آية استوقفتنى : تأملات فى آية الكرسى
إيمان الخولي
فهل وقفت مع نفسك وقفة تسألها هل أعرف الله حقا ؟وهل معرفتى به تجعلنى أعظمه فى نفسى وأراقبه فى تصرفاتى ؟
- التصنيفات: التفسير -
آية استوقفتنى
تأملات فى آية الكرسى :
آية الكرسى هى أعظم آيه فى القرآن لأنها جمعت من الأسماء والصفات الإلهية ما ليس مجموعاً فى آية أخرى وفيها اسم الله الأعظم " الحى القيوم " جاءت بعد آيات تتحدث عن الاختلاف بين الناس والاقتتال بعد إرسال الرسل وكانت اليهود والنصارى قد أحدثوا بدعا فى دينهم وحرفوا فى كتبهم ونسبوا لله ما لا يجوز عليه فكان من المناسبة بين الآيات أن تأتى آية تعرف الناس بالله عزوجل وتبين إفراد الله بالوحدانية وتبرز صفاته وأسماءه الحسنى آية الكرسى
إذا تأملنا فى قوله " {اللَّهُ لَا إِلَٰهَ إِلَّا هُوَ} " تبين إفراده بالألوهية فلا هو ثالث ثلاثة ولا هو جزء من أساطير الأولين التى شبهوا فيها الإله وجعلوه مجسما فى صورة شمس أو نجم كما فعل عباد الكواكب أو فى صورة عجل كما فعل قدماء المصريين فقد بينت كمال التوحيد الذى هو المقصود الأعظم من العبادة وتوحيد الألوهية يوجب الطاعة والخضوع له وحده فلا يكون عبدا إلا له وحده كما يوجب قياس الأمور بمقياس الشرع وليس بالأهواء فهل وقفت مع نفسك وقفة تسألها هل أعرف الله حقا ؟وهل معرفتى به تجعلنى أعظمه فى نفسى وأراقبه فى تصرفاتى ؟ هل علاقتى به تدفعنى إلى محبته والتعلق به دون سواه أم إنى مازلت أحيا حياتى بعيدا عنه متعلقا بالدنيا وزينتها ؟
وفى قوله " {الْحَيُّ الْقَيُّومُ } " التعريف ب"ال " هنا فى كلمة الحي يفيد الحصر فهو الحي فى نفسه لا يموت أبدا ،وكل ما سواه إلى فناء وهو واهب الحياة للخلق جميعا وهم جميعهم إلى زوال وإذا تاملنا فى القرآن نجد أنه ربط بين اسم الله الحى وعبادة التوكل على الله إذ يقول تعالى :" {وَتَوَكَّلْ عَلَى الْحَيِّ الَّذِي لَا يَمُوتُ وَسَبِّحْ بِحَمْدِهِ وَكَفَىٰ بِهِ بِذُنُوبِ عِبَادِهِ خَبِيرًا} [(58)" الفرقان] فلم يقل توكل على العفو ولا العظيم ولكن توكل على الحى لأن كل مخلوق تعتمد عليه وتلجأ إليه قد يخذلك وقد يموت فاجعل ارتباطك بالحى الذى لا يموت ولا يخذلك يوما إذا لجأت إليه واسم الله الحى يورثنى التواضع لله ومعرفة قدر نفسى وأن الحياة وإن كانت طويلة فهى إلى فناء فعلى أن أغتنمها فيما يرضى الله عزوجل قبل أن يأتينى ملك الموت فجأة فماذا أقول له انتظر حتى أصلح علاقتى بربى وأتوب ؟!
واسم الله " {القيوم} " هو القائم بنفسه الغنى عن جميع المخلوقات وهو القائم بجميع المخلوقات يمدها بسبب وجودها وبقائها فهى مفتقرة إليه ولا قوام لها بدون أمره إذ يقول تعالى :﴿ {وَمِنْ آَيَاتِهِ أَنْ تَقُومَ السَّمَاءُ وَالأَرْضُ بِأَمْرِهِ} ﴾ [الرُّوم:25]. وإذا علمت أنه القائم على شئونك و المدبر لأمورك أليست معرفتك لهذا كافية لنزع فتيل الخوف والقلق من قلبك !
ومن متطلبات أنه قائم على كل شىء أنه لا يأخذه نوم عميق ولا مجرد الغفوة أوالنوم الخفيف " { لَا تَأْخُذُهُ سِنَةٌ وَلَا نَوْمٌ } " عن رعاية خلقه وكمال إحاطته بهم فعن أبى موسى الأشعريّ رضي الله عنه: "قام فينا رسول الله صلى الله عليه وسلم بخمس كلمات فقال: (( «إن الله عز وجل لا ينام، ولا ينبغي له أن ينام، يخفض القسط ويرفعه، يرفع إليه عمل الليل قبل عمل النهار، وعمل النهار قبل عمل الليل» ،....)) [رواه مسلم] فلينم كل مظلوم قرير العين فإن الله لا يغفل ولا ينام عن من ظلمه
إذ كيف للإنسان ذلك المخلوق الضعيف الذى تجرى عليه سنن الحياة من نوم وموت وخوف أن يظلم ويعصى ربه الذى لا يغيب عنه شىء ولا تخفى عليه خافية ألا تستحى أن يراك على غير طاعة ؟
و ( {لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ} ). إنها الملكية المطلقة لكل شىء بلا شراكة ولا قيد فالكل تحت ملكه وقهره وسلطانه فأنت وما تملك ملك لله وملوك الأرض مهما بلغ ملكهم هو فى النهاية لا يخرج عن ملك الله واذا تأملنا نجد أن حب الامتلاك آفة العصر ومعظم الجرائم أصلها حب الامتلاك والاستحواذ ظناً منهم أن قوة النفوذ فى كثرة الأملاك ولكن إذا أدرك الانسان أن ما يملكه قد يسلب منه يوما ما وأنها مجرد عارية يستردها الملك الحق فى أى وقت حتى روحك التى بين جنبيك لا تمتلكها فلماذا إذن يتكبر الجبارون ولماذا يظلمون ؟ فهذا كفيل للتواضع والتقليل من الشره والطمع فى كل شىء والرضا والقناعة بالقليل فعندما يدرك الإنسان ذلك يكفيه ما لديه بل ويسعد به فالجميع عبيده فلماذا على معصيته يجترءون؟!
وفى قوله ( {مَن ذَا الَّذِي يَشْفَعُ عِندَهُ إِلَّا بِإِذْنِهِ } ) وكأنك تنظر إلى الناس جميعا الكل يقف موقف العبد الخاشع لا يقدم بين يدى ربه إلا لمن أذن له إنه مشهد يوحى بالجلال والرهبة وأنك إن كنت لا تملك لنفسك شيئا فكيف تملك لغيرك؟! كما أنها تحمى النفس من الوقوع فى شرك التبرك بالأولياء والصالحين من البشر و الخوف من المخلوق والتملق له وتبين الآية أن العلاقة بالله ليس بينك وبينه واسطة مجرد تتوضأ وتدخل فى الصلاة وتدعو بين يديه يقبلك بدون واسطة فسبحانه الملك فى عليائه وكلنا له عبيد .
وفى قوله ﴿ {يَعْلَمُ مَا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَمَا خَلْفَهُمْ} ﴾ تبين إحاطة علم الله بجميع الكائنات ماضيها ومستقبلها وما حدث وما سوف يحدث و ما من ورقة تسقط إلا يعلمها وما من قطرة ماء تنزل إلا يعلم بأى البلاد نزلت يعلم السر وما تحدث به النفس واستأثر الله -عز وجل- بمفاتح الغيب الخمس: { {إِنَّ اللَّهَ عِنْدَهُ عِلْمُ السَّاعَةِ وَيُنَزِّلُ الْغَيْثَ وَيَعْلَمُ مَا فِي الأَرْحَامِ وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ مَاذَا تَكْسِبُ غَدًا وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ بِأَيِّ أَرْضٍ تَمُوتُ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ} } [لقمان: 34]. وما من خطوة يخطوها الانسان إلا مقدرة فى علم الله قد ينسى الانسان ما عمله من خير أو سوء ولكن الله يحصيه عليه إذ يقول تعالى :" أَحْصَاهُ اللَّهُ وَنَسُوهُ " المجادلة فيجازى المحسن بإحسانه والمسىء بإساءته فهو العليم بأهل الجنة من أهل النار فهل تفكرنا فى اسم الله العليم وعظم قدره فى نفوسنا فاستحيينا أن يطلع على سرائرنا فيجد فيها ما يغضبه
وفى قوله ( {وَلَا يُحِيطُونَ بِشَيْءٍ مِّنْ عِلْمِهِ إِلَّا بِمَا شَاءَ} ) هو وحده الذى يكشف للعباد عن شىء من علمه بقدر فكم من كشف علمي أو كوني كان خافيا علينا لفترة طويلة ثم يشاء الله أن يظهره لنا ونكتشفه ( {سَنُرِيهِمْ آيَاتِنَا فِي الْآفَاقِ وَفِي أَنفُسِهِمْ حَتَّىٰ يَتَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُ الْحَقُّ} ) وهل صدًقوا بهذا الحق وآمنوا به؟ أم كفروا بنعمة ربهم وكان لسان حالهم لقد أوتيته على علم عندى حقيقة أن العلم سلاح ذو حدين إما أن يرفع قدر صاحبه ويجعله أكثر خشية لله وإما أن يهوى بصاحبه فى غيابات الالحاد والكفر فلما التكبر أيها الانسان وهو الذى خلقك من ماء مهين وعلمك ما لم تكن تعلم وكان فضل الله عليك عظيماً
" {وَسِعَ كُرْسِيُّهُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ} " ع «ن ابن عباس قال : سئل النبي صلى الله عليه وسلم عن قول الله : ( وسع كرسيه السماوات والأرض ) قال : " كرسيه موضع قدميه ، والعرش لا يقدر قدره إلا الله عز وجل "» على قول أهل السنة وأكثر العلماء وتأمل معى إذا كان الكرسى بهذه السعة إذا كانت السموات والارض التى لا يعلم مداها إلا الله مازلت تحتوى كثير من الأسرار التى لم يأذن الله سبحانه وتعالى أن تكشف بعد كلها كحلقة فى صحراء ففى الحديث عن أبي ذر الغفاري ، أنه سأل النبي صلى الله عليه وسلم عن الكرسي فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " «والذي نفسي بيده ما السماوات السبع والأرضون السبع عند الكرسي إلا كحلقة ملقاة بأرض فلاة» " فأين أنت أيها الانسان من هذا الملك العظيم والكبير؟! آتته السموات والأرض راغمة وانت مازالت متكبر على قبول الحق والاستسلام لأمر الله
وإذا كان قوله تعالى : {( وَلَا يُحِيطُونَ بِشَيْءٍ مِّنْ عِلْمِهِ إِلَّا بِمَا شَاءَ) } "بيًن كمال علمه ففى قوله { {وَلَا يَئُودُهُ حِفْظُهُمَا} }، تبين كمال قدرته أى لا يثقله حفظ السموات والأرض وما فيهن فقد نفى عن نفسه التعب والمجهود وهذا يرد زعم اليهود وما كتبوه بأيديهم فى التوراة أن الله تعب لما خلق السموات والأرض واستراح يوم السبت، تعالى الله عما يقولون علوا كبيرا
ومن اتصف بهذه الصفات العظيمة السابقة هل يعجزه حفظ السموات والأرض وحفظك أنت أيها الإنسان فى حركاتك وسكناتك فى ليلك ونهارك والسؤال الآن هل تحفظ الله فى حياتك كلها ؟هل تتقى الله فى أهلك ومالك وأولادك و... و....؟ فبقدر حفظك لله يحفظك ألم تسمع قول نبيك الكريم كنتُ خلفَ رسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ يومًا قال يا غلامُ ، إني أعلِّمُك كلماتٍ : احفَظِ اللهَ يحفَظْك ، احفَظِ اللهَ تجِدْه تُجاهَك ، إذا سألتَ فاسألِ اللهَ ، وإذا استعنْتَ فاستعِنْ باللهِ ، " فلا تلجأ إلا إليه ولا تدعو أحداً سواه
وقوله {(وَهُوَ الْعَلِيُّ الْعَظِيمُ)} صفة العلى العظيم تناسب توحيد الألوهية والحديث عن الكرسى ومنزلته السابقة وأسلوب القصر ب"هو" يدل على أنه المتفرد بالعلو والمتفرد بالعظمة لا ينازعه فيها أحد ويعلو الإنسان ما يعلو ولكن لا يتجاوز مقام العبودية وقد رأينا مصير كل من تطاول على الله أمثال قارون وفرعون انظر كيف كان عاقبة فرعون الذى قال الله عزوجل عنه " {إِنَّهُ كَانَ عَالِيًا مِّنَ الْمُسْرِفِينَ} " فلم يمت ميتة عادية وجعله آية للعالمين قال تعالى :" {فَالْيَوْمَ نُنَجِّيكَ بِبَدَنِكَ لِتَكُونَ لِمَنْ خَلْفَكَ آيَةً وَإِنَّ كَثِيرًا مِّنَ النَّاسِ عَنْ آيَاتِنَا لَغَافِلُونَ }وختم قصة قارون بقوله ﴿ {تِلْكَ الدَّارُ الْآخِرَةُ نَجْعَلُهَا لِلَّذِينَ لَا يُرِيدُونَ عُلُوًّا فِي الْأَرْضِ وَلَا فَسَادًا ۚ وَالْعَاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ} ﴾ بعد أن خسف به الأرض فلا مكان لمن يستعلى على الخلق على وجه الأرض
آية الكرسى آية عظيمة حقا فمهما تحدثت أو كُتب عنها فإنه غيض من فيض عظمة أسماء الله الحسنى وصفاته العلى وملك لا ندرك منتهاه وهكذا تقف الكلمات عاجزة عن الوصف مفتقرة إلى الله أن يلهمنا ما نشكره بها على أنه هو الإله الحق لا إله إلا أنت سبحانك إنى كنت من الظالمين .