاك ، والجنة أو النار .
أو في جانب الأحكام العملية من ترحم واستغفار وصلاة جنازة ، والتفرقة الحاسمة بين ذلك كله ، وبين قضايا التعامل العادية الجائزة في الجملة : مثل حسن الجوار ، والتجارة والأكل والشرب وعدم الأذى ومنع الظلم بغير حق .
هذا الضبط الواضح والحاسم بعيدا عن الإفراط أو التفريط : يمثل سدا قويا أمام تمرير الدعوة إلى ما يسمى ( الإبراهيمية ) في المجتمعات المسلمة ، وهي فكرة خبيثة يرتب لها على قدم وساق .
ومع حالة السيولة ، والميوعة ، والتجريف العقدي ، وانتفاء الفروق الحاسمة بين الأديان ، فسوف يكون الأمر خطيرا ومفزعا في حق الأجيال القادمة .
وطالما تحمل هذه الدعاوى أن الكل ناج وفي الجنة ، وربك رب قلوب ، والله غفور رحيم ، والإنسانية قبل التدين ، وكل الشعائر إنما هي مجرد طريق للوصول إلى الله ، والمهم هو الأخلاق الحسنة وخدمة البشرية : فهيا نذوب الفروق بيننا ، ونجتمع جميعا في دين جديد ننتسب فيه إلى أبي الديانات الثلاثة وهو إبراهيم عليه السلام ، ومعروف طبعا أن اليهود هم أول المستفيدين من دعوة مثل هذه .
- التصنيف: