جلب الرزق وحلول البركة
طرق استجلاب الرزق وحلول البركة
من أراد استجلابَ الرزق وحلول البركة فيه، فعليه أن يتطلَّع إلى ربه، يدعوه ويناجيه، يبُثُّ إليه شكواه، يستغيث به، لا بأحدٍ سواه، فهو تعالى المانح المانع، المحيي المميت، المعِزُّ المذِلُّ، القاهر فوق عباده فلا يمانع، الآمر بما يشاء فلا يُراجع، والحاكم بما يريد فلا يُدافع، يخلق ويرزق، يهدي ويرشد، يرفع ويخفض، يُغْني ويُفْقر، إذا أعطى أدهش بالعطاء، وإذا رضي كانت السَّعة والنماء، فعَّال لما يريد، ويعطي فوق المزيد، {لَهُمْ مَا يَشَاءُونَ فِيهَا وَلَدَيْنَا مَزِيدٌ} [ق: 35].
البركةُ هي توفيقٌ من رب السماء، فتكون الزيادة والنماء، والبركةُ هِبة من الله فوق الأسباب الماديَّة، والطاقات البشرية، فإذا باركَ الله في العُمُر أطاله، وإذا باركَ في المال نمَّاه، وإذا باركَ الله في الصحة حفِظها، وإذا باركَ الله في الأولاد أرشدهم للخير وهداهم للحق، وإذا باركَ الله في الزوجة أقرَّ بها عينَ زوجها، فأطاعته إذا أمر، وأبَرَّتْه إذا أقسم، وسرَّتْه إذا نظر، وحفظته إذا غاب!
طرق استجلاب الرزق وحلول البركة:
١- الإيمان: أن تؤمن بالله ربًّا {وَمَنْ يُؤْمِنْ بِاللَّهِ يَهْدِ قَلْبَهُ وَاللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ} [التغابن: 11]، والهداية أعظم الرزق وأفضل العطاء.
وأن يؤمن بالإسلام دينًا، وبمحمد صلى الله عليه وسلم نبيًّا ورسولًا، قال النبي صلى الله عليه وسلم: «إنَّ رُوحَ القُدُسِ نَفَثَ في رُوعِي أنَّ نَفْسًا لن تموتَ حتى تستكمِلَ أَجَلَها، وتستوعِبَ رِزْقَها، فاتَّقُوا اللهَ وأجْمِلُوا في الطَّلَب»؛ (رواه أبو نعيم، وصحَّحه الألباني).
أن تؤمن بالله وملائكته وكتبه ورسله، أن تؤمن بالجنة والنار، والحساب والثواب والعقاب {إِنَّ إِلَيْنَا إِيَابَهُمْ * ثُمَّ إِنَّ عَلَيْنَا حِسَابَهُمْ} [الغاشية: 25، 26]، والإيمان بالقدر خيره وشره، وأنه سيرى كل إنسان ما قدم خيرًا أو شرًّا، باطلًا أو حقًّا، هدًى أو ضلالةً، {فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَهُ * وَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَهُ} [الزلزلة: 7، 8].
كل شيء سيكون حاضرًا، الخير حاضر يفرَح صاحبه ويستقبله بالبُشرى، والسوء والشر أيضًا يكون حاضرًا، وعنده يتمنى المرء أن يُفارقه ويبتعد عنه، ويتخلص منه؛ لكن هيهاتَ هيهاتَ، فذلك ما جَنَتْ يداهُ، ووطئت قدماه، وقدمت له في الحياة {يَوْمَ تَجِدُ كُلُّ نَفْسٍ مَا عَمِلَتْ مِنْ خَيْرٍ مُحْضَرًا وَمَا عَمِلَتْ مِنْ سُوءٍ تَوَدُّ لَوْ أَنَّ بَيْنَهَا وَبَيْنَهُ أَمَدًا بَعِيدًا وَيُحَذِّرُكُمُ اللَّهُ نَفْسَهُ وَاللَّهُ رَءُوفٌ بِالْعِبَادِ} [آل عمران: 30].
٢ - التقوى: بالتقوى تمطر السماء ويزداد النماء، بالتقوى تفتح أبواب السماء بالخيرات، وتفتح الأرض عيونها بالبركات، {وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرَى آمَنُوا وَاتَّقَوْا لَفَتَحْنَا عَلَيْهِمْ بَرَكَاتٍ مِنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ وَلَكِنْ كَذَّبُوا فَأَخَذْنَاهُمْ بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ} [الأعراف: 96].
بل إن الهموم تتلاشى، والغموم تنفرج، والرزق يعمُّ بلا احتساب، إذا كان الإنسان مؤمنًا تقيًّا، كيف؟! {وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجًا * وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لَا يَحْتَسِبُ} [الطلاق: 2، 3].
٣- التوكُّل: التوكل على الله يفتح أبواب الرزق، ويبارك فيه؛ لأن الله حسيبه، ومن كان الله حسيبه فلا يُضام ولا يُهان {وَمَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ إِنَّ اللَّهَ بَالِغُ أَمْرِهِ قَدْ جَعَلَ اللَّهُ لِكُلِّ شَيْءٍ قَدْرًا} [الطلاق: 3].
وعن عمر بن الخطاب رضي الله عنه قال: سمِعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «لو أنَّكُم تتوكَّلُون على اللهِ حقَّ توكُّلِه، لرَزَقَكم كما يَرْزُقُ الطَّيْرَ، تغدُو خِماصًا، وتَرُوحُ بِطانًا»؛ (صحيح الترمذي).
بل تستمد القوة من التوكُّل على الله، والكرم من تقوى الله، والغِنى من الثقة بالله، فقد ورد عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: «مَنْ سرَّه أن يكون أقوى الناسِ فليتوكَّل على اللهِ، ومَنْ سَرَّه أن يكونِ أكرمَ الناسِ فَلْيَتَّقِ اللهَ، ومَنْ سرَّه أنْ يكونَ أغنى الناسِ فَلْيَكُنْ أوْثَقَ بما في يَدِ اللهِ مما هو في يديه».
4- الاستقامة: الناس لو استقاموا على أمر ربِّهم، لانهمَرت السماء بمائها، وحلَّت البركة كلها، أما إذا كان الاعوجاج وقلَّ ماء الحياء، قلَّ ماء السماء، وكلما رخصَ لحمُ النساء غلا لحمُ الضَّأْن، عَلاقات ثابتةٌ، وكلما هانَ اللهُ على الناس هانوا عليه.
{وَأَلَّوِ اسْتَقَامُوا عَلَى الطَّرِيقَةِ لَأَسْقَيْنَاهُمْ مَاءً غَدَقًا * لِنَفْتِنَهُمْ فِيهِ وَمَنْ يُعْرِضْ عَنْ ذِكْرِ رَبِّهِ يَسْلُكْهُ عَذَابًا صَعَدًا} [الجن: 16، 17]، الطريقة المستقيمة إذا استقاموا عليها، إذا تابعوا هذا السير المستقيم، كان الرزق الواسع والعطاء الجامع!
٥- الاستغفار: الاستغفار يجلب الرزق ويزيد البركة، الاستغفار يرسل السماء، ويمد بالأولاد، ويجعل الجنات والأنهار، كيف؟! " {فَقُلْتُ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ إِنَّهُ كَانَ غَفَّارًا * يُرْسِلِ السَّمَاءَ عَلَيْكُمْ مِدْرَارًا * وَيُمْدِدْكُمْ بِأَمْوَالٍ وَبَنِينَ وَيَجْعَلْ لَكُمْ جَنَّاتٍ وَيَجْعَلْ لَكُمْ أَنْهَارًا} [نوح: 10- 12].
٦- صلة الرحم، صلة الرحم موصولة بـ {السَّلَامُ الْمُؤْمِنُ الْمُهَيْمِنُ الْعَزِيزُ الْجَبَّارُ} [الحشر: 23]، فهو تعالى يصل من وصلها، ويقطع من قطعها، صلة الأرحام فيها الخير والحب والوئام، فيها البركة والنماء، فيها الود والعطاء، فيها رضا ربِّ الأرض والسماء.
بيَّن لنا رسول الله صلى الله عليه وسلم أهمية صلة الرحم للإنسان في الحياة الدنيا، فضلًا عن الأجر والثواب في الآخرة؛ ولذلك علَّمنا كيف نصِلُ أرحامَنا، ونحسن إلى ذوينا، نتقرب بذلك إلى الله عز وجل ونيل أجره وثوابه وعطائه الجزيل.
المسلم يحتاج إلى أصدقائه، وجيرانه، وبني جنسه يعاونهم ويعاونوه، ويخدمهم ويخدموه، فما بالك بمن تربطنا به صلة رحم، إن ذوي القربى والرحم أحقُّ بالصلة وأولى بالتراحم والتواصل، علمًا بأن البارِّين بآبائهم وأهلهم هم أكثر الناس سعادة واستقرارًا نفسيًّا؛ وبالتالي أطول الناس عمرًا، أما التوتر والتشاحن والتشرذم والتشتت والفرقة والخلافات والنزاعات بين الناس تضُرُّ بالصحة وتقصر العمر.
أكد رسول الله صلى الله عليه وسلم على العديد من التوجيهات النبوية والإرشادات السماوية، فحثَّ أتباعه على البر وصلة الرحم، ليسعدوا في الدنيا، فضلًا على البركة في الرزق والعمر والاستقرار النفسي والاجتماعي.
يقول صلى الله عليه وسلم في الحديث الصحيح: «مَنْ سَرَّه أن يُبْسَطَ له في رِزْقِهِ ويُنْسأَ له في أثَرِه فَلْيَصِلْ رَحِمَه».
فمن أراد أن يُوسِّع الله له في رزقه، وأن يُبارك له في عمره، وأن يبسط له في بيته، عليه أن يَصِلَ رَحِمَه.
بسطة الرزق قد تكون كثرة وقد تكون بركة، والمعاصي والعقوق تحرم العبد الرزق، قال النبي صلى الله عليه وسلم: «لا يرُدُّ القَدَرَ إلَّا الدُّعاءُ، ولا يَزيدُ في العُمُر إلا البِرُّ، وإنَّ العَبْدَ لَيُحْرَمُ الرِّزْقَ بالذَّنْبِ يُصِيبُه»؛ أخرجه أحمد وابن ماجه، وصحَّحه ابنُ حِبَّان والحاكم.
٧- شكر النعم: الله تعالى سخَّر الكون كلَّه لخدمة الإنسان، سماءه وأرضه، بره وبحره، فضاءه وجوَّه، حجره وشجره، شمسه وقمره، وليله ونهاره، وأعطاه كلَّ ما يحتاج من وسائل لتحقيق غاياته في حياته، قال الله تعالى: {وَسَخَّرَ لَكُمْ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا مِنْهُ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ} [الجاثية: 13].
والعبد الشاكر لربه، المسبِّح بحمده، المتوجه إليه، المتوكل عليه، يكون عند ربه مشكورًا، ويكون في ملئه مذكورًا، {فَاذْكُرُونِي أَذْكُرْكُمْ وَاشْكُرُوا لِي وَلَا تَكْفُرُونِ} [البقرة: 152].
العبد الشاكر لربه يأمن عذاب الله تعالى بإذنه: {مَا يَفْعَلُ اللَّهُ بِعَذَابِكُمْ إِنْ شَكَرْتُمْ وَآمَنْتُمْ} [النساء: 147].
العبد الشاكر لربه يتمتع بزيادة الرزق والنِّعَم عليه، فالشكر سببٌ لزيادة النعم، قال الله تعالى: {لَئِنْ شَكَرْتُمْ لَأَزِيدَنَّكُمْ} [إبراهيم: 7]؛ لذلك فإن الأنبياء سلكوا طريق الشكر لتزداد النعم ولا تنقص، وتكثر ولا تقل، قال الله تعالى في نوح عليه السلام: {إِنَّهُ كَانَ عَبْدًا شَكُورًا} [الإسراء: 3]، وقال في إبراهيم عليه السلام: {إِنَّ إِبْرَاهِيمَ كَانَ أُمَّةً قَانِتًا لِلَّهِ حَنِيفًا وَلَمْ يَكُ مِنَ الْمُشْرِكِينَ * شَاكِرًا لِأَنْعُمِهِ} [النحل: 120، 121].
كان رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم يقضي جزءًا كبيرًا من الليل في التهجد والقيام حتى تفطَّرت قدماه؛ شكرًا لله سبحانه على نعمائه، واعترافًا لله بفضله، وقد غُفِر له ما تقدَّم من ذنبه وما تأخَّر، فلما سُئل في ذلك قال: «أفلا أكون عبدًا شكورًا».
فرض الله عز وجل على الإنسان عبادته، وشرع له الشريعة، وجعل طريق عبادته مُيسَّرًا؛ رحمةً به، وإشفاقًا عليه، ووضع أمامه طرق الخير، وأرسل له الأنبياء، ودلَّه على الطريق المستقيم، وجعل له طرق الحصول على الحسنات أكثرَ بكثير من المعاصي، وجعل فطرته سليمةً تحبُّ الخير، وتبحث عن الإله، وكيفيّة عبادته {فَأَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ حَنِيفًا فِطْرَتَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا لَا تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللَّهِ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ} [الروم: 30].
ومعنى الشكر أن يُقِرَّ المسلم بفضل الله تعالى عليه، ثمَّ يُصدِّق ما وقَرَ في قلبه بالعمل، مصحوبًا بحديث لسانه، وترديد حمده، والثناء عليه، ثمَّ بإتيان الطاعات والفرائض، والانتهاء عن المنكرات والمحرَّمات، فبذلك يكون قد قدم شكر نعم الله سبحانه، يقول الله تعالى: {إِنْ تَكْفُرُوا فَإِنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ عَنْكُمْ وَلَا يَرْضَى لِعِبَادِهِ الْكُفْرَ وَإِنْ تَشْكُرُوا يَرْضَهُ لَكُمْ} [الزمر: 7]، لا يرضى لعباده الكفر إنما يرضى لهم أن يشكروه على نعمه وفضله.
والشكر هو مقابلة الإحسان بالإحسان، والثناء الجميل بالعمل الجليل، والشكر يكون بالقلب؛ أن يستشعر نعم الله ويعرفها ويقدرها، وباللسان؛ فيردد ذكر الله والحمد لله وتسبيحه والثناء عليه، وشكر الجوارح أن تبذل في العمل الصالح وأوجه الخير وصنائع المعروف، وتصلح بين الناس، وتؤدي الفرائض وتنخرط في الطاعات بكل أشكالها وألوانها.
{وَأَمَّا بِنِعْمَةِ رَبِّكَ فَحَدِّثْ} [الضحى: 11]، وقال رسوله: «إن اللهَ ليرضى عن العَبْدِ أن يأكُلَ الأكْلةَ فيحمَدَه عليها، أو يشربَ الشَّرْبةَ فيحمَدَه عليها»؛ (رواه مسلم).
رِضا الله تعالى يزداد ويتجلى بحمده بعد الأكل والشرب؛ ولذلك كلِّه وجب على الإنسان شكرُ الله تعالى على الدوام، على نعمه الكثيرة، وفضله العميم، عليه كذلك أن يدرك أنَّه مهما قام بشكر الله على نعمه فإنَّ كرم الله أعظم من شكره، وإنه لا يستطيع إحصاء نعم الله من حوله حتى يؤدِّي شكرها كلّها، قال الله تعالى: {وَآتَاكُمْ مِنْ كُلِّ مَا سَأَلْتُمُوهُ وَإِنْ تَعُدُّوا نِعْمَتَ اللَّهِ لَا تُحْصُوهَا إِنَّ الْإِنْسَانَ لَظَلُومٌ كَفَّارٌ} [إبراهيم: 34] لكنَّ أقلَّ ما يمكن أن يؤدِّيَه الإنسانُ تِجاه سيل النعم التي يتقلَّب فيها أن يتعلَّم كيف يشكر ربه عز وجل على فضله، بحيث لا يكفر نعمته ولاينكر فضله.
٨ – الصدقة: الصدقة نماء وطريق لجلب الرزق والعطاء، وهي باب للرزق وطريق للخير، وهي تزكية للنفس وتطهير للقلب {خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِمْ بِهَا} [التوبة: 103].
وهي أفضل دواء لعلاج الداء، يقول صلى الله عليه وسلم: ((داوُوا مَرْضَاكُم بالصَّدَقة)) فبها يبارك الله لك في رزقك القليل، ولا يفتح عليك أبوابًا تضرُّك، وتضطر فيها إلى الدَّيْن والسؤال بسبب مرض أو شدة أو مصيبة.
فالصدقة يصرف الله عنك بها البلاء، ويفتح عليك أبواب الخير والنماء {هَلْ جَزَاءُ الْإِحْسَانِ إِلَّا الْإِحْسَانُ} [الرحمن: 60].
أنت بصدقتك أدخلت السرور والفرح على أهل بيت ضاقت بهم السبل، واشتد عليهم الكرب، فجاءت صدقتك نورًا لهم وأملًا يُبدِّد ظلامهم الدامس ويأسهم القاتل، فالله سبحانه حقيق أن يبدد من حولك الظلمات، ويدخل على قلبك السعادة والأمل، فإن أعطيت وفيت، وإن مَنَعتَ مُنِعْتَ.
الزكاة تحصين، والصدقة حفظ، والعطاء زيادة، والبذل سيادة؛ لذلك حصِّنوا أموالكم بالزكاة، وادفعوا أمواج البلاء بالدعاء، واستنزلوا الرزق بالصدقة، وإذا افتقرتم وأعسرتم فتصدقوا بالقليل الذي تملكون، فإن الله يعطف الرزق عليكم بالصدقة، فكأنكم عاملتم الله بالتجارة، وإنها لتجارة رابحة.
قال تعالى: {مَثَلُ الَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ كَمَثَلِ حَبَّةٍ أَنْبَتَتْ سَبْعَ سَنَابِلَ فِي كُلِّ سُنْبُلَةٍ مِائَةُ حَبَّةٍ وَاللَّهُ يُضَاعِفُ لِمَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ} [البقرة: 261].
والصدقة فضلًا عن البركة تدفع عنك عذاب الآخرة، قال صلى الله عليه وسلم: «ما مِنْكُم مِنْ أحَدٍ إلَّا سَيُكَلِّمُه اللهُ ليس بينَه وبينَه تُرْجُمانٌ، فينظُر أيْمَنَ منه فلا يَرى إلَّا ما قدَّم، فينظر أشْأَمَ منه فلا يَرى إلَّا ما قدَّم، فينظُر بين يديه فلا يَرى إلا النارَ تِلْقاءَ وجْهِهِ، فاتَّقُوا النارَ ولو بِشِقِّ تَمْرةٍ».
وفوق ذلك فإنها تُطفئ غضبَ الله سبحانه وتعالى، كما في قوله صلى الله عليه وسلم: «إنَّ صَدَقةَ السِّرِّ تُطفئ غَضَبَ الرَّبِّ تبارك وتعالى».
كما أنها تمحو الخطيئة وتذهب نارها، كما في قوله صلى الله عليه وسلم: «والصَّدَقةُ تُطْفئ الخطيئةَ كما يُطْفئ الماءُ النارَ».
بل إن الكون سخَّره الله للمتصدِّقين يتفاعل معهم ويدفعهم ويرفعهم، بشمسه وقمره، وليله ونهاره، وسحبه ومطره، كيف؟!
عن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «بَيْنا رجلٌ بفَلاةٍ من الأرض، فسمِعَ صوتًا في سحابة: اسْقِ حديقةَ فُلانٍ، فتنحَّى ذلك السحابُ، فأفْرَغَ ماءه في حَرَّةٍ، فإذا شَرْجةٌ من تلك الشِّراجِ قد استوعَبَتْ ذلك الماءَ كلَّه، فتتبَّع الماء، فإذا رجلٌ قائمٌ في حديقته يحوِّل الماء بِمِسْحاتِه، فقال له: يا عبدالله، ما اسمُك؟ قال: فلان، للاسم الذي سمِع في السحابة، فقال له: يا عبدالله، لم تسألني عن اسمي؟ فقال: إني سمِعْتُ صوتًا في السحاب الذي هذا ماؤه، يقول: اسْقِ حديقةَ فلان - لِاسْمِك - فما تصنع فيها؟ قال: أمَّا إذ قلت هذا، فإني أنظُر إلى ما يخرُج منها، فأتصدَّق بثُلُثِه، وآكُل أنا وعيالي ثُلُثًا، وأرُدُّ فيها ثُلُثَه»؛ (رواه مسلم).
ونفع العباد وتقديم المساعدة لهم- وخاصة الضعفاء منهم- يثبت النعم وينميها، كيف؟! قال النبي صلى الله عليه وسلم: «هلا تُنصَرُون وتُرْزَقون إلا بضُعَفائكم»، وقال عليه الصلاة والسلام: «إنَّ لله أقومًا يختصُّهم بالنِّعَم لمنافع العباد، ويُقِرُّها فيهم ما بذَلُوها، فإذا مَنَعُوها نَزَعَها».
٩- الدعاء: بالدعاء يزداد النماء وتحلُّ البركة، أن تَسألَ الله أن يُبارك لك فيما أعطاك، ويعطيك ما فاتك وخلاك! قال الله على لسان إبراهيم عليه السلام: {رَبِّ اجْعَلْ هَذَا بَلَدًا آمِنًا وَارْزُقْ أَهْلَهُ مِنَ الثَّمَرَاتِ مَنْ آمَنَ مِنْهُمْ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ} [البقرة: 126].
ومن دعائه أيضًا: {رَبَّنَا إِنِّي أَسْكَنْتُ مِنْ ذُرِّيَّتِي بِوَادٍ غَيْرِ ذِي زَرْعٍ عِنْدَ بَيْتِكَ الْمُحَرَّمِ رَبَّنَا لِيُقِيمُوا الصَّلَاةَ فَاجْعَلْ أَفْئِدَةً مِنَ النَّاسِ تَهْوِي إِلَيْهِمْ وَارْزُقْهُمْ مِنَ الثَّمَرَاتِ لَعَلَّهُمْ يَشْكُرُونَ} [إبراهيم: 37].
وقال الله على لسان عيسى بن مريم عليه السلام: {رَبَّنَا أَنْزِلْ عَلَيْنَا مَائِدَةً مِنَ السَّمَاءِ تَكُونُ لَنَا عِيدًا لِأَوَّلِنَا وَآخِرِنَا وَآيَةً مِنْكَ وَارْزُقْنَا وَأَنْتَ خَيْرُ الرَّازِقِينَ} [المائدة: 114].
وفي قصة نوح قال تعالى حكايةً عن نوح: {وَقُلْ رَبِّ أَنْزِلْنِي مُنْزَلًا مُبَارَكًا وَأَنْتَ خَيْرُ الْمُنْزِلِينَ} [المؤمنون: 29]، وعندما وصل المدينةَ صلَّى رسُولُ الله صلَّى الله عليه وسلم الفجر، ثم أقبَل على القَوم، فقال: «اللهمَّ بارك لنا في مدينَتِنا، وبارك لنا في مُدِّنَا وصاعِنا، اللهمَّ بارك لنا في حَرَمِنا، وبارك لنا في شامِنا»؛ (صحَّحه الألباني).
وفي الدُّعاء العظيم الذي عَلَّمه نبيُّنا الكريم صلَّى الله عليه وسلَّم للحسن بن عليٍّ رضي الله عنهما قال: «اللَّهُمَّ اهْدِنا فيمَن هَديتَ، وعافِنا فيمَن عافيت، وتَولَّنا فيمَن تولَّيْت، وبارِكْ لنا فيما أعطيت».
١٠- الأخذ بالأسباب: أمر الشرع بالأخذ بأسباب تحصيل الرزق، كما قال الله تعالى: {فَامْشُوا فِي مَنَاكِبِهَا وَكُلُوا مِنْ رِزْقِهِ وَإِلَيْهِ النُّشُورُ} [الملك: 15].
وقد أمر الله تعالى مريم عليها السلام بهز النخلة كما: {وَهُزِّي إِلَيْكِ بِجِذْعِ النَّخْلَةِ تُسَاقِطْ عَلَيْكِ رُطَبًا جَنِيًّا} [مريم: 25] وهو قادر على أن يرزقها من غير تعب أو عناء كما رزقها في المحراب قال ربنا: {كُلَّمَا دَخَلَ عَلَيْهَا زَكَرِيَّا الْمِحْرَابَ وَجَدَ عِنْدَهَا رِزْقًا قَالَ يَامَرْيَمُ أَنَّى لَكِ هَذَا قَالَتْ هُوَ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَرْزُقُ مَنْ يَشَاءُ بِغَيْرِ حِسَابٍ} [آل عمران: 37].
١١ - الزواج: يقول الله تعالى: {وَأَنْكِحُوا الْأَيَامَى مِنْكُمْ وَالصَّالِحِينَ مِنْ عِبَادِكُمْ وَإِمَائِكُمْ إِنْ يَكُونُوا فُقَرَاءَ يُغْنِهِمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ} [النور: 32].
الزواج للعفة وتصريف الشهوة في الطريق الذي رسمه الله وبيَّنه رسول الله وأثبتَتْه شريعة الإسلام، وعلى الله عون الناكح يريد العفاف، كما أن الزواج طريق للنماء والسَّعة والغنى، {إِنْ يَكُونُوا فُقَرَاءَ يُغْنِهِمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ}.
الزواج إذًا وسيلةٌ لزيادة الدخل، وسيلة للاستقرار والإبداع، وهذه حقيقة علمية، وضرورة حياتية، وطريقة سنية، وليست مجرد مقولة، ومن هنا نستطيع أن نُدرك أن الآية الكريمة تحوي إعجازًا، عندما يحوِّل الزواجُ الفقرَ إلى الغِنى؛ لذلك فإن النبي صلى الله عليه وسلم أنكر على من أراد العزوف عن الزواج، وقال: {النِّكاحُ مِنْ سُنَّتي، فَمَنْ لم يعمل بسُنَّتي فليس مِنِّي}.
كما تؤكد دراسة حديثة أن العالِمَ المتزوج أكثرُ قدرة على الإبداع والإنتاج من العالِم الأعزب؛ لكن الدراسة تؤكد أن الإنتاج العلمي ينخفض لدى النساء المتزوجات؛ بسبب انشغالهن بشؤون المنزل وتربية الأطفال ومسؤولية الزوج.
من هنا، ندرك أن عطاء المرأة المتزوجة وإبداعها ينصبُّ باتجاه أطفالها وبيتها وزوجها، وهذا من نعمة الله تعالى على الزوجين، ليعيشا في راحة تامة وأُلْفة دافئة، ومودَّة كاملة.
والأم لا تكون أُمًّا صالحةً إلا بالزواج على سنة الله ورسوله، وعند ذلك تكون مدرسة بل جامعة!
الأُمُّ مدرسةٌ إذا أعْدَدْتَها *** أعْدَدْتَ شَعْبًا طيِّبَ الأعْراقِ
هذه بعض الطرق والأسباب وليست كلها لجلْب الرزق الذي تتخلله البركة.
اللهم بارِك لنا في أعمارنا وأرزاقنا وأوقاتنا.
__________________________________________________________
الكاتب: خميس النقيب
- التصنيف: