من أقوال السلف في الشبع وكثرة الأكل
فهد بن عبد العزيز الشويرخ
للسلف أقوال في الشبع وكثرة الأكل, يسر الله الكريم فجمعت بعضاً منها, أسأل الله أن ينفع بها الجميع.
- التصنيفات: الآداب والأخلاق -
الحمد لله رب العالمين, والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين, نبينا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين...أما بعد: فيقول اله عز وجل: { يَا بَنِي آدَمَ خُذُوا زِينَتَكُمْ عِندَ كُلِّ مَسْجِدٍ وَكُلُوا وَاشْرَبُوا وَلَا تُسْرِفُوا ۚ إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ} [الأعراف:31] فقد أباح الله جل وعلا لعباده الأكل والشرب, ولكن بدون إسراف ومجاوزة للحد, قال الإمام البغوي رحمه الله: قال علي بن الحسين بن واقد: جمع الله الطب كله في نصف آية فقال: { َكُلُوا وَاشْرَبُوا وَلَا تُسْرِفُوا }
قال صلى الله عليه وسلم: ( «ما ملأ آدمي وعاءً شراً من بطنه, فإن كان لابدّ فاعلاً فثلثُ طعام وثلث شراب وثلث نفس» ) [أخرجه الترمذي, وقال حديث حسن]
قال الحافظ ابن رجب رحمه الله: هذا الحديث أصل جامع لأصول الطب كلها.
كثرة الأكل والشرب لها أضرار كثيرة, فينبغي للمسلم مجاهدة النفس على التقليل من الأكل والشرب ليسلم من كثير من الأمراض.
للسلف أقوال في الشبع وكثرة الأكل, يسر الله الكريم فجمعت بعضاً منها, أسأل الله أن ينفع بها الجميع.
- ذم الأكول الذي لا يشبع:
** قال الإمام ابن عبدالبر رحمه الله: ذم الأكول الذي لا يشبع, وأنها خلة مذمومة, وصفة غير محمودة, وأن القلة من الأكل أحمد وأفضل, وصاحبها عليها ممدوح.
** عن مالك بن دينار قال: لا ينبغي للمؤمن أن يكون بطنه أكبر همِّه, وأن تكون شهوته هي الغالبة عليه.
قال الحافظ ابن حجر رحمه الله: الشبع ما جاء من النهي عنه محمول على الشبع الذي يثقل المعدة, ويثبط صاحبه عن القيام للعبادة, ويفضي إلى البطر والأشر, والنوم والكسل.
- من أضرار الشبع وكثرة الأكل:
** قال عمر رضي الله عنه: إياكم والبطنة, فإنها ثقل في الحياة, ونتن في الممات.
** قال لقمان لابنه: يا بني, إذا امتلأت المعدة نامت الفكرة, وخرست الحكمة, وقعدت الأعضاء عن العبادة.
** قال عبدالله الداري: إن الشبع يقسي القلب ويفتر البدن.
** قال سفيان الثوري: إياكم والبطنة, فإنها تقسي القلب.
** قال سهل بن عبدالله ابن يونس التستري: البطنة أصل الغفلة.
** قال الإمام الخطابي البستي: من يتناول الطعام في غير أوان جوعه, ويأخذ منه فوق قدر حاجته, فإن ذلك لا يلبث أن يقع في أمراض مدنفة, وأسقام متلفة, وليس من علم كمن جهل, ولا من جرب وامتحن كمن ماد وخاطر.
** قال الشافعي: الشبع يثقل البدن, ويقسي القلب, ويزيل الفطنة, ويجلب النوم, ويضعف صاحبه عن العبادة.
** ذكر ابن عبدالبر وغيره أن عمر رضي الله عنه خطب يوماً فقال: إياكم والبطنة, فإنها مكسلة عن الصلاة, مؤذية للجسم.
** قال الإمام ابن عقيل رحمه الله: قال رجل لحكيم: كم آكل ؟ قال: دون الشبع.
** قال الفضيل بن عياض: ثنتان تقسيان القلب: كثرة الكلام, وكثرة الأكل.
** قال لقمان: يا بني, لا تأكل شيئاً على شبع, فإنك تتركه للكلب, خير لك من أن تأكله.
** قال الإمام الغزالي:
& الشبع يورث البلادة, والصبي إذا أكثر الأكل, بطل حفظه, وفسد ذهنه, وصار بطئ الفهم والإدراك
& أصل كل داءٍ التخم.
& كم من ذكر يجري على اللسان, ولكن القلب لا يلتذ به, ولا يتأثر حتى كأن بينه وبينه حجاباً من قسوة القلب, وقد يرق في بعض الأحوال فيعظم تأثره بالذكر, وتلذذه بالمناجاة, وخلو المعدة هو السبب الأظهر فيه.
& الشبعان ينسى الجائع, وينسى الجوع.
& العلم والعمل لا تمكن المواظبة عليهما إلا بسلامة البدن, ولا تصفو سلامة البدن إلا بالأطعمة والأقوات, والتناول بقدر الحاجة على تكرر الأوقات. فمن يقدم على الأكل ليستعين به على العلم والعمل, ويقوى به على التقوى, فلا ينبغي أن يترك نفسه مهملاً سدى, يسترسل في الأكل استرسال البهائم في المرعى.
& منشأ المعاصي كلها الشهوات والقوى, ومادة القوى والشهوات لا محالة الأطعمة, فتقليلها يضعف كل شهوة وقوة.
& وروى أن بعض الصالحين قال: نحن لا نأكل إلا حلالاً, فلذلك تستقيم قلوبنا.
& من تعود قلة الأكل كفاه من المال قدر يسير, والذي تعود الشبع صار بطنه غريماً ملازماً له.
& في كثرة الأكل ست خصال مذمومة:
يذهب خوف الله من قلبه.
يذهب رحمة الخلق من قلبه, لأنه يظن أنهم كلهم شباع.
يثقل عن الطاعة.
إذا سمع كلام الحكمة لا يجد له رقة.
إذا تكلم بالموعظة والحكمة لا يقع في قلوب الناس.
أنه يهيج الأمراض.
** قال الحافظ ابن رجب رحمه الله: من وفّى نفسه حظها من عيش جسده بالشهوات الحسية كالطعام والشراب فسد قلبه وقسى, وجلب له ذلك الغفلة وكثرة النوم, فنقص حظُّ روحه وقلبه من طعام المناجاة, فخسر خسراناً مبيناً.
** قال الشيخ سعد بن ناصر الشثري: قال طائفة من الأئمة بأن الشبع يثقل البدن, ويزيل الفطنة, ويجلب النوم, ويضعف صاحبه عن العبادة, وقد جاء في الصحيحين أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «المؤمن يأكل في معي واحدٍ, والكافر يأكل في سبعة أمعاءٍ»
- التثاؤب يكون من كثرة الأكل:
قال الحافظ ابن حجر رحمه الله: العطاس يكون من خفة البدن, وانفتاح المسام, وعدم الغاية من الشبع, وهو بخلاف التثاؤب, فإنه يكون من علة امتلاء البدن وثقله, مما يكون ناشئاً عن كثرة الأكل, والتخليط فيه, والأول يستدعى النشاط للعبادة, والثاني على عكسه.
التقلل من الأكل:
** قال وهيب بن الورد: الطعام الذي لا إسراف فيه: ما سدّ الجوع ودون الشبع.
** قال الحافظ ابن حجر رحمه الله: من شأن المؤمن التقلل من الأكل لاشتغاله بأسباب العبادة, ولعلمه بأن مقصود الشرع من الأكل ما يسد الجوع, ويمسك الرمق, ويعين على العبادة, ولخشيته أيضاً من حساب ما زاد على ذلك.
- من فوائد تقليل الطعام:
** قال عمر رضي الله عنه: عليكم بالقصد في قوتكم, فإنه أبعد من الأشر, وأصحُّ للبدن, وأقوى على العبادة.
** قال العلامة العثيمين رحمه الله:
& ملء البطن...غير محمود لأن الرسول صلى الله عليه وسلم قال: « حسب الآدمي لقيمات يُقمن صلبه, فإن غلبت الآدمي نفسه فثلث للطعام, وثلث للشراب, وثلث للنفس» وهذا هو الموافق للطب تماماً, وجرب تجد الراحة وعدم المشقة, وتأتي الوجبة الثانية وأنت تشتهيها تماماً.
& قوله صلى الله عليه وسلم: «حسب ابن آدم لُقيمات يُقمن صُلبه» يعني: حسبه من الأكل والشرب لُقيمات يُقمن صُلبه (( «فإن كان لا محالة» ))؛ يعني: لا بد أن يأكل (( «فثُلُث لطعامه، وثُلُث لشرابه، وثُلُث لنفسه)» )، ولو أنا طبقنا هذا ما أصابنا مرض من داء البطنة.
& الرسول صلى الله عليه وسلم جاء بطب الأبدان والقلوب وإذا أردت العافية ...فجرِّب في يوم من الأيام عند الغداء ألَّا تملأ بطنك، وانظر كيف يأتي العشاء، وأنت مُشتهيه حقيقةً، وستجد أن البدن والأمعاء ما تعبت في تصريف هذا الطعام.
** قال سفيان الثوري: إن أردت أن يصح جسمك ويقل نومك فأقلِل من الأكل.
** قال ثابت بن قرة رحمه الله: راحة القلب في قلة الآثام, وراحة اللسان في قلة الكلام, وراحة الجسم في قلة الطعام.
** قال الحافظ ابن رجب رحمه الله:: قلة الغذاء توجب رقة القلب, وقوة الفهم, وانكسار النفس, وضعف الهوى والغضب, وكثرة الغذاء توجب ضدّ ذلك. قال بعض السلف: ما قلَّ طعام امرئ إلا رق قلبه ونديت عيناه وقال: قلة الطعام عون على التسرع إلى الخيرات.
** قال الإمام النووي رحمه الله: قلة الأكل من محاسن أخلاق الرجل, وكثرة الأكل بضده.
- الحرص على أكل الطعام الحلال:
** قال يحيى بن معاذ: الطاعة خزانه من خزائن الله, إلا أن مفاتحها الدعاء, وأسنانه لقم الحلال.
** قال إبراهيم بن أدهم: ما أدرك من أدرك, إلا من كان يعقل ما يدخل جوفه.
** قال سهل رحمه الله: من أكل الحرام عصت جوارحه, شاء أم أبى, علم أو لم يعلم, ومن كانت طعمته حلالاً أطاعته جوارحه, ووفقت للخيرات.
كتبه / فهد بن عبدالعزيز بن عبدالله الشويرخ