من أقوال السلف في العجب والكبر
فهد بن عبد العزيز الشويرخ
** قال أبو بكر الصديق رضي الله عنه: لا يحقرن أحداً من المسلمين, فإن صغير المسلمين عند الله كبير.
- التصنيفات: مساوئ الأخلاق -
الحمد لله رب العالمين, والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين, نبنا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين...أما بعد: فالكِبر خُلق مبغوض صاحبه, ممقوت من الناس, يدلً على نقص في الدين والعقل, ينشأ من الإعجاب بالنفس والرضا عنها, والمُتكبر في نفسه كبير, وفي أعين الناس حقير وضيع, والكبر من أمراض القلب القاتلة, إن لم يتدارك المُتكبر نفسه أصيب في مقتل, وندم حين لا ينفع الندم, قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: « لا يدخل الجنة من كان في قلبه مثقال ذرةٍ من كبر» [أخرجه الإمام مسلم] وقال عليه الصلاة والسلام: « يقول الله تعالى: الكبرياء ردائي, والعظمة إزاري, فمن نازعني واحداً منهما, قذفته في النار» [أخرجه أبو داود, وصححه العلامة الألباني] وقال صلى الله عليه وسلم: «تحاجت الجنة والنار, فقالت النار: أوثرت بالمتكبرين والمتجبرين, وقالت الجنة: مالي لا يدخلني إلا ضعفاء الناس وسقطهم ؟ فقال الله تبارك وتعالى للجنة: أنت رحمتي أرحم بك من أشاء من عبادي, وقال للنار: إنما أنت عذاب أُعذبُ بكِ من أشاء من عبادي, ولكل واحدةٍ منهما ملؤها» [متفق عليه]
للسلف أقوال في العجب والكِبر, يسّر الله الكريم فجمعت بعضاً منها, أسأل الله أن ينفع بها الجميع.
** قال أبو بكر الصديق رضي الله عنه: لا يحقرن أحداً من المسلمين, فإن صغير المسلمين عند الله كبير.
** قال عبدالله بن مسعود, رضي الله عنه: الهلاك في اثنتين: القنوط, والعجب.
** قال مطرف: لأن أبيت نائماً, وأصبح نادماً, أحبّ إليّ من أبيت قائماً, وأصبح معجبا
** قال سلمة بن دينار: من أعجب برأيه ضل,...لا تكن معجباً بعملك, فلا تدري شقي أنت أم سعيد.
** قال أبو جعفر الباقر محمد بن علي بن الحسين: ما دخل قلب عبد شيء من الكبر إلا نقص من عقله بقدره أو أكثر منه.
** قال الأحنف بن قيس: عجبت لمن يجرى في مجرى البول مرتين, كيف يتكبر ؟
** قال أبو عثمان النيسابوري: العجب يتولد من رؤية النفس وذكرها, ورؤية الناس.
** مرَّ المهلب بن أبي صفرة على مالك بن دينار وهو يتبختر في مشيته, فقال مالك: أما علمت أن هذه المشية تكره إلا بين الصفين ؟ قال له المهلب: أما تعرفني ؟ قال: أعرفك, أولك نطفة مذِرة, وآخرك جيفة قذرة, وأنت بينهما تعمل العذرة, فقال المهلب: الآن عرفتني حق المعرفة.
** عن عبيدالله بن عدي بن الخيار قال: سمعت عمر على المنبر يقول: إن العبد إذا تكبر وعدا طوره, وضعه الله إلى الأرض, وقال اخسأ خساك الله, فهو في نفسه كبير, وفي أعين النفس صغير.
** قال الحسن:
& ليس بين العبد وبين ألا يكون فيه خير إلا أن يرى أن فيه خيراً.
& العجب من ابن آدم, يغسل الخراء بيده كل يوم مرة, أو مرتين, ثم يعارض جبار السماوات.
** قال الإمام ابن قتيبة:
& قيل لبعضهم: ما الكِبر ؟ قال: حُمُق لم يدرِ صاحبه أين يضعه.
& قيل لرجل متكبر: هل مرت بك أحمرة ؟ قال: تلك دواب لا يراها عمك.
& كان يقال: من رضي عن نفسه ,كثر الساخطون عليه.
& يا مُظهر الكـــــــــــــِبر إعجاباً بصــــورته أنظر خــــــــــــــــــلاءك إن النتن تثـــريــب
لو فــــــــــــــــــــكر الناس فيما بطـــــــــونهم ما استشــعر الكِبر شُبان ولا شيـــب
هل في ابن آدم غير الرأس مكـــرمة وهو بخمس من الأقذار مضــــــروب
أنف يسيل وأذن ريحها سهـــــــــــــــــك والعينُ مرمصة والثغر ملــــــــــــــــــــعوب
يا أبن التراب ومأكول التراب غداً أقصر فإنك مأكول ومشـــــــــــــروب
& ما استنبط الصواب مثل المشاورة, ولا حصنت النعم بمثل المواساة, ولا اكتسبت البغضة بمثل الكِبر
** قال الإمام الماوردي:
& فأما الكبر والإعجاب فقد يجتمعان في الذم, ويفترقان في المعنى. فالإعجاب يكون في النفس, وما تظنه من فضائلها, والكبر يكون بالمنزلة, وما تظنه من علوها.
& الكبر...من أقوى أسبابه: علو اليد ونفوذ الأمر وقلة مخالطة الأكفاء والإعجاب من أقوى أسبابه: كثرة مديح المقربين,...فحكم الممدوح بكذب قولهم على صدق عمله.
** قال الإمام الغزالي:
& العلم الحقيقي ما يعرف به العبد ربه, ونفسه, وهذا يورث الخشية والتواضع دون الكبر
& الكبر يستدعي: متكبراً عليه, ومتكبر به, وبه ينفصل الكبر عن العجب, فإن العجب لا يستدعي غير المعجب, بل لو لم يخلق الإنسان إلا وحده تصور أن يكون معجباً, ولا يتصور أن يكون متكبراً إلا أن يكون معه غيره, وهو يرى نفسه فوق ذلك الغير في صفات الكمال.
& اعلم أنه لا يتكبر إلا متى استعظم نفسه, ولا يستعظمها إلا وهو يعتقد لها صفة من صفات الكمال, وجماع ذلك يرجع إلى كمال ديني أو دنيوي فالديني: العلم, والعمل الدنيوي: النسب والجمال والقوة والمال وكثرة الأنصار. فهذه سبعة أسباب
&الكبر خلق باطن, وأما ما يظهر من الأخلاق والأفعال فهو ثمرة ونتيجة, والكبر الظاهر أسبابه ثلاثة: سبب في المُتكبر, وسبب في المتكبر عليه, وسبب فيما يتعلق بغيرهما, أما السبب الذي في المتكبر فهو: العجب, والذي يتعلق بالمتكبر عليه هو الحقد والحسد, والذي يتعلق يغيرهما هو: الرياء, فتصير الأسباب بهذا الاعتبار أربعة: العجب, والحقد, والحسد, والرياء.
& التكبر يظهر في شمائل الرجل: كصعر في وجهه ونظره شزراً, وفي أقواله, ويظهر في مشيته وتبختره, فمن المتكبرين من يجمع ذلك كله,.
& مجامع حسن الأخلاق والتواضع سيرة النبي صل الله عليه وسلم فينبغي أن يقتدي به, فما نقل من أحواله عليه الصلاة والسلام يجمع أخلاق المتواضعين.
& الطريق في معالجة الكبر, واكتساب التواضع....أن يعرف نفسه, ويعرف ربه تعالى, ويكفيه ذلك في إزالة الكبر, فإنه مهما عرف نفسه حق المعرفة علم أنه لا يليق به إلا التواضع, وإذا عرف ربه علم أنه لا تليق العظمة والكبرياء إلا لله.
& اعلم أن العجب مذموم في كتاب الله تعالى, وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم.
& آفات العجب كثيرة فإن العجب يدعو إلى الكبر لأنه أحد أسبابه فيتولد من العجب الكبر, ومن الكبر الآفات الكثيرة التي لا تخفى. هذا مع العباد, وأما مع الله تعالى فالعجب يدعو إلى نسيان الذنوب وإهمالها, وما يتذكره فيستصغره, ولا يستعظمه, فلا يجتهد في تداركه, وتلافيه, وأما العبادات والأعمال فإنه يستعظمها, ويتبجح بها, ويمنّ على الله بفعلها, وينسى نعمة الله عليه بالتوفيق والتمكين منها, ثم إذا عجب بها عمي عن آفاتها. والمعجب يغتر بنفسه وبرأيه ويأمن مكر الله وعذابه. ويخرجه العجب أن يثني على نفسه يزكيها. وإن أعجب برأيه وعمله وعقله منع ذلك من الاستفادة ومن الاستشارة, ومن السؤال, فيستبد بنفسه ويستنكف من سؤال من هو أعلم منه, وربما يعجب بالرأي الخطأ, ومن آفاته: أن يفتر عن السعي لظنه أنه قد استغنى.
** قال الإمام القرطبي: قال العلماء: كل ذنب يمكن التستر منه, وإخفاؤه إلا الكِبر, فإنه فسق يلزمه الإعلان, وهو أصل العصيان كله.
** قال العلامة ابن القيم:
& أربعة تجلب البغضاء والمقت: الكبر, والحسد, والكذب, والنميمة.
& الكبر فأثر من آثار العجب والغي من قلبٍ قد امتلأ بالجهل والظلم, ترحلت منه العبودية ونزل عليه المقت فنظرُه إلى الناس شرز, ومشيه بينهم تبختر, ومعاملتُه لهم معاملةُ الاستئثار, لا الإيثار ولا الإنصاف, ذاهب بنفسه تيهاً, لا يبدأ من لقيه بالسلام وإن ردَّ عليه رأى أنه قد بالغ في الإنعام عليه لا ينطلق لهم وجهه, ولا يسعهم خلقه لا يرى لأحد عليه حقاً ويرى حقوقه على الناس ولا يرى فضلهم عليه ويرى فضله عليهم لا يزداد من الله إلا بعداً, ولا من الناس إلا صغاراً وبغضاً.
& القلب يعرض له مرضان عظيمان إن لم يتداركهما تراميا به إلى التلف ولا بدّ, وهما الريا ءوالكبر فدواء الرياء بــــــ {إيَّاكَ نَعْبُدُ } ودواء الكبر بـــــ {إِيَّاكَ نَسْتَعِينُ }
& كثيراً ما كنت أسمع شيخ الإسلام ابن تيمية قدس الله روحه يقول {إيَّاكَ نَعْبُدُ } تدفع الرياء, و { إِيَّاكَ نَسْتَعِينُ } تدفع الكبرياء.
& الفخرُ والبطرُ والعُجبُ والحسدُ والخُيلاءُ والظُلمُ والقسوةُ والتجبُرُ والإعراض وإباء قبول النصيحة والاستئثارُ وطلب العلو وحب الجاه والرئاسة وأن يُحمد بما لم يفعل وأمثال ذلك, كلها ناشئة من الكبر.
** قال الحافظ ابن رجب: اعلم أن محبة المساكين لها فوائد كثيرة. منها: أنها تزيل الكِبر, فإن المستكبر لا يرضى مجالسة المساكين.
** قال العلامة عبدالله بن محمد ابن حميد:
& من أُعجب بنفسه فنزّل نفسه منزلة الإله, كما وقع لبعض ملوك بني بوية, وهو عضد الدولة, وذلك أن القرامطة لمًا عظم أمرهم وقويت شوكتهم بعث الخليفة العباسي جيشاً من بغداد وهو في البحرين, فهَزموا جيش الخليفة, فجهَّز لهم جيشاً آخراً, فهزموه _ أيضاً _ فانتدب لهم عضد الدولة وطلبَ من الخليفة أن يُوليه قتالهم, فولّاه قتالهم...فكسرهم وشتت شملهم, فأُعجب بنفسه, فأنشأ يقول:
أنا عضد الدولة وابن ركنهــا ملك الأملاك غلابُ القدر
بل أنت إبليس, وليس غلاب القدر, أُعجب بنفسه, لما نصره الله على القرامطة, وطمحت نفسه إلى أن أدعى أنه غلاب القدر, وقد قال هذا في أول النهار بعد النصر, فما غربت الشمس, إلا وهو مجنون, يبول على ثيابه, مكبّل بالحديد.
& من....خالط قلبهُ شيء من الكبر والعظمة فإن الله يبتليه في الدنيا قبل الآخرة.
** قال العلامة العثيمين : قال عز وجل: { وَيَوْمَ حُنَيْنٍ إِذْ أَعْجَبَتْكُمْ كَثْرَتُكُمْ فَلَمْ تُغْنِ عَنْكُمْ شَيْئًا وَضَاقَتْ عَلَيْكُمُ الْأَرْضُ بِمَا رَحُبَتْ ثُمَّ وَلَّيْتُمْ مُدْبِرِينَ } [التوبة: 25]، كان الصحابة يوم حنين كثيرين، وقالوا: لن نُغلب اليوم من قلة، فأعجبوا بكثرتهم، والله جل وعلا حكيم، أراد أن يريهم أن إعجاب الإنسان بنفسه يُوكل به إلى نفسه، فيُذلُّ، ولا شك أن من نعمة الله عز وجل على العبد إذا أُعجب بشيء من عمله أن يُخذل، وذلك من أجل أن يكون في ذلك تربية له، فيعرف قدر نفسه، ويعرف قدر نعمة الله عليه، ولولا مثل هذه الأمور، لكان الإنسان يعتزُّ بنفسه، ولا ينظر إلى نعمة الله، ولكن إذا أُصيب بمثل هذه المصائب عند إعجابه بنفسه، فإنه يعرف قدر نفسه، ويعرف قدر نعمة الله عليه فيما مضى، ولهذا كان هذا الذي جرى للصحابة رضي الله عنهم نعمة من الله عز وجل، وتربية منه لهم.
** قال الشيخ صالح بن عبدالعزيز آل الشيخ: الإنسان إذا قل علمه, زاد إعجابه بنفسه, يتصور كل شيء يمر عليه وهو لا يعرفه إنه غلط, لماذا لا يعرفه, لا ما هو بصحيح, كأنه حاز العلوم كلها.
كتبه/ فهد بن عبدالعزيز بن عبدالله الشويرخ