في التحذير من تنشيز المرأة على زوجها
احذَروا من عواقب الإفساد بين الزوجين، فقد اعتادَ كثيرٌ من الناس التشفِّي لنفسه عندما يقع بينه وبين قريبه أو نسيبه خلافٌ ونزاع، فيعمد إلى زوجة هذا الرجل الذي وقَع بينه وبينه خلافٌ فيفسدها، ونشزها على زوجها، خُصوصًا إذا كان قريبًا للزوجة...
أمَّا بعدُ: فيا عباد الله:
اتَّقوا الله - تعالى - واحذَروا من عواقب الإفساد بين الزوجين، فقد اعتادَ كثيرٌ من الناس التشفِّي لنفسه عندما يقع بينه وبين قريبه أو نسيبه خلافٌ ونزاع، فيعمد إلى زوجة هذا الرجل الذي وقَع بينه وبينه خلافٌ فيفسدها، ونشزها على زوجها، خُصوصًا إذا كان قريبًا للزوجة - كأبيها أو أخيها - يعمد إلى هذه الزوجة، ضعيفة العقل والإرادة والإدراك، فيوغلها على زوجها من أجل أنْ تنشز عليه وتفارقه، لا لشيء إلا من أجل أنَّه حصل بينه وبين هذا الزوج خلافٌ ونزاع، قد يكون على أتْفه الأسباب، وأحقر الأشياء، فلا يقرُّ له قرار، ولا يهدأ له بال، حتى يُفرِّق بين الزوجين، وقد يكون هذا المفسد لهذه الزوجة قد جنى عليها هو بنفسه إنْ كان هو الولي في تزويجها، بأنْ أرغمها على هذا الزوج من أجل طمع دُنيا، أو مصلحة يَراها لنفسه أو لقريبه، كما يفعله بعض الظَّلَمة من الأولياء في تزويج الشغار، وهو أنْ يُزوِّج ابنته أو موليته على شخصٍ من أجل أنْ يزوج ذلك الشخص ابنته أو موليته عليه، أو على قريبه كابنه مثلًا، فعندما تَسُوء العلاقة بين الوليين أو القريبين أو بين أحدهما وزوجته، فيعمد أحدهما إلى زوجة الأخر فيفسدها عليه حتى تُفارِقه، فيكون بهذا العمل قد ظلم الزوجة في بادئ الأمر، وظلمها في الثانية، وقد تكون العلاقة بينها وبين زوجها حسنة وصالحة، وقد تكون أم أولاد، وقد يكونون صغارًا فتعظم المفسدة، وتتضاعف الأضرار، ويفرق بين حبيبين، وما أعظمه من جرم وجناية على أولادٍ قد يكونون صغارًا، وفي طور التربية في أحضان الوالدين، فيجني عليهم بالتفريق بينهم وبين الوالدين، وإفقادهم حنان الأم، وشفقة الأب، وترابط الأسرة، وسعادة الحياة في مطلع أعمارهم!
إنَّ جفاة الطباع، وسيِّئي الأخلاق، وأعوان الشيطان، وأشباه السحرة، ليفتَخِرون بهذا العمل السيِّئ الشرِّير الدال على خُبث النفوس، وشَراسة الأخلاق، وقلة الإيمان، إنَّ مجتمعًا يوجد فيه مثل هؤلاء لَمجتمعٌ مصاب بأمراض فتَّاكة، تحتاج إلى العلاج والاستئصال، وإنَّ مجتمعًا يوجد فيه هذا الداء ويسكت عليه، لعلى خطرٍ عظيم، وإنَّ أفرادًا يرتكبونه، ويصرُّون عليه، ويعاندون، لحريُّون بالعقوبة في الدنيا والآخرة، في حديثٍ عن بريدة - رضِي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: «ليس منَّا مَن حلف بالأمانة، ومَن خبَّب على امرئ زوجته أو مملوكه فليس منَّا»[1]؛ (رواه أحمد بإسناد صحيح).
وعن جابرٍ - رضِي الله عنه - عن النبي - صلى الله عليه وسلم -: «إنَّ إبليس يضع عرشَه على الماء، ثم يبعث سَراياه، فأدناهم منه منزلةً أعظمهم فتنةً، يجيء أحدهم فيقول: ما تركته حتى فرَّقت بينه وبين امرأته، فيُدنِيه منه ويقول: نِعمَ أنت، فيلتزمه»[2]؛ (رواه مسلم).
فاتَّقوا الله يا عباد الله، اتَّقوا الله يا مَن تعمَلُون هذه الأعمال، إنَّ النساء أمانةٌ في أعناقكم، ولسن سقط متاع تستجلبون به أطماع الدنيا، وتُسخِّرونهن لأغراضكم الدنيئة، وتنفذون بهن رَغباتكم الشاذَّة.
ويا أيتها النساء اللاتي يُعمَل بهن هذا العمل لا تنخَدِعن بأقوال أولئك، فإنَّ حقَّ أزواجكن عليكن عظيم، وإنَّ لكنَّ مستقبلًا، وإذا كان للزوجة أولاد من هذا الزوج فإنها مسؤولة عن خَراب بيتها وتشتيت أولادها.
فاتَّقوا الله عباد الله؛ ذكورًا وإناثًا، فكلُّكم راعٍ، وكل راعٍ مسؤولٌ عن رعيَّته، فكِّروا في عواقب الأمور، واحذَرُوا عقوبات الذنوب، وتمسَّكوا بتعاليم دِينكم، وتخلَّقوا بأخلاق نبيِّكم، ولا يخدعنَّكم الشيطان، فإنَّه حريص على إيقاعكم في المهالك، فاحذروا التعصُّب للآراء الشاذَّة، والأفكار السيِّئة، فإنَّكم محاسبون ومجزيُّون على أعمالكم: {فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَهُ * وَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَهُ} [الزلزلة: 7-8].
أعوذ بالله من الشيطان الرجيم:
قال الله العظيم: {وَابْتَغِ فِيمَا آتَاكَ اللَّهُ الدَّارَ الْآخِرَةَ وَلَا تَنْسَ نَصِيبَكَ مِنَ الدُّنْيَا وَأَحْسِنْ كَمَا أَحْسَنَ اللَّهُ إِلَيْكَ وَلَا تَبْغِ الْفَسَادَ فِي الْأَرْضِ إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْمُفْسِدِينَ} [القصص: 77].
بارَك الله لي ولكم في القُرآن العظيم، ونفعني وإياكم بما فيه من الآيات والذكر الحكيم، وتابَ عليَّ وعليكم إنَّه هو التوَّاب الرحيم.
أقول هذا وأستغفِر الله العظيم الجليل لي ولكم ولسائر المسلمين من كلِّ ذنب، فاستغفروه إنَّه هو الغفور الرحيم.
••••
واعلَموا أنَّ دينَنا الحنيف ما أمر بشيءٍ إلا وفيه صَلاح البشرية، ولا نهى عن شيءٍ إلا فيه فسادها، وممَّا نهى عنه دِيننا إفسادُ ذات البين، والتفريقُ بين الزوجين بما يُوغِر الصدور، ويُتعِب النفوس، ويُعكِّر صفوَ الحياة، فكم من زوجين عاشا سنين عديدة في أُنسٍ وسَعادة، وراحة واطمِئنان، فدخل بينهما شيطان إنس أعانَ شيطان الجن في التفريق بينهما، فكان سببًا في هدم بيتٍ طالما وقفَتْ أعمدته، وثبتَتْ قواعده، حتى تسلَّل هذا الفأر إلى أساس ذلك البيت، وأخذ ينخر فيه حتى قوَّضَه.
إنَّ الذين لا يُبالون، ولا يُفكِّرون في عواقب، الأمور، ولا يخافون، ولا يستحيون، ولا يهمُّهم ما يفعلون، بل يتبجَّحون ويرون ذلك انتصارًا لهم حينما يُشبِعون رغباتهم ومقاصدهم السيِّئة، ولا شكَّ أنَّ هذا ناشئ عن خبث الطويَّة، وفساد النفس، فعلى منْ أحسَّ من نفسه بشيءٍ من ذلك أنْ يتَّقي الله - سبحانه وتعالى - ويُراقِبه في السرِّ والعلَن، ويعودَ إلى رشده، ويقلعَ عن الإفساد في الأرض؛ فإنَّه قد عرَّض نفسه للعقوبات العاجلة والآجلة، وعلينا أنْ نتَّقي الله، ونتعاوَنَ على البر والتقوى، ونتناهَى عن الإثم والعُدوان، ولا ندع للمُفسِدين مجالًا ولا فُرصةً، فاتَّقوا الله يا عباد الله.
[1] مسند الإمام أحمد: 5/352.
[2] مسلم: [67 - (2813)].
________________________________________________
الكاتب: الشيخ عبدالعزيز بن محمد العقيل