نصائح لطالب العلم
حسين عبد الرازق
فصلٌ جميل جدا من كلام موفق الدين عبداللطيف المُلقب بابن اللباد (توفي٦٢٩ هجريا)، يُوصي طالب العلم:
- التصنيفات: طلب العلم -
فصلٌ جميل جدا من كلام موفق الدين عبداللطيف المُلقب بابن اللباد (توفي٦٢٩ هجريا)
يُوصي طالب العلم:
ينبغي أن:
- تحاسب نفسك كل ليلة إذا آويتَ إلى منامك، وتنظر ما اكتسبت في يومك من حسنة فتشكر اللّه عليها، وما اكتسبت من سيئة فتستغفر اللّه منها وتقلع عنها.
- وترتب في نفسك مما تعمله في غدك من الحسنات، وتسأل اللّه الإعانة على ذلك.
-أوصيك أن لا تأخذ العلوم من الكتب وإن وثقتَ من نفسك بقوة الفهم، وعليك بالأستاذين في كل علم تطلب اكتسابه، ولو كان الأستاذ ناقصاً فخذ عنه ما عنده حتى تجد أكمل منه، وعليك بتعظيمه وتوجيبه، وإن قدرت أن تفيده من دنياك فافعل، وإلا فبلسانك وثنائك.
-وإذا قرأت كتاباً فاحرص كل الحرص على أن تستظهره وتملك معناه وتوهم أن الكتاب قد عدم وأنك مستغن عنه، لا تحزن لفقده.
- وإذا كنت مكباً على دراسة كتاب وتفهمه فإياك أن تشتغل بآخر معه، ولصرف الزمان الذي تريد صرفه في غيره إليه.
- وإياك أن تشتغل بعلمين دفعة واحدة، وواظب على العلم الواحد سنة أو سنتين أو ما شاء اللّه، فإذا قضيت منه وطرك فانتقل إلى علم آخر.
-ولا تظن أنك إذا حصلت علماً فقد اكتفيت بل تحتاج إلى مراعاته لينمو ولا ينقص، ومراعاته تكون بالذاكرة، والتفكر واشتغال المبتدئ بالتلفظ والتعلم، ومباحثة الأقران، واشتغال العالم بالتعليم والتصنيف.
- وإذا تصديتَ لتعليم علم أو للمناظرة فيه فلا تمزج به غيره من العلوم، فإن كل علم مكتف بنفسه مستغن عن غيره، فإن استعانتك في علم بعلمٍ عجزٌ عن استيفاء أقسامه كمن يستعين بلغة في لغة أخرى إذا علمها أو جهل بعضها.
- وينبغي للإنسان أن يقرأ التواريخ، وأن يطلع على السّير وتجارب الأمم فيصير بذلك كأنه في عمره القصير قد أدرك الأمم الخالية، وعاصرهم وعاشرهم، وعرف خيرهم وشرهم.
- وينبغي أن تكون سيرتُك سيرةَ الصدر الأول، فاقرأ سيرة النبي صلى الله عليه وسلم، وتتبع أفعاله وأحواله، واقتف آثاره، وتشبه به ما أمكنك وبقدر طاقتك، وإذا وقفت على سيرته في مطعمه ومشربه وملبسه ومنامه ويقظته وتمرضه وتطببه وتمتعه وتطيبه ومعاملته مع ربه ومع أزواجه وأصحابه وأعدائه، وفعلت اليسير من ذلك فأنت السعيد كل السعيد.
-ينبغي أن تكثر اتهامك لنفسك ولا تحسن الظن بها، وتعرض خواطرك على العلماء وعلى تصانيفهم، وتتثبت ولا تعجل ولا تعجب فمع العُجب العثار، ومع الاستبداد الزلل، ومن لم يعرق جبينه إلى أبواب العلماء لم يعرق في الفضيلة،ومن لم يُخجلوه لم يبجله الناس، ومن لم يبكتوه لم يسد، ومن لم يحتمل ألم التعلُّم لم يذق لذةَ العلم، ومن لم يكدح لم يفلح.
- وإذا خلوت من التعلم والتفكر فحرّك لسانك بذكر اللّه وبتسابيحه، وخاصة عند النوم، فيتشربه لُبك، ويتعجن في خيالك، وتكلم به في منامك.
-وإذا حدث لك فرح وسرور ببعض أمور الدنيا فاذكر الموت وسرعة الزوال وأصناف المنغصات، وإذا أحزنك أمر فاسترجع، وإذا اعترتك غفلة فاستغفر، واجعل الموت نصب عينك،والعلم والتقى زادك إلى الآخرة، وإذا أردت أن تعصي اللّه فاطلب مكاناً لا يراك فيه، واعلم أن الناس عيون اللّه على العبد يريهم خيره وإن أخفاه، وشره وإن ستره، فباطنه مكشوف للّه، واللّه يكشفه لعباده، فعليك أن تجعل باطنك خيراً من ظاهرك، وسرك أصبح من علانيتك.
-ولا تتألم إذا أعرضت عنك الدنيا فلو عرضت لك لشغلتْك عن كسب الفضائل، وقلما يتعمقُ في العلم ذو الثروة، إلا أن يكون شريف الهمة جداً، أو أن يثري بعد تحصيل العلم، وإني لا أقول: إن الدنيا تُعرض عن طالب العلم بل هو الذي يعرض عنها، لأن همته مصروفة إلى العلم فلا يبقى له التفات إلى الدنيا، والدنيا إنما تحصل بحرص وفكر في وجوهها فإذا غفل عن أسبابها لم تأته وأيضاً فإن طالب العلم تشرف نفسه عن الصنائع الرذلة، والمكاسب الدنية، وعن أصناف التجارات، وعن التذلل لأرباب الدنيا والوقوف على أبوابهم، ولبعض إخواني بيت شعر
من جدَّ في طلب العلوم أفاته *** شرفُ العلوم دناءةَ التحصيل.
وجميعُ طرق مكاسب الدنيا تحتاج إلى فراغ لها وحذق فيها، وصرف الزمان إليها، والمشتغل بالعلم لا يسعه شيء من ذلك، وإنما ينتظر أن تأتيه الدنيا بلا سبب، وتطلبه من غير أن يطلبها طلب مثلها، وهذا ظلم منه وعدوان، ولكن إذا تمكن الرجل في العلم وشهر به، خطب من كل جهة وعرضت عليه المناصب، وجاءته الدنيا صاغرة، وأخذها وماء وجهه موفوراً، وعرضه ودينه مصون، واعلم أن للعلم عقبة وعرفاً ينادي على صاحبه، ونوراً وضياء يشرق عليه ويدل عليه،كتاجر المسك لا يخفى مكانه، ولا تجهل بضاعته، وكمن يمشي بمشعل في ليل مدلهم، والعالم مع هذا محبوب أينما كان وكيفما كان، لا يجد إلا من يميل إليه، ويؤثر قربه ويأنس به، ويرتاح بمداناته.
- واعلم أن العلوم تغور ثم تفور في زمان بمنزلة النبات أو عيون المياه، وتنتقل من قوم إلى قوم ومن صقع إلى صقع.
من كتاب (عيون الأنباء في طبقات الأطباء) لموفق الدين أحمد بن القاسم المعروف بابن أبي أُصيبعة المتوفى ٦٦٨ هجريا.