يا رجال الفجر

منذ 2024-11-19

لماذا يحرم العبد نفسه من حضور الخير وشهود الملائكة وبركة الجماعة وثناء الملأ الأعلى تركناهم وهم يصلون وأتيناهم وهم يصلون..

يقول الله جل وعلا في كتابه الكريم {أَقِمِ الصَّلَاةَ لِدُلُوكِ الشَّمْسِ إِلَى غَسَقِ اللَّيْلِ وَقُرْآنَ الْفَجْرِ إِنَّ قُرْآنَ الْفَجْرِ كَانَ مَشْهُودًا} [الإسراء: 78] قال عبد الله ابن مسعود رضي الله عنه: وقرآن الفجر: أي صلاة الفجر، ومعنى مشهودا أي تشهدها الملائكة حفظة الليل وحفظة النهار.

 

يقول النبي - صلى الله عليه وسلم-: «يتعاقبون فيكم ملائكة بالليل وملائكة بالنهار ويجتمعون في صلاة الصبح وفي صلاة العصر ثم يعرج الذين باتوا فيكم ويسألهم ربهم وهو أعلم بهم: كيف تركتم عبادي فيقولون: تركناهم وهم يصلون وأتيناهم وهم يصلـون».

 

فلماذا يحـرم العبد نفسـه من حضور الخير وشهود الملائكة وبركة الجماعة وثناء الملأ الأعلى تركناهم وهم يصلون وأتيناهم وهم يصلـون.

 

كيف يحرم العبد نفسه من النور التام يوم القيامة ذلك النور الذي أعده الله لأهل الفجر وبشر به رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أهل الفجر فقال: «بشر المشائين في الظلم إلى المساجد بالنور التام يوم القيامة».

 

لم يمنعهم الظلام الدامس في الدنيا من حضور الفجر فكان جزاؤهم عند الله يوم القيامة النور التام {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا تُوبُوا إِلَى اللَّهِ تَوْبَةً نَّصُوحًا عَسَى رَبُّكُمْ أَن يُكَفِّرَ عَنكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ وَيُدْخِلَكُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ يَوْمَ لَا يُخْزِي اللَّهُ النَّبِيَّ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ نُورُهُمْ يَسْعَى بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَبِأَيْمَانِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنَا أَتْمِمْ لَنَا نُورَنَا وَاغْفِرْ لَنَا إِنَّكَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ} [1].

 

عباد الله:

أن أعظم نعيم عند الله وأكبر جائزة أعدها الله هي رؤية وجهه سبحانه وتعالى يوم القيامة إن هذا الفضل العظيم والنعيم الجسيم رتبه النبي - صلى الله عليه وسلم - لأهل الفجر فقد أخبر النبي - صلى الله عليه وسلم - أن المؤمنين سيرون ربهم يوم القيامة ثم أخبرنا أن من أراد منا أن يرى ربه ويتنعم برؤية وجهه سبحانه وتعالى فليحافظ على صلاة الفجر وصلاة العصر يقول النبي - صلى الله عليه وسلم - في الحديث المتفق عليه «إنكم سترون ربكم كما ترون القمر لا تضامون في رؤيته - أي لا تزدحمون في رؤيته -، فإن استطعتم أن لا تغلبوا على صلاة قبل طلوع الشمس وقبل غروبها فافعلوا» يعني صلاة العصر والفجر ثم قرأ فسبح بحمد ربك قبل طلوع الشمس وقبل غروبها.

 

إن قهر النفس وإرغامها على حضور الفجر هو عنوان الخير وطريق الفلاح ودليل الهدى ومفتاح الرزق يقول ربنا سبحانه وتعالى {فِي بُيُوتٍ أَذِنَ اللَّهُ أَن تُرْفَعَ وَيُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ يُسَبِّحُ لَهُ فِيهَا بِالْغُدُوِّ وَالْآصَالِ رِجَالٌ لَّا تُلْهِيهِمْ تِجَارَةٌ وَلَا بَيْعٌ عَن ذِكْرِ اللَّهِ وَإِقَامِ الصَّلَاةِ وَإِيتَاء الزَّكَاةِ يَخَافُونَ يَوْمًا تَتَقَلَّبُ فِيهِ الْقُلُوبُ وَالْأَبْصَارُ} [2].

 

فما أعظم أن ينتصر الإنسان على نفسه والشيطان فينسلخ من فراشه ليرضي الرحمن يقول النبي - صلى الله عليه وسلم - «يعقد الشيطان على قافية رأس أحدكم إذا هو نام ثلاث عقد، يضرب على كل عقدة: عليك ليل طويل فارقد، فإن استيقظ فذكر الله تعالى انحلت عقدة، فإن توضأ انحلت عقدة، فإن صلى انحلت عقده كلها، فأصبح نشيطًا طيب النفس، وإلا أصبح خبيث النفس كسلان» [3].

 

لقد أقسم الله جل جلاله في كتابه العظيم بالفجر فقال {وَالْفَجْرِ وَلَيَالٍ عَشْرٍ} [4] وكثيراً ما يخصها ربنا سبحانه وتعالى في القرآن الكريم بالذكر فيقول {وَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ قَبْلَ طُلُوعِ الشَّمْسِ وَقَبْلَ الْغُرُوبِ}[5].

 

 

وإن من بركة الفجر مضاعفة الأجر فقد أخبر النبي - صلى الله عليه وسلم - كما في صحيح الإمام مسلم من حديث عثمان بن عفان رضي الله عنه أن النبي قال: «من صلى العشاء في جماعة فكأنما قام نصف الليل، ومن صلى الصبح في جماعة فكأنما قام الليل كله».

 

بل عظّم النبي - صلى الله عليه وسلم - أجر سنة الفجر ( وهي الركعتان اللتان قبل الفجر ) فقال «ركعتا الفجر خير من الدنيا وما فيها» [6] فإذا كانت سنة الفجر خير من الدنيا وما فيها فكيف بفريضة الفجر نفسها ولهذا كان سلفنا الصالح رضي الله عنهم يحرصون أشد الحرص على المحافظة على صلاة الفجر في جماعة فقد ذكر في سيرة الإمام علي بن أبي طالب رضي الله عنه وأرضاه أنه كان ينادي في الأزقة والشوارع في كل يوم (الصلاة، الصلاة)، ليوقظ الناس لصلاة الفجر. 

وهذا الإمام العظيم عبد الرحمن بن مهدي رحمه الله قام يصلي من الليل حتى تعب من القيام فرمى بنفسه على الفراش فنام عن صلاة الصبح فلما قام قال: هذا مما جناه عليّ الفراش، فجعل على نفسه أن لا يجعل بينه وبين الأرض شيئًا لمدة شهرين كاملين. وأما الحارث بن حسان فقد حضر الفجر في ليلة زواجه فقيل له: أتحضر وقد بنيت بأهلك الليلة؟ فقال: والله إن امرأة تمنعني من صلاة الصبح في جماعة لامرأة سوء.

 

وأما أمير المؤمنين عمر رضي الله عنه فما أدراك ما عمر فقد أكرمه الله بخاتمة الشرف والفخر حينما قتل شهيداً مطعوناً في صلاة الفجر.

 

أولئك والله قوم شيد الله فخرهمُ فما فوقهم فخرٌ وإن عظم الفخر.

 

يقول حاتم الأصم:

فاتتني صلاة الجماعة، فعزاني أبو إسحاق البخاري وحده، ولو مات لي ولد لعزاني أكثر من عشرة آلاف، لأن مصيبة الدين أهون عند الناس من مصيبة الدنيا![7]

 

أيها المسلمون عباد الله:

لقد أحاط الله أهل الفجر برعايته وأمنهم في جواره وعنايته فما ظنكم بمن أمنه ملك الملوك وحفظه الحفيظ العليم يقول النبي - صلى الله عليه وسلم - «من صلى الصبح فهو في ذمة الله فلا يطلبنكم الله من ذمته بشيء» )).

 

إن الناس يطمئنون ويأمنون أشد الأمن عند ما يكون أحدهم في جوار عظيم من عظماء الدنيا فكيف بمن أمنه جبار السموات والأرض.

 

إن الفجر عباد الله اختبار وامتحان للناس ليعلم الله من يفضل نومه وراحته على عبادة الله وطاعته فا الحذر الحذر من الإخفاق في هذا الإمتحان فإن من سقط فيه فإنه لما بعده أسقط يقول الله {الَّذِي خَلَقَ الْمَوْتَ وَالْحَيَاةَ لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلًا وَهُوَ الْعَزِيزُ الْغَفُورُ} [8].

 

عباد الله:

بعد أن سمعنا الأجور العظيمة والفضائل الكبيرة التي أعدها الله لأهل الفجر فلا ينبغي لأحد منا أن يحرم نفسه التي بين جنبيه من لذة الفجر وحلاوة الصبح يقول الله سبحانه {تَتَجَافَى جُنُوبُهُمْ عَنِ الْمَضَاجِعِ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ خَوْفًا وَطَمَعًا وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنفِقُونَ فَلَا تَعْلَمُ نَفْسٌ مَّا أُخْفِيَ لَهُم مِّن قُرَّةِ أَعْيُنٍ جَزَاء بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ} [9].

 

وعلى من ابتلاه الله بالتكاسل والنوم عن صلاة الصبح أن يحاول ويحاول وألا يستسلم للنفس الأمارة فالنفس كا الطفل أن ترضعه شب على حب الرضاع وإن تفطمه ينفطم.

 

واعلموا أن من أعظم الأسباب التي تجعل الإنسان لا يستطيع أن يفارق فراشه ليقوم لصلاة الفجر الإصرار على الذنب أو المعصية فكم من الناس من يسمعون الأذان والإقامة لكنهم لا يستطيعون التحرك من الفرش قيدتهم الخطايا وكبلتهم الذنوب وجثم الشيطان على نفوسهم ورحم الله من قال من أساء في نهاره عوقب في ليله، ومن أساء في ليله عوقب في نهاره، نسأل الله أن يوفقنا لطاعته وأن يبعدنا عن معصتيه.

 

يقول الحسن البصري رحمه الله إذا لم تقدر على قيام الليل ولا صيام النهار فأعلم أنك محروم قد كبلتك الخطايا والذنوب.

 

كيف يقوم الفجر من بات يقلب القنوات الفضائية وينتقل من قناة إلى قناة ومن صورة إلى صورة أخرى.

 

كيف يقوم الفجر من بات ساهراً وكان سهره في معصية الله

 

كيف يقوم الفجر من نام على الحرام وملأ بطنه من الحرام.

 

أجرى أحد الدعاة استفتاءً أو استبياناً حول حضور الناس لصلاة الفجر فكانت النتيجة المرعبة أن 84 % لا يحافظون على صلاة الفجر وأن 16 % فقط هم من يحافظون على صلاة الفجر في جماعة.

 

أليس هذا عباد الله مما يثير العجب ويصيب الإنسان بالدهشة ننام عن طاعة الله ثم نقوم من نومنا نبحث عن رزق الله وقد عصيناه.

 

إنها ظاهرة مرضيّة خطيرة تنذر بالعقوبة وتبعث على الخوف وتستدعي النصح وتوجب بذل الأسباب المعينة لعلاجها قبل أن يستفحلَ الداء ويعز الدواء يقول الله {فَوَيْلٌ لّلْمُصَلّينَ الَّذِينَ هُمْ عَن صَلَـاتِهِمْ سَاهُونَ} ويقول سبحانه وتعالى {فَخَلَفَ مِن بَعْدِهِمْ خَلْفٌ أَضَاعُوا الصَّلَاةَ وَاتَّبَعُوا الشَّهَوَاتِ فَسَوْفَ يَلْقَوْنَ غَيًّا}[10].

 

عباد الله:

استعينوا بعد الله على حضور الفجر بالأسباب الشرعية كقراءة أذكار النوم وأن ينام الإنسان على طهارة وأن يتجنب السهر الذي يمنعه عن القيام للصلاة وأن يصاحب الأخيار الذين يحثونه على القيام.

 

واعملوا كذلك بالأسباب المادية وما أيسرها في هذا الزمان كالساعات المنبهه أو منبه الجوال ورسائل التذكير وأن يستيقظ الإنسان إذا أوقظ وغير ذلك من الوسائل والأسباب.

 

وأن يوجد مع ذلك وقبل ذلك همة وعزيمة وحرصٌ ذاتي على القيام فإن لم يوجد العزم النفسي والرغبة الذاتية في القيام فعلى النفس السلام.

 

يقول النبي - صلى الله عليه وسلم -  «أثقل صلاة على المنافقين صلاة العشاء وصلاة الفجر ولو يعلمون ما فيهما لأتوهما ولو حبوا ولقد هممت أن آمر بالصلاة فتقام ثم آمر رجلاً فيصلي بالناس ثم انطلق معي برجال معهم حزم من حطب إلى قوم لا يشهدون الصلاة فأحرق عليهم بيوتهم بالنار»[11].


[1] (8) سورة التحريم.

[2] (36) (37) سورة النــور.

[3] رواه مالك في الموطأ وهو عند البخاري ومسلم في الصحيحين.

[4] (1) (2) سورة الفجر.

[5] (39) سورة ق.

[6] [مسلم:725].

[7] [صلاح الأمة:2/420].

[8] (2) سورة الملك.

[9] (16) (17) سورة السجدة.

[10] (59) سورة مريم.

[11] رواه البخاري ومسلم.

  • 16
  • 0
  • 3,083
  • عبد الرحمن محمد

      منذ
    الغلظة على الكفار والمرتدين في سيرة الخلفاء الراشدين [١١] • لما قدم وفد بزاخة يسألون أبا بكر الصديق رضي الله عنه الصلح متعهدين بالرجوع إلى أحكام الإسلام كافة، خيرهم بين الحرب المجلية أو السلم المخزية، قال ابن كثير: «فقالوا يا خليفة رسول الله أما الحرب المجلية فقد عرفناها، فما السلم المخزية؟ قال: تؤخذ منكم الحلقة والكراع وتتركون أقواما يتبعون أذناب الإبل، حتى يري الله خليفة نبيه والمؤمنين أمرا يعذرونكم به، وتؤدون ما أصبتم منا ولا نؤدي ما أصبنا منكم ، وتشهدون أن قتلانا في الجنة وقتلاكم في النار» والحديث عند البخاري مختصرا. - صحيفة النبأ العدد ٤٧ ذو الحجة ١٤٣٧

هل تود تلقي التنبيهات من موقع طريق الاسلام؟

نعم أقرر لاحقاً