ربيع العمر
الحياةُ رحلةٌ يمرُّ بها كلُّ إنسان، فصولها الأيام، وأبوابها الليالي، أحداثُها بين المدِّ والجَزْر، فهي الميلاد والموت، والصحة والمرض، والغنى والفقر، والنجاح والفشل..
- التصنيفات: - آفاق الشريعة -
الحياةُ رحلةٌ يمرُّ بها كلُّ إنسان، فصولها الأيام، وأبوابها الليالي، أحداثُها بين المدِّ والجَزْر، فهي الميلاد والموت، والصحة والمرض، والغنى والفقر، والنجاح والفشل، تجتمع بين جنباتها الفصولُ الأربعةُ، فسوف تنتقل من برودة الشتاء إلى حرارة الصيف، ومن زهور الربيع إلى رياح الخريف.
إن الحياة حياتان؛ دنيا وآخرة، فالحياة الدنيا هي المقدمة الفانية، والآخرة هي الخاتمة الباقية، فإيَّاك أن تنشغل بالأولى عن الثانية، فتخسر خُسْرانًا مُبينًا، واعلم أن الدنيا هي مزرعةُ الآخرة، فقد أظلَّكَ زمنُ البذر والزرع، فازرَعِ اليوم شجرةً تَنْمُ في ظلِّها غدًا.
إن البشر على ظهر هذه البسيطة متباينون، كلٌّ يكافح من أجل أهدافه القريبة والبعيدة، وعلى قدر المؤونة تنزل المعونة، والحياة عبارة عن عقبات وتحديات لا تنتهي، وصدق الله تعالى إذ يقول: {لَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسَانَ فِي كَبَدٍ} [البلد: 4]، والمؤمن الصادق لا ينسى ربَّه في زحمة المتطلبات المعاصرة، فهو في يقظة مستمرة، وعبادة دائمة، وعمل مُنظَّم دؤوب، فمن نصب الحياة الدنيا وشغلها إلى رغب الحياة الآخرة وأفراحها، فيا حادي الأرواح سِرْ بنا إلى بلاد الأفراح، وصدق الله تعالى إذ يقول: {فَإِذَا فَرَغْتَ فَانْصَبْ * وَإِلَى رَبِّكَ فَارْغَبْ} [الشرح: 7، 8].
أحبابي الكرام، إن الأعوام تمضي، والشهور تنقضي، والساعات تمرُّ مَرَّ السحاب، فمن الطفولة إلى الشباب، ومن الكهولة إلى الشيخوخة، فهل يمكن أن نجعل العمر كله ربيعًا؟!
ستلفحك حرارةُ الظروف الصعبة، وتتجمَّد عروقُكَ في صقيع الأزمات، وتتساقط أحلامُكَ ورقةً بعد ورقة؛ لكن ستُزهِر حياتُكَ من جديد، فاجعل عمرك كله ربيعًا بالتفاؤل والأمل، ثم السعي الدائم لرضا الله عز وجل وصالح العمل، وكلما زاد إيمانُكَ وتجدَّدت رُوحُكَ، وارتقى عقلُكَ، وكثُر نفعُكَ، فأنت في ربيع عمرك وإن كنت في الثمانين!
ربيع العمر هو ليس سِنًّا معينة، وشكلًا محدَّدًا، ولا وضعية خاصة بعدها تنتهي الحياة ويذبل ضياؤها، ويقلُّ عطاؤها، لا، فهذا تضييق للمفهوم الممتدِّ، وتحجيرٌ للفكرة الواسعة؛ لكن ربيع الربيع عند المؤمن - والله أعلم- هو مقدار معرفتك بالله وصلتك به، وتفانيك في عبادته، وحجم حبِّكَ لرسوله الكريم، واتِّباعك لنهجه القويم، ومدى إسهامك في خدمة دينه، وإحسانك لخلقه، وصدق الله تعالى إذ يقول: {قُلْ إِنَّ صَلَاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ * لَا شَرِيكَ لَهُ وَبِذَلِكَ أُمِرْتُ وَأَنَا أَوَّلُ الْمُسْلِمِينَ} [الأنعام: 162، 163].
_______________________________________________
الكاتب: عبدالغني حوبة