ثقافة الداعية وأخلاقه
الخَطابة لا تقتصر على مجال معين، وإنما تتطرق إلى شتى المجالات، وتخوض في سائر الموضوعات، والخطيب الداعية لا تنحصر خطابته في ميدان واحد، بل هو يصول ويجول في شتى الميادين...
الخَطابة لا تقتصر على مجال معين، وإنما تتطرق إلى شتى المجالات، وتخوض في سائر الموضوعات، والخطيب الداعية لا تنحصر خطابته في ميدان واحد، بل هو يصول ويجول في شتى الميادين، روحية كانت أم خلقية، أم اجتماعية، أم سياسية، وغيرها، إذ الإسلام الذي يدعو إليه دين شامل لكل أمور المعاش والمعاد، ومبادئه تنتظم جميع شئون العباد.
ومن هنا لزم أن تتعدد مصادر الخطيب الداعية وروافده، وأن تتنوع ثقافته ومعارفه، وهذا المطلب من أوكد الأمور في حقه، لاسيما في عصرنا هذا، الذي لابد فيه من التسلح بالمعرفة والثقافة الشمولية، في مواجهة الحرب الفكرية والثقافية التي ترمي إلى إبعاد الناس عن الإسلام، وزعزعة اعتقاد المسلمين في دينهم، وجدارته بقيادة الحياة، وإسعاد البشرية.
والعدة الثقافية للخطيب - بإجمال - يأتي على رأسها المعارف والعلوم الشرعية، المتعلقة بجوانب الشريعة الإسلامية، من عقيدة وشريعة وآداب وأخلاق، وبعدها تأتي الثقافة التاريخية، والتي تدخل فيها السيرة النبوية، ثم المعارف والعلوم الإنسانية، ثم العلوم الكونية، ثم علوم الدعوة الإسلامية، ثم علوم اللغة العربية وآدابها، ثم دراسة ما يتعلق بالتحديات والمؤامرات والتيارات المعادية للإسلام، وأخيرا الثقافة الواقعية.. وهناك بعض الدراسات التي فصّلت القول في ثقافة الداعية، مثل كتاب (ثقافة الداعية) للأستاذ الدكتور/ يوسف القرضاوي، فليرجع إليه الخطيب ففيه إفادة عظيمة في هذا الأمر.
أخلاق الخطيب الداعية:
إن الخطيب الداعية محط أنظار الناس، يراقبون سلوكه وأفعاله، ويقتدون به في أعماله، وهم دائمًا ينظرون إليه على أنه مثال للصلاح والاستقامة ولذا فإن صدمتهم تكون كبيرة إذا رأوه يقارف عملًا قبيحًا، أو يتخلق بخلق مرذول، فضلا عن أنهم قد ينفضّون من حوله، لأنهم لم يروا فيه ما كانوا يؤملونه ويتوقعونه من التزام أخلاقي، وتمسك بالمبادئ التي يدعو إليها.
وجدير بالذكر أن كل مسلم مطالب بأن يتحلى بمكارم الأخلاق، وأن يتخلى عن سيئها، فكيف إذا كان داعية إلى الفضيلة والإصلاح؟
وقد مدح الله تعالى إمام الدعاة وقدوتهم صلى الله عليه وسلم بعظمة الخلق وسموه، فقال سبحانه: {وَإِنَّكَ لَعَلَى خُلُقٍ عَظِيمٍ} [القلم: 4].
وعن أبي ذر قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «اتق الله حيثما كنت، وأتبع السيئة الحسنة تمحها، وخالق الناس بخلق حسن» [1].
وعن عبد الله بن عمرو قال: لم يكن النبي صلى الله عليه وسلم فاحشًا ولا متفحشًا، وكان يقول: «خياركم أحسنكم أخلاقًا» [2].
وعن معاذ بن جبل قال: آخر ما أوصاني به رسول الله صلى الله عليه وسلم حين وضعت رِجلي في الغَرْز أنه قال: «أحسن خلقك للناس يا معاذ بن جبل» [3].
لذا كان حريًّا بالخطيب الداعية أن يكون سبّاقًا إلى التحلي بمكارم الأخلاق، لما لذلك من أثر مباشر وفعال في نجاحه في مهمته... والله المستعان.
[1] رواه الترمذي في ك البر ب ما جاء في معاشرة الناس رقم 1987، وقال: هذا حديث حسن صحيح، وأحمد في المسند 6/ 197 رقم 20894، والحاكم في المستدرك 1/ 54 وصححه، والدارمي في ك الرقاق ب في حسن الخلق رقم 2791.
[2] رواه البخاري في الأدب المفرد. ب حسن الخلق. ص 121 ط وزارة الأوقاف بالإمارات العربية المتحدة، ومسلم في صحيحه. ك الفضائل. ب كثرة حيائه صلى الله عليه وسلم. شرح النووي 15/ 78 رقم 2321.
[3] رواه مالك في الموطأ. ك حسن الخلق ب ما جاء في حسن الخلق 2/ 902.
________________________________________________________
الكاتب: أ.د. إسماعيل علي محمد
- التصنيف: