يا أيها الحجيج (4)
يا أيها الحجيج، يا إخوة الإسلام، بارك الله فيكم، وقَبِل مسعاكم.
يا أيها الحجيج، يا إخوة الإسلام، بارك الله فيكم، وقَبِل مسعاكم.
إن كثيرين يزعمون أن العلم وحده سبيل النهوض، وأنه لا حاجة للأخلاق قط، لكننا شاهدنا التجربة المُرَّة، تقرر عكس ذلك بالضبط، وذلك حين رأينا بعيوننا كيف صار العلم ومنجزاته عند كثير من دول الأرض سببًا للدمار حين انفصل عن كل توجيه خلقي، وتهذيب روحي، فإذا بنا نجد في بعض بُلدان العالم التي أحرزت تقدمًا علميًّا ممتازًا، عصاباتٍ للفتك والإجرام تتكون أحيانًا من أعلى الطبقات الاجتماعية، التي نالت أكبر حظ من المعرفة، وإذا بهذه العصابات الإجرامية فيها العالِمُ المخترع، والمهندسُ الذكي، والقانونيُّ الضليع، والأديبُ المشهور، والصيدليُّ النابه، وفيها كذلك أحيانًا رجلُ الأمن الذي مهمته الأولى محاربة الإجرام.
ذلك أكَّد بشكل حاسم أن الحضارة بلا خُلُق دمارٌ مؤكد، ورعب حقيقي، وأسقط دعوى القائلين بأن العلم وحده سبيل النهوض، وأبرز حاجة العصر للخُلُق المكين، والعفة والأمانة، والصدق والاستقامة، والتعاون والإيثار، والمودة والحنان.
وهذه الحاجة هي بعض هدايا إسلامكم العظيم للبشرية، فهل تقدمون هذه الهدايا إلى عصرنا اليوم الذي تشتد حاجته إليها يومًا بعد يوم، وتزداد بازدياد متاعبه ومشكلاته؟ إنها مسؤوليتكم تقع عليكم بحكم انتمائكم لهذا الدين الكريم، فهل أنتم لها واعون؟ وهل أنتم بها ملتزمون؟
يا إخوة الإسلام من الحجيج وغير الحجيج.
أنتم مدعوُّون للإنقاذ، إنقاذ أنفسكم أولًا، وإنقاذ أمتكم بعد ذلك، وإنقاذ الحضارة التي باتت في الاحتضار، أنتم المدعوون لهذا الإنقاذ، وأنتم وحدكم القادرون عليه؛ لأنكم تملكون وسائله وأدواته؛ وهي أن تطبقوا الإسلام في دياركم، وتحملوه إلى الآخرين، فذلكم هو الحل الوحيد.
وإن لكم فيه سابقة ممتازة، فالإسلام حقق التجربة الفذة الرائعة في التاريخ حين تعايشت في ظلِّه الطَّهورِ المللُ والنِّحَلُ، والأجناسُ والأقوام، واللغاتُ والألوان، والأزياءُ والأمزجة، دون أي صراع طبقي، أو حقد اجتماعي، فليست هناك عداوة وأحقاد، ولا مستغِلُّون ولا مستغَلُّون، بل ينعَم الجميع بنعمة الأمن والعافية، والمساواة والعدالة.
ذلك أن الإسلام العظيم منح الجميع عطاياه المباركة؛ هذه التي أنعم بها حتى غير المسلمين، وسعدت بها الأقلياتُ التي ظلت تعيش في المجتمع الإسلامي، مع إصرارها على البقاء على أديانها الخاصة، إن ذلك أمرٌ عظيم جدًّا حقَّقه أسلافكم من قبلُ، وإن بوسعكم اليوم أن تحققوه يا إخوة الإسلام، فهل أنتم فاعلون؟!
يا إخوة الإسلام، لقد سقط إلى الأبد ذلك التوزيعُ الآثم الذي صنعته حضارة الرومان قديمًا، حين وزعت الناس إلى سادة وعبيد، رومان وبرابرة، سقط هذا التوزيع إلى الأبد؛ لأن حب المساواة جزء من فطرة الناس، سقط ذلك كله، وسقط كذلك ما كان يزعمه الغرب من أنه وحده أستاذ العالم في كل شيء بدعوى أن الرجل الأبيض وحده الذكي، وحده المتفوق، بينما الآخرون أغبياء ومتخلفون، لذلك أباح لنفسه أن يتصرف بالآخرين كما يريد، ويعدو عليهم كما يشاء، ويسلُب خيراتهم كما يحلو له، ويقتل منهم مَنْ يَوَدُّ كما يطيب لخاطره، سقط هذا الزعم، وسقطت دعاوى الرجل الأبيض؛ لأنها وهمٌ ليس له سندٌ من الحقيقة.
وكما سقط التوزيع الروماني القديم للناس، وكما سقطت مزاعم الرجل الأبيض في الغرب، سقطت أيضًا مزاعم الملاحدة، أولئك الذين جعلوا نشاط البشر كله، خلال أحقاب التاريخ كلها، هو البحث عن الطعام فقط، وسدُّ جوعة الجسد فقط، وجعلوا الصراع بين الناس في الأرض كل الأرض، خلال أحقاب الزمن كله، صراعًا بين بطون خاوية جائعة، تحقد وتتمرد على بطون ممتلئة.
سقطت مزاعم هؤلاء جميعًا سقوطًا ذريعًا - يا إخوة الإسلام - لأنها تخالف بَداهة العقل، وشواهد التجربة، ولأنها حين أقامت مجتمعات لها تزعم أنها مجتمعات السعادة البشرية، كان فيها ظلمٌ كبير، وحقد مدمرٌ، وإذلال لا مثيل له، فليس ثمة عدالة، وليس ثمة كرامة، وليس ثمة حتى شَبَع، فكان مجتمعها الذي بَنَتْهُ أكبر دليل على ما زعمت وزوَّرت وخدعت.
يا أيها الحجيج، يا إخوة الإسلام، إن بوسعكم وحدكم وقد سقطت هذه المزاعم جميعًا رومانية وغربية، وإلحادية وشيوعية أن تقدموا البديل العظيم وهو الإسلام الذي لا يمايز بين الأفراد، ولا بين الجماعات، إلا من خلال معيار واحد هو التقوى فقط، وبذلك يحقق الإسلام تكافؤ الفرص حين لا يضع حواجز مسبقة ظالمة، فهل أنتم فاعلون؟
______________________________________________
الكاتب: د. حيدر الغدير
- التصنيف: