لِّلَّذِينَ يُؤْلُونَ مِن نِّسَائِهِمْ (2)

منذ 2022-07-04

فإن قيل: لماذا جاءت الآية بنفي الجناح عليهما؟ فالجواب أن طلب الفداء والطلاق حرام على الزوجة بدون سبب؛ وحرام على الزوج أيضاً أن يأخذ شيئاً مما آتاها بدون سبب.

{بسم الله الرحمن الرحيم }

كان الاعتناء بذكر ما للنساء من الحقوق على الرجال، وتشبيهه بما للرجال على النساء؛ لأن حقوق الرجال على النساء مشهورة، مسلمة من أقدم عصور البشر، فأما حقوق النساء فلم تكن مما يلتفت إليه أو كانت متهاونا بها، وموكولة إلى مقدار حظوة المرأة عند زوجها، حتى جاء الإسلام فأقامها. وأعظم ما أسست به هو ما جمعته هذه الآية.

«روى البخاري عن عمر بن الخطاب -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ-: وَكُنَّا مَعْشَرَ قُرَيْشٍ نَغْلِبُ النِّسَاءَ، فَلَمَّا قَدِمْنَا عَلَى الْأَنْصَارِ إِذَا هُمْ قَوْمٌ تَغْلِبُهُمْ نِسَاؤُهُمْ فَطَفِقَ، نِسَاؤُنَا يَأْخُذْنَ مِنْ أَدَبِ نِسَاءِ الْأَنْصَارِ، فَصِحْتُ عَلَى امْرَأَتِي فَرَاجَعَتْنِي فَأَنْكَرْتُ أَنْ تُرَاجِعَنِي، فَقَالَتْ: وَلِمَ تُنْكِرُ أَنْ أُرَاجِعَكَ فَوَاللَّهِ إِنَّ أَزْوَاجَ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ليُرَاجِعْنَهُ، وَإِنَّ إِحْدَاهُنَّ لَتَهْجُرُهُ الْيَوْمَ حَتَّى اللَّيْلِ، فَأَفْزَعَنِي فَقُلْتُ: خَابَتْ مَنْ فَعَلَ مِنْهُنَّ بِعَظِيمٍ، ثُمَّ جَمَعْتُ عَلَيَّ ثِيَابِي فَدَخَلْتُ عَلَى حَفْصَةَ، فَقُلْتُ: أَيْ حَفْصَةُ، أَتُغَاضِبُ إِحْدَاكُنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- الْيَوْمَ حَتَّى اللَّيْلِ؟ فَقَالَتْ: نَعَمْ. فَقُلْتُ: خَابَتْ وَخَسِرَتْ، أَفَتَأْمَنُ أَنْ يَغْضَبَ اللَّهُ لِغَضَبِ -رَسُولِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَتَهْلِكِينَ، لَا تَسْتَكْثِرِي عَلَى رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَلَا تُرَاجِعِيهِ فِي شَيْءٍ، وَلَا تَهْجُرِيهِ، وَاسْأَلِينِي مَا بَدَا لَكِ، وَلَا يَغُرَّنَّكِ أَنْ كَانَتْ جَارَتُكَ هِيَ أَوْضَأَ مِنْكِ وَأَحَبَّ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يُرِيدُ عَائِشَةَ. »

وفيه أيضا عن ابن عباس عنه: كُنَّا فِي الْجَاهِلِيَّةِ لَا نَعُدُّ النِّسَاءَ شَيْئًا، فَلَمَّا جَاءَ الْإِسْلَامُ وَذَكَرَهُنَّ اللَّهُ، رَأَيْنَا لَهُنَّ بِذَلِكَ عَلَيْنَا حَقًّا مِنْ غَيْرِ أَنْ نُدْخِلَهُنَّ فِي شَيْءٍ مِنْ أُمُورِنَا.

{{بِالْمَعْرُوفِ}} بالوجه الذي لا ينكر في الشرع وعادات الناس، ولا يكلف أحدهما الآخر من الأشغال ما ليس معروفاً له، بل يقابل كل منهما صاحبه بما يليق به.

{{وَلِلرِّجَالِ عَلَيْهِنَّ دَرَجَةٌ}} القوامة، والدرجة ما يرتقي عليه في سلم أو نحوه، والقصد منها الارتفاع والعلو، ويسمون الدرجة إذا نزل منها النازل: دركة، لأنه يدرك بها المكان النازل إليه.

أشير إلى ذلك الاستحقاق في قوله تعالى: {{الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاءِ بِمَا فَضَّلَ اللَّهُ بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ}} [النساء:34]

فالرجل شرعا هو القيم على المرأة، أتى بالمظهر عوض المضمر إذ كان لو أتى على المضمر لقال: (ولهم عليهنّ درجة)، للتنويه بذكر الرجولية التي بها ظهرت المزية للرجال على النساء، من زيادة القوة العقلية، والبدنية.

ففيها إثبات لتفضيل الأزواج في حقوق كثيرة على نسائهم لكيلا يظن أن المساواة المشروعة بقوله: {{وَلَهُنَّ مِثْلُ الَّذِي عَلَيْهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ}} مطردة، ولزيادة بيان المراد من قوله: {{بِالْمَعْرُوفِ}} ، وهذا التفضيل ثابت على الإجمال لكل رجل.

وهذه الدرجة هي ما فضل به الأزواج على زوجاتهم: من الإذن بتعدد الزوجة للرجل، دون أن يؤذن بمثل ذلك للأنثى، وذلك اقتضاه التزيد في القوة الجسمية، ووفرة عدد الإناث في مواليد البشر، ومن جعل الطلاق بيد الرجل دون المرأة، والمراجعة في العدة كذلك، وذلك اقتضاه التزيد في القوة العقلية وصدق التأمل، وكذلك جعل المرجع في اختلاف الزوجين إلى رأي الزوج في شئون المنزل، لأن كل اجتماع يتوقع حصول تعارض المصالح فيه، يتعين أن يجعل له قاعدة في الانفصال والصدر عن رأي واحد معين، من ذلك الجمع، ولما كانت الزوجية اجتماع ذاتين لزم جعل إحداهما مرجعا عند الخلاف، ورجح جانب الرجل لأن به تأسست العائلة، ولأنه مظنة الصواب غالبا، ولذلك إذا لم يمكن التراجع، واشتد بين الزوجين النزاع، لزم تدخل القضاء في شأنهما، وترتب على ذلك بعث الحكمين كما في آية {{وَإِنْ خِفْتُمْ شِقَاقَ بَيْنِهِمَا} } [النساء:35].

وقيل أن الدرجة هي ما تريده النساء من البر والإكرام والطواعية والتبجيل في حق الرجال، وذلك أنه لما قدّم أن على كل واحد من الزوجين للآخر عليه مثل ما للآخر عليه، اقتضى ذلك المماثلة، فبين أنهما، وإن تماثلا في ما على كل واحد منهما للآخر، فعليهن مزيد إكرام وتعظيم لرجالهنّ، وأشار إلى العلة في ذلك: وهو كونه رجلاً يغالب الشدائد والأهوال، ويسعى دائماً في مصالح زوجته، ويكفيها تعب الاكتساب، فبإزاء ذلك صار عليهنّ درجة للرجل في مبالغة الطواعية، وفيما يفضي إلى الاستراحة عندها.

{{وَاللّهُ عَزِيزٌ}} غالب، لأن العزة في كلام العرب القوة، كما قال تعالى: {لَيُخْرِجَنَّ الْأَعَزُّ مِنْهَا الْأَذَلَّ} [المنافقون:8] {{حَكُيمٌ}} المتقن الأمور في وضعها.

إشعاراً بوجوب تنفيذ هذه التعاليم لعزة الله تعالى وحكمته، فإن الغالب يجب أن يطاع، والحكيم يجب أن يسلم له في شرعه لأنه صالح نافع غير ضار.

ناسب وصفه تعالى بالعزة وهو القهر والغلبة، وهي تناسب التكليف، وناسب وصفه بالحكمة وهي إتقان الأشياء ووضعها على ما ينبغي، وهي تناسب التكليف أيضاً.

قال ابن عاشور: والكلام تذييل وإقناع للمخاطبين، وذلك أن الله تعالى لما شرع حقوق النساء كان هذا التشريع مظنة المتلقي بفرط التحرج من الرجال، الذين ما اعتادوا أن يسمعوا أن للنساء معهم حظوظا، غير حظوظ الرضا، والفضل، والسخاء، فأصبحت لهن حقوق يأخذنها من الرجال كرها، إن أبوا، فكان الرجال بحيث يرون في هذا ثلما لعزتهم، كما أنبأ عنه حديث عمر بن الخطاب المتقدم، فبين الله تعالى أن الله عزيز أي قوي لا يعجزه أحد، ولا ينفي أحدا، وأنه حكيم يعلم صلاح الناس، وأن عزته تؤيد حكمته فينفذ ما اقتضته الحكمة بالتشريع، والأمر الواجب امتثاله، ويحمل الناس على ذلك وإن كرهوا.

{{الطَّلاَقُ مَرَّتَانِ} } الطلاق الرجعي مرتان، أي يملك الزوج الإِرجاع في طلقتين، أما إن طلق الثالثة فلا يملك ذلك ولا ترجع حتى تنكح زوجا غيره، وفيه حرمة الطلاق الثلاث بلفظ واحد.

روى مالك في جامع الطلاق من "الموطأ": عن هشام بن عروة عن أبيه أنه قال: كان الرجل إذا طلق امرأته ثم ارتجعها قبل أن تنقضي عدتها كان له ذلك وإن طلقها ألف مرة، فعمد رجل إلى امرأته فطلقها حتى إذا شارفت انقضاء عدتها راجعها ثم طلقها ثم قال والله لا آويك ولا تحلين أبدا، فأنزل الله تعالى: {الطَّلاقُ مَرَّتَانِ فَإِمْسَاكٌ بِمَعْرُوفٍ أَوْ تَسْرِيحٌ بِإِحْسَانٍ} فاستقبل الناس الطلاق جديدا من يومئذ من كان طلق منهم أو لم يطلق".

وروى أبو داود والنسائي عن ابن عباس قريبا منه. ورواه الحاكم في "مستدركه" إلى عروة بن الزبير عن عائشة -رَضِيَ اللَّهُ عَنْها-، قالت: لم يكن للطلاق وقت يطلق الرجل امرأته ثم يراجعها ما لم تنقض العدة، وكان بين رجل من الأنصار وبين أهله بعض ما يكون بين الناس فقال: والله لا تركتك لا أيما ولا ذات زوج، فجعل يطلقها حتى إذا كادت العدة أن تنقضي راجعها ففعل ذلك مرارا فأنزل الله تعالى: {الطَّلاقُ مَرَّتَانِ}

وفي الآية إشارة إلى أن الطلاق المكرر بلفظ واحد ليس بطلاق؛ بمعنى أنه لا يتكرر به الطلاق؛ لأن قوله تعالى: {{الطَّلاَقُ مَرَّتَانِ}} وصف يجب أن يكون معتبراً؛ فإذا طلقت امرأتك؛ فقلت: أنت طالق؛ فقد طلقت؛ فإذا قلت ثانية: «أنت طالق» فكيف تورد طلاقاً على مطلقة؛ لأن الطلاق لا يرد إلا على من كانت غير مطلقة حتى يقال: طلقت؛ وهنا قال تعالى: {الطَّلاَقُ مَرَّتَانِ}؛ ولهذا قال الفقهاء -رحمهم الله-: لو أن الرجل طلق امرأته، وحاضت مرتين، ثم طلقها بعد الحيضة الثانية لا تستأنف عدة جديدة للطلقة الثانية؛ بل تبني على ما مضى؛ وإذا حاضت الثالثة، وطهرت انقضت عدتها؛ لأن الطلاق الثاني ليس له عدة؛ وهذا مما يؤيد اختيار شيخ الإسلام ابن تيمية: أن الطلاق المكرر لا عبرة به إلا أن يصادف زوجة غير مطلقة؛ ولأن الله سبحانه وتعالى قال: {فَطَلِّقُوهُنَّ لِعِدَّتِهِنَّ}؛ والفقهاء الذين خالفوا في ذلك يقولون: إنه إذا كرر الطلاق في المرة الثانية لا تستأنف العدة؛ فإذاً هي مطلقة لغير عدة فلا يقع الطلاق؛ لأنه سيكون على خلاف ما أمر الله به؛ وقد ثبت عن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أنه قال: (من عمل عملاً ليس عليه أمرنا فهو رد)

والواقع أن من تأمل هذا الكلام لشيخ الإسلام تبين له أنه لا يسوغ القول بخلافه؛ لأنك إذا تأملت كلامه في أنه لا يقع طلاق على طلاق، وأنه لا يتكرر إلا على زوجة غير مطلقة فلا يمكن أن يتكرر الطلاق إلا إذا راجعها، أو عقد عليها عقداً جديداً؛ وهذا القول هو الراجح؛ وهو الذي عليه الفتوى؛ أنه لا طلاق على طلاق حتى لو قال ألف مرة: أنت طالق؛ فليس إلا مرة واحدة فقط؛ ويدل على هذا قول تعالى: {الطَّلاَقُ مَرَّتَانِ} أي مرة بعد مرة؛ فلا بد أن يقع على زوجة غير مطلقة.

{ {فَإِمْسَاكٌ بِمَعْرُوفٍ أَوْ تَسْرِيحٌ بِإِحْسَانٍ}} والمعروف هنا هو ما عرفه الناس في معاملاتهم من الحقوق التي قررها الإسلام أو قررتها العادات التي لا تنافي أحكام الإسلام. وهو يناسب الإمساك، لأنه يشتمل على أحكام العصمة كلها من إحسان معاشرة، وغير ذلك، فهو أعم من الإحسان. وأما التسريح فهو فراق ومعروفه منحصر في الإحسان إلى المفارقة بالقول الحسن، والبذل بالمتعة، كما قال تعالى: {{فَمَتِّعُوهُنَّ وَسَرِّحُوهُنَّ سَرَاحاً جَمِيلاً}} [الأحزاب:49]

فالمعروف أخف من الإحسان إذ المعروف حسن العشرة وإعطاء حقوق الزوجية، والإحسان ألا يظلمها من حقها فيقتضي إعطاء، وبذل المال أشق على النفوس من حسن المعاشرة... وقدم الإمساك على التسريح إيماء إلى أنه الأهم، المرغب فيه في نظر الشرع

{{وَلاَ يَحِلُّ لَكُمْ أَن تَأْخُذُواْ مِمَّا آتَيْتُمُوهُنَّ}} حرم تعالى على الزوج أن يأخذ من مهر زوجته شيئا بدون رضاها {شَيْئاً} من النكرات المتوغلة في الإبهام، تحذيرا من أخذ أقل قليل، إشارة إلى خطر الأخذ منهن، قليلاً كان أو كثيراً.

{{إِلاَّ أَن يَخَافَا أَلاَّ يُقِيمَا حُدُودَ اللّهِ}} من حسن العشرة، وأسند هذا الفعل لهما دون بقية الأمة لأنهما اللذان يعلمان شأنهما.

{{فَإِنْ خِفْتُمْ أَلاَّ يُقِيمَا حُدُودَ اللّهِ فَلاَ جُنَاحَ عَلَيْهِمَا فِيمَا افْتَدَتْ بِهِ}} فإن خافت المرأة أن لا تؤدي حقوق الزوجية جاز الفداء، وهو دفع مال للزوج ليخلي سبيلها تذهب حيث شاءت، ويسمى هذا «خلعاً».

فإن قيل: لماذا جاءت الآية بنفي الجناح عليهما؟ فالجواب أن طلب الفداء والطلاق حرام على الزوجة بدون سبب؛ وحرام على الزوج أيضاً أن يأخذ شيئاً مما آتاها بدون سبب.

أما مع استقامة الحال فلا يجوز طلب الخلع؛ فروى الإمام أحمد عَنْ ثَوْبَانَ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ- قَالَ رَسُولُ الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «(أَيُّمَا امْرَأَةٍ سَأَلَتْ زَوْجَهَا الطَّلَاقَ مِنْ غَيْرِ مَا بَأْسٍ فَحَرَامٌ عَلَيْهَا رَائِحَةُ الْجَنَّةِ)» .

وروى الترمذي عَنْ ثَوْبَانَ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ- عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: (المُخْتَلِعَاتُ هُنَّ المُنَافِقَاتُ) [صححه الألباني]

وعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ- قَالَ: « قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (إِنَّ الْمُخْتَلِعَاتِ وَالْمُنْتَزِعَاتِ [أي الجاذبات أنفسهن من أزواجهن بأن يردن قطع الوصلة بالفراق] هُنَّ الْمُنَافِقَاتُ) » [مصنف ابن أبي شيبة، وصححه الألباني]

ومن فارق الزوجة بغير طلاق فليس عليها أن تعتد بثلاث حيض، كالمختلعة؛ وعليه فيكفي أن تستبرئ بحيضة؛ وهذا هو القول الراجح.

روى البخاري وغيره عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهما- أَنَّ امْرَأَةَ ثَابِتِ [اسمها جميلة بنت أبي بن سلول، أو حَبِيبَةُ بِنْتُ سَهْلٍ] بْنِ قَيْسٍ بْنِ شَمَّاسٍ [وفي رواية: وَكَانَ رَجُلًا دَمِيمًا] أَتَتْ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَقَالَتْ: يَا رَسُولَ اللَّهِ ثَابِتُ بْنُ قَيْسٍ مَا أَعْتِبُ عَلَيْهِ [لا أعيبه ولا ألومه] فِي خُلُقٍ وَلَا دِينٍ، وَلَكِنِّي أَكْرَهُ الْكُفْرَ [وفي رواية: لَا أُطِيقُهُ بُغْضًا، وفي رواية: لَوْلَا مَخَافَةُ اللَّهِ إِذَا دَخَلَ عَلَيَّ لَبَصَقْتُ فِي وَجْهِهِ] فِي الْإِسْلَامِ [أي أن أقع في أسباب الكفر من سوء العشرة مع الزوج ونقصانه حقه ونحو ذلك] فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «(أَتَرُدِّينَ عَلَيْهِ حَدِيقَتَهُ)» [بستانه الذي أعطاها إياه مهرا] قَالَتْ: نَعَمْ. قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: « (اقْبَلْ الْحَدِيقَةَ وَطَلِّقْهَا تَطْلِيقَةً)» [طلقة واحدة رجعية] فَكَانَ ذَلِكَ أَوَّلَ خُلْعٍ كَانَ فِي الإِسْلاَمِ. وَلَمْ يَجْعَلْ لَهَا نَفَقَةً وَلاَ سُكْنَى.

وفي رواية: أن جميلة بنت عبد الله بن أبيّ كانت تحت ثابت بن قيس بن شماس، وكانت تبغضه وهو يحبها، فشكته إلى أبيها فلم يشكها، ثم شكته إليه ثانية وثالثة وبها أثر ضرب فلم يشكها، فأتت النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وشكته إليه وأرته أثر الضرب، وقالت: لا أنا ولا ثابت، لا يجمع رأسي ورأسه شيء، والله لا أعتب عليه في دين ولا خلق، لكني أكره الكفر في الإسلام ما أطيقه بغضاً، إني رفعت جانب الخيام فرأيته أقبل في عدة وهو أشدهم سواداً، وأقصرهم قامة، وأقبحهم وجهاً، فقال ثابت: ما لي أحب إلى منها بعدك يا رسول الله، وقد أعطيتها حديقة تردها عليّ، وأنا أخلي سبيلها، ففعلت ذلك فخلى سبيلها، وكان أول خلع في الإسلام.

جمع وترتيب

د/ خالد سعد النجار

[email protected]

 

خالد سعد النجار

كاتب وباحث مصري متميز

  • 0
  • 0
  • 1,635

هل تود تلقي التنبيهات من موقع طريق الاسلام؟

نعم أقرر لاحقاً