أهمية القرب من الله

منذ 2022-08-07

من بداية حياة الإنسان على الأرض، والشيطان يجري في عروقه؛ كما قال - صلَّى الله عليه وسلَّم -: «إنَّ الشيطان يجري من ابن آدم مجرى الدم في العُرُوق».

من بداية حياة الإنسان على الأرض، والشيطان يجري في عروقه؛ كما قال - صلَّى الله عليه وسلَّم -: «إنَّ الشيطان يجري من ابن آدم مجرى الدم في العُرُوق».

 

فإذا استحضرنا مع هذا الحديث الشريف قول الله - سبحانه وتعالى -: {خَلَقَ الْإِنْسَانَ مِنْ صَلْصَالٍ كَالْفَخَّارِ * وَخَلَقَ الْجَانَّ مِنْ مَارِجٍ مِنْ نَارٍ} [الرحمن: 14، 15]، معنى ذلك أنَّ النار مشتعلة في عروقنا، وهذا واضح في قول رسول الله - صلَّى الله عليه وسلَّم - للرجل الذي احمرَّ وجهه من الغضب: «هلاَّ استعذت بالله من الشيطان الرجيم، فيذهب عنك ما تعاني»، أو كما قال.

 

والصلاة من أساليب التقرُّب إلى الله - تعالى - بل هي من أحب طُرق التقرُّب؛ لقوله - سبحانه - في حديث قدسي: «وما تقرَّب إليَّ عبدي بشيءٍ أحب إلىَّ مما افترضتُه عليه»، وفي الأثر: قال صحابي: "إني ربحتُ اليوم في تجارتي ستمائة دينار، وما أظنُّ أحدًا ربح أكثر مني اليوم"، فقال له - صلَّى الله عليه وسلَّم -: «ألا أدلك على رجلٍ ربح أكثر من ذلك، إنه رجل توضَّأ، ثم دخل المسجد فصلى ركعتيْن».

 

فالفائز بالربح الوفير من إكثار الصلاة هو أنت أيها الإنسان، وصدق رسول الله - صلَّى الله عليه وسلَّم - حين يقول: «كل عمل ابن آدم له»، وأيضًا قال لمن طلب أن يرافقه في الجنة: «أعنِّي على نفسك بكثرة السجود».

 

أما الربح العاجل، فإنك بقربك من الله وسَّعتَ صلاحياتِك في الحياة الدنيا؛ لأنك حبيب الله «ولا يزال عبدي يتقرب إليَّ بالنوافل حتى أحبه»، وكذلك وسعت قدراتك في مسيرة الحياة؛ لأن الله أصبح بصرك الذي تبصر به، وسمعك الذي تسمع به، ويدك التي تبطش بها.

 

ثم إن الصلاة دعاء من أولها إلى آخرها، بدءًا من فاتحة الكتاب: {اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ} [الفاتحة: 6]، وانتهاء بالتشهد: ((اللهم صلِّ على محمد، وعلى آل محمد... وبارك على محمد))، والدعاء مخُّ العبادة، والله - سبحانه وتعالى - يقول: {وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ} [البقرة: 186]، ويقول - تعالى -: {ادْعُونِي أسْتَجِبْ لَكُمْ} [غافر: 60]، فربط الله الإجابة بالدعاء الذي يسبقه في الآيتين، وهل يجيب الله من لا يدْعوه؟ لا، بل اعتبره مستكبرًا عن عبادته، وكيف يدعو الله ويلجأ إليه من قطع صلته بالله؟ تلك الصلة التي تتمثل في الصلاة.

 

ويقول - تعالى -: {وَادْعُوهُ خَوْفًا وَطَمَعًا إِنَّ رَحْمَةَ اللَّهِ قَرِيبٌ مِنَ الْمُحْسِنِينَ} [الأعراف: 56]، فالإنسان الذي لا يتقرب إلى الله بصلوات وطاعات ونفقات، إنسانُّ أحمق؛ بدليل أنه ما خاف مقام ربِّه، فكيف يطمع فيها عند الله من فضلٍ ورحمة؟

 

والقرب من الله ركن شديد، قال - سبحانه وتعالى - عن سيدنا موسى - عليه السلام -: {وَنَادَيْنَاهُ مِنْ جَانِبِ الطُّورِ الْأَيْمَنِ وَقَرَّبْنَاهُ نَجِيًّا} [مريم: 52].

 

هذا القرب كان عونًا لموسى وسندًا له في مواجهة فرعون وجنوده، ثم مواجهة قارون وكنوزه، ثم السَّحرة وكيدهم، ثم الصحراء الشرقية ومتاهاتها، ثم البحر ومجاهله، ثم سيناء ومشاكلها، ثم بني إسرائيل وطلباتهم، ثم الخارجين عليه وجهلهم، ثم من ساروا معه وجبنهم، في كلِّ خطوة من خطواته تكْفيه صحبة الله.

 

والقرب من الله جلال وهيْبَة، قال - سبحانه وتعالى - لسيدنا محمد - صلَّى الله عليه وسلَّم - ومن خلاله لأهل القرآن: {وَاسْجُدْ وَاقْتَرِب} [العلق: 19]، وكان هذا القرب هو عونَ رسول الله - صلَّى الله عليه وسلَّم - أمام أبي جهل وجبروته، وأمام أبي لهب ورفاقه، ثم كفار مكة وعنادهم، ثم عام الحزن، ثم غلظة أهل الطائف، ثم بقائه بين عدوٍّ يتجهَّمه وقريب تملَّك أمره، ثم هجرته تاركًا أحبَّ أرض الله إلى قلبه، ثم في حروبه وغزواته لإعلاء كلمة الله، في كلِّ هذا كان عون الله أبقى من كلِّ شيء.

والقُرب من الله فلاح ورخاء، علم وتمكُّن، نصر في الحروب، قضاء للحوائج.

 

وإذا نظرْنا إلى ما بعد الحياة الدنيا، نجد أن أفضلَّ الناس حظًّا هم أهل التقرُّب إلى الله، يقول - تعالى -: {وَالسَّابِقُونَ السَّابِقُونَ * أُولَئِكَ الْمُقَرَّبُونَ * فِي جَنَّاتِ النَّعِيمِ * ثُلَّةٌ مِنَ الْأَوَّلِينَ * وَقَلِيلٌ مِنَ الْآخِرِينَ} [الواقعة: 10 - 14]، ثم يعدِّد - سبحانه - ما هم فيه من نعيم للتشويق في الآيات التي تلتْها، والمقرَّب يشعر بهذا النعيم بعد وفاته مباشرةً: {فَلَوْلَا إِذَا بَلَغَتِ الْحُلْقُومَ * وَأَنْتُمْ حِينَئِذٍ تَنْظُرُونَ} [الواقعة: 83، 84]، إلى قوله - تعالى -: {فَأَمَّا إِنْ كَانَ مِنَ الْمُقَرَّبِينَ * فَرَوْحٌ وَرَيْحَانٌ وَجَنَّةُ نَعِيمٍ} [الواقعة: 88، 89].

 

ويقول - تعالى -: {كَلَّا إِنَّ كِتَابَ الْأَبْرَارِ لَفِي عِلِّيِّينَ * وَمَا أَدْرَاكَ مَا عِلِّيُّونَ} [المطففين: 18، 19]، وأيضًا يسترسل الله - سبحانه - في وصف نعيم المقربين؛ ليفتح مجال المنافسة: {وَفِي ذَلِكَ فَلْيَتَنَافَسِ الْمُتَنَافِسُونَ} [المطففين: 26]، ورُوي عن سيدنا علي بن أبي طالب - رضي الله عنه - أنه تكلَّم عن أهمية القرب من الله - تعالى - فقال: "من أراد صاحبًا، فالله يكفيه، ومن أراد مؤنسًا، فالقرآن يكفيه، ومن أراد غنًى، فالقناعة تكفيه، ومن أراد واعظًا، فالموت يكفيه، ومن لم يرد واحدة من هذه الأربع، فلا خير فيه، والنار تكفيه".

 

وقد جاءنا عتابٌ من الله، فماذا نحن فاعلون فيه؟

_______________________________________________________

الكاتب: محيي الدين صالح

  • 7
  • 0
  • 2,767

هل تود تلقي التنبيهات من موقع طريق الاسلام؟

نعم أقرر لاحقاً