هنيئا لكم يا أهل صلاة الفجر
أصحاب الهِمم العالية، والإرادة القوية، والوجوه المُسفرة، والخطوات المباركة، إنهم الذين استعانوا بالله تعالى على أنفسهم ليقوموا من فُرشهم فيتوضؤون، ثم يسيرون في الظُلمات متوجهين إلى بيوت الله في الأرض لأداء صلاة الفجر مع جماعةً المسلمين.
إنهم أصحاب الهِمم العالية، والإرادة القوية، والوجوه المُسفرة، والخطوات المباركة، إنهم الذين استعانوا بالله تعالى على أنفسهم ليقوموا من فُرشهم فيتوضؤون، ثم يسيرون في الظُلمات متوجهين إلى بيوت الله في الأرض لأداء صلاة الفجر مع جماعةً المسلمين.
فهم أهل صلاة الفجر الذين تشهد لهم الملائكة بأدائها مع الجماعة، قال سبحانه: {وَقُرْآنَ الْفَجْرِ إِنَّ قُرْآنَ الْفَجْرِ كَانَ مَشْهُودًا} [الإسـراء: 78] أي: تشهدها الملائكة.
وأهل صلاة الفجر هم الذين وعدهم وبشَّـرهم الصادق المصدوق -صلى الله عليه وسلم- بالنور التام يوم القيامة؛ فقد صحّ في الحديث الشـريف أن الْمُحَافَظَةَ على صَلاةِ الْفَجْرِ تكون (بإذن الله تعالى) سببًا لحصول أصحابها على النورِ التام يوم الْقِيَامَة، فَعَنْ بُرَيْدَةَ -رضي الله عنه-، أنه قَال: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم-: «بَشِّـرِ الْمَشَّائِينَ فِي الظُّلَمِ إِلَى الْمَسَاجِـدِ بِالنُّورِ التَّامِّ يَوْمَ الْقِيَامَةِ» (رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ وَصَحَّحَهُ الأَلْبَانِيُّ)..
وأهل صلاة الفجر هم الذين تكفَّل الله تعالى بحفظهم ورعايتهم لأنهم في ذمته حتى يُمسون فعن جُنْدُبٍ (رضي الله عنه)، أَنَّ رَسُولَ اللهِ -صلى الله عليه وسلم- قَالَ: «مَنْ صَلَّى الصُّبْحَ فَهُوَ فِي ذِمَّةِ اللهِ، فَلَا يَطْلُبَنَّكُمُ اللهُ مِنْ ذِمَّتِهِ بِشَيْءٍ فَيُدْرِكَهُ فَيَكُبَّهُ فِي نَارِ جَهَنَّمَ» (رواه مسلم).
وأهل صلاة الفجر هم المُبشـرين على لسان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- بالسلامة من النفاق لما جاء في الصحيحين عن أبي هريرة -رضي الله عنه-، أنه قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: «إن أثقل صلاة على المنافقين: صلاة العشاء وصلاة الفجر، ولو يعلمون ما فيهما لأتوهما ولو حبوا» (رواه الشيخان).
وجاء عن ابن مسعود -رضي الله عنه- أنه قال: «لقد رأيتنا، وما يتخلفُ عن صلاة الفجر إلا منافقٌ معلومُ النفاق». نسأل الله تعالى السلامة والعافية.
وأهل صلاة الفجر هم الذين وعدهم مُعلم الناس الخير بدُخُولُ الجَنَّة؛ فقد صحّ عَنْ أَبِي بَكْرِ بْنِ أَبِي مُوسَى، عَنْ أَبِيهِ، أَنَّ رَسُولَ اللهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم-، أنه قال: «مَنْ صَلَّى البَـرْدَيْنِ دَخَلَ الجَنَّةَ» (رواه البخاري)، وَالبَـرْدَانِ هُمَا الفَجْرُ وَالعَصْـرُ.
وجاء التأكيد على هذا المعنـى في حديثٍ نبويٍ آخر؛ فعَنْ أَبِي بَكْرِ بْنِ عُمَارَةَ، عَنْ أَبِيهِ، أنه قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم-، يَقُولُ: «لَنْ يَلِجَ النَّارَ أَحَدٌ صَلَّـى قَبْلَ طُلُوعِ الشَّمْسِ، وَقَبْلَ غُرُوبِهَا» (رواه مسلم).
وأهل صلاة الفجر هم فئةٌ موفقةٌ أعانهم الله سبحانه لإجابة النداء عندما يرتفع قائلًا:حـي على الصلاة.. حـي على الفلاح »، وهم الذين تأكد لهم أن "الصلاة خير من النوم"؛ فحرصوا على حضورها، وحرصوا على نيل ثوابها العظيم الذي أخبر به -صلى الله عليه وسلم- بقوله: «من صلى العشاءَ في جماعة فكأنما قام نصف الليل، ومن صلى الصُبح في جماعة؛ فكـأنما صلى الليل كله» (رواه مسلم).
وأهل صلاة الفجر هم أهل الالتزام الدقيق بالمواعيد وأهل المجاهدة؛ فهـي وإن كانت أقصـرُ الصلوات المفروضة؛ إلاّ أن وقتَها مُحدودٌ ما بين ظهور الفجْر إلى شـروق الشَّمْس فقط، وهذا الوقت المحدَّد الضيِّق إنما هو اختبار ومقياسٌ لمدى الالتزام بوقت الصلاة؛ فقد صحَّ عن عبدِالله بن عمرو بن العاص -رضي الله عنهما-، أنه قال: قال رسولُ الله -صلى الله عليه وسلم-: «وقتُ صلاة الصُّبح مِن طلوع الفجْر ما لم تطلعِ الشمس» (رواه مسلم).
وقد أكَّد رسولُ الله -صلى الله عليه وسلم- هذا المعْنَى في حديثِ عن أبي هُريرةَ -رضي الله عنه-، حين قال: «مَن أدرك ركعةً مِن صلاة الصبح قبلَ أن تطلُع الشمس، فقدْ أدرك الصبح» (رواه الترمذي). والمعنى أن من أدرك ركعةً كاملة قبل أن تشـرقَ الشمس فقد أدرك صلاةَ الصبح في موعدها بإذن الله تعالى.
فهنيئًا لأهل صلاة الفجر هذا الفضل وهذه المنزلة العظيمة الكريمة التي اختصهم الله تعالى بها؛ ولاسيما أنها الصلاة التي تنفردُ بالعديد من الصفات الجليلة العظيمة؛ فهي الفريضة التي تجعل العبد في ذمة الله تعالى، وسُنتها خيرٌ من الدنيا وما فيها، وقرآنها مشهود، ومجتمعها بمثابة المجتمع الملائكـي الإيماني، الذي يُعد محفلًا من محافل الخير والطاعة والعبادة الروحانية، لا يحضُـرُه إلاَّ كلُّ طاهرٍ مطهرٍ من عباد الله الأبرار، الذين يستحقون أن يكونوا في ضيافة الرحمن جل جلاله، فعن أبي أُمَامَةَ -رضـي الله عنه-، عن النبيِّ -صلَّى الله عليه وسلَّم-، أنه قال: «مَن توضَّأ ثم أتى المسجدَ فصلَّى ركعتين قبل الفجر، ثم جلس حتى يُصلِّـيَ الفجر، كُتِبت صلاتُه يومئذٍ في صلاة الأبرار، وكُتِب في وفد الرحمن» (رواه الطبراني بإسناد حسن).
وقبل أن اختم أحبُ أن أُشـير إلى أن مما يُميز صلاة الفجر عن غيرها من الصلوات أن سُنتها تكون قبليةً، أي تؤدى قبل أداء الفريضة، وهـي سُنةٌ مؤكدة، كما أنها مشـروعةٌ في السـفر والحضـر، والسُّنة فيهما التخفيف وعدم التطويل، وقد صحَّ في الحرص عليهما عن أم المؤمنين عائشة -رضي الله عنها- أنها قالت: « لم يكن النبي -صلى الله عليه وسلم- على شـيء من النوافل أشد تعاهدًا منه على ركعتي الفجر (متفق عليه)؛ فالسنة للمؤمن أن يحافظ عليها، وأن يحرص على أدائها في السفر والحضـر. وقد صحَّ في بيان فضل هاتين الركعتين عَنْ عَائِشَةَ -رضِيَ اللهُ عَنْهَا-، عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أنه قَالَ: «رَكْعَتَا الْفَجْرِ خَيْرٌ مِنَ الدُّنْيَا وَمَا فِيهَا» (رواه مسلم).
وإذا لم يتمكن المصلـي من أداء سُنة الفجر قبل الصلاة، فلا يُهملها أو يتناساها، وعليه أن يأتي بها سواءً بعد أداء الصلاة والفراغ من أذكارها المشـروعة مباشـرة، أو تأجيلها إلى ما بعد ارتفاع الشمس، والله أعلم.
أسأل الله جل وتعالى بأسمائه الحسنى وصفاته العُلا أن يعيننا جميعًا على أنفسنا، وأن يوفقنا لأن نكون من أهل صلاة الفجر طاعةً وامتثالًا، وأن يجعلنا ممن يستمعون القول فيتبعون أحسنه، وأن نكون ممن ينال الأجر أجزله وأعظمه.
ثم اعلموا (بارك الله فيكم) أن أصدق الحديث كتاب الله تعالى، وأن خير الهدي هدي نبينا محمدٍ -صلى الله عليه وسلم-، وأن شـر الأمور محدثاتـها، وكل محدثةٍ بدعة، وكل بدعةٍ ضلالة، وكل ضلالةٍ في النار.
واعلموا أن الله سبحانه أمركم بالصلاة والسلام على النبي فقال جل شأنه: {إِنَّ اللَّهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا} [الأحزاب: 56]. فاللهم صل وسلم وبارك على عبدك ورسولك محمد، وعلى آله وصحبه الطاهرين، وارض اللهم عن خلفائه الراشدين، وعن الصحابة أجمعين، وعن التابعين، وتابع التابعين، ومن تبعهم بإحسانٍ إلى يوم الدين، وعنّا معهم بفضلك ورحمتك يا أرحم الراحمين.
____________________________________________
الكاتب: أ. د. صالح بن علي أبو عراد
- التصنيف: