من أقوال السلف في الغضب -1
فهد بن عبد العزيز الشويرخ
& سرعة الغضب من شيم الحمقى، كما أن مجانبته من زي العقلاء، وسرعة الغضب أنكى في العاقل من النار في يبس العوسج؛ لأن من غضب زايله عقلُه، فقال ما سولت نفسه، وعمل ما شانه وأرداه.
- التصنيفات: مساوئ الأخلاق -
الحمد لله رب العالمين, والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين, نبينا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين...أما بعد: فهناك من الناس من يغضب لنفسه, ولأقل الأسباب, وهذا الصنف منن الناس على خطر عظيم, لأنه قد يفعل أموراً, أو يقول أقوالاً, في حال غضبه, يندم عليها بعد ذلك, ولهذا حذر رسول الله صلى الله عليه وسلم من الغضب, وقال للرجل الذي جاء إليه, وقال له: أوصني فقال له: (( «لا تغضب » )) فردد مراراً (( «لا تغضب » )) [أخرجه البخاري] قال الحافظ ابن رجب رحمه الله: الغضب جماع الشر, والتحرز منه جماع الخير.
فطوبى لمن أمسك نفسه عند الغضب, وكان غضبه لانتهاك حرمات الله عز وجل.
للسلف أقوال في الغضب, يسّر الله الكريم فجمعت بعضاً منها, أسأل الله أن ينفع بها الجميع.
** قال لقمان الحكيم: ثلاث من كن فيه فقد استكمل الإيمان, من إذا رضي لم يخرجه رضاه إلى الباطل, وإذا غضب لم يخرجه غضبه من الحق, وإذا قدر لم يتناول ما ليس له. وقال: إن أردت أن تؤاخي رجلاً فأغضبه, فإن أنصفك في غضبه وإلا فدعه
** قال علي بن محمد بن الحسين بن يوسف الكاتب: من أطاع غضبه أضاع أدبه.
** كان عبدالله بن عون لا يغضب، فإذا أغضبه رجل، قال: بارك الله فيك.
** قيل لعبدالله بن المبارك: أجمل لنا حسن الخلق في كلمة. قال: لا تغضب.
** قال مورق العجلي:
& ما تكلمت بشيء في الغضب فندمت عليه في الرضا.
& وإني لقليل الغضب, ولقلما غضبت فأقول في غضبي شيئاً أندم عليه إذا رضيت.
** قال الإمام ابن قتيبة: الغضب غول الحلم. وكان يقال: وإياك وعزة الغضب فإنها مصيّرتُك إلى ذل الاعتذار.
** قال الإمام ابن حبان:
& سرعة الغضب من شيم الحمقى، كما أن مجانبته من زي العقلاء، وسرعة الغضب أنكى في العاقل من النار في يبس العوسج؛ لأن من غضب زايله عقلُه، فقال ما سولت نفسه، وعمل ما شانه وأرداه.
& الغضب بذر الندم، فالمرء على تركه قبل أن يغضب أقدر على إصلاح ما أفسده بعد الغضب.
** قال الإمام الماوردي: يحذر الغضب ويتجنبه فإنه شر قاهر وأضر معاند وليس يفسد الأمور وينتقص التدبير إلا عند غلبته وشدة فورته, فإن مني به فلا يمضى فعلاً ولا ينفذ حكماً حتى يزول
** قال الإمام ابن عبدالبر: قوله صلى الله عليه وسلم: (( لا تغضب )) هذا من الكلام القليل الألفاظ, الجامع للمعاني الكثيرة, والفوائد الجليلة, ومن كظم غيضه أخزى شيطانه, وسلمت مروءته ودينه.
** قال أبو الوفاء بن عقيل: قيل: غرّة الغضب تورث ذلّ الاعتذار.
** قال الإمام الغزالي:
& ومن نتائج الغضب: الحقد, والحسد, وبهما هلك من هلك, وفسد من فسد.
& الغضب شعلة نار, ويستكبرها الكبر الدفين في قلب كل جبار عنيد, كاستخراج الحجر النار من الحديد.
ــــــــــــ
& قال سليمان بن داود عليهما السلام: يا بني, إياك وكثرة الغضب, فإن كثرة الغضب تستخف فؤاد الرجل الحليم.
& قيل لحكيم: ما أملك فلانا لنفسه ! قال: إذا لا تذله الشهوة, ولا يصرعه الهوى, ولا يغلبه الغضب. وقد قيل: الغضب عدو العقل, والغضب غول العقل.
& من آثار هذا الغضب في الظاهر: تغير اللون, وشدة الرعدة في الأطراف, وخروج الأفعال عن الترتيب والنظام, واضطراب الحركة والكلام, حتي يظهر الزبد على الأشداق, وتحمر الأحداق, وتنقلب المناخر, وتستحيل الخلقة, ولو رأى الغضبان في حالة غضبه قبح صورته لسكن غضبه, حياء من قبح صورته, واستحالة خلقته, وقبح باطنه أعظم من قبح ظاهره, فإن الظاهر عنوان الباطن.
& وأما أثره في اللسان فانطلاقه بالشتم والفحش من الكلام الذي يستحيى منه ذو العقل. ويستحيى منه قائله عند فتور الغضب.
& وأما أثره على الأعضاء فالضرب والتهجم والتمزيق والقتل والجرح عند التمكن.
& وأما أثره في القلب مع المغضوب عليه فالحقد والحسد وإضمار السوء.
& الأسباب المهيجة للغضب: الزهو, والعجب, والمزاح, والمماراة, والغدر, وشدة الحرص على فضول المال والجاه, وهي بأجمعها أخلاق رديئة, ومذمومة شرعاً, ولا خلاص من الغضب مع بقاء هذه الأسباب فلا بد من إزالة هذه الأسباب بأضدادها
وكل خلق من هذه الأخلاق, وصفة من هذه الصفات, يفتقر في علاجه إلى رياضة وتحمل مشقة, والمواظبة على مباشرة أضدادها مدة مديدة حتى تصير بالعادة مألوفة هينة على النفس, فإذا انمحت عن النفس فقد زكت وتطهرت عن هذه الرذائل, وتخلصت من الغضب الذي يتولد منها.
ــــــــــــــــ
& يعالج الغضب بعد هيجانه بمعجون العلم والعمل, أما العلم فبأمور:
الأول: أن يتفكر في الأخبار في فضل كظم الغيظ, والحلم, والاحتمال, والعفو, فيرغب في ثوابه, فتمنعه شدة الحرص على ثواب الكظم عن التشفي, والانتقام, وينطفئ عنه غيظه.
الثاني: أن يخوف نفسه بعقاب الله, وهو أن يقول: قدرة الله علي أعظم من قدرتي على هذا الإنسان, فلو أمضيت غضبي عليه, لم آمن أن يمضي الله غضبه عليّ يوم القيامة أحوج ما أكون إلى العفو.
الثالث: أن يحذر نفسه عاقبة العداوة والانتقام, وتشمر العدو لمقابلته, والسعي في هدم أغراضه, والشماتة بمصائبه, وهو لا يخلو من المصائب, فيخوف نفسه بعواقب الغضب في الدنيا إن كان لا يخاف من الآخرة.
الرابع: أن يتفكر في قبح صورته عند الغضب, بأن يتذكر صورة غيره عند الغضب.
الخامس: أن يتفكر في السبب الذي يدعوه إلى الانتقام, ويمنعه من كظم الغيظ, ولا بد أن يكون له سبب, مثل: قول الشيطان له: إن هذا يحمل منك على العجز, وصغر النفس, والذل, والمهانة, وتصير حقيراً في أعين الناس ! فيقول لنفسه: ما أعجبك !, تأنفين من الاحتمال الآن, ولا تأنفين من خزى يوم القيامة.
أما العمل: فأن تقول بلسانك: أعوذ بالله من الشيطان الرجيم, فإن لم يزل بذلك فاجلس إن كنت قائماً, واضطجع إن كنت جالساً, واقرب من الأرض التي منها خلقت لتعرف بذلك ذل نفسك, واطلب بالجلوس والاضطجاع السكون, فإن سبب الغضب الحرارة, وسبب الحرارة الحركة.