فضائل بيت المقدس
يجب علينا أن ندرك أن عدوان اليهود على المسجد الأقصى، وعلى أرض فلسطين، وعلى المسلمين في فلسطين، ليس مجرد نزاع على أرض، وأن ندرك أن قضية فلسطين قضيةٌ إسلامية، يجب أن يُؤرِّق أمرُها بال كل مسلم،
عباد الله، اتقوا الله - تعالى - فإن من اتقى الله وقاه، وأرشده إلى خير أمور دينه ودنياه، معاشر المؤمنين، عباد الله، يزداد ألم المسلمين وأسفهم يومًا بعد يوم على الحال التي آلَ إليها المسجد الأقصى من تسلُّط اليهود المجرمين عليه، وانتهاكهم لحُرمته، واعتدائهم على قُدْسيته ومكانته، وارتكابهم فيه ومع أهله أنواعًا كثيرة من التعديات والإجرام، والمسجد الأقصى - عباد الله - مسجد عظيم مبارك، له مكانة عالية في نفوس المؤمنين، ومنزلة رفيعة في قلوبهم، فهو مسجد خُصَّ في الكتاب والسُّنة بميزات كثيرة، وخصائص عديدة وفضائل جمَّة، تدل على رفيع مكانته وعظيم قدره، فمن فضائله - عباد الله - أنه أحد المساجد الثلاثة المفضلة التي لا يجوز شد الرحال بنية التعبُّد إلا إليها؛ فعن أبي هريرة - رضي الله عنه - عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: «لا تُشد الرحال إلا إلى ثلاثة مساجد؛ المسجد الحرام، ومسجد الرسول - صلى الله عليه وسلم - ومسجد الأقصى»؛ (متفق عليه).
ومن فضائله أنه ثان مسجد وُضع في الأرض؛ فعن أبي ذر - رضي الله عنه - قال: قلت: يا رسول الله أيُّ مسجد وُضع في الأرض أول، قال: «المسجد الحرام»، قلتُ ثم أي، قال: «المسجد الأقصى»، قلت: كم كان بينهما، قال: «أربعون سنة»، ثم أينما أدركتْكَ الصلاة بعدُ فصلهْ؛ فإن الفضل فيه))؛ (متفق عليه).
ومن فضائله - عباد الله - أنه قِبلة المصلين الأُولى قبل نسخ القبلة وتحويلها إلى الكعبة؛ فعن البراء - رضي الله عنه - قال: "صلينا مع النبي - صلى الله عليه وسلم - نحو بيت المقدس ستة عشر أو سبعة عشر شهرًا، ثم صرفه نحو القِبلة"؛ (متفق عليه).
ومن فضائله أنه مسجد في أرض مباركة؛ قال الله - تعالى -: {سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ لَيْلًا مِنَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الْأَقْصَى الَّذِي بَارَكْنَا حَوْلَهُ} [الإسراء: 1]، وقد قيل لو لم تكن لهذا المسجد إلا هذه الفضيلة، لكانت كافية.
وأرضه - عباد الله - هي أرض المحشر والمنشر؛ فعن ميمونة مولاة النبي - صلى الله عليه وسلم - قالت: قلت: يا رسول الله أفتنا في بيت المقدس، قال: «أرضُ المحشر والمنشر»؛ (رواه ابن ماجه).
ومن فضائله أنه مَسْرى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ومنه عُرج به إلى السماء؛ فعن أنس ابن مالك - رضي الله عنه - أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: «أُتيت بالبراق وهو دآبة أبيض طويل، فوق الحمار ودون البغلة، يضع حافره عند منتهى طَرْفه، فركبتُ؛ حتى أتيت بيت المقدس، فربطته بالحلقة التي يربط بها الأنبياء، ثم دخلت فصليتُ فيه ركعتين، ثم خرجت فجاءني جبريل - عليه السلام - بإناء من خمر وإناء من لبن، فاخترتُ اللبن، فقال جبريل: اخترت الفِطرة، ثم عُرِج بنا إلى السماء»؛ (رواه مسلم).
ومن فضائله - عباد الله - أن الصلاة فيه تُضاعَف؛ فعن أبي ذر - رضي الله عنه - قال: تذاكرنا ونحن عند رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أيهما أفضل؛ أمسجد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أم بيت المقدس، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: «صلاة في مسجدي أفضل من أربع صلوات فيه، ولنعم المصلَّى هو، وليوشكنَّ أن يكون للرجل مثل شطن فرسه من الأرض، حيث يرى منه بيت المقدس، خير له من الدنيا جميعًا»، قال أو قال: «خير له من الدنيا وما فيها»؛ (رواه الحاكم، وهو حديث صحيح).
وهذا - عباد الله - عَلَمٌ من أعلام نبوته - صلى الله عليه وسلم - حيث بيَّن ما سيؤول إليه المسجد الأقصى، مع تعلُّق قلوب المسلمين به، وأن مؤامرات الأعداء على المسجد الأقصى ستزداد، حتى إنّ المؤمن ليتمنَّى أن يكون له موضع صغير يُطِل منه على المسجد الأقصى، ويكون ذلك أحبَّ إليه من الدنيا وما فيها.
ومن فضائله - عباد الله - ما ورد في حديث عبدالله بن عمرو بن العاص - رضي الله عنهما - عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: «لما فرغ سليمان بن داود - عليهما السلام - من بناء بيت المقدس، سأل الله ثلاثًا؛ حُكمًا يصادف حكمه، ومُلكًا لا ينبغي لأحد من بعده، وألا يأتي أحدٌ لا يريد إلا الصلاة فيه إلا خرج من ذنوبه كيوم ولدته أُمه»، فقال - صلى الله عليه وسلم -: «أما اثنتان فقد أُعطيهما، وأرجو أن يكون أُعطي الثالثة»؛ (رواه النسائي، وابن ماجه).
عباد الله:
يجب علينا أن ندرك أن عدوان اليهود على المسجد الأقصى، وعلى أرض فلسطين، وعلى المسلمين في فلسطين، ليس مجرد نزاع على أرض، وأن ندرك أن قضية فلسطين قضيةٌ إسلامية، يجب أن يُؤرِّق أمرُها بال كل مسلم، ففلسطين بلد الأنبياء، وفيها ثالث المساجد الثلاثة المعظمة، وهي مسرى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وفيها قِبلة المسلمين الأُولى، وليس لأحد فيها حقٌّ إلا الإسلام وأهله؛ {الْأَرْضَ لِلَّهِ يُورِثُهَا مَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ وَالْعَاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ} [الأعراف : 128]، ويجب علينا - عباد الله - أن ندرك أن تغلب هذه الشرذمة المرذولة، والفئة المخذولة وتسلُّطهم على المسلمين، إنما هو بسبب الذنوب والمعاصي، وإعراض كثير من المسلمين عن دينهم الذي هو سبب عِزهم وفلاحهم ورِفْعتهم في الدنيا والآخرة؛ قال الله - تعالى -: {وَمَا أَصَابَكُمْ مِنْ مُصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ وَيَعْفُو عَنْ كَثِيرٍ} [الشورى: 30]، فلا بد - عباد الله - من عودة صادقة وأوْبَة حميدة إلى الله - جلّ وعلا - فيها تصحيح للإيمان وصلة بالرحمن، وحِفاظ على الطاعة والإحسان، وبُعد وحذر من الفسوق والعصيان؛ لينال المؤمنون بذلك العزّ والتمكين، والنصر والتأييد، وعليكم - عباد الله - بالصدق مع الله - تبارك وتعالى - في الدعاء؛ فإن المؤمن في كل أحواله وجميع شؤونه؛ في شدته ورخائه، وسرائه وضرَّائه لا مفزع له إلا الله، ولا ملجأ له إلا إلى ربِّه وسيده ومولاه، يتوجه إليه بالدعاء والأمل والرجاء.
فيا إلهنا، يا إلهنا، إليك المشتكى وأنت حسيبنا، يا من يجيب المضطر إذا دعاه، ويجبر الكسير إذا ناداه، ويفرِّج هَمَّ المهموم إذا ذلَّ له ورجاه، إلهنا وسيدنا ومولانا إن اليهود تسلُّطوا على أرض فلسطين، وعلى المسجد الأقصى العظيم، وعلى إخواننا المسلمين في فلسطين قتلاً وتشريدًا، وعلى مسجدنا الأقصى وبيوتهم هدمًا وتخريبًا، وعلى حرمته وحرماتهم هتكًا وإفسادًا، فكم من بيوت هُدِّمت، وكم من أعراض هتكت، وكم من نساء رُمِّلَتْ، وكم من دماء أريقتْ، وكم من أطفال يُتِّموا، لقد تفاقم من اليهود الطغيان، وتزايد السطو والإجرام، وعظم الجبروت والعدوان، إلهنا يا من النصر من عنده يُستمنح، يا من أبوابه وخزائنه لمن دعاه تُفتح، يا مزلزل عروش الظالمين، يا قاصم ظهور الجبارين، يا مُبطل كيد المجرمين.
لقد ثبت في الصحيحين وغيرهما من حديث أبي هريرة - رضي الله عنه - عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: «لا عدوى ولا طيرة ولا هامةَ ولا صفر»، وهذا حديث جاء في جملة أحاديث عظيمة أتت عن النبي - صلى الله عليه وسلم - مُبطلة خرافات أهل الجاهلية وضلالتهم التي عاشوا عليها، فجاء الإسلام بتوجيهاته العظيمة ودلالاته الكريمة مبطلاً ما كان عليه أهل الجاهلية من ضلالات عمياء، وخرافات وجهالات كثيرة، ومن ذلكم - عباد الله - ما كان يعتقده أهل الجاهلية في شهر صفر أنه شهر مشؤوم، فيعطلون فيه أنواعًا من أعمالهم، وأنواعًا من مصالحهم وتجارتهم؛ لاعتقادهم أنه شهر فيه شُؤْم، وهي خرافة مَضى عليها أهل الجاهلية، فجاء الإسلام بإبطالها وهدمها ونسْفِها، ولهذا قال - صلى الله عليه وسلم -: «ولا صفر»؛ أي: لا وجود لهذه الخرافة، ولا مكانة لها؛ فإنها أمور تسكن في عقول أهل الخرافة، أما أهل الإسلام، فقد أنقذهم الله - تبارك وتعالى - بالإسلام من خرافات أهل الجاهلية وضلالتها، ولهذا - عباد الله - فمن اعتقد أو ظنَّ في شهر صفر أو في يوم من الأيام، كيوم الأربعاء، أو يوم من الأيام كاليوم الثالث عشر أو نحو ذلك، فهو امرؤ فيه جاهلية انطلت عليه خرافات أهل الجاهلية التي جاء الإسلام بإبطالها، والواجب على المسلمين - عباد الله - أن يكونوا في كل الأيام والشهور، والأزمنة والدّهور متوكِّلين على الله، معتمدين عليه ساعين في مصالحهم على الوجه الذي يحب الله ويرضاه، بعيدين كل البعد عن خرافات أهل الجاهلية وضلالتهم.
اللهم وفقنا لهداك وجنبنا سخطك يا ذا الجلال والإكرام، واجعلنا من المتوكلين عليك حقًّا، المؤمنين بك صدقًا يا ذا الجلال والإكرام.
- التصنيف: