من أبواب الخير ( أن تلقى الناس بوجه منبسط)
محمد سيد حسين عبد الواحد
البسمة وبشاشة الوجه بين الزوجين تسهم في المشاكل فتمحوها وتسهم في الغضب فتقضي عليه، وتسهم في المشاحنات فتستأصلها..
- التصنيفات: الآداب والأخلاق -
«ورد في صحيح الجامع من حديث عَبْدِ اللَّهِ بن مسعود رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ : جَاءَ حَبْرٌ مِنَ الْأَحْبَارِ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَ : يَا مُحَمَّدُ، إِنَّا نَجِدُ أَنَّ اللَّهَ يَجْعَلُ السَّمَاوَاتِ عَلَى إِصْبَعٍ، وَالْأَرَضِينَ عَلَى إِصْبَعٍ، وَالشَّجَرَ عَلَى إِصْبَعٍ، وَالْمَاءَ وَالثَّرَى عَلَى إِصْبَعٍ، وَسَائِرَ الْخَلَائِقِ عَلَى إِصْبَعٍ، فَيَقُولُ : أَنَا الْمَلِكُ. فَضَحِكَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَتَّى بَدَتْ نَوَاجِذُهُ ؛ تَصْدِيقًا لِقَوْلِ الْحَبْرِ، ثُمَّ قَرَأَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ » : { وَمَا قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ وَالْأَرْضُ جَمِيعًا قَبْضَتُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَالسَّمَاوَاتُ مَطْوِيَّاتٌ بِيَمِينِهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ } .
أيها الإخوة الكرام: إن أبواب الخير كثيرة وإن سبل المعروف غزيرة وكلها مرضية وكلها محمودة..
وقد ورد الحديث في القرآن الكريم وفي سنة خاتم المرسلين صلى الله عليه وسلّم يدعو إلى جميع الخيرات نفعلها وإلى المعروف نبذله..
قال الله تعالى: {وَٱفْعَلُوا۟ ٱلْخَيْرَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ}
وقال عز من قائل {وَلْتَكُن مِّنكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى ٱلْخَيْرِ }
وقال: {وَٱلَّذِينَ يُؤْتُونَ مَآ ءَاتَوا۟ وَّقُلُوبُهُمْ وَجِلَةٌ أَنَّهُمْ إِلَىٰ رَبِّهِمْ رَٰجِعُونَ، أُو۟لَٰٓئِكَ يُسَٰرِعُونَ فِى ٱلْخَيْرَٰتِ وَهُمْ لَهَا سَٰبِقُونَ}
وفي حديث النبي عليه الصلاة والسلام «صنائع المعروف تقي مصارع السوء»
وفي حديث معاذ بن جبل: قال: « قال له النبي عليه الصلاة والسلام ألا أدلك على أبواب الخير؟ الصَّوْمُ جُنَّةٌ ، وَالصَّدَقَةُ تُطْفِئُ الْخَطِيئَةَ كَمَا يُطْفِئُ الْمَاءُ النَّارَ، وَصَلَاةُ الرَّجُلِ مِنْ جَوْفِ اللَّيْلِ ". قَالَ : ثُمَّ تَلَا » {تَتَجَافَىٰ جُنُوبُهُمْ عَنِ ٱلْمَضَاجِعِ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ خَوْفًا وَطَمَعًا وَمِمَّا رَزَقْنَٰهُمْ يُنفِقُونَ، فَلَا تَعْلَمُ نَفْسٌ مَّآ أُخْفِىَ لَهُم مِّن قُرَّةِ أَعْيُنٍ جَزَآءًۢ بِمَا كَانُوا۟ يَعْمَلُونَ}
والسؤال يقول: أي خير نفعله؟ أي خير أمرنا به؟ وأي معروف نبذله؟
أمرنا بكل ما يرضي الله أن نفعله، فكل ما يرضي الله خير..
أمرنا بكل ما ينفع الناس ويسعدهم، فكل ما ينفع الناس ويسعدهم خير..
الإصلاح بين الناس خير، الدلالة على الخير خير، إغاثة اللهفان خير، نجدة الملهوف خير، الصدقة خفية خير، الصلاة في جوف الليل خير، إفشاء السلام خير، إطعام الطعام خير، صلة الأرحام خير، التسبيح خير، التهليل خير، التكبير خير، إماطة الأذي عن طريق الناس خير، إماطة الأذى عن نفوس الناس خير، أبواب الخير كثيرة ما على المسلم إلا أن يقصدها مخلصا فيما بينه وبين الله تعالى..
ولأن أبواب الخير وفيرة..
فحسبنا في يومنا هذا أن نقف مع باب واحد منها فقط هذا الباب هو أن تلق الناس بوجه منبسط، ذلك أنك لن تسع الناس بأموالك.. مهما كنت غنيا ومهما كنت جوادا كريما لن تستطيع بحال أن تسع الناس كل الناس بأموالك فليسعهم منك حسن الخلق وطلاقة الوجه فتبسم لأن تبسمك في وجوه الناس صدقة..
قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : " كُلُّ مَعْرُوفٍ صَدَقَةٌ، وَمِنَ الْمَعْرُوفِ أَنْ تَلْقَى أَخَاكَ بِوَجْهٍ طَلْقٍ ، وَأَنْ تُفْرِغَ مِنْ دَلْوِكَ فِي إِنَائِهِ ".
ببشاشة الوجه وابتسامته تداوى الجراح، تقال العثرات وتغفر الزلات، وتجتمع القلوب على قلب واحد..
تبسمك في وجوه الناس تعني:
أنك تحبهم وتحب لقائهم وتحب الحديث معهم.. وصف عَبْد اللَّهِ بْنِ الْمُبَارَكِ حُسْنَ الْخُلُقِ، فَقَالَ : هُوَ بَسْطُ الْوَجْهِ، وَبَذْلُ الْمَعْرُوفِ، وَكَفُّ الْأَذَى.
تبسمك في وجوه الناس معناه:
أنك تألفهم ويألفوك .. قال أَبُو زَيْدٍ الْأَنْصَارِيُّ رضي الله عنه : قَالَ لِي رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : يا أبا زيد " ادْنُ مِنِّي ".
قَالَ : فدنوت منه فَمَسَحَ بِيَدِهِ عَلَى رَأْسِي وَلِحْيَتِي، :
قال راوي الأثر ثُمَّ دعا له النبي صلى الله عليه وسلّم فقال " اللَّهُمَّ جَمِّلْهُ، وَأَدِمْ جَمَالَهُ ". قَالَ راوي الأثر: فَلَقَدْ بَلَغَ أبو زيد بِضْعًا وَمِائَةَ سَنَةٍ، وَمَا فِي رَأْسِهِ وَلِحْيَتِهِ بَيَاضٌ إِلَّا نَبْذٌ يَسِيرٌ، وَلَقَدْ كَانَ رضي الله عنه مُنْبَسِطَ الْوَجْهِ، وَلَمْ يَنْقَبِضْ وَجْهُهُ حَتَّى مَاتَ..
تبسمك في وجوه الناس معناه:
انك لا تتكبر عليهم قال الله تعالى {وَلَا تُصَعِّرْ خَدَّكَ لِلنَّاسِ وَلَا تَمْشِ فِى ٱلْأَرْضِ مَرَحًا ۖ إِنَّ ٱللَّهَ لَا يُحِبُّ كُلَّ مُخْتَالٍ فَخُورٍ}
تبسمك في وجوه الناس رسالة أمان وسلام..
تبسمك في وجوه الناس:
معروف أنت تبذله تؤجر عليه فلا تحقره عَنْ أَبِي ذَرٍّ ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ : «لَا تَحْقِرَنَّ مِنَ الْمَعْرُوفِ شَيْئًا، فَإِنْ لَمْ تَجِدْ فَالْقَ أَخَاكَ بِوَجْهٍ طَلْقٍ » .
تبسمك في وجوه الناس سنة نبينا وقدوتنا صلى الله عليه وسلّم عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْحَارِثِ بْنِ جَزْءٍ قَالَ : «مَا رَأَيْتُ أَحَدًا أَكْثَرَ تَبَسُّمًا مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ» ..
عَنْ جَرِيرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ الْبَجَلِيِّ قَالَ : «مَا حَجَبَنِي رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مُنْذُ أَسْلَمْتُ، وَلَا رَآنِي إِلَّا تَبَسَّمَ فِي وَجْهِي، وَلَقَدْ شَكَوْتُ إِلَيْهِ أَنِّي لَا أَثْبُتُ عَلَى الْخَيْلِ، فَضَرَبَ بِيَدِهِ فِي صَدْرِي فَقَالَ : " اللَّهُمَّ ثَبِّتْهُ، وَاجْعَلْهُ هَادِيًا مَهْدِيًّا» .
بشاشة الوجه وابتسامته تفتح القلوب المغلقة وتفتح طريقا واسعا من القبول ومن الإصلاح بين الناس ومن تطهير القلوب من الأحقاد والأضغان، وتفتح ميدانا من السعادة النفسية، ومن قوة التأثير في الآخرين..
ولذلك ورد في صفة النبي عليه الصلاة والسلام أنه كان يجلس بين الناس مبتسما، ويسعى بينهم مبتسما، ويعلم جاهلهم مبشرا مبتسما لا ينهر ولا يعنف ولا يكهر صلى الله عليه وسلّم..
لم تكن الابتسامة تفارق محياه صلى الله عليه وسلّم حتى ورد أنه كان يقوم من نومه مستبشرا مبتسما..
أُمُّ حَرامٍ بنت ملحان رضي اللهُ عنها كانت مِن مَحارِمِ النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم من قِبَل خالاتِه؛ لأنَّ أمَّ عَبدِ المطَّلِبِ كانت من بني النَّجَّارِ، وقيل: كانت إحدى خالاتِه عليه الصَّلاةُ والسَّلامُ من الرَّضاعةِ، وهي أختُ أُمِّ سُلَيمٍ، وخالةُ أنَسِ بنِ مالِكٍ خادِمِ النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم، وكان أنَسٌ يَتبَعُه ويذهَبُ معه.. ولذلك كان يَدخُلُ عليها.
«قال أنس بن مالك اتَّكَأَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عِنْدَ ابْنَةِ مِلْحَانَ، قَالَ : فَرَفَعَ رَأْسَهُ فَضَحِكَ، فَقَالَتْ : مِمَّ ضَحِكْتَ يَا رَسُولَ اللَّهِ ؟ فَقَالَ : " مِنْ أُنَاسٍ مِنْ أُمَّتِي يَرْكَبُونَ هَذَا الْبَحْرَ الْأَخْضَرَ ؛ غُزَاةً فِي سَبِيلِ اللَّهِ، مَثَلُهُمْ كَمَثَلِ الْمُلُوكِ عَلَى الْأَسِرَّةِ ". قَالَتِ : ادْعُ اللَّهَ يَا رَسُولَ اللَّهِ أَنْ يَجْعَلَنِي مِنْهُمْ. فَقَالَ : " اللَّهُمَّ اجْعَلْهَا مِنْهُمْ ". »
«وعَنْ أَنَسٍ قَالَ : بَيْنَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ذَاتَ يَوْمٍ بَيْنَ أَظْهُرِنَا إِذْ أَغْفَى إِغْفَاءَةً، ثُمَّ رَفَعَ رَأْسَهُ مُتَبَسِّمًا، فَقُلْنَا : مَا أَضْحَكَكَ يَا رَسُولَ اللَّهِ ؟ »
«قَالَ : " أُنْزِلَتْ عَلَيَّ آنِفًا سُورَةٌ "، فَقَرَأَ بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ { إِنَّا أَعْطَيْنَاكَ الْكَوْثَرَ } { فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَانْحَرْ } { إِنَّ شَانِئَكَ هُوَ الْأَبْتَرُ }. ثُمَّ قَالَ صلى الله عليه وسلّم : " أَتَدْرُونَ مَا الْكَوْثَرُ ؟ " فَقُلْنَا : اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَعْلَمُ، قَالَ : " فَإِنَّهُ نَهْرٌ وَعَدَنِيهِ رَبِّي عَزَّ وَجَلَّ، عَلَيْهِ خَيْرٌ كَثِيرٌ، هُوَ حَوْضٌ تَرِدُ عَلَيْهِ أُمَّتِي يَوْمَ الْقِيَامَةِ آنِيَتُهُ عَدَدُ النُّجُومِ..
{ إِنَّآ أَعْطَيْنَٰكَ ٱلْكَوْثَرَ، فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَٱنْحَرْ، إِنَّ شَانِئَكَ هُوَ ٱلْأَبْتَرُ}
أسأل الله العظيم رب العرش الكريم أن يسقينا من حوض نبينا صلى الله عليه وسلّم يوم القيامة شربة هنيئة لا نظمأ بعدها أبداً.. اللهم آمين .
الخطبة الثانية
بقي لنا في ختام الحديث عن الابتسامة كباب من أبواب الخير، وسبب من أسباب الحسنات، ورسول من رسل السلام، يأتي من وراءه الأجر ويأتي من وراءه المودة والمحبة والأنس والرحمة بقي لنا أن نقول:
إن المؤمن يستهدف ببشاشة وجهه وابتسامته جميع الناس فلوالديه نصيب من بشاشته وابتسامته، ولذوي الأرحام نصيب، وجيرانه لهم نصيب، وأصحابه لهم نصيب، ولكل إنسان خلقه الله تعالى من بشاشته وابتسامته نصيب، ولزوجه وولده ومن يعول نصيب من بشاشته وابتسامته..
قال النبي صلى الله عليه وسلّم «وابدأ بمن تعول»
البسمة وبشاشة الوجه للزوج والولد هي من دلائل المعاشرة بالمعروف التي نص عليها قول الله تعالى {وعاشروهن بالمعروف}
بشاشة الوجوه تجعل في البيوت بركات، تجعل في البيوت رحمات, تجعل في البيوت سكينة، وإن الله تعالى جاعل من البسمة بين الزوجين خيراً كثيراً..
البسمة وبشاشة الوجه بين الزوجين تسهم في المشاكل فتمحوها وتسهم في الغضب فتقضي عليه، وتسهم في المشاحنات فتستأصلها..
البسمة وبشاشة الوجه بين الزوجين تجعل من البيت جنة عرضها السموات والأرض..
قال النبي عليه الصلاة والسلام «أكمل المؤمنين إيمانا أحسنهم أخلاقا وألطفهم بأهله»
نسأل الله تعالى أن يسعد قلوبنا وأن يجبر خواطرنا في الدنيا والآخرة إنه ولي ذلك والقادر عليه..