الغلو في الأولياء والصالحين
ولهم في ذلك تاريخ طويل ، ثم سرت تلك المنكرات منهم إلى طوائف أخرى وفي مقدمتهم منحرفو الصوفية لا سيما في العصور المتأخرة .
الغلو في الأولياء والصالحين ، وبناء المشاهد على القبور ، وإنفاق الأموال الطائلة في تشييدها وتزيينها بحيث تخلب ألباب العوام ، وإقامة الموالد ، والاستغاثة بالمقبورين ، وطلب المدد منهم ، والتمسح بقبورهم والطواف حولها وربما السجود لها : كل ذلك بدع منكرة تتفاوت في شناعتها ومقدار حرمتها ، وقد أحدثها وتفنن في إشاعتها أول الأمر : الشيعة بمختلف طوائفهم ، ولهم في ذلك تاريخ طويل ، ثم سرت تلك المنكرات منهم إلى طوائف أخرى وفي مقدمتهم منحرفو الصوفية لا سيما في العصور المتأخرة .
وانظر إلى مصر على سبيل المثال ، وكيف أحدث فيها الفاطميون الباطنية تلك الأمور لما استولوا عليها سنين طويلة وأكثروا من بناء الأضرحة والمشاهد ، ولذا تجد أن جل - إن لم يكن كل - ما ظهر من مشاهد وموالد مشهورة إنما ظهر في عصرهم وما بعده ، ولم يكن موجودا من قبل .
وتأمل هذا النص النفيس من رجل خبير بأقوال الفرق والطوائف ، والتأريخ لظهور المقالات - وهو ابن تيمية رحمه الله - حيث نبه إلى" أن خلافة بني العباس في أوائلها وفي حال استقامتها ..... لم يكونوا يعظمون المشاهد ، سواء منها ما كان صدقا أو كذبا كما حدث فيما بعد ، لأن الإسلام كان حينئذ ما يزال في قوته وعنفوانه.
ولم يكن على عهد الصحابة والتابعين وتابعيهم من ذلك شيء في بلاد الإسلام ، لا في الحجاز ولا اليمن ولا الشام ولا العراق ولا مصر ولا خراسان ولا المغرب ، ولم يكن قد أحدث مشهد لا على قبر نبي ولا صاحب ولا أحد من أهل البيت ولا صالح أصلا؛
بل عامة هذه المشاهد محدثة بعد ذلك. وكان ظهورها وانتشارها حين ضعفت خلافة بني العباس وتفرقت الأمة ، وكثر فيهم الزنادقة الملبسون على المسلمين ، وفشت فيهم كلمة أهل البدع وذلك من دولة المقتدر في أواخر المائة الثالثة.
فإنه إذ ذاك ظهرت القرامطة العبيدية القداحية بأرض المغرب. ثم جاءوا بعد ذلك إلى أرض مصر. ويقال: إنه حدث قريبا من ذلك: المكوس في الإسلام. وقريبا من ذلك ظهر بنو بويه. وكان في كثير منهم زندقة وبدع قوية. وفي دولتهم قوي بنو عبيد القداح بأرض مصر وفي دولتهم أظهر المشهد المنسوب إلى علي رضي الله عنه بناحية النجف وإلا فقبل ذلك لم يكن أحد يقول: إن قبر علي هناك " مجموع الفتاوى 27 / 465 .
- التصنيف: