لا للأب الحاضر الغائب !!
إن المال مهم للأسرة، ولكن الحب والمتابعة والتربية لهم ذات الأهمية إن لم يكن أكثر.
وظيفة الأب ضبط إيقاع الأسرة «من الصعب أن يحل أحد محله، وإذا كانت الزوجة عماد البيت، فإن الأب سقفه، وكما لا يقوم بيت بلا أعمدة، فإنه إذا كان بلا سقف كان عرضة للعواصف والأنواء تعصف به وقد تهلكه، وقد تتحمل الزوجة وحدها أعباء الأسرة المادية والنفسية، رغم ما يعرضها ذلك من آثار خطيرة لسفر الزوج مثلاً.
ولكن أن تتحمل ذلك وحدها فى حال وجوده، فهذا ما يجب أن نتوقف عنده لنقول : لا للزوج الحاضر الغائب، مهما كانت حججه ومبرراته.
فى السطور القادمة صرخات زوجات يحكين عن أزواجهن الحاضرين اسمًا فقط.
وجوده كعدمه:
زوجى متزوج من أخرى، ويعيش معنا فى البيت نفسه، ولكن وجوده كعدمه، فلا وجود له فى حياة الأبناء، يعطينا المصروف بالكاد، والأبناء لا يجدون من يوجههم ويربيهم، ولديّ أبناء فى سن الشباب، ولا أستطيع كأم توجيههم والسيطرة عليهم، ولذلك أحس أنى وحدى فى مواجهة العاصفة، فإذا مرض أحد الأبناء لا يهتم، وإذا حدثت مشكلة لابنتى فى عملها لا يسأل عنها، وزوجت إحدى بناتى ولم يقم بالدور المطلوب منه كأى أب.
الهواية القاتلة:
زوجى يعمل استروجى يذهب لعمله فى الحادية عشرة صباحًا، ويعود فى الثانية مساءً، وبالطبع هو لا يقابل الأبناء إلا يوم الإجازة ؛ لأنه يعود وهم نائمون، ويصحو وهم فى مدارسهم، وفى أحيان كثيرة لا يقضى الإجازة معنا، ويذهب لرحلات صيد الأسماك فهو يهوى الصيد، وقد يغيب من عمله، ويقصر فى واجبات بيته ماديًا ومعنويًا بسبب هذه الهواية.
صدمة الانتخابات:
تزوجت مدرسًا ذا عقلية راجحة، وذلك فى بداية زواجنا إلى أن رشح نفسه فى انتخابات مجلس الشعب، ولم ينجح، فأصابه ذلك بصدمة نفسية، واعتزلنا وهو يعيش الآن فى غرفة وحده بالمنزل، لا يعى شيئًا من أمور حياتنا، وترك العمل، ويرفض العلاج حتى يئسنا من حالته، وقد كبر أبنائى، وتعلموا وتزوجوا وهو منعزل عنّا وكأنه فى عالم آخر.
ممول فقط:
أبنائى يحترمون أباهم فى وجوده فقط، وما عدا ذلك فهم لا يشعرون به، فهو طوال اليوم فى عمله، وإذا جاء من عمله صعد إلى شقتنا، ونحن نعيش فى أسرة ممتدة، ويقضى طوال وقته أمام شاشات التليفزيون، أو مع نفسه فوق السطوح، ولا نكاد نحس به فى حياتنا سوى بالإنفاق المادى، والمشكلة أكبر فى حالة ابنى المراهق الذى يحتاج لأب يوجه ويراقب، وهو لا يفعل شيئًا من ذلك كله.
غير مسئول:
زوجى نشأ اتكالياً لم يعتد تحمل المسئولية، ولذلك حين تزوج لم يستطع أن يحمل أعباء أسرة، فهو يمكث فى المنزل كثيرًا، ولا يستقر فى عمل مما اضطرنى للعمل، وحمل عبء الأسرة المادى معه، ولو كان يقوم بواجبه ما شكوت، ولكنه متكاسل، وهذا يؤثر فى مشاعرى نحوه ، وتقديرى له، كما أنه قاس على ولده، ولا يستطيع تربيته، وحتى حين تم خصخصة الشركة التى يعمل فيها لم يبحث عن عمل بديل، فبحث له أشقاؤه وأقرباؤه عن عمل، وأدعو الله أن يستمر فيه.
يعلق على هذه الظاهرة الدكتور صلاح المرسي - أستاذ علم النفس بمركز دراسات الطفولة - فيقول: إن وظيفة الأب هى ضبط إيقاع الأسرة، وتسهيل العلاقات بينها وبين المؤسسات المجتمعية الأخرى، كما أن الأب فى الأسرة هو النموذج الذى يمثل القدوة للولد والبنت داخل الأسرة، والشكل الطبيعى للأسرة هو أب وأم وأبناء.
وعندما يغيب الأب لا يمكن لأى شخص أن يحل محله، وقد يكون هذا الغياب لرحلات طويلة كالحج والتجارة قديمًا، أو رجال الأعمال هذه الأيام ، وهنا تظهر مشكلة الغياب لفترة مؤقتة ثم يعود الأب.
لا المستبد ولا الضعيف:
وهناك نوعان من الآباء:
- نمط الأب المستبد الذى يأخذ كل أمور الأسرة بيده لدرجة أنه يعطى المصروف لزوجته يومًا بيوم، وهذا الأب لو غاب تنهار الأسرة.
- نمط الأب الموجود ماديًا، ولكنه نفسيًا غائب فى التوجيه والإرشاد، وهذا الأب مجرد ممول، وإذا كان فى يوم إجازة فإنه دائمًا متعب ومجهد، ويحجر على أنشطة البيت حتى يأخذ قسطًا من الراحة، وهنا نقع فى مشكلة تأنيث الأسرة؛ إذ تقوم الزوجة بشغل الفراغ الذى يتركه الزوج الذى لا يقوم بدوره التربوى نتيجة انشغاله بكسب المادة.
وهناك نموذج آخر لا يقوم بدوره لا تربويًا ولا فى الإنفاق، وهذا تكون مشاعر زوجته وأبنائه أكثر سلبية تجاهه، بل فى بعض الأحيان يتمنى البعض لو لم يكن موجودًا، وربما حينها كانوا سيجدون من يساعدهم.
ويضيف د. المرسى أنه فى الأسرة التى يغيب عنها الأب تتولى الأم التربية، ونتيجة لإحساسها بالخطر، فإنها تحرص فى المجال الأول على تفوق الأبناء فى الدراسة، بحيث تعتبر ذلك مقياس نجاحها أو فشلها، وبالتالى تضييق حركة الأبناء تدريجيًا، ولا تسعى لتوسيع اهتماماتهم.
وبالنسبة للأولاد يصبح غياب الأب من حياتهم أمرًا اعتادوا عليه، ومسلم به، وتسير حياتهم بدونه، فإذا ظهر مثلاً فى يوم إجازة، وبدأ ممارسة سلطاته التى لم يعتادوها ترتبك حياتهم، ويحسون بغربته عنهم، وهنا تظهر المشاعر السلبية تجاه الأب، والتى لم يكن معبرًا عنها، كما تحس الزوجة أنها تسير فى الحياة بلا سند.
الإجازة للتفاعل الأسرى:
ويؤكد د. المرسى أن نمط الحياة الاستهلاكية تم تصديره إلينا من الغرب، ولكنهم استطاعوا التخطيط لإجازة نهاية الأسبوع ، وجعلوها خالصة للأسرة والحياة الأسرية، ولا مجال فيها للعمل إطلاقًا، ومن هنا نوجه الدعوة إلى كل أب، وكل أم أيضًا، فهى شريكة فى المسئولية أن يحرصا على الوجود بشكل فاعل فى حياة أسرهم وأبنائهم من خلال قضاء جزء من اليوم مع الأبناء، ومناقشة أمورهم، والتقرب إليهم، ومن خلال حرص الأم على ربط الأبناء بالأب وتقديرهم لدوره، وأهميته فى حياة الأسرة.
وفى النهاية نوجه كلمة إلى الأب: إن المال مهم للأسرة، ولكن الحب والمتابعة والتربية لهم ذات الأهمية إن لم يكن أكثر.