آفة المجتمع

منذ 2022-06-19

من عظمة دين الإسلام أنه بيَّن لأتباعه كلَّ سبيل يوصلهم إلى السعادة في الدنيا والآخرة، وحذَّرهم من كل سبيل يوصل إلى الشقاء في الدنيا والآخرة...

من عظمة دين الإسلام أنه بيَّن لأتباعه كلَّ سبيل يوصلهم إلى السعادة في الدنيا والآخرة، وحذَّرهم من كل سبيل يوصل إلى الشقاء في الدنيا والآخرة، وتتفاوت هذه السُّبُل وتلك، والسعيد كل السعادة من هُدِيَ إلى الخير ووفِّق للعمل به، ومن أخطر ما قد يحول بين المرء وبين السعادة لسانُه الذي بين فكَّيه، وما أجملَ قولَ القائل: طوبى لمن أمسك ما بين فكيه، وأطلق ما بين كفيه! يعني: أمسك لسانه، وبذل ماله في أوجه الخير.

 

والخير والشر، والسعادة والشقاء في الحياة قد تكون بكلمة يطلقها المرء بلسانه لا يلقي لها بالاً، وفي الحديث قال - صلَّى الله عليْه وسلَّم -: «إن الرجل ليتكلم بالكلمة من رضوان الله - تعالى - ما يظن أن تبلغ ما بلغتْ، يكتب الله له بها رضوانه إلى يوم القيامة، وإن الرجل ليتكلم بالكلمة من سخط الله - تعالى - ما يظن أن تبلغ ما بلغت، يكتب الله له بها سخطه إلى يوم القيامة»، وقال - صلَّى الله عليْه وسلَّم - لمعاذ - رضي الله عنه -: «وهل يكب الناسَ في النار على وجوههم إلا حصائدُ ألسنتهم» ؟!)).

 

إن القتات آفة المجتمع، وهو الذي يقتُّ الأحاديث قتًّا؛ أي: ينمها، فيمشي بين الناس بالنميمة، والنميمة نقلُ الكلام بين الناس على جهة الإفساد، وهي من كبائر الذنوب، وسبب من أسباب دخول النار، وفي الصحيحين: «لا يدخل الجنةَ نمام»، وفي رواية: «لا يدخل الجنة قتَّات»، وفي الصحيحين أيضًا أن رسول الله - صلَّى الله عليْه وسلَّم - مر بقبرين فقال: «إنهما يعذبان، وما يعذبان في كبير، بلى إنه كبير؛ أما أحدهما فكان يمشي بالنميمة، وأما الآخر فكان لا يستبرئ من بوله».

 

قال العلماء: معنى ((وما يعذبان في كبير))؛ أي: كبير في زعمهما، وقيل: كبير تركُه عليهما، ولذلك فأصل البلاء في الذنوب هو استصغارها واحتقارها، وقد ورد: إن المنافق يرى ذنبه كالذباب وقع على أنفه، فدفع فاندفع، وإن المؤمن يراه كالجبل يخشى أن يقع عليه.

 

فالنمام إنما يستمرئ هذه الكبيرةَ ويُقبل عليها صباح مساء؛ لأنه يستخفُّ بها، ولا يرى أنه يرتكب كبيرَ ذنبٍ عندما يمشي بالنميمة بين الناس، وهذا الصنف من الناس هم آفة المجتمع، وسبب كبير من أسباب الفساد بين المؤمنين وتفشي القطيعة بين الناس.

 

إن في المجتمع طائفة حالُهم كحال الوليد بن المغيرة الذي جاء نعتُه في القرآن: {هَمَّازٍ مَشَّاءٍ بِنَمِيمٍ} [القلم: 11]؛ أي: نقَّال للكلام سعاية وإفسادًا، فتجد هذا النوع من الناس يترك الواجبات بحثًا عن نقل الكلام، ثم يهلك نفسه في سبيل إيصال هذا الكلام ونقله إلى الآخرين، وتجده يتلهف لسماع الكلام لنقله؛ بل قد يستدرج صاحبه بكلام أو إشارة؛ حتى يدفعه للوقوع في عرض أخيه، فيبادر إلى نقل كلامه إفسادًا بين الناس، وفي سبيل ذلك يقع في جملة من الكبائر؛ كالغيبة، والكذب، والبغي، والبهتان.

 

ولذلك قال بعض السلف: الغِيبة والنميمة قرينتان مخرجهما من طريق البغي، والنمام قاتل، والمغتاب آكل الميتة، والباغي مستكبر، ثلاثتهم واحد، وواحدهم ثلاثة، فالنمام مغتاب كذاب، مفسد لذات البين، وصاحب وجهين، وفي الصحيح: «تجدون شر الناس يوم القيامة عند الله ذا الوجهين، الذي يأتي هؤلاء بوجه، ويأتي هؤلاء بوجه».

________________________________________________

الكاتب: د. عبدالله بن إبراهيم اللحيدان

  • 2
  • 0
  • 1,318

هل تود تلقي التنبيهات من موقع طريق الاسلام؟

نعم أقرر لاحقاً