محو الذنوب والسيئات بأسباب وطاعات
ومن كرمِ الله سبحانه وتعالى أن جعل لنا في هذه الحياة الدنيا، فضلًا منه وكرمًا إذا أغضبناه، أو أسخطناه، أو عملًا لا رضاه، جعل لنا سُبُلًا وطرقًا نرجع بها إليه...
ومن كرمِ الله سبحانه وتعالى أن جعل لنا في هذه الحياة الدنيا، فضلًا منه وكرمًا إذا أغضبناه، أو أسخطناه، أو عملًا لا رضاه، جعل لنا سُبُلًا وطرقًا نرجع بها إليه، فيَقبلنا سبحانه وتعالى مهما فعَلنا، يقبل الراجعين إليه سبحانه، فكيف نرجِع إلى الله، وإن لم نرجع إلى الله عز وجل، عاقبنا ليخلِّصنا من معاصينا، لكنه يُحبنا؛ لأننا من أمة محمد صلى الله عليه وسلم، فيعمَل عمله في عبده العاصي الذي هو يُحبه، يعمل عمله فيه كما سنعلم ليقبله عنده، كيف ذلك؟
لو نظرت إلى نفسي خمسين سنة من سنِّ التكليف حتى الآن، لو كل سنة يا عباد الله، لو كل يوم نخطئ خطيئة واحدة، في الأسبوع كم؟ في الشهر كم؟ في السنة كم؟ في الخمسين كم؟ ثم نُوارَى التراب وقد حملنا أوزارًا وخطايا.
لكن الله جعل لهذه الخطايا والذنوب ماحياتٍ ممحصاتٍ تَمحوها، فلا نحاسَب عليها عند الله يوم القيامة إذا قُمنا بها في الدنيا، أو وقعتْ علينا، ولا ننسى أن الجنة لن يدخُلَها أحدٌ وعليه سيئةٌ واحدة، فمن كرم الله أن فتَح لنا أبوابًا عشرة، منها من صنعه هو وحده سبحانه، لا دخل لنا فيها، ومنها من صنع العبد.
أما صنعُ العبد فالتوبةُ، والتوبةُ تَجُبُّ ما قبلها، وما أكثر الآيات في التوبة والتائبين والرجَّاعين إلى الله، {وَتُوبُوا إِلَى اللَّهِ جَمِيعًا أَيُّهَ الْمُؤْمِنُونَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ} [النور: 31].
والاستغفار، {فَقُلْتُ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ إِنَّهُ كَانَ غَفَّارًا}، [نوح: 10]، فالتوبة والاستغفار إذا وجدناها في كتاب الله أو في سنة رسول الله مفردة، فكل واحدة تعني الأخرى، وإذا وجدناها مجتمعة علمنا أن الاستغفار: طلب الوقاية والحفظ من شر شيء مضى، سيئة تريد أن يغفرها الله لك، أما التوبة فتشمل الأمرين: طلب الوقاية من شر مضى، وألا يقع في المستقبل في شر آت، قال سبحانه: {فَاسْتَغْفِرُوهُ ثُمَّ تُوبُوا إِلَيْهِ إِنَّ رَبِّي قَرِيبٌ مُجِيبٌ}، [هود: 61] تسمعونها كثيرًا، توبة مع الاستغفار ماحيات، وقَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: «التَّائِبُ مِنْ الذَّنْبِ، كَمَنْ لَا ذَنْبَ لَهُ»، (جه) (4250)، انظر صَحِيح الْجَامِع: (3008)، وهذا من بركات الله علينا.
ومن فعلك أنت إذا قصرت في التوبة أو في الاستغفار، أو سهوت أو نسيت، فتح لك بابًا ثالثًا حتى تقوم به، وهو الحسنات: {إِنَّ الْحَسَنَاتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئَاتِ ذَلِكَ ذِكْرَى لِلذَّاكِرِينَ}، [هود: 114]، وقال صلى الله عليه وسلم: «اتَّقِ اللَّهِ حَيْثُمَا كُنْتَ، وَأَتْبِعِ السَّيِّئَةَ الحَسَنَةَ تَمْحُهَا، وَخَالِقِ النَّاسَ بِخُلُقٍ حَسَنٍ»، (ت) (1987)، (حم) (21354)، والحسنة بعشر أمثالها، والسيئة بمثلها، فعندما توضع الحسناتُ والسيئاتُ يوم القيامة في الميزان، وتثقل السيئات وهي آحاد، وتخفُّ الحسنات وهي بالعشرات، إذًا ما في حسنات أصلًا، فكثرة السيئات سببها هو العبد، فالحسنة تمحو السيئة، بل قد تمحو عشرات السيئات، كالوضوء، كل عضو عصيت الله به من ملامسة امرأة أجنبية، أو نظرة محرمة، أو خطوة مشيتها إلى حرام، مع الوضوء يذهب هذا إن شاء الله، هذا يُذهِبُ هذا، فقد ثبت أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «إِذَا تَوَضَّأَ الْعَبْدُ الْمُؤْمِنُ فَتَمَضْمَضَ خَرَجَتِ الْخَطَايَا مِنْ فِيهِ، فَإِذَا اسْتَنْثَرَ خَرَجَتِ الْخَطَايَا مِنْ أَنْفِهِ، فَإِذَا غَسَلَ وَجْهَهُ خَرَجْتِ الْخَطَايَا مِنْ وَجْهِهِ حَتَّى تَخْرُجَ مِنْ تَحْتِ أَشْفَارِ عَيْنَيْهِ، فَإِذَا غَسَلَ يَدَيْهِ خَرَجَتِ الْخَطَايَا مِنْ يَدَيْهِ حَتَّى تَخْرُجَ مِنْ تَحْتِ أَظْفَارِ يَدَيْهِ، فَإِذَا مَسَحَ بِرَأْسِهِ خَرَجَتِ الْخَطَايَا مِنْ رَأْسِهِ حَتَّى تَخْرُجَ مِنْ أُذُنَيْهِ، فَإِذَا غَسَلَ رِجْلَيْهِ خَرَجَتِ الْخَطَايَا مِنْ رِجْلَيْهِ حَتَّى تَخْرُجَ مِنْ تَحْتِ أَظْفَارِ رِجْلَيْهِ، ثُمَّ كَانَ مَشْيُهُ إِلَى الْمَسْجِدِ وَصَلَاتُهُ نَافِلَةً لَهُ»، (س) (103)، (جه) (282)، (حم) (19064)، لكن لا تتَّكل على ذلك، فتفتح المجال وترتكب الخطايا متعمدًا، وتقع في السيئات؛ لأنك قد تقصِّر في فعل الحسنات.
كذلك الصلوات كل خطوة تخطوها إلى المسجد، والصيام والزكاة والصدقات، والحج والعمرة، والعبادات كلها حسنات تكفر السيئات، ولو فصلنا لاستغرق وقتا طويلا، هذه ثلاثة من فعلك يا عبد الله، التوبة والاستغفار والحسنات.
وأخرى أيضًا من فعلك أنت، وأنت سبب في فعلها إن شاء الله، تكثير الرفقة الصالحة أن تنظر إلى الفقراء والمساكين والضعفاء تتفقدهم لماذا؟
لتقع في السبب الرابع، وهو دعاءُ المؤمنين لك بظاهر الغيب، إذا غبت عنهم يذكرونك بالخير، ويدعون لك، إذا متَّ صلُّوا على جنازتك ودعوا لك، فدعاؤهم غير مردودٍ، وشفاعتهم لا تقع على الأرض، بل ترتفع إلى السماء، الدعاء للميت، والدعاء لإخواننا بالغيب، من قال كما في الحديث؛ قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: «مَنِ اسْتَغْفَرَ لِلْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ، كَتَبَ اللهُ لَهُ بِكُلِّ مُؤْمِنٍ وَمُؤْمِنَةٍ حَسَنَةً»، (مسند الشاميين للطبراني) (2155)، انظر صَحِيح الْجَامِع: (6026)
كم عدد المؤمنين والمؤمنات في هذا العالم اليوم؟ كم هم من عهد رسول الله إلى اليوم؟ كم عددهم يوم القيامة؟ هذه كلمتك شملت الجميع، ملايين الحسنات في هذه الكلمة، لا تسبهم وتشتمهم، كما هو حال بعض الناس! وإنما ادعُ لهم، واستغفر لهم، اللهم اغفر للمؤمنين والمؤمنات، لا تنسَهم يا عبد الله.
وأما الخامسة وهي في الدنيا، وهي من فعل الله، إن رآك مقصرًا فيما سبق؛ لا توبة ولا استغفار، ولا حسنات ولا له رفقة صالحة، والله يحبك أيها المؤمن، وعندك سيئات أتعلمون ماذا يكون؟ الله يتدخل فيصيبك بمصيبة في النفس، أو في الولد أو في المال، يصيبك بالهمِّ أو الغمِّ، فتُمحا عنك سيئات وذنوب كنت ستعاقب عليها يوم القيامة، لذلك جاء في الحديث: مَا مِنْ شَيْءٍ يُصِيبُ الْمُؤْمِنَ حَتَّى الشَّوْكَةِ تُصِيبُهُ، إِلَّا كَتَبَ اللهُ لَهُ بِهَا حَسَنَةً أَوْ حُطَّتْ عَنْهُ بِهَا خَطِيئَةٌ، (م) 51- (2572)، وقَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: «إِنَّ الْعَبْدَ إِذَا سَبَقَتْ لَهُ مِنْ اللهِ مَنْزِلَةٌ لَمْ يَبْلُغْهَا بِعَمَلِهِ؛ ابْتَلَاهُ اللهُ فِي جَسَدِهِ، أَوْ فِي مَالِهِ، أَوْ فِي وَلَدِهِ، ثُمَّ صَبَّرَهُ عَلَى ذَلِكَ، حَتَّى يُبَلِّغَهُ الْمَنْزِلَةَ الَّتِي سَبَقَتْ لَهُ» (مِنْهُ)، (د) (3090)، (حم) (22338)، صَحِيح الْجَامِع: (1625)، الصَّحِيحَة: (1599).
فالمؤمنُ منَّا له منزلة عند الله يوم القيامة، قد لا يبلغها بعمله، وإنما يبلغها بالمصائب الدنيوية، فالمكفرات والماحيات كفرت عنك يوم القيامة أشياء، ورفعتك درجات عند الله في الجنة.
فأنت عبدٌ محبوب عند الله، لذلك ابتُلي بالأنبياء، ويبتلى الصالحون، فهذه يعتبرونها هدايا من الله لهم، ومع ذلك لا يتمنونها، هناك عندك أربعةُ أسباب لماذا تتمنى المصائب حتى تكفر عنك السيئات، وعندك التوبة والاستغفار، والحسنات ودعاء المؤمنين لك بظاهر الغيب، والمصائب الدنيوية.
ولماذا لم نقُل المصائب الدينية تكفر السيئات؟ لأنها هي سيئات، مصيبتك يا تارك الصلاة مصيبة في الدين سيئة وخطيئة، يا تارك الصيام، يا مرتكب الغيبة والكذب والنميمة، هذه مصائب لا تكفر، هذه تحتاج إلى تكفير، المصائب الدنيوية هي التي تكفر الذنوب، عافانا الله وإياكم من جميع المصائب دينية ودنيوية.
فإذا مات العبدُ وهذه الخمسةُ ما كفَت في مَحو ذنوبه، وبقيت عليه ذنوبٌ، فذنوبُه كثيرةٌ، ما كُفِّرت ما مُحيت عنه، ينتظره البرزخ وما فيه من عذاب القبر، فتكفير السيئات والخطايا التي فعلها في الدنيا ومات عليها، تكفرها ضغطة القبر وفتنتُه، وسؤال الملكين، كل هذا يكفر من خطاياك، حتى تصل إلى الله إذا أردت الجنة وتدخلها بلا خطيئة، تذكروا أن الجنة لن يدخلها أحدٌ وعليه خطيئة واحدة، لا بد أن يُمَحَّص قبل ذلك، وتمحى عنه هذه السيئات.
إن كان ما نفعه هذا عذابُ القبر وما فيه من شدة وضيق وضنك، فتكفَّر السيئات بما يُهدَى للميت بعد موته من دعاء للميت يصله، فيخفف عنه من عذابه، من ماءِ سبيلٍ يجعله عن روح والده أو والدته، أو أخيه أو صاحبه، يُهدى للميت بعد موته، من حج أو عمرة، أو قضاء صيام مات وهو عليه، أو سداد دين هو يعذب فيه في قبره، أو نحو ذلك، هذه هدايا تأتي للميت بعد موته، فتمحو من سيئاته.
ننتقل إلى الآخرة، نفترض أن ميتًا مات ولا توبة ولا استغفار، وأنا أكرِّر حتى نحفظَها، ونُحفِّظَها أبناءنا في بيوتنا ونساءنا، توبة واستغفار، وحسنات، ودعاء المؤمنين لك بظاهر الغيب، والمصائب الدنيوية، هذه في الدنيا.
واثنتان في القبر، ما يحدث في القبر من ضغطة وعذاب وما أشبه ذلك، وما يُهدى للميت بعد موته، هذه سبعة.
وثلاثة في الآخرة، لا دخل للإنسان فيها، إذا بقيتْ عليه بعضُ الذنوب والخطايا يكفر عنه إن شاء الله بأهوال وشدائد يوم القيامة.
عند الخروج من القبور، ورؤية النار تَحشر الناس، والخوف والفزع الذي يحدث لبعض الناس، لكن بعضَ الناس؛ كما قال الله في شأنهم: {وَهُمْ مِنْ فَزَعٍ يَوْمَئِذٍ آمِنُونَ}، [النمل: 89]، أما غير الآمن يكفر عنه من سيئاته التي لم تنفع فيها الأبواب السابقة، أهوال وشدائد يوم القيامة، اقترابُ الشمس من رؤوس العباد، وعَرَقُ الناس إلى كعوبهم، أو إلى ركبهم، أو إلى أواسطهم، أو إلى صدورهم، ومنهم مَن يُلجمه العرق إلجامًا، الحديث طويل في هذا، وهذا كله تَمحيص للمؤمنين أحبابِ الله، يريد أن يدخلهم الجنة ليس عليهم ولا عواتقهم سيئة، لا بد من التنظيف.
وهناك بعضُ الناس دخلوا النار، وبعضهم لم يدخلوها بعد، وإذا بالله يجعل أسبابًا لعباده عصاة مؤمنين الموحدين أتباع محمد صلى الله عليه وسلم لمحبتهم؛ يأذن الله عزَّ وجل في الشفاعة، فيشفع نبيُّ الله صلى الله عليه وسلم وله حوالي سبع أو ثماني أنواع من الشفاعات، ويأذن الله للمؤمنين الذين سبق ودخلوا الجنة، في أن يشفعوا فيمَن شاؤوا، بعد إذن الله ورضاه سبحانه وتعالى، ويأذن الله للملائكة أن تشفع لمن شاءت، شفاعة الشافعين، هذه الثانية بعد الشدائد والأهوال في يوم القيامة، يشفع لهؤلاء الناس، فيدخلون الجنة، وتُمحى عنهم خطاياهم إن شاء الله.
وأما الأخيرة والعاشرة، وهي الثالثة في الآخرة، إذا تجاوز الناس الفائزين تجاوزوا الصراط، ولا عذاب في النار، الذي سقط في النار سقط، والذي ذنوبه أخرته، لكن نريد الزمرة والفئة التي سبقت وتجاوزت الصراط، هذه فئة مؤمنة هذه التي تجاوزت الصراط أيضًا بقِي عليها بقية، لا نقول: معاصٍ وذنوب، بل نقول حقوق بين المؤمنين، كما جاء في الحديث الصحيح عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «إِذَا خَلَصَ الـمُؤْمِنُونَ مِنَ النَّارِ؛ حُبِسُوا بِقَنْطَرَةٍ بَيْنَ الجَنَّةِ وَالنَّارِ، فَيَتَقَاصُّونَ مَظَالِمَ كَانَتْ بَيْنَهُمْ فِي الدُّنْيَا، حَتَّى إِذَا نُقُّوا وَهُذِّبُوا، أُذِنَ لَهُمْ بِدُخُولِ الجَنَّةِ، فَوَالَّذِي نَفْسُ مُحَمَّدٍ بِيَدِهِ؛ لَأَحَدُهُمْ بِمَسْكَنِهِ فِي الجَنَّةِ أَدَلُّ بِمَنْزِلِهِ كَانَ فِي الدُّنْيَا»، (خ) (2440).
مظالم وحقوق كانت بين المؤمنين، ما في خطايا تدخلهم جهنمَ، تجاوزوها، لكن بقيت حقوق لا يبقى أحد في الجنة له حق على أحدٍ، لا يدخلها أبدًا حتى ينتهي، فنسأل الله عز وجل أن نكون من أهل الله وخاصته الذين يدخلون الجنة بغير حساب ولا عذاب.
هناك مؤمنون قصَّروا في التوبة والاستغفار، والحسنات ودعاء المؤمنين، ولم تُصبهم المصائب الدنيوية، هذه ما كفَّرت عنهم، وما كان في القبر ما كفر عنهم، ما محا عنهم السيئات، وأهوال وشدائد يوم القيامة، والقنطرة بين الجنة والنار ما وصلوها، وما لهؤلاء من شفعاء، فأين هؤلاء؟ إنهم في النار، أين هؤلاء الموحدون؟ هؤلاء من أمة محمد صلى الله عليه وسلم.
واعلموا يقينًا أن الله يحبُّ أمة محمد كلها عاصيها والمطيع فيها، لكنّ محبَّتَه لهم درجات، أعلاهم أقربهم إليه سبحانه وتعالى، وأطوعهم له سبحانه وتعالى، وأرضاهم عنده، إذًا نختصر الكلام، العشرة انتهت، لكن ما لم ينته ما عنده هو سبحانه، وهو عفو الرحمن، عفو من الله، «أَدْخَلَهُمُ الجَنَّةَ بِغَيْرِ عَمَلٍ عَمِلُوهُ، وَلاَ خَيْرٍ قَدَّمُوهُ»، (خ) (7439)، كما جاء في الحديث، وكل ما فعلوه هو خير واحد: (لا إله إلا الله)، ماتوا على هذه الكلمة، على شهادة أن لا إله إلا الله محمدا رسول الله، لكن أين هم آنذاك؟ في النار، وهل تُحتمل النار لحظة؟ إذا كانت نار الدنيا لا نحتملها، إذا كانت شمس اليوم والآن في الظهيرة هل يستطيع أحدٌ أن يقف ساعة فيها عريان متجردًا، ليس هناك هواء، ومغلق عليه جميع الأماكن، والشمس تصُب في رأسه ساعة، لا يحتمل ذلك، فكيف بالقيامة والنار، لابثين فيها مُدَدًا متطاولة، ما عندهم ممحصات ولا مكفرات، لا توبة ولا استغفار... إلخ مما قلناه، ما عندهم أعمال صالحة تخرجهم من النار، لم يبقَ إلا رحمة العزيز الغفار سبحانه، منها أناس قال عنهم النبي صلى الله عليه وسلم كما رواه مسلم والبخاري وغيره هؤلاء موحدون دخلوا في الطبقة العليا من النار، الطبقة الأولى؛ لأن طبقات النار عبارة عن دركات، وهذه الطبقة لأمة محمد صلى الله عليه وسلم فقط، الطبقة الأولى التي سيأتي عليها وقت لا يبقى فيها أحدٌ، يخرج كل المؤمنين منها، العصاة الذين ليس لهم أسباب مكفرة، قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «أَمَّا أَهْلُ النَّارِ الَّذِينَ هُمْ أَهْلُهَا؛ فَإِنَّهُمْ لَا يَمُوتُونَ فِيهَا وَلَا يَحْيَوْنَ، وَلَكِنْ نَاسٌ أَصَابَتْهُمُ النَّارُ بِذُنُوبِهِمْ - أَوْ قَالَ بِخَطَايَاهُمْ - فَأَمَاتَهُمْ إِمَاتَةً، حَتَّى إِذَا كَانُوا فَحْمًا، أُذِنَ بِالشَّفَاعَةِ، فَجِيءَ بِهِمْ ضَبَائِرَ ضَبَائِرَ، فَبُثُّوا عَلَى أَنْهَارِ الْجَنَّةِ، ثُمَّ قِيلَ: يَا أَهْلَ الْجَنَّةِ، أَفِيضُوا عَلَيْهِمْ، فَيَنْبُتُونَ نَبَاتَ الْحِبَّةِ تَكُونُ فِي حَمِيلِ السَّيْلِ»، (م) 306- (185) حتى إذا أمتهم الله إماتة، انتهى عذابهم، ولم يأذن لهم أحدٌ بدخول الجنة؛ لا شفعاء ولا غيرهم، يُميتهم الله إماتة ويكونون فحمًا، تصور جسد إنسان لكن فحمٌ! قال: فيأمر الملائكة فتجيء بهم ضبائر ضبائر، ما معنى ضبائر؟ حُزَمٌ حزم، مثل حزم القمح والشعير، يحملونهم ما فيهم حياة، سود، قد تفحَّموا من النار، نسأل الله السلامة، ونعوذ بالله من النار، «فَيُنْطَلَقُ بِهِمْ إِلَى نَهْرٍ فِي الْجَنَّةِ، يُقَالُ لَهُ: نَهْرُ الْحَيَاةِ، فَيَغْتَسِلُونَ فِيهِ،...»، (حم) (15048)، أو «فَيَكُونُونَ فِي أَدْنَى الْجَنَّةِ فِي نَهْرٍ، يُقَالُ لَهُ: الْحَيَوَانُ،...»، (حب) (7433). وهذا النهر الميتُ إذا سقط فيه حيَّ، رجعت إليه الحياة، فعندما يغمسون في أنهار في هذا النهر تعود إليهم حياتهم، وأرواحهم ويقفون أمام أهل الجنة وأهل الجنة ينظرون إليهم، «... ثُمَّ يُدْخِلُهُمُ اللَّهُ الجَنَّةَ بِفَضْلِ رَحْمَتِهِ، يُقَالُ لَهُمُ الجَهَنَّمِيُّونَ»، (خ) (7450)، يعني قادمون من جهنم، فيبدلهم الله اسمًا أحسنَ وأحلى، وأجملَ من هذا الاسم، «... فَيُكْتَبُ فِي رِقَابِهِمْ عُتَقَاءُ اللَّهِ،...»، (حم) (14491)، (حب) (183)، ونحوه عند (م) 302 - (183).
وفي رواية: «... هَؤُلاَءِ عُتَقَاءُ الرَّحْمَنِ،...»، (خ) (7439). وفي أخرى: «... وَيُكْتَبُ بَيْنَ أَعْيُنِهِمْ هَؤُلَاءِ عُتَقَاءُ اللَّهِ، فَيُذْهَبُ بِهِمْ، فَيَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ، فَيَقُولُ لَهُمْ أَهْلُ الْجَنَّةِ: هَؤُلَاءِ الْجَهَنَّمِيُّونَ، فَيَقُولُ الْجَبَّارُ: بَلْ هَؤُلَاءِ عُتَقَاءُ الْجَبَّارِ»، (حم) (12469).
ألا نقول في رمضان: (اللهم أعتِق رقابنا من النار)، كأنك تريد أن تدخل النار ويعتق رقبتك، سل الله السلامة من النار.
إذًا عفو أرحم الراحمين لمن لم يفعل الخير، أو قصر في أسباب تكفير السيئات، وأما أهل السنة فسابقون - إن شاء الله - في الجنة، كل الخطب السابقة واللاحقة؛ حتى ندخل الجنة ولا ندخل النار، فلنُرْضِ الله بالأفعال والأقوال والأعمال، والنيات والإرادات، ولا نعص الله لا بقول ولا بعمل، ولا بنية ولا إرادة، هذا مجملٌ، وكل ما جاء به نبينا محمد صلى الله عليه وسلم، والله دخول الجنة ليس أمرًا صعبًا، وإنما يُستصعب على بعض النفوس التي ركبها الشيطان.
ومع ذلك لا نحكم لهم بجنةٍ ولا بنار، الحكم بالجنة والنار عند الله عز وجل، ولمن سماهم الله، أو سماهم رسول الله صلى الله عليه وسلم.
رسول الله الذي صلى اللهُ عليه في كتابه، فقال: «إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا» (الأحزاب: 56).
اللهم صلِّ وسلم وبارك على نبينا محمد، وعلى آله وصحبه ومن اهتدى بهديه إلى يوم الدين.
وارضَ اللهم عن الخلفاء الأربعة أبي بكر وعمر وعثمان وعليٍّ، وسائر الصحابة أجمعين، وارضَ اللهم يا رب العالمين عنا معهم بمنِّك وكرمك يا أكرم الأكرمين.
اللهم اغفر للمؤمنين والمؤمنات، والمسلمين والمسلمات، الأحياء منهم والأموات، إنك سميع قريب مجيب الدعوات يا رب العالمين.
اللهم لا تدَع لنا في مقامنا هذا ذنبًا إلا غفرته، ولا همًّا إلا فرَّجته، ولا دَينًا إلا قضيته، ولا مريضًا إلا شفيتَه، ولا مبتلًى إلا عافيته، ولا غائبًا إلا رددتَه إلى أهله سالِمًا غانِمًا يا رب العالمين.
اللهم اغفِر للمؤمنين والمؤمنات، والمسلمين والمسلمات، الأحياء منهم والأموات، إنك سميع قريب مجيب الدعوات يا رب العالمين.
﴿ وَأَقِمِ الصَّلَاةَ إِنَّ الصَّلَاةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَلَذِكْرُ اللَّهِ أَكْبَرُ وَاللَّهُ يَعْلَمُ مَا تَصْنَعُونَ ﴾. (العنكبوت: 45).
- التصنيف: