يوم التباهي الأعظم
محمد سيد حسين عبد الواحد
أسأل الله تعالي أن يرزقنا الحج والعمرة، وأن يرزقنا الخير كله في الحياة وبعد الممات... اللهم آمين.
- التصنيفات: العشر من ذي الحجة -
أيها الإخوة الكرام: نحن اليوم على موعد لنتحدث عن يوم ليس هو من أعظم أيام الدنيا فقط بل هو أعظمها وأشرفها وأكرمها عند الله سبحانه وتعالى وأرفعها قدرا..
وإذا كان للعشر أيام الأول من ذي الحجة من فضل فيرجع فضلها لأن من بين أيامها هذا اليوم!!
هو اليوم الذي نزل فيه قول الله عز وجل: { ٱلْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِى وَرَضِيتُ لَكُمُ ٱلْإِسْلَٰمَ دِينًا ۚ }
إنه يوم عرفة، يوم الرحمة، والمغفرة، والعتق من النار، يوم عيد من أعياد المسلمين المعدودة والمشهودة فعن عُقْبَةَ بْنَ عَامِرٍ رضي الله عنه قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : «" يَوْمُ عَرَفَةَ، وَيَوْمُ النَّحْرِ، وَأَيَّامُ التَّشْرِيقِ عِيدُنَا أَهْلَ الْإِسْلَامِ، وَهُنَّ أَيَّامُ أَكْلٍ وَشُرْبٍ "» .
يوم عرفة: هو يوم واحد في السنة كلها، يوم لا يأتي في العام إلا مرة ثم إنه لا يتكرر..
يوم عرفة هو يوم يقف فيه حجاج البيت الحرام على صعيد عرفات من بعد زوال الشمس إلي فجر يوم النحر ومن لم يقف بعرفة فلا حج له فعن عَبْد الرَّحْمَنِ بْن يَعْمَرَ الدِّيلِيَّ ، قَالَ : «شَهِدْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ وَاقِفٌ بِعَرَفَةَ وَأَتَاهُ نَاسٌ مِنْ أَهْلِ نَجْدٍ، فَقَالُوا : يَا رَسُولَ اللَّهِ، كَيْفَ الْحَجُّ ؟ قَالَ : " الْحَجُّ عَرَفَةُ، فَمَنْ جَاءَ قَبْلَ صَلَاةِ الْفَجْرِ لَيْلَةَ جَمْعٍ فَقَدْ تَمَّ حَجُّهُ» ..
يوم عرفة هو يوم الرحمة هو يوم المغفرة يوم تصب فيه الرحمات صبا على المؤمنين والمؤمنات، والعابدين والعابدات، والحامدين والحامدات، والمستغفرين والمستغفرات..
يوم يكون فيه الشيطان أغيظ ما يكون وأصغر ما يكون وأدحر ما يكون وأحقر ما يكون بسبب ما يرى من تنزل الرحمات ومن قبول الدعوات، ومن غفران الزلات..
فعَنْ طَلْحَةَ بْنِ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ كَرِيزٍ : أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : " « مَا رُئِيَ الشَّيْطَانُ يَوْمًا هُوَ فِيهِ أَصْغَرُ وَلَا أَدْحَرُ وَلَا أَحْقَرُ وَلَا أَغْيَظُ مِنْهُ فِي يَوْمِ عَرَفَةَ ؛ وَمَا ذَاكَ إِلَّا لِمَا رَأَى مِنْ تَنَزُّلِ الرَّحْمَةِ، وَتَجَاوُزِ اللَّهِ عَنِ الذُّنُوبِ الْعِظَامِ، إِلَّا مَا أُرِيَ يَوْمَ بَدْرٍ "، قِيلَ : وَمَا رَأَى يَوْمَ بَدْرٍ يَا رَسُولَ اللَّهِ ؟ قَالَ : " أَمَا إِنَّهُ قَدْ رَأَى جِبْرِيلَ يَزَعُ الْمَلَائِكَةَ » ".
يوم عرفة يوم يفرح فيه الإله العظيم سبحانه وتعالى، فرحا يليق بجلاله وكماله سبحانه وتعالى، يفرح بعباده فرح إنعام وإحسان فيغفر الذنب ويقبل التوب ويعتق من النار:
قَالَتْ عَائِشَةُ : إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ : " « مَا مِنْ يَوْمٍ أَكْثَرَ مِنْ أَنْ يُعْتِقَ اللَّهُ فِيهِ عَبْدًا مِنَ النَّارِ مِنْ يَوْمِ عَرَفَةَ، وَإِنَّهُ لَيَدْنُو، ثُمَّ يُبَاهِي بِهِمُ الْمَلَائِكَةَ، فَيَقُولُ : مَا أَرَادَ هَؤُلَاءِ» ".
إنه يوم التباهي، يتباهى الله فيه أمام الملائكة بعباده المؤمنين والمؤمنات، والذاكرين والذاكرات ، والشاكرين والشاكرات ، التائبين والتائبات والسائلين والسائلات ، وفي المرة الوحيدة التي يتنزل فيها سبحانه وتعالى إلى سماء الدنيا نهارا يقول : «انْظُرُوا إِلَى عِبَادِي، أَتَوْنِي شُعْثًا غُبْرًا» ".
رضا الله سبحانه وتعالى موفور في يوم عرفة من هنا كان ولم يزل باب الرجاء والطمع في رحمة الله تعالى مفتوحا لكل عمل صالح ولكل دعوة مستجابة قَالَ النبي عليه الصلاة والسلام: " خَيْرُ الدُّعَاءِ دُعَاءُ يَوْمِ عَرَفَةَ، وَخَيْرُ مَا قُلْتُ أَنَا وَالنَّبِيُّونَ مِنْ قَبْلِي : لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، لَهُ الْمُلْكُ وَلَهُ الْحَمْدُ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ ".
ولأن يوم عرفة هو أعظم أيام الدنيا وأشرفها وأكرمها كان العمل الصالح فيه أعظم وكان الثواب فيه أكرم قال النبي عليه الصلاة والسلام " «صِيَامُ يَوْمِ عَرَفَةَ إِنِّي أَحْتَسِبُ عَلَى اللَّهِ أَنْ يُكَفِّرَ السَّنَةَ الَّتِي قَبْلَهُ، وَالَّتِي بَعْدَهُ » "
أيها الإخوة الكرام : هذا فضل كبير من الله سبحانه وتعالى، فاغتنموه، إدراك يوم عرفة وهو بهذا الفضل وفيه كل هذه الرحمات نعمة كبيرة من الله سبحانه وتعالى فاشكروا الله تعالى عليها، اجعلوا من يوم عرفة يوما تترحمون فيه على آبائكم وأمهاتكم، اجعلوا منه يوما تدعون فيه لأنفسكم وأولادكم، اجعلوا من يوم عرفة يوما تتصالحون فيه مع الله سبحانه وتعالى فاذكروه واشكروه واستغفروه فإن رحمة الله قريب من المحسنين..
أسأل الله العظيم رب العرش الكريم أن يبلغنا يوم عرفة وأن يجعلنا من عتقاء يوم عرفة، وأن يجعلنا من المقبولين.. اللهم آمين.
الخطبة الثانية
بقي لنا في ختام الحديث الذي صدرناه بالحديث عن يوم عرفة.. بقى لنا أن نقول:
إن رسول الله صلى الله عليه وسلم حج في الإسلام مرة واحدة، ووقف فيها على عرفات في يوم عرفة وكان أبرز أحداث يوم عرفة في حجة الوداع ( خطبة الوداع)
آخر لقاء بين رسول الله وبين أمته في الحياة الدنيا، يومها قال: أيها الناس اسمعوا قولي فإني لا أدري لعلي لا ألقاكم بعد عامي هذا..
من هنا كان الحديث الطويل وكانت الوصية الجامعة وصية المودع، كانت خطبة الوداع في يوم عرفة..
لملم فيها رسول الله كل شتات، وجمع فيها كل ما تفرق، تكلم عليه الصلاة والسلام عن حرمة الدماء، تكلم عن حرمة الأموال، تكلم عن حرمة الأعراض..
وهو ما نسميه اليوم بوثيقة حقوق الإنسان.. أسس لها رسول الإسلام محمد عليه الصلاة والسلام قبل أربعة عشر قرنا من الزمان قال: «(إِنَّ دِمَاءَكُمْ وَأَمْوَالَكُمْ وَأَعْرَاضَكُمْ بَيْنَكُمْ حَرَامٌ كَحُرْمَةِ يَوْمِكُمْ هَذَا فِى شَهْرِكُمْ هَذَا فِى بَلَدِكُمْ هَذَا أَلاَ لِيُبَلِّغِ الشَّاهِدُ الْغَائِبَ فَإِنَّ الشَّاهِدَ عَسَى أَنْ يُبَلِّغَ مَنْ هُوَ أَوْعَى مِنْهُ)»
ثم تكلم عليه الصلاة والسلام عن حرمة ما كان يفعله الناس في الجاهلية من التعامل بالربا ومن الأخذ بالثأر ومن لطم الخدود وشق الجيوب ومن تبرج النساء..
ثم أوصانا بالنساء خيراً..
أوصانا بأزواجنا، وأمهاتنا، وأخواتنا، وبناتنا، وعماتنا، وخالاتنا، تحت عنوان عريض يقول ( « استوصوا بالنساء خيراً» )
ثم ختم خطبته صلى الله عليه وسلّم بالحديث عن كتاب الله تعالى فهو أمان من الضلال فلا يضل من تمسك به وعمل به( كتاب الله عز وجل )
وفي ختام الحديث أراد رسول الله أن يستوثق لنفسه كي يطمئن قلبه فقال للناس:
«وَأَنْتُمْ مَسْئُولُونَ عَنِّي، فَمَا أَنْتُمْ قَائِلُونَ ؟»
" «. قَالُوا : نَشْهَدُ أَنَّكَ قَدْ بَلَّغْتَ وَأَدَّيْتَ وَنَصَحْتَ. ثُمَّ قَالَ بِأُصْبُعِهِ السَّبَّابَةِ يَرْفَعُهَا إِلَى السَّمَاءِ وَيَنْكُبُهَا إِلَى النَّاسِ : " اللَّهُمَّ اشْهَدِ، اللَّهُمَّ اشْهَدِ، اللَّهُمَّ اشْهَدْ ". ثُمَّ أَذَّنَ بِلَالٌ، ثُمَّ أَقَامَ، فَصَلَّى الظُّهْرَ، ثُمَّ أَقَامَ فَصَلَّى الْعَصْرَ، وَلَمْ يُصَلِّ بَيْنَهُمَا شَيْئًا، ثُمَّ رَكِبَ الْقَصْوَاءَ، حَتَّى أَتَى الْمَوْقِفَ، فَجَعَلَ بَطْنَ نَاقَتِهِ الْقَصْوَاءِ إِلَى الصَّخَرَاتِ، وَجَعَلَ حَبْلَ الْمُشَاةِ بَيْنَ يَدَيْهِ، فَاسْتَقْبَلَ الْقِبْلَةَ، فَلَمْ يَزَلْ وَاقِفًا حَتَّى غَرَبَتِ الشَّمْسُ» ..
أسأل الله تعالي أن يرزقنا الحج والعمرة، وأن يرزقنا الخير كله في الحياة وبعد الممات... اللهم آمين.