من أقوال السلف في تأديب الأبناء وتريبتهم-1
فهد بن عبد العزيز الشويرخ
قال الإمام ابن حزم رحمه الله: الصبي....مهما كان الأب يصونه عن نار الدنيا فلأن يصونه عن نار الآخرة أولى
- التصنيفات: تربية الأبناء في الإسلام -
الحمد لله رب العالمين, والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين نبينا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين...أما بعد: فالأبناء نعمة من الله يهبها لمن يشاء من عباده قال جل وعلا: { لِّلَّهِ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ ۚ يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ ۚ يَهَبُ لِمَن يَشَاءُ إِنَاثًا وَيَهَبُ لِمَن يَشَاءُ الذُّكُورَ*أوْ يُزَوِّجُهُمْ ذُكْرَانًا وَإِنَاثًا ۖ وَيَجْعَلُ مَن يَشَاءُ عَقِيمًا ۚ إِنَّهُ عَلِيمٌ قَدِيرٌ} [الشورى:49_50] فمن رزق الأبناء فتلك نعمة, فإن كانوا صالحين فتلك نعمة عظمى, ومنحة كبرى. قال العلامة السعدي رحمه الله:من أكبر نعم الله على عبده أن يهب له ولداً صالحاً, فإن كان عالماً كان نوراً على نور.
إن على الوالدين القيام بتأديب أبناءهم وتربيتهم, فهم أمانة عندهم, وسوف يسألون عنهم, قال علي بن أبي طالب رضي الله عنه في قوله تعالى: ﴿ {يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا} ﴾ [التحريم:6] قال: أدبوهم وعلموهم. وقال الحسن رحمه الله: مُرُوهم بطاعة الله وعلموهم الخيروقال ابن عمر رضي الله عنه: أدَّب ابنك فإنك مسؤول عنه: ماذا أدبته؟ وماذا علمته ؟ وقال الإمام ابن سيرين رحمه الله: كانوا يقولون: أكرم ولدك, وأحسن أدبه. وقال الإمام ابن حزم رحمه الله: الصبي أمانة عند والديه, وقلبه الطاهر جوهرة نفيسة ساذجة, خالية من كل نقش وصورة, وهو قابل لكل ما نقش, ومائل إلى كل ما يمال به إليه, فإن عود الخير وعلمه نشأ عليه وسعد في الدنيا والآخرة, وشاركه في ثوابه أبوه وكل معلم له ومؤدب وإن عود الشر وأهمل شقي وهلك, وكان الوزر في رقبة القيم عليه, والوالي له. وقال العلامة ابن باز رحمه الله: الوصية للآباء والأولياء أن يتقوا الله فيمن تحت أيديهم من الأولاد فهم أمانة عندهم, والله سبحانه سائلهم عن ذلك يوم القيامة.
ومن أهمل تأديب أبناءه, فقد أساء إليهم, قال العلامة ابن القيم رحمه الله: " فمن أهمل تعليم ولده ما ينفعه وتركه سدًى، فقد أساء إليه غاية الإساءة. وأكثر الأولاد إنما جاء فسادهم من قِبل الآباء وإهمالهم لهم، وترك تعليمهم فرائض الدين وسننه، فأضاعوهم صغارًا؛ فلم ينتفعوا بأنفسهم ولم ينفعوا آباءهم كبارًا؛ كما عاتب بعضهم ولده على العقوق فقال: "يا أبت إنك عققتني صغيرًا فعققتك كبيرًا، وأضعتني وليدًا فأضعتك شيخًا كبيرًا"، وكم ممن أشقى ولده وفلذة كبده في الدنيا والآخرة بإهماله وترك تأديبه وإعانته على شهواته ويزعم أنه يكرمه وقد أهانه وأنه يرحمه وقد ظلمه وحرمه ففاته انتفاعه بولده، وفوت عليه حظه في الدنيا والآخرة، وإذا اعتبرت الفساد في الأولاد رأيت عامته من قِبل الآباء ... فما أفسد الأبناء مثل تغفل الآباء وإهمالهم.
ومن ترك أبناءه على ما تهواه نفوسهم فقد غشّهم, وإساء إليهم, قال الشيخ سعد بن ناصر الشثري: في تربية الأولاد يتقرب الإنسان بالإحسان إلى أولاده بجعلهم على أكمل الأمور وأتمها, بما يعود عليهم بالنفع في دنياهم وأخراهم, أما ترك الأولاد مع ما تهواه نفوسهم فهو غش لهم, وليس من الإحسان, بل هذا إساءة إليهم.
ومن قام بتأديب أبناءه فقد قام بما وجب عليه, وصلاحهم من الله عز وجل, قال نمير بن قيس رحمه الله: الأدب من الآباء, والصلاح من الله.
للسلف أقوال في تأديب الأبناء يسّر الله فجمعت بعضاً منها, الله أسأل أن ينفع بها
- صلاح الوالدين من أعظم الأسباب لصلاح الأبناء وحفظهم:
** قال العلامة السعدي رحمه الله: صلاح الوالدين بالعلم والعمل من أعظم الأسباب لصلاح أولادهم.
** قال العلامة العثيمين رحمه الله: من بركة الصلاح في الآباء أن يحفظ الله الأبناء.
ـــــــــــــــ
- أمر الأبناء بالصلاة, وإيقاظهم لها, وضربهم عليها :
** قال العلامة ابن القيم رحمه الله: في المسند وسنن أبي داود من حديث عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «مُرُوا أبناءكم بالصلاة لسبع، واضربوهم عليها لعشر، وفرقوا بينهم في المضاجع» ففي هذا الحديث ثلاثة آداب: أمرهم بها، وضربهم عليها لعشر، والتفريق بينهم في المضاجع.
- تمرين الصغار على الطاعات:
** قال الإمام ابن حزم رحمه الله: ومهما بلغ سن التميز, فينبغي أن لا يسامح في ترك الطهارة والصلاة, ويؤمر بالصوم في بعض أيام رمضان.
** قال الإمام النووي رحمه الله: تمرين الصبيان على الطاعات, وتعويدهم العبادات.
ويستحب أن يعوك الصبي السواك ليعتاده.
- يُحفظ الصبي العلم إذا بلغ خمس سنين:
** قال الحافظ ابن الجوزي رحمه الله: من رزق ولداً, فليجتهد معه...فإذا بلغ خمس سنين أخذه بحفظ العلم,...فإن الحفظ في الصغر كالنقش في حجر.
** قال الإمام ابن حزم رحمه الله: الصبي....يشغل في المكتب, فيتعلم القرآن, وأحاديث الأخبار, وحكايات الأبرار وأحوالهم لينغرس في نفسه حب الصالحين.
- تربية الأبناء على خُلق الحياء:
** قال الإمام ابن حزم رحمه الله: الصبي...إذا كان يستحى, ويترك بعض الأفعال, حتى يرى بعض الأفعال قبيحاً, فهذه بشارة تدل على اعتدال الأخلاق, وصفاء القلب, ومبشر بكمال العقل عند البلوغ.
** قال الإمام ابن الجوزي رحمه الله: متى كان الصبي ذا أنفة – حيياً – رجي خيره.
- يعلم الأبناء طاعة الوالدين والمعلمين وكبار السن:
قال الإمام ابن حزم رحمه الله: الصبي...ينبغي أن يعلم طاعة والديه, ومعلمه, ومؤدبه, ومن هو أكبر منه سناً من قريب وأجنبي, وأن يترك اللعب بين أيديهم.
- إلحاق الأبناء بحلق تحفيظ القرآن فلها أثر كبير في أخلاقهم وتحصيلهم
**قال العلامة ابن حميد رحمه الله القرآن هداية للقلوب ولهذا تجد من قرأ القرآن يؤثر ذلك في سلوكه ويؤثر ذلك في أخلاقه في الغالب, ويؤثر في اتجاهه إلى الله, واستقامته, وفرق بينه وبين من لا يقرأ القرآن, جاء في الحديث: ( مثل المؤمن الذي يقرأ القرآن, مثلُ الأترجة, طعمها طيب, وريحها طيب.) ولهذا حثّ السلف على أن نعلم أطفالنا القرآن ليعتادوا الخير, وينشأوا نشأة طيبة, لأنه يؤثر في سلوكهم, ويؤثر في أخلاقهم.
** قال العلامة العثيمين رحمه الله: لا شك أن الالتحاق بجماعات تحفيظ القرآن، له أثر كبير بالنسبة لأخلاق الطالب، وأثر كبير بالنسبة لتحصيله؛ ولهذا لو سألنا أساتذة هؤلاء الطلبة، لقالوا: إنهم أحسن من الطلبة الآخرين الذين لم يلتحقوا بهذه الحِلَقِ، وهذا شيء مجرب مشاهد، خلافًا لما يظنه بعض الناس أنه إذا التحق بهذه الحلق أخذ من أوقاتهم الشيء الكثير الذي يمنعهم عن دروسهم النظامية، فإن هذا في الحقيقة وهْمٌ كبير لا حقيقة له.
واسألوا المدرسين عن هؤلاء الطلبة الذين التحقوا بجماعات تحفيظ القرآن الكريم، أو من فوقهم ممن التحقوا بالحلقاتِ العلمية، هل نقصهم ذلك ؟ أبدًا، بل زادهم خيرًا وحفظًا لكتاب الله، وسوف يحمدون العاقبة في المستقبل....ينبغي أن نعتني بالصبيان، وأن ننشئهم نشأة صالحة على عبادة الله، وعلى محبَّة الصلاة والمساجد والخير وغير ذلك، ومن هذا أن نحُثَّهم على الالتحاق بحلق تحفيظ القرآن، إنها حلق مباركة نافعة.
- من وصايا الآباء للأبناء:
** قال العباس بن عبدالمطلب لابنه عبدالله رضي الله عنهما: يا بني, إن أمير المؤمنين, _ يعنى عمر بن الخطاب _, يدنيك, فاحفظ عني ثلاثاً: لا تُفشين له سراً, ولا تغتابن عنده أحداً, ولا يطلعن منك على كذبة.
** قال لإمام أحمد لابنه: يا بني انوِ الخير, فإنك لا تزال بخير ما نويت الخير.
** روى أن لقمان الحكيم علية السلام قال لابنه: يا بني, استعن بالكسب الحلال.
** أوصى عمرو بن حبيب, بنيه فقال: إياكم ومجالسة السفهاء, فإن مجالستهم داء.
** قال الحافظ عبدالغني بن عبدالواحد المقدسي, رحمه الله, لابنه: يا بني: أوصيك بتقوى الله, والمحافظة على طاعته.
- الضرب لتأديب الأبناء وليس لتعذيبهم :
** قال لقمان: ضرب الوالد للولد كالسماد للزرع.
** قال العلامة ابن القيم رحمه الله: التأديب شيء والتعذيب شيء, التأديبُ يُرادُ به التهذيب والرحمةُ والإصلاحُ والتعذيب للعقوبة والجزاء على القبائح, فهذا لون وهذا لون
** قال العلامة العثيمين رحمه الله: الضرب لا شك أنه وسيلة من وسائل التعليم والتأديب, وقد قال أحكم المؤدبين, وأرحم المؤدبين من الناس صلى الله عليه وسلم: (( مروا أبناءكم بالصلاة لسبع, واضربوهم عليها لعشر ))
- الحذر من مؤدبي الأولاد ومربيهم ممن يتهمون في عقيدتهم:
قال لحافظ ابن حجر رحمه الله: عبد الصمد بن عبدالأعلى, كان يتهم بالزندقة, كان يؤدب الوليد بن يزيد بن عبدالملك, ويقال: إنه هو الذي أفسده.
- معرفة حال الصبي وما هو مستعد له من أعمال واستثمار ذلك:
قال العلامة ابن القيم رحمه الله: ومما ينبغي أن يُعتمد حال الصبي وما هو مستعد له من الأعمال ومهيأ له منها، فيعلم أنه مخلوق له فلا يحمله على غير ما كان مأذونًا فيه شرعًا؛ فإنه إن حمله على غير ما هو مستعد له، لم يفلح فيه وفاته ما هو مهيأ له، فإذا رآه حسن الفهم صحيح الإدراك جيد الحفظ واعيًا، فهذه من علامات قبوله وتهيئه للعلم، فلينقشه في لوح قلبه ما دام خاليًا فإنه يتمكن فيه ويستقر وإن رآه... مستعد للفروسية وأسبابها مكنه من .التمرن عليها ... وإن...رأى عينه مفتوحة إلى صنعة من الصنائع مستعدًّا لها قابلًا لها، وهي صناعة مباحة نافعة للناس، فليمكنه منها، هذا كله بعد تعليمه له ما يحتاج إليه في دينه، فإن ذلك ميسر على كل أحد.
- ملاطفة الأطفال ومداعبتهم:
قال الإمام النووي رحمه الله: استحباب ملاطفة الصبي, ومداعبته رحمه له, ولطفاً, واستحباب التواضع مع الأطفال.
- الرحمة والشفقة بالصغار:
قال العلامة محمد بن صالح العثيمين: كانت أُمامةُ بنتُ زينب، ابنةُ أبي العاص طفلة، كانت معه وهو يُصلي بالناس إمامُ الأئمة محمد رسول صلى الله عليه وعلى آله وسلم، يصلي بالناس وهو يحمل أُمامة إذا قام، وإذا سجد وضعها على الأرض، وإذا قام أخذها، فهل أحد منكم يفعل هذا؟! فعل الرسول ذلك ليكون أُسوة لأُمته برحمة هؤلاء الأطفال.
إذن: ارحموا من في الأرض يرحمكم من في السماء وجرب تجد فإذا أشفقت على الصبي الصغير ورحمته وقبلته وحملته وجعلته يضحك تجد في قلبك لينًا ومحبةً للضعفاء
تعويد الأبناء على الكلام والسلام باللغة العربية:
قال العلامة محمد بن صالح العثيمين رحمه الله: العجيب أن العجم، وهم من كلُّ سوى العرب، إذا سلَّمُوا فإنهم يسلمون باللغة العربية؛ لكن من العرب الذين أهانوا أنفسهم من يُعلمون أولادهم أن يُسلِّموا باللغة غير العربية، يقول لابنه إذا أراد أن ينصرف: (باي باي)، وهذا خطأ، فيجب ألا نتهاون في هذه الأمور، ولا ننسلخ من قيمنا، ولا ننسلخ من عُروبتنا؛ لأن اللغة من أكبر مُقومات الشعوب، ونحن ولله الحمدُ ديننا كتابُه بلسان عربي، فكلام نبينا صلى الله عليه وسلم بلسان عربي، وكلام علمائنا وسلفنا بلسان عربي، فلا يجب أن ننسلخ من لغتنا ونأخذ بلغة غيرنا.
- عدم تعويد الأبناء على التنعم والرفاهية:
قال الإمام ابن حزم رحمه الله: الصبي....مهما كان الأب يصونه عن نار الدنيا فلأن يصونه عن نار الآخرة أولى, وصيانته بأن يؤدبه ويهذبه ويعلمه محاسن الأخلاق, ولا يعوده التنعم, ولا يجبب إليه الزينة والرفاهية, فيضيع عمره في طلبها إذا كبر فيهلك.
ويحفظ الصبي عن الصبيان الذين عودوا التنعم والرفاهية, ولبس الثياب الفاخرة.
- العدل بين الأبناء في العطاء والمنع:
قال العلامة ابن القيم رحمه الله: في الصحيحين «عن النعمان بن بشير: أن أباه أتى به النبي صلى الله عليه وسلم فقال: إني نحلت ابني هذا غلامًا كان لي، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (( أكلَّ ولدك نحلت مثل هذا؟ )) فقال: لا، فقال: ((أرجعه))، وفي رواية لمسلم فقال: (( أفعلت هذا بولدك كلهم ؟ )) قال: لا، قال: (( اتقوا الله واعدلوا في أولادكم، قال: فرجع أبي في تلك الصدقة.)) » وكان السلف يستحبون أن يعدلوا بين الأولاد في القُبلة.