ماذا خسر العالم بانحطاط المسلمين
من فوائد كتاب (ماذا خسر العالم بانحطاط المسلمين) لأبي الحسن الندوي
بسم الله الرحمن الرحيم
من فوائد كتاب (ماذا خسر العالم بانحطاط المسلمين) لأبي الحسن الندوي:
1- قال أبو الحسن الندوي: (لقد كنت أشعر برغبة غامضة ملحة لم أستطع أن أغالبها، كأن سائقاً يسوقني إلى الكتابة في هذا الموضوع، ولو استشرت العقل واعتمدت على تجارب المؤلفين، وعلى مقاديرهم ومكانتهم العلمية، لأحجمت ولعدلت عن هذه الفكرة.. كما يقول الدكتور محمد إقبال: "ليس من الخير أن تستشير عقلك دائماً، فنحّ عقلك جانباً في بعض الأمور، فإن العقل يصوّر لك الخوف في معارك خطيرة، ويشير عليك الابتعاد عن مثل هذه التجارب المريرة(".
2- لم يكن انحطاط المسلمين أولاً، وفشلهم وانعزالهم عن قيادة الأمم بعد، وانسحابهم من ميدان الحياة والعمل أخيراً، حادثاً من نوع ما وقع وتكرر في التاريخ من انحطاط الشعوب والأمم..هي مأساة إنسانية عامة لم يشهد التاريخ أتعس منها ولا أعم منها...والعالم لم يحسب إلى الآن الحساب الصحيح لهذا الحادث، ولم يقدره قدره، وليس عنده المقياس الصحيح لشقائه وحرمانه.
3- قال الدكتور محمد يوسف موسى عن هذا الكتاب: (وأشهد أني قرأت الكتاب حين ظهرت طبعته الأولى في أقل من يوم، وأغرمت به غراماً شديداً، حتى لقد كتبت في آخر نسختي، وقد فرغت منه: (إن قراءة هذا الكتاب فرض على كل مسلم يعمل لإعادة مجد الإسلام)).
4- يقول الدكتور غوستاف لوبون في كتابه (حضارة العرب): (ولقد أكرهت مصر على انتحال النصرانية. ولكنها هبطت بذلك إلى حضيض الانحطاط الذي لم ينتشلها منه سوى الفتح العربي..).
5- كانوا في الزمن القديم يعبدون الله ويسجدون له، ثم جعلوا يمجدون الشمس والقمر والنجوم وأجرام السماء، وجاء زرادشت صاحب الديانة الفارسية فيقال: إنه دعا إلى التوحيد، وقال: إن نور الله يسطع في كل ما يشرق ويلتهب في الكون، وأمر بالاتجاه إلى جهة الشمس والنار، وجاء بعده علماء سنوا للزرادشتيين شرائع مختلفة..حتى صاروا يعبدونها عيناً ويبنون لها هياكل ومعابد، وجُهلت الحقيقة ونسي التاريخ.
6- يقول (Robert Briffault) عن الدولة الرومية: (كان الفساد والشر وعدم المطابقة بالواقع مما صحب نشوء هذه الدولة من أول يومها وتغلغل في أحشائها...لقد كانت التجارة تسير في رومة بأمانة وعدل، وقد كان ذلك مما طبعت عليه هذه الدولة، وقد كانت فائقة في قوة الحكم والقضاء، وفي الكفاءة، ولكن هذه المحاسن كلها لم تكن لتحفظ الدولة من عواقب الزيف الأساسي والخطأ).
7- كان ملوك فارس والروم وأمراء الدولتين سادرين في غفلتهم لا هم لهم إلا اللذة.. فكان لكسرى أبرويز 12 ألف امرأة وخمسون ألف جواد وشيء لا يحصى من أدوات الترف والقصور الباذخة ومظاهر الثروة والنعمة، وقصره مثال في الأبهة والغنى.
8- كل داء من أدواء المجتمع الإنساني وكل عيب من عيوب الجيل الحاضر يتطلب إصلاحه حياة كاملة، ويستغرق عمر إنسان بطوله، وقد يستغرق أعمار طائفة من المصلحين ولا يزول، فلا تهجره بمجرد الدعاية والنشر والكتب والخطب..لا تهجره إلا بتغيير نفس عميق، وإذا أرغمت على تركه بغير هذا التغيير تسللت إلى غيره من أنواع الجريمة..
9- كان الرسول صلى الله عليه وسلم يغذِّي أرواح الصحابة بالقرآن ويربي نفوسهم بالإيمان ويخضعهم أمام رب العالمين خمس مرات في اليوم عن طهارة بدن وخشوع قلب وخضوع جسم وحضور عقل، فيزدادون كل يوم سمو روح ونقاء قلب ونظافة خلق وتحرراً من سلطان الماديات ومقاومة للشهوات ونزوعاً إلى رب الأرض والسموات، ويأخذهم بالصبر على الأذى والصفح الجميل وقهر النفس، لقد رضعوا حب الحرب وكأنهم ولدوا مع السيف.. ولكن الرسول يقهر طبيعتهم الحربية.. فانقهروا لأمره وكفوا أيديهم، وتحملوا من قريش ما تسيل منه النفوس في غير جبن وفي غير عجز.. ولم يزل الرسول يربيهم تربية دقيقة عميقة، ولم يزل القرآن يسمو بنفوسهم، ولم تزل مجالس الرسول صلى الله عليه وسلم تزيدهم رسوخاً في الدين.. يطيعون الرسل في المنشط والمكره.. قد خرجوا مع الرسول للقتال سبعاً وعشرين مرة في عشر سنين.
10- بعث الإيمان بالآخرة في قلوب المسلمين شجاعة خارقة للعادة وحنيناً غريباً إلى الجنة واستهانة نادرة بالحياة.
11- توفرت في المسلمين في الصدر الأول الصفات التي تؤهلهم للقيادة: أ- أنهم أصحاب كتاب منزل وشريعة إلهية، فلا يقننون ولا يشترعون من عند أنفسهم، لأن ذلك منبع الجهل والخطأ والظلم..
12- ب- أنهم لم يتولوا الحكم والقيادة بغير تربية خلقية وتزكية نفس..
13- ج- أنهم لم يكونوا خدمة جنس، ورسل شعب أو وطن.. إنما قاموا ليخرجوا الناس من عبادة العباد جميعاً وإلى عبادة الله وحده.
د- أن الإنسان جسم وروح، وهو قلب وعقل وعواطف وجوارح، ولا يمكن أن توجد مدنية صالحة إلا بذلك، وقد امتاز الصحابة بأنهم جمعوا ذلك كله..
14- وصف عالم ألماني مسلم الإسلام فقال: (..الإسلام لا يسمح بالنظرية المادية القائلة: "إن مملكتي ليست إلا هذا العالم" ولا بالنظرية المسيحية التي تزدري الحياة وتقول: "ليس هذا العالم مملكتي" وطريق الإسلام طريق وسط بينهما، القرآن يرشدنا أن ندعو: {رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الآخِرَةِ حَسَنَةً}.
15- الفضيلة- كما يقول الإسلام- تحيا إذا جاهد الإنسان لبسط سلطانها على الأرض وتموت إذا خذلها وتقاعد عن نصرتها.
16- لا يستطيع دين من الأديان ومدنية من المدنيات تعيش في العالم المتمدن المعمور أن تدعي أنها لم تتأثر بالإسلام والمسلمين في قليل ولا كثير.
17- يقول (Robert Briffault): (ما من ناحية من نواحي تقدم أوربا إلا وللحضارة الإسلامية فيها فضل كبير وآثار حاسمة لها تأثير كبير).
18- ويقول في موضع آخر: (لم تكن العلوم الطبيعية (التي يرجع فيها الفضل إلى العرب) هي التي أعادت أوربا إلى الحياة ولكن الحضارة الإسلامية قد أثرت في حياة أوربا تأثيرات كبيرة ومتنوعة منذ أرسلت أشعتها الأولى إلى أوربا).
19- فلو جرت الأمور هكذا وتمتعت الأمم الإنسانية بقيادة الجماعة التي خُلقت بقيادتها وأعطيت القوس باريها، وجرت المياه إلى مجاريها، لكان للعالم الإنساني تاريخ غير التاريخ الذي نقرؤه.. لكان له تاريخ مجيد جميل يغتبط به كل إنسان ويقر عيناً..
20- قال أحد الأدباء: (أمران لا يحدد لهما وقت بدقة: النوم في حياة الفرد، والانحطاط في حياة الأمة؛ فلا يشعر بهما إلا إذا غلبا واستوليا).
21- إن الزعامة الإسلامية تقتضي صفات دقيقة، واسعة جداً، نستطيع أن نجمعها في كلمتين: "الجهاد " و "الاجتهاد".
22- ولم تزل تضعف القوة الإسلامية وتهن بدون أن يشعر بذلك الأجانب، حتى إذا خضِّدت شوكة المسلمين في القرن السابع لما مزق التتار حكومة خوارزمشاه - المملكة الإسلامية الأخيرة- وسقطت بغداد في أيديهم زال ذلك الشبح المخيف..
23- قال نابليون: (لو كانت هناك دولة واحدة لكانت القسطنطينية أصلح المدن لتكون عاصمة لها).
24- من سوء حظ المسلمين- فضلاً عن سوء حظ الأتراك- أخذ الترك في الانحطاط والتدلي ودب إليهم داء الأمم من قبلهم: الحسد والبغضاء واستبداد الملوك وجورهم وسوء تربيتهم وفساد أخلاقهم وخيانة الأمراء وغشهم للأمة وإخلاد الشعب إلى الدعة والراحة..وكان شر ما أصيبوا به الجمود في العلم والجمود في صناعة الحرب وتنظيم الجيوش..
25- الذي يُوجِد الاعتدال ويخفض من المادية الجامحة ويجعل منها حياة معتدلة: هو النظام الروحي الديني الخلقي الحكيم الذي يوافق الفطرة الإنسانية الصحيحة.. وهكذا فعل الإسلام..فقد صرف شجاعة العرب من المنافسات القبلية والتقاتل إلى الجهاد في سبيل الله، وصرف تبذيرهم وسماحتهم إلى الإنفاق في سبيل الله..
26- من اضطهاد الكنيسة للعلم في القرون الوسطى أن بلغ عدد من عاقبته محاكم التفتيش الكنسية من علماء الطبيعة في أوربا: ثلاثمائة ألف، أحرق منهم اثنان وثلاثون ألفاً أحياء.
27- قال الصحفي الأمريكي المشهور (Jhon Gunther): (إن الإنجليز إنما يعبدون بنك إنجلترا ستة أيام في الأسبوع ويتوجهون في اليوم السابع إلى الكنيسة).
28- يقول عبد الرحمن الكواكبي: (الغربي مادي الحياة، قويُّ النفس، شديد المعاملة، حريص على الاستئثار، حريص على الانتقام، كأنه لم يبق عنده شيء من المبادئ العالية والعواطف الشريفة التي نقلتها له مسيحية الشرق، فالجرماني مثلاً جاف الطبع يرى أن العضو الضعيف الحياة من البشر يستحق الموت، ويرى كل الفضيلة في القوة وكل القوة في المال، فهو يحب العلم ولكن لأجل المال ويحب المجد ولكن لأجل المال، واللاتيني منه مطبوع على العجب والطيش، يرى العقل في الانطلاق، والحياة في خلع الحياة، والشرف في الزينة واللباس، والعز في التغلب على الناس).
29- الوطنية والقومية والاعتداد الشديد بالشعب والموقع الجغرافي من خصائص الطبع الأوربي.
30- لا تنصرف عداوة الشعوب والأمم بعضها لبعض حتى يكون لها عدو من غيرها تشترك في عداوته وكرهه والمخافة منه، وتتعاون في الحرب معه..
31- وقد قسم الإسلام العالم البشري إلى قسمين فقط، أولياء الله وأولياء الشيطان، وأنصار الحق وأنصار الباطل، ولم يشرع حرباً ولا جهاداً إلا ضد أنصار الباطل.
32- قال فيلسوف هندي –عن الحضارة والتطور الغربي-: إنكم تقدرون أن تطيروا في الهواء كالطيور وتسبحوا في الماء كالسمك، ولكنكم إلى الآن لا تعرفون كيف تمشون على الأرض.
33- يقول الدكتور (Alexis Carrel): (إننا نلاحظ أن الحضارة العصرية لم تحقق الآمال الكبيرة التي عقدتها بها الإنسانية وإنما أخفقت في تنشئة الرجال الذين يملكون الذكاء والإقدام الذي يسير بالحضارة على الشارع الخطر الذي تتعثر عليه، إن الأفراد والإنسانية لم تتقدم بتلك السرعة التي تقدمت بها المؤسسات التي نبعث من عقولها..)
34- في التاريخ الإسلامي: أن المنصور الخليفة العباسي المشهور طلب من ابن طاوس في مجلس، أن يناوله الدواة؛ ليكتب شيئاً فامتنع، فسأله الخليفة عن سبب امتناعه وعدم امتثاله أمر خليفة المسلمين، فقال: أخاف أن تكتب بها معصية؛ فأكون شريكك فيها ومتعاوناً على الإثم والعدوان.
35- اشتهر نبأ وفاة الأستاذ الشهير العلامة نظام الدين اللكهنوي (م 1161 هـ) صاحب منهاج الدرس النظامي الجاري تطبيقه في الهند وخراسان، فلما أتى النعي تلميذه السيد كمال الدين العظيما بادي، مات من شدة الحزن، وعمي تلميذه الآخر (ظريف العظيمابادي) من كثرة البكاء، وتحقق بعد ذلك أن الإشاعة كانت غير صحيحة، ولعل ذهن هذا العصر لا يسيغ هذه الرواية، ولكن الذي عرف طبيعة الشرق، ومدى اتصال التلميذ هنالك بأستاذه وحبه له لم يستغرب هذه الرواية ولم يكذبها.
36- كلما تقدمت أوربا في القوة والسرعة، وكلما ازدادت وسائلها ووسائطها، ازداد هذا القطار البشري سرعة إلى الغاية الجاهلية حيث النار والدمار والاضطراب والتناحر والفوضى الاجتماعي والانحطاط الخلقي والقلق الاقتصادي والإفلاس الروحي.
37- والحل الوحيد هو تحول القيادة العالمية وانتقال دفة الحياة من اليد الأثيمة الخرقاء التي أساءت استعمالها إلى يد أخرى بريئة حاذقة.. إن التحول المؤثر الواضح هو تحول القيادة من أوربا - بالمعنى الواسع الذي يشمل بريطانيا وأمريكا وروسيا ومن كان على شاكلتها من الأمم الآسيوية والشرقية - التي تقودها المادية والجاهلية، إلى العالم الإسلامي الذي يقوده سيدنا صلى الله عليه وسلم برسالته الخالدة ودينه الحكيم.
38- إن علة علل العالم الإسلامي اليوم هي الرضا بالحياة الدنيا والاطمئنان بها، والارتياح إلى الأوضاع الفاسدة. والتبذير الزائد في الحياة.. ولكن بتأثير القرآن والسيرة النبوية. إن وجدا إلى القلب سبيلاً يحدث صراع بين الإيمان والنفاق واليقين والشك، بين المنافع العاجلة والدار الآخرة، وبين راحة الجسم ونعيم القلب، وبين حياة البطولة وموت الشهادة، صراع أحدثه كل نبي في وقته.. حينئذ يقوم في كل ناحية من نواحي العالم الإسلامي (( {فِتْيَةٌ آمَنُوا بِرَبِّهِمْ وَزِدْنَاهُمْ هُدًى..} )).. هنالك تفوح روائح الجنة، وتهب نفحات القرن الأول، ويولد للإسلام عالم جديد لا يشبه العالم القديم في شيء.
39- إذا أراد العالم الإسلامي أن يستأنف حياته، ويتحرر من رق غيره وإذا كان يطمح إلى القيادة، فلا بد إذن من الاستقلال التعليمي، بل لابد من الزعامة العلمية وما هي بالأمر الهين، إنها تحتاج إلى تفكير عميق، وحركة التدوين والتأليف الواسعة،..يضعون منهاجاً تعليمياً يجمع بين محكمات الكتاب والسنة وحقائق الدين التي لا تتبدل وبين العلوم العصرية النافعة والتجربة والاختبار، ويدونون العلوم العصرية للشباب الإسلامي على أساس الإسلام وبروح الإسلام..
40- الإسلام هو قومية العالم العربي، ومحمد صلى الله عليه وسلم هو روح العالم العربي وإمامة وقائده والإيمان هو قوة العالم العربي التي حارب بها العالم البشري كله فانتصر عليه.
41- قد شهد التاريخ بأن كل أمة أصيب رجالها في رجولتهم وغيرتهم، ونساؤها في أنوثتهن وأمومتهن، وطغى فيهن التبرج، ومزاحمة الرجال في كل شيء، والزهد في الحياة المنزلية، وحبب إليهن العقم، أفل نجمها وكسفت شمسها، فأصبحت أثراً بعد عين، هذه كانت عاقبة اليونان والرومان والفرس، وإن أوربا لفي طريقها إلى هذه العاقبة، فليحذر العالم العربي من هذا المصير الهائل.
42- إن الشعوب الإسلامية والبلاد العربية - مع الأسف - ضعيفة الوعي - إذا تحرجنا أن نقول: فاقدة الوعي - فهي لا تعرف صديقها من عدوها ولا تزال تعاملها معاملة سواء أو تعامل العدو أحسن مما تعامل الصديق الناصح..ولا تزال تلدغ من جحر واحد ألف مرة ولا تعتبر بالحوادث والتجارب، وهي ضعيفة الذاكرة سريعة النسيان..وإن الأمم الأوربية - برغم إفلاسها في الروح والأخلاق وبرغم عيوبها الكثيرة التي بحثنا عنها في هذا الكتاب - قوية الوعي المدني والسياسي - قد بلغت سن الرشد في السياسة..
والحمد لله على التمام..-وقد تكون بعض الفوائد تحتاج إلى بسط ونقد ورجوع لأصل الكتاب-
انتقاء/
إبراهيم بن فريهد العنزي
- التصنيف: