الصلاة على الحبيب صلى الله عليه وسلم

منذ 2022-06-03

إن الصلاة على الحبيب ـ ﷺـ من أعظم القربات والطاعات، كما أنها علامة من علامات محبة المسلم للنبي ـ ﷺ ـ. فعلينا أن نكثر من الصلاة والتسليم عليه في كل وقت وحين، وأن نوقره بالإجلال والإكرام، ونقدم قوله وطاعته على طاعة كل أحد، وأن نخضع لهديه ونقتدي به في جميع حركاته وسكناته.

إن نعم الله تعالى على عباده كثيرة لا تحصى، وأعظم نعمة أنعم الله بها على الثقلين ـ الجن والإنس ـ أن بعث فيهم عبده ورسوله، وخيرته من خلقه، محمداً - صلى الله عليه وسلم - ليخرجهم به من الظلمات إلى النور، ويرشدهم إلى سبيل النجاة والسعادة، وقد نوّه الله بهذه النعمة العظيمة في كتابه العزيز فقال: {لَقَدْ مَنَّ اللَّهُ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ إِذْ بَعَثَ فِيهِمْ رَسُولًا مِنْ أَنْفُسِهِمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آَيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَإِنْ كَانُوا مِنْ قَبْلُ لَفِي ضَلَالٍ مُبِينٍ} [آل عمران:164].

ولما كانت نعمة الله تعالى على المؤمنين بإرسال رسوله - صلى الله عليه وسلم - إليهم عظيمة، أمرهم الله تعالى في كتابه العزيز أن يصلوا عليه ويسلموا تسليما، بعد أن أخبرهم أنه وملائكتَه يصلون عليه، فقال تعالى: {إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا} [الأحزاب:56].

ذكر ابن كثير في تفسيره: " أن الله سبحانه أخبر عباده بمنزلة عبده ونبيه عنده في الملأ الأعلى، بأنه يثني عليه عند الملائكة المقربين، وأن الملائكة تصلي عليه، ثم أمر تعالى أهل العالم السفلي بالصلاة والتسليم عليه، ليجتمع الثناء عليه من أهل العالمين العلوي والسفلي جميعا.." .

وقال ابن عباس ـ رضي الله عنه ـ: " يصلون: يُبرِّكون، أي يدعون له بالبركة ".

وقال البخاري: قال أبو العالية: "صلاة الله: ثناؤه عليه عند الملائكة، وصلاة الملائكة: الدعاء.

والصلاة والسلام على الحبيب ـ صلى الله عليه وسلم ـ من أفضل القربات، وأجل الأعمال..

 

أما كيفية الصلاة عليه - صلى الله عليه وسلم - فقد بيّنها رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لأصحابه حين سألوه عن ذلك، وقد وردت هذه الكيفية من طرق كثيرة عن جماعة من الصحابة - رضي الله عنهم -.

عن كعب بن عجرة ـ رضي الله عنه ـ قال: (قيل يا رسول الله، أمّا السلام عليك فقد عرفناه، فكيف الصلاة عليك؟، قال: قولوا: اللهم صلِّ على محمد وعلى آل محمد، كما صليت على آل إبراهيم إنك حميد مجيد، اللهم بارك على محمد وعلى آل محمد، كما باركت على آل إبراهيم إنك حميد مجيد) (البخاري).

وعن أبي مسعود الأنصاري - رضي الله عنه - قال: (أتانا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ونحن في مجلس سعد بن عبادة ، فقال له بشير بن سعد: أمرنا الله تعالى أن نصلي عليك فكيف نصلي عليك؟، قال: فسكت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - حتى تمنينا أنه لم يسأله، ثم قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: قولوا: اللهم صلِّ على محمد وعلى آل محمد، كما صليت على إبراهيم، وبارك على محمد وعلى آل محمد، كما باركت على آل إبراهيم، في العالمين إنك حميد مجيد، والسلام كما علمتم) (مسلم).

وهذه (الكيفية) التي علم النبي - صلى الله عليه وسلم - أصحابه إياها عندما سألوه عن كيفية الصلاة عليه - صلى الله عليه وسلم - هي أفضل كيفيات الصلاة عليه..

وممن استدل بتفضيل الكيفية التي أجاب النبي - صلى الله عليه وسلم - أصحابه بها، الحافظ ابن حجر في فتح الباري، فقد قال: " واستدل بتعليمه - صلى الله عليه وسلم - لأصحابه الكيفية بعد سؤالهم عنها بأنها أفضل كيفيات الصلاة عليه، لأنه لا يختار لنفسه إلا الأشرف والأفضل ..".

 

وقد درج السلف الصالح، ومنهم المحدِّثون بذكر الصلاة والسلام عليه - صلى الله عليه وسلم - عند ذكره بصيغتين مختصرتين: إحداهما: ( صلى الله عليه وسلم )، والثانية: ( عليه الصلاة والسلام ).

وقال النووي في كتاب الأذكار: " إذا صلى أحدكم على النبي - صلى الله عليه وسلم - فليجمع بين الصلاة والتسليم، ولا يقتصر على أحدهما، فلا يقل: (صلى الله عليه) فقط، ولا (عليه السلام) فقط ".

 

أما فضائل وثمرات الصلاة على النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ  فقد ذكر ابن القيم في كتابه( جلاء الأفهام في الصلاة والسلام على خير الأنام ) فضائل وثمرات كثيرة للصلاة على النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ، منها:

امتثال أمر الله تعالى، وسبب للحصول على الحسنات ورفع الدرجات ومحو السيئات، وشفاعته يوم القيامة لمن يصلي عليه، وأنها سبب لقرب المسلم من النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ يوم القيامة، وأنها سبب لصلاة الله والملائكة على المسلم، وسبب استجابة الدعاء، وسبب لمغفرة الذنوب وجلاء الهموم، وسبب لطيب المجلس، وأنها تنفي عن قائلها صفة البخل، وسبب لدوام محبة قائلها للنبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ، وأنها متضمنة لِذْكر الله وشكره، ومعرفة نعمه على عباده بإرساله النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ لهداية الناس..

 

صلاة بصلوات:

عن أبي هريرة ـ رضي الله عنه ـ أن رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم قال: «من صلى علي واحدة صلى الله عليه عشرا» (مسلم)، وعن أنس بن مالك ـ رضي الله عنه ـ أن رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ قال: «منْ ذُكِرتُ عنده فليصل عليَّ، ومن صلى علي مرة صلى الله عليه عشرا» (النسائي)، وعن عامر بن ربيعة ـ رضي الله عنه ـ قال: سمعت رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ يقول: «ما من عبد يصلي عليَّ إلا صلت عليه الملائكة ما دام يصلي علي، فليُقِل العبد من ذلك أو ليكثر» (أحمد).

 

رفع للدرجات وحط للسيئات:

عن أبي طلحة ـ رضي الله عنه ـ قال: (أصبح رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ يوما طيب النفس يرى في وجهه البشر. قالوا يا رسول الله: أصبحت اليوم طيب النفس يرى في وجهك البشر. قال: أجل، أتاني آت من عند ربي عز وجل، فقال: من صلى عليك من أمتك صلاة، كتب الله له بها عشر حسنات، ومحا عنه عشر سيئات ورفع له عشر درجات ورد عليه مثلها) (أحمد).

 

مغفرة للذنوب وكفاية الهموم:

عن أبي بن كعب ـ رضي الله عنه ـ قال: (كان رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ إذا ذهب ثلثا الليل قام فقال: يا أيها الناس اذكروا الله، جاءت الراجفة تتبعها الرادفة، جاء الموت بما فيه، جاء الموت بما فيه. قال أُبَي:  قلت: يا رسول الله إني أكثر الصلاة عليك، فكم أجعل لك من صلاتي(دعائي)؟ فقال: «ما شئت». قال: قلت: الربع؟، قال: «ما شئت»، فإن زدت فهو خير لك. قلت: النصف قال: «ما شئت فإن زدت فهو خير لك». قال: قلت: فالثلثين؟، قال: «ما شئت، فإن زدت فهو خير لك». قلت: أجعل لك صلاتي كلها؟، قال: «إذا تُكفى همك ويغفر لك ذنبك» (الترمذي).

وذلك لأن الصلاة عليه ـ صلى الله عليه وسلم ـ مشتملة على ذكر الله تعالى، وتعظيمه ـ صلى الله عليه وسلم ـ، والاشتغال بأداء حقه عن أداء مقاصد نفسه، وإيثاره ـ صلى الله عليه وسلم ـ بالدعاء والصلاة عليه، ومن ثم كانت النتيجة أن تُكْفى ما أهمك من أمور دنياك وآخرتك..

 

سبب لنيل شفاعة الحبيب ـ صلى الله عليه وسلم ـ

 

عن عبد الله بن عمرو بن العاص ـ رضي الله عنه ـ  أنه سمع النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ يقول: «إذا سمعتم المؤذن فقولوا مثل ما يقول، ثم صلوا علي، فإنه من صلى على صلاة صلى الله عليه بها عشرا، ثم سلوا الله لي الوسيلة فإنها منزلة فى الجنة، لا تنبغي إلا لعبد من عباد الله، وأرجو أن أكون أنا هو، فمن سأل لي الوسيلة حلت له الشفاعة» (مسلم).

 

عرض اسم المصلي على الحبيب ـ صلى الله عليه وسلم ـ

 

عن عمار بن ياسر ـ رضي الله عنه ـ قال: قال رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ: «إن لله تعالى ملكا أعطاه سمع العباد، فليس من أحد يصلي علي إلا أبلغنيها، وإني سألت ربي أن لا يصلي عليَّ عبد صلاة إلا صلى عليه عشر أمثالها» (الطبراني).

وعن ابن مسعود ـ رضي الله عنه ـ قال: قال رسول الله ـ صلى الله عليه و سلم ـ: «إن لله عز و جل ملائكة سياحين في الأرض يبلغوني من أمتي السلام» (أحمد).

 

انتفاء صفة البخل عن الذي يصلى على النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ

 

عن الحسين بن علي ـ رضي الله عنهما ـ عن النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ قال: «البخيل منْ ذُكِرْتُ عنده ثم لم يصل عليَّ» (أحمد).

 

طُهرة من لغو المجالس:

 

عن أبي هريرة ـ رضي الله عنه ـ عن النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ قال: «ما جلس قوم مجلسا لم يذكروا الله فيه، ولم يصلوا على نبيهم، إلا كان عليهم تِرة( نقص وحسرة)، فإن شاء عذبهم وإن شاء غفر لهم» (الترمذي).

 

الصلاة على النبي من أسباب إجابة الدعاء:

 

عن علي بن أبي طالب ـ رضي الله عنه  ـ قال:" كل دعاء محجوب حتى يُصلى على النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ " (الطبراني)..

 

صلاتك على الحبيب ـ صلى الله عليه وسلم ـ دليل إلى الجنة:

 

عن ابن عباس ـ رضي الله عنهما ـ قال: قال رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ: «من نسي الصلاة عليَّ خطئ طريق الجنة» (ابن ماجه)..

 

هذا بعض ما ورد من أحاديث صحيحة في فضل الصلاة على الحبيب ـ صلى الله عليه وسلم ـ..

 

يقول ابن حجر: ".. وفي الباب أحاديث كثيرة ضعيفة وواهية، وأما ما وضعه القصاص في ذلك فلا يحصى كثرة، وفي الأحاديث القوية غنية عن ذلك "..

ولا شك أن ما جاءت به السنة، وفعله الصحابة الكرام والتابعون لهم بإحسان، هو الطريق المستقيم، والمنهج القويم، والفائدة للآخذ به محققة والمضرة عنه منتفية، وقد قال ـ صلى الله عليه وسلم ـ: «من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو رد» (البخاري).

وقال - صلى الله عليه وسلم -: «عليكم بسنّتي وسنّة الخلفاء الراشدين المهديين من بعدي، عضّوا عليها بالنواجذ، وإياكم ومحدثات الأمور، فإن كل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة» (أحمد).

 

ولذا فإن على المسلم أن يحذر من بعض الكتب في الصلاة على النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ والتي اشتملت على الغث والسمين، والأحاديث الموضوعة والضعيفة، وفيها مجاوزة للحق والسنة، ووقوع في المحذور الذي لا يرضاه الله ولا رسوله - صلى الله عليه وسلم -، ولم يكن من نهج الصحابة، وهم أشد وأصدق الناس حبا لرسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ..

وقد حذر رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ أمته من الغلو فيه، فقال: «لا تطروني كما أطرت النصارى ابن مريم، إنما أنا عبد فقولوا عبد الله ورسوله» (البخاري).

والإطراء: مجاوزة الحد في المدح والكذب فيه..

 

 

إن الصلاة على الحبيب ـ  صلى الله عليه وسلم ـ من أعظم القربات والطاعات، كما أنها علامة من علامات محبة المسلم للنبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ. فعلينا أن نكثر من الصلاة والتسليم عليه في كل وقت وحين، وأن نوقره بالإجلال والإكرام، ونقدم قوله وطاعته على طاعة كل أحد، وأن نخضع لهديه ونقتدي به في جميع حركاته وسكناته..

  

  • 4
  • 0
  • 2,404

هل تود تلقي التنبيهات من موقع طريق الاسلام؟

نعم أقرر لاحقاً