عقلية آلة الزمن
لحظات فقط أحتاج إليها يوميًّا لأستعيد نشاطي، وأشحن بطاريتي، أخرج بعدها بنفسية أفضل مما دخلت، أعتبرها خلوة قصيرة بالنفس.
لحظات من الهدوء النفسي والتقاط الأنفاس أستمتع بها بعيدًا عن الأولاد والبيت والمسؤوليات والمطبخ وإعداد الطعام وانشغال الذهن بمذاكرة وتدريبات الأولاد، وحتى عن متابعة هواياتي وكتاباتي.
أفصل نهائيًّا عن العالم، أقفل هاتفي، أدخل غرفتي، أغلق الباب، أستمع إلى الهدوء يحيط بي، أنظر إلى السقف، أفكِّر في اللاشيء، أفصل كابل تفكيري عن كل مشاغل أو عقبات أو منغصات.
لحظات فقط أحتاج إليها يوميًّا لأستعيد نشاطي، وأشحن بطاريتي، أخرج بعدها بنفسية أفضل مما دخلت، أعتبرها خلوة قصيرة بالنفس.
أسأل نفسي: هل سيأتي يومٌ ما وتصبح هذه اللحظات ساعات أو أيامًا، أنعَم فيها بهذا الهدوء، عندما يكبر الأبناء ويبدأون الاستقلال بحياتهم ما بين عمل أو زواج أو دراسة.
أسأل نفسي مرة أخرى: ولكن هل سأرتاح وقتها أم سأشعر بالملل، وأتمنَّى الرجوع للماضي والأُنْس بشغب الأولاد وضوضائهم التي تُعطي حسًّا للحياة؟ ربما يتغيَّر رأيي فعلًا وقتها، وأزهد في هذه الوحدة النفسية والراحة الذهنية.
هكذا هو الإنسان يُمنِّي نفسه بما ليس لديه، ويُعلِّق آماله على ما ليس عنده؛ ليُبرِّر لنفسه تقصيره في دوره الحالي.
تقول البنت التي لم تتزوج: لو تزوَّجتُ لكان حالي أفضل من هذا، وتقول الأُمُّ: لو كبر أولادي وتفرَّغتُ سأحفظ القرآن، وأمارس هواياتي، وأترك أثرًا جميلًا، وتقول الجدة التي كبرت في السِّنِّ: لو أن عندي قوة الشابات لكنْتُ فعلتُ وفعلتُ، كُلٌّ يتمنَّى ما لا يملك ولا يفكر في الاستمتاع بما يملك كما هو، كلٌّ ينتظر الوصول لخط النهاية ولا يستمتع بالهواء العليل الذي يجده طول الرحلة، كلٌّ يُفكِّر بعقلية آلة الزمن، يتمنَّى أن يجد آلة الزمن التي تنتقل به إلى الزمان الذي يأمل فيه تحقيق أهدافه.
لماذا لا أستمتع بالمرحلة التي أنا فيها، ولا أشرد بتفكيري فيما لا يفيد؟ لماذا لا أفرح بدوري الذي كتبه الله لي الآن - بهدوئه أو بضوضائه، بمشاغله أو بفراغه، بحريته أو بقيوده - سواء كنت بنتًا أو زوجةً أو أُمًّا أو جدة؟ لماذا أعكِّر صَفْوَ حياتي بتمنِّي الانتقال بآلة الزمن من دور لدور؟
استمتع بكل دور، فلكل دور من أدوار حياتك رونق وجمال لا يُضاهى، لكل دور مميزات وميزات لو استغللْتَها جيدًا لما تمنيتَ انتهاءه، استمتع بدورك ولا تنظر لدور غيرك ولا تُقارن نفسك بغيرك وتحسده على ما وضعه الله فيه، انعَمْ به كما هو، فلا تدري متى ينتهي هذا الدور أو هذا المشهد من مشاهد مسرحية حياتك، فإنه ما أن ينتهي ويسدل عليه الستار إلا يبدأ الذي بعده حتى تنتهي جميع مشاهدك.
اللهم أرضني بقضائك، وبارك لي فيما قدَّرْتَ حتى لا أحبَّ تعجيلَ ما أخَّرتَ، ولا تأخيرَ ما عجَّلْتَ.
سمر سمير
- التصنيف: