تفسير قوله تعالى: { يا بني إسرائيل اذكروا نعمتي التي أنعمت عليكم ... }
قوله تعالى: {يَابَنِي إِسْرَائِيلَ اذْكُرُوا نِعْمَتِيَ الَّتِي أَنْعَمْتُ عَلَيْكُمْ وَأَنِّي فَضَّلْتُكُمْ عَلَى الْعَالَمِينَ * وَاتَّقُوا يَوْمًا لَا تَجْزِي نَفْسٌ عَنْ نَفْسٍ شَيْئًا وَلَا يُقْبَلُ مِنْهَا عَدْلٌ وَلَا تَنْفَعُهَا شَفَاعَةٌ وَلَا هُمْ يُنْصَرُونَ} [البقرة: 122، 123].
هذا تذكير لبني إسرائيل بما سلف من نعمه؛ استعطافاً لقلوبهم علّها أن تلين وتقبل الحق، وبهذا خُتم الحجاج مع أهل الكتاب في هذه السورة وهو تأكيد لما سبق في قوله تعالى:
{يَا بَنِي إِسْرَائِيلَ اذْكُرُوا نِعْمَتِيَ الَّتِي أَنْعَمْتُ عَلَيْكُمْ وَأَنِّي فَضَّلْتُكُمْ عَلَى الْعَالَمِينَ * وَاتَّقُوا يَوْمًا لَا تَجْزِي نَفْسٌ عَنْ نَفْسٍ شَيْئًا وَلَا يُقْبَلُ مِنْهَا شَفَاعَةٌ وَلَا يُؤْخَذُ مِنْهَا عَدْلٌ وَلَا هُمْ يُنْصَرُونَ} [البقرة: 47، 48]
وقد سبق الكلام على هاتين الآيتين ويحسن الوقوف عند قوله هنا: {وَلَا يُقْبَلُ مِنْهَا عَدْلٌ وَلَا تَنْفَعُهَا شَفَاعَةٌ} مقارناً بقوله في الآية السابقة: {وَلَا يُقْبَلُ مِنْهَا شَفَاعَةٌ وَلَا يُؤْخَذُ مِنْهَا عَدْلٌ}.
قوله: {وَلَا يُقْبَلُ مِنْهَا عَدْلٌ} وفي الآية السابقة: {وَلَا يُؤْخَذُ مِنْهَا عَدْلٌ} أي: ولا يقبل من أي نفس فداء ولا يؤخذ منها مقابل تخليصها من عذاب الله.
وقوله: {وَلَا تَنْفَعُهَا شَفَاعَةٌ} أي: ولا تنفع نفساً شفاعة من شفع لها لتنجو من العذاب أو تحصل على الثواب؛ لأن من شرط الشفاعة رضى الله عن المشفوع له؛ لقوله تعالى: {ولا يشفعون إلا لمن ارتضى} [الأنبياء: 28].
وفي الآية السابقة: {وَلَا يُقْبَلُ مِنْهَا شَفَاعَةٌ} أي: ولا يقبل من نفسٍ عن نفس شفاعة؛ لأنه لا أحد يشفع لأحد إلا بإذن الله عز وجل، كما قال تعالى: {مَنْ ذَا الَّذِي يَشْفَعُ عِنْدَهُ إِلَّا بِإِذْنِهِ} [البقرة: 255]، وقال تعالى: {وَلَا يَشْفَعُونَ إِلَّا لِمَنِ ارْتَضَى} [الأنبياء: 28]، وقال تعالى: {وَكَمْ مِنْ مَلَكٍ فِي السَّمَاوَاتِ لَا تُغْنِي شَفَاعَتُهُمْ شَيْئًا إِلَّا مِنْ بَعْدِ أَنْ يَأْذَنَ اللَّهُ لِمَنْ يَشَاءُ وَيَرْضَى} [النجم: 26].
فالشفاعة في ذلك اليوم لا تقبل ولا تنفع إلا ما خص من ذلك مما توفر فيه إذن الله للشافع ورضاه عن المشفوع له- كما دل الكتاب والسنة على ذلك[1].
الفوائد والأحكام:
1- شدة عتو وعناد واستكبار أهل الكفر والشرك والجهل وجرأتهم على الله ومجادلتهم بالباطل؛ لقوله تعالى: {وَقَالَ الَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ لَوْلَا يُكَلِّمُنَا اللَّهُ أَوْ تَأْتِينَا آيَةٌ} [البقرة: 118].
2- أن كل من لم يعرف لله عز وجل وما ينبغي له فهو جاهل غير عالم وإن كان محسوباً من ذوي العلم؛ لأن حقيقة العلم ولبه وأصله العلم بالله عز وجل وتعظيمه والقيام بما يجب له؛ لقوله تعالى: {وَقَالَ الَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ}.
3- تكذيب أهل الكفر والجهل لما جاءهم من الآيات الكونية والشرعية؛ لقولهم: { أَوْ تَأْتِينَا آيَةٌ}، ولقد جاءهم من الآيات ما يليِّن الصم الصلاب لو أنزل عليها، كما قال تعالى: {وَآتَيْنَاهُمْ مِنَ الْآيَاتِ مَا فِيهِ بَلَاءٌ مُبِينٌ} [الدخان: 33].
4- في قول المكذبين من المشركين وغيرهم: {لَوْلَا يُكَلِّمُنَا اللَّهُ} [البقرة: 118]دلالة على أنهم يقرون بأن الله يتكلم بحرف وصوت، فهم في هذا خير ممن ينفون الكلام عن الله ويقولون: إن كلام الله هو المعنى القائم في النفس، كما قيل:
إن الكلام لفي الفؤاد وإنما
جعل اللسان على الفؤاد دليلا[2]
5- مجادلة المكذبين من الأمم السابقة رسلهم بالباطل، وتكذيبهم ما جاؤوهم به من الآيات؛ لقوله تعالى: {كَذَلِكَ قَالَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ}.
6- تشابه قلوب المكذبين من الأولين والآخرين، واجتماعهم على رد الحق وتكذيب الآيات والمجادلة بالباطل؛ لقوله تعالى: {تَشَابَهَتْ قُلُوبُهُمْ}.
7- أن الأقوال تابعة لما في القلوب وتنبئ عما فيها؛ لقوله تعالى: {كَذَلِكَ قَالَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ مِثْلَ قَوْلِهِمْ تَشَابَهَتْ قُلُوبُهُمْ} فتشابهت أقوالهم لتشابه قلوبهم.
8- تسلية النبي صلى الله عليه وسلم وتثبيت قلبه، ببيان أن ما قاله المكذبون من قومه قال مثله المكذبون للرسل قبله، فليست المصيبة مصيبته وحده، بل هي كذلك مصيبة الرسل قبله، والمصائب كالتكاليف إذا عمت خفت، كما قال تعالى: {وَكُلًّا نَقُصُّ عَلَيْكَ مِنْ أَنْبَاءِ الرُّسُلِ مَا نُثَبِّتُ بِهِ فُؤَادَكَ} [هود: 120].
9- إبطال دعوى المكذبين في قولهم: {أَوْ تَأْتِينَا آيَةٌ}؛ لأن مفهوم هذا أنه لم تأتهم آيات؛ فرد الله عليهم بقوله: {قَدْ بَيَّنَّا الْآيَاتِ لِقَوْمٍ يُوقِنُونَ}.
10- أن الله عز وجل أقام الحجة على الخلق ببيان الآيات.
11- تعظيم الله عز وجل لنفسه؛ لأنه العظيم سبحانه وتعالى؛ لقوله تعالى: {قَدْ بَيَّنَّا الْآيَاتِ}، وقوله: {إِنَّا أَرْسَلْنَاكَ}.
12- أنه لا ينتفع ببيان الآيات ويتبينها إلا أهل اليقين والتصديق الجازم؛ لقوله تعالى: {لِقَوْمٍ يُوقِنُونَ}، فيزداد بالآيات إيمانهم ويقينهم وعلمهم.
13- أن أهل الشك والريب لا تتبين لهم الآيات ولا ينتفعون بها، كما قال تعالى: {وَكَأَيِّنْ مِنْ آيَةٍ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ يَمُرُّونَ عَلَيْهَا وَهُمْ عَنْهَا مُعْرِضُونَ} [يوسف: 105].
14- تأكيد بيانه عز وجل للآيات والرد على القائلين: {لَوْلَا يُكَلِّمُنَا اللَّهُ أَوْ تَأْتِينَا آيَةٌ} لقوله تعالى: {إِنَّا أَرْسَلْنَاكَ بِالْحَقِّ بَشِيرًا وَنَذِيرًا} أي: إنا أرسلناك بالحق بالآيات البينات بشيراً ونذيراً.
15- إثبات رسالته صلى الله عليه وسلم، وتشريفه بخطاب الله عز وجل له؛ لقوله تعالى: {إِنَّا أَرْسَلْنَاكَ}.
16- أن مهمة الرسول صلى الله عليه وسلم بيان الحق وتبليغ رسالة ربه، والبشارة لمن آمن وأطاع الله، والإنذار لمن كفر وعصى الله؛ لقوله تعالى: {إِنَّا أَرْسَلْنَاكَ بِالْحَقِّ بَشِيرًا وَنَذِيرًا}،
17- أن ما جاء به الرسول عليه السلام هو الحق؛ لقوله تعالى: {إِنَّا أَرْسَلْنَاكَ بِالْحَقِّ} وما سواه فهو باطل وضلال.
18- أن الأولى تقديم التبشير على التخويف والإنذار؛ لقوله تعالى: {بَشِيرًا وَنَذِيرًا} فقدم البشارة على الإنذار وقد قال عز وجل في الحديث القدسي: " «إن رحمتي سبقت أو تسبق غضبي» "[3].
19- أن اعتدال النفس البشرية وصلاحها واستقامتها في الجمع لها بين البشارة والإنذار؛ لتجمع بين الخوف والرجاء؛ لأن من غلب جانب الخوف قد يقنط وييئس من رحمة الله تعالى، ومن غلب جانب الرجاء قد يأمن من مكر الله.
20- أن هداية الخلق بيد الله، وليس ذلك إليه صلى الله عليه وسلم، ولا يُسأل عنها، ولا عن ضلال من ضل؛ لقوله تعالى: {وَلَا تُسْأَلُ عَنْ أَصْحَابِ الْجَحِيمِ}.
21- شدة عذاب أهل النار؛ لقوله تعالى: {وَلَا تُسْأَلُ عَنْ أَصْحَابِ الْجَحِيمِ}، والقراءة بالبناء للفاعل أدل على هذا المعنى: {وَلَا تُسْأَلُ} أي: ولا تسألْ عن أصحاب الجحيم، أي: عن حالهم وشدة عذابهم.
22- خلود أهل النار فيها وملازمتهم لها؛ لقوله تعالى: {أَصْحَابِ الْجَحِيمِ}.
23- أن الجزاء من جنس العمل، فلشدة عتو هؤلاء المكذبين وعنادهم وجرأتهم على الله ومجادلتهم بالباطل بقولهم: {لَوْلَا يُكَلِّمُنَا اللَّهُ أَوْ تَأْتِينَا آيَةٌ} جوزوا بأشد عذاب الجحيم.
24- عنصرية اليهود والنصارى فهم لا يرضون إلا عن من اتبع دينهم، وإن كان الحق خلاف ما هم عليه؛ لقوله تعالى: {وَلَنْ تَرْضَى عَنْكَ الْيَهُودُ وَلَا النَّصَارَى حَتَّى تَتَّبِعَ مِلَّتَهُمْ} أي: لن يرضى عنك اليهود حتى تكون يهودياً، ولن يرضى عنك النصارى حتى تكون نصرانياً.
25- حرص أهل الكتاب على إدخال الناس في دينهم، والواقع يشهد لهذا فإرساليات التبشير بالنصرانية تجوب كثيراً من بلاد العالم وخاصة في البلاد الفقيرة مثل أفريقيا وغيرها لشراء الذمم، وإدخال الناس في النصرانية الباطلة المحرفة، ويبذلون في سبيل ذلك جهوداً مضنية وتضحيات جسيمة مادية ومعنوية تقصر عنها بكثير، بل لا تكاد تقارن بها جهود المسلمين في الدعوة إلى الإسلام الذي هو الدين الحق، مصداق قول عمر رضي الله عنه: "اللهم إليك أشكو جلد الفاجر وعجز الثقة"[4].
26- في قوله تعالى: {حَتَّى تَتَّبِعَ مِلَّتَهُمْ} إشارة إلى أن الكفر ملة واحدة ضد الإسلام.
27- أن هدى الله هو الهدى، فمن اهتدى به فهو المهتدي؛ لقوله تعالى: {قُلْ إِنَّ هُدَى اللَّهِ هُوَ الْهُدَى}.
28- أن ما عدا هدى الله فهو ضلال؛ لمفهوم قوله تعالى: {قُلْ إِنَّ هُدَى اللَّهِ هُوَ الْهُدَى}.
29- الإشارة لنسخ الإسلام للأديان السابقة؛ لقوله تعالى: {قُلْ إِنَّ هُدَى اللَّهِ هُوَ الْهُدَى}.
30- التحذير من اتباع أهواء اليهود والنصارى؛ لقوله تعالى: {وَلَئِنِ اتَّبَعْتَ أَهْوَاءَهُمْ بَعْدَ الَّذِي جَاءَكَ مِنَ الْعِلْمِ مَا لَكَ مِنَ اللَّهِ مِنْ وَلِيٍّ وَلَا نَصِيرٍ}، وفي الآية الثانية: {إِنَّكَ إِذًا لَمِنَ الظَّالِمِينَ} [البقرة: 145].
31- أن اليهود والنصارى ليسوا على هدى بل أتباع هوى؛ لقوله تعالى: {وَلَئِنِ اتَّبَعْتَ أَهْوَاءَهُمْ}، ولو لم يكونوا أتباع هوى لآمنوا بما أنزل عليهم وبما أنزل على محمد صلى الله عليه وسلم.
32- أن اتباع الهوى بعد العلم أشد وأعظم ضلالاً وظلماً؛ لقيام الحجة، وانتفاء العذر؛ لقوله تعالى: {بَعْدِ مَا جَاءَكَ مِنَ الْعِلْمِ}، وفي الآية الثانية: {مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَكَ مِنَ الْعِلْمِ} [البقرة: 145].
33- أن ما جاء إلى الرسول صلى الله عليه وسلم من الوحي في الكتاب والسنة من العلم، بل هو أصل العلوم؛ لقوله تعالى: {بَعْدَ الَّذِي جَاءَكَ مِنَ الْعِلْمِ}.
34- أن من اتبع أهواء أهل الكتاب بعد ما جاءه من العلم فلا أحد يتولاه من دون الله، ولا أحد ينصره فيدفع عنه عذاب الله؛ لقوله تعالى: {وَلَئِنِ اتَّبَعْتَ أَهْوَاءَهُمْ بَعْدَ الَّذِي جَاءَكَ مِنَ الْعِلْمِ مَا لَكَ مِنَ اللَّهِ مِنْ وَلِيٍّ وَلَا نَصِيرٍ}.
35- أن من لم يتوله الله ولم ينصره فليس له من دونه ولي ولا ناصر.
36- أن الله عز وجل أنزل الكتب لتتلى وتتبع ويعمل بما فيها؛ لقوله تعالى: {الَّذِينَ آتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ يَتْلُونَهُ حَقَّ تِلَاوَتِهِ}.
37- أن المؤمن بالقرآن حقاً من يتلوه ويتبعه ويعمل بما فيه؛ لقوله تعالى: {يَتْلُونَهُ حَقَّ تِلَاوَتِهِ أُولَئِكَ يُؤْمِنُونَ بِهِ}، فمن لم يتله ويعمل به فليس بمؤمن.
38- أن الإيمان بالقرآن يزيد ويكتمل بتمام تلاوته والعمل به، وينقص بنقصان ذلك.
39- امتنان الله عز وجل على من آتاهم الكتاب وتلوه حق تلاوته وقاموا بحقه، وثناؤه عليهم، وبيان علو مرتبتهم؛ لقوله تعالى: {الَّذِينَ آتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ يَتْلُونَهُ حَقَّ تِلَاوَتِهِ أُولَئِكَ يُؤْمِنُونَ بِهِ} [البقرة: 121].
40- أن من كفر بالقرآن أو بغيره من كتب الله أو بمحمد صلى الله عليه وسلم أو بغيره من رسل الله عز وجل فهو الخاسر الخسارة العظمى؛ لقوله تعالى: {وَمَنْ يَكْفُرْ بِهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الْخَاسِرُونَ} [البقرة: 121].
41- أن الخسارة الكبرى والمصيبة العظمى الخسارة في الدين.
42- تأكيد وجوب ذكر نعمة الله عز وجل على بني إسرائيل ومن ذلك تفضيلهم على عالمي زمانهم؛ لقوله تعالى: {يَابَنِي إِسْرَائِيلَ اذْكُرُوا نِعْمَتِيَ الَّتِي أَنْعَمْتُ عَلَيْكُمْ وَأَنِّي فَضَّلْتُكُمْ عَلَى الْعَالَمِينَ}.
43- إثبات يوم القيامة وشدته، ووجوب اتقائه، والاستعداد له بتقوى الله والعمل الصالح؛ لقوله تعالى: {وَاتَّقُوا يَوْمًا}.
44- تحذير بني إسرائيل يوم القيامة وأهواله؛ لقوله تعالى: {وَاتَّقُوا يَوْمًا}.
45- لا نجاة لأحد من أهوال يوم القيامة وعذابه إلا بتقوى الله عز وجل فلا نفس تغني عن نفس شيئاً ولا تقبل منها فدية ولا تنفعها شفاعة، ولا ناصر لها؛ لقوله تعالى: {وَاتَّقُوا يَوْمًا لَا تَجْزِي نَفْسٌ عَنْ نَفْسٍ شَيْئًا وَلَا يُقْبَلُ مِنْهَا عَدْلٌ وَلَا تَنْفَعُهَا شَفَاعَةٌ وَلَا هُمْ يُنْصَرُونَ}.
46- إثبات أصل الشفاعة؛ لقوله تعالى: {وَلَا تَنْفَعُهَا شَفَاعَةٌ}، فالشفاعة ثابتة ممن أذن الله له بالشفاعة، كشفاعة النبي صلى الله عليه وسلم في أهل الموقف، وشفاعة المؤمنين بعضهم لبعض، وغير ذلك، لكنها لا تنفع إلا لمن رضي الله عنه.
ففي هذه الآية نفى نفع الشفاعة إلا لمن رضي الله عنه، وفي قوله: {وَلَا يُقْبَلُ مِنْهَا شَفَاعَةٌ} نفى قبول الشفاعة إلا لمن أذن الله له بها.
47- اختلاف أحوال القيامة عن أحوال الدنيا، فالناس في الدنيا يتعاونون، ويقدم الإنسان فدية ويتخلص في بعض المواقف، ويشفع بعض الناس لبعض، وينصر بعضهم بعضاً كما قال قائلهم:
أخاك أخاك إن من لا أخا له
كساع إلى الهيجاء بدون سلاح[5]
أي: انصر أخاك، أما في القيامة فهيهات ذلك كله.
* * * *
[1] راجع ما تقدم في الكلام على الآية (48) من هذه السورة.
[2] البيت ينسب للأخطل. انظر: "شذور الذهب" ص35.
[3] أخرجه البخاري في التوحيد (7422)، ومسلم في التوبة (2751)، والترمذي في الدعوات (2543)، وابن ماجه في المقدمة (189)، من حديث أبي هريرة رضي الله عنه.
[4] ذكره ابن تيمية في "مجموع الفتاوى" (28/ 68، 254).
[5] البيت لمسكين الدارمي. انظر: "ديوانه" ص29.
- التصنيف: