كراهة السلف للسمر بعد العشاء

منذ 2022-08-30

لا ريب أن الأوائل قد أبلَغوا في الجهد في التحذير من هذه الآفة العظيمة، مشافَهة ومكاتَبة، ولم يألوا في ذلك نصحًا، ولا ادَّخروا وُسْعًا، كما التزموا تجاهها الاتباع والأدب كما يَفرضهما الدِّين.

لا ريب أن الأوائل قد أبلَغوا في الجهد في التحذير من هذه الآفة العظيمة، مشافَهة ومكاتَبة، ولم يألوا في ذلك نصحًا، ولا ادَّخروا وُسْعًا، كما التزموا تجاهها الاتباع والأدب كما يَفرضهما الدِّين.

 

وسأسوق في حديثي الآن جملةً من الأمثلة على هذا الألفاظ التي ضِيمَتْ عند كثيرين، وأُهمِلَت عند آخرين؛ حتى يكون فيها مَنبَهةٌ لما أريده.

 

قال ابن رجب:

"رُويَت كراهة السمر بعد العشاء عن عمرَ وحذيفةَ وعائشة رضي الله عنهم، وغيرِهم"[1].

 

وقال ابن عبدالبر:

"وعن إبراهيمَ وعطاءٍ وطاووس ومجاهد[2] وسعيد بن المسيب "أنَّهم كانوا يَكرهون النوم قبلها والحديث بعدها"[3].

 

وقال:

"واتفق مالكٌ والشافعي على كراهة النوم قبل العشاء الآخرة والحديثِ بعدها"[4]. وذكَر أن مذهب الحنفية: "الترخيص في الحديث بعدَها فيما لا مأثمَ فيه"[5].

 

أقوال السلف:

 

عمر رضي الله عنه:

 

قال سُليمان بن ربيعة الباهلي رحمه الله: "كان عمر يتجدَّب لنا السمر بعد العتمة".[6][7]

 

وقال سلمان - يعني: ابن ربيعة -: قال لي عمر: "يا سلمان، إني أذمُّ لك الحديثَ بعد صلاة العتمة".[8]

 

وعن أبي رافع رضي الله عنه: كان عمرُ رضي الله عنه ينشُّ الناس بدِرَّته بعد العتمة؛ يقول: "قوموا لعلَّ الله يرزقكم صلاة".[9][10]

 

وعن أبي سعيد مولى الأنصار قال: كان عمرُ رضي الله عنه لا يدَع سامرًا بعد العشاء، يقول: "ارجعوا، لعل الله يرزقكم صلاة أو تهجدًا".[11]

 

وعن خرَشة بن الحُر قال: رأيت عمر بن الخطاب رضي الله عنه يضرب الناس على الحديث بعد العشاء، ويقول: "أسَمرٌ أولَ الليل، ونوم آخرَه؟!".[12]

 

 

 

عائشة رضي الله عنها:

 

وعن عَمرة رحمها الله أن عائشة رضي الله عنها كانت إذا سمعَت أحدًا من أهلها يتحدث بعد العشاء، قالت: (أريحوا كُتَّابكم).[13][14]

 

 

 

وعن مالكٍ أنه بلغه أن عائشة رضي الله عنها زوجَ النبي صلى الله عليه وآله وسلم كانت تُرسل إلى بعض أهلها بعد العتمة، فتقول: "ألا تريحون الكتَّاب!".[15]

 

 

 

حذيفة رضي الله عنه:

 

وعن أبي وائلٍ وإبراهيم، قالا: "جاء رجل إلى حُذيفة رضي الله عنه فدقَّ الباب، فخرج إليه حذيفة، فقال: ما جاء بك؟! فقال: جئتُ للحديث، فسفق[16] حذيفةُ الباب دونه، ثم قال: إنَّ عمر جدَب لنا السَّمرَ بعد صلاة العشاء".[17]

 

 

 

ابن عباس رضي الله عنه:

 

وعن ابن عباس رضي الله عنه قال: "ما أحبُّ النوم قبلها، ولا الحديثَ بعدها".[18]

 

 

 

سلمان الفارسي رضي الله عنه:

 

قال سلمانُ رضي الله عنه: "إياكم وسَمرًا أولَ الليل؛ فإنه مَهذَبة - أو مَذهَبة - لآخرِه؛ فمن فعل ذلك فليصلِّ ركعتين قبل أن يَأوي إلى فراشه".[19]

 

 

 

سعيد بن المسيب رحمه الله:

 

قال سعيد بن المسيب رحمه الله: "لأَن أنام عن العشاء أحبُّ إليَّ من أن ألغُوَ بعدها"، وفي لفظ: "لأن أرقُدَ عن العشاء التي سمَّاها الأعرابُ العَتمة أحب إليَّ من أن ألغوَ بعدها".[20][21]

 

 

 

وعن مالك رحمه الله أنه بلغه: "أن سعيد بن المسيب كان يكره النوم قبل العشاء، والحديثَ بعدها".[22]

 

 

 

خيثمة رحمه الله:

 

وقال خيثمة رحمه الله: "كانوا يَستحبُّون إذا أوتر الرجل أن ينام".[23]

 

 

 

سعيد بن جبير رحمه الله:

 

وعن القاسم بن أبي أيوب، قال: "كنتُ أكون مع سعيدِ بن جبير فأصلي بعد العشاء أربعَ ركعات فأكلمه، فلا يكلمني حتى ينام".[24]

 

 

 

إبراهيم رحمه الله:

 

وعن مغيرة، عن إبراهيم: "أنه كان يكره الكلام بعد العشاء".[25]

 

 

 

سفيان رحمه الله:

 

وعن إبراهيم بن بشار، قال: سمعتُ سفيان يقول: "تكلَّمت بشيء بعد العشاء الآخرة، فقلتُ: ما ينبغي لي أن أنام على هذا، فقمتُ فتوضأت وصليت ركعتين، واستغفرت، وما قلت هذا لأزكِّي نفسي؛ ولكن ليَعمل به بعضُكم".[26]

 

 

 

مجاهد رحمه الله:

 

وقال مجاهد: "لا يجوز السمر بعد العشاء، إلا لمصلٍّ أو مسافر أو مذاكرٍ بعلم".[27]

 

 

 

قتادة رحمه الله:

 

وعن مَعمر، عن قتادة قال: "كان يكره النوم قبل العشاء والسمر بعدها".[28]

 

 

 

تنبيه:

 

قد يرى الناظر لأول وهلةٍ في ما رُوي - مما ذكرناه ومما لم نَذكره - عن الرسول صلى الله عليه وآله وسلم أو السلف رحمهم الله في باب السمر بعد العشاء أنها متعارضة، وليس الأمر كذلك[29]؛ فإن كثيرًا منها لا يصح له إسناد، لا مرفوع ولا موقوف.

 

 

 

وأما ما صحَّ منها: فإن ما ورد من النهي فهو محمولٌ على الأصل، أو إذا ما اشتمَل السمر على محرَّم أو مكروه، أو هو محمول على إذا لم يكن السمر في أحد الأمور التي سيأتي ذِكرها في الاستثناء، أو ما يُقاس عليها، وأما ما يدل منها على الجواز فهو إما لضرورة دعَتهم إليها، أو في أحد تلك الأمور التي سيأتي ذكرها والتي استُثنيَت بالأدلة.

 

 

 

ولذلك قال الترمذي: "وقد اختلَف أهل العلم من أصحاب النبي صلى الله عليه وآله وسلم والتابعين ومن بعدهم في السَّمَر بعد العشاء، فكره قومٌ منهم السمر بعد صلاة العشاء، ورخَّص بعضُهم إذا كان في معنى العلم، وما لا بد منه من الحوائج، وأكثرُ الحديثِ على الرخصة"[30].

 

 


[1] فتح الباري (3/ 376) له.

[2] أخرجه ابن أبي شيبة رقم: (7185) ولفظه: "عن ليث، عن عطاء، وطاووس، ومجاهد: أنهم كانوا يكرهون النوم قبلها والحديث بعدها".

[3] الاستذكار (2/ 90) لابن عبدالبر.

[4] الاستذكار (2/ 92) لابن عبدالبر، وانظر التمهيد (24/ 215).

[5] الاستذكار (2/ 92) لابن عبدالبر.

[6] قال أبو عبيد: يعني: عابه وذمه، وكل عائب فهو جادب. قال ذو الرمة:

فيا لك من خَدٍّ أَسيلٍ ومَنطق 

رَخيمٍ ومِن خَلْق تعلَّل جادبُهْ 

ويُروى: ومِن وَجه تعلَّل جادبُه.

يقول: لم يجد فيه مقالاً فهو يتعلَّل بالشيء يقوله، وليس بعيب.

انظر: غريب الحديث (3/ 308) لابن سلام، والنهاية (1/ 698)، وغريب الحديث (1/ 141) لابن الجوزي.

[7] أخرجه ابن أبي شيبة في مصنفه رقم: (6680).

[8] أخرجه ابن أبي شيبة في مصنفه رقم: (6679)،

[9] يَنُشُّ: أي يسوق، والنش: السَّوق برفق؛ لسان العرب (14/ 144) لابن منظور.

[10] ذكره محمد بن نصر في مختصر قيام الليل (ص: 147)، وانظر: غريب الحديث (3/ 308 - 309) لأبي عبيد..

[11] شرح معاني الآثار رقم: (7205) للطحاوي.

[12] مختصر قيام الليل (ص: 115) للمروزي، وأخرجه ابن أبي شيبة في مصنفه رقم: (6681)، وعبدالرزاق رقم: (2134).

[13] قال ابن رجب: "تعني: الملائكة الكاتبين"؛ فتح الباري (3/ 377) له.

[14] مختصر قيام الليل (ص: 115) للمروزي.

[15] الموطأ رقم: (1785).

[16] سفق الباب: ردَّه؛ كأسفَقه، كما في القاموس المحيط (ص: 1154)، ويقال: سفَقت الباب وأسفقته؛ أي: ردَدته فانسفَق؛ تاج اللغة وصحاح العربية (5/ 183).

[17] أخرجه ابن أبي شيبة في مصنفه رقم: (6686)، وعبدالرزاق رقم: (2136).

[18] أخرجه ابن أبي شيبة في مصنفه رقم: (7184).

[19] أخرجه ابن أبي شيبة في مصنفه رقم: (6682).

[20] أخرجه عبدالرزاق في مصنفه رقم: (2144).

[21] أخرجه عبدالرزاق في مصنفه رقم: (2145).

[22] أخرجه في الموطأ رقم: (390).

[23] أخرجه ابن أبي شيبة في مصنفه رقم: (6683).

[24] أخرجه ابن أبي شيبة في مصنفه رقم: (6684).

[25] أخرجه ابن أبي شيبة في مصنفه رقم: (6685).

[26] أخرجه المروزي في تعظيم قدر الصلاة رقم: (113).

[27] الاستذكار (8/ 561) لابن عبدالبر.

[28] أخرجه عبدالرزاق رقم: (2141).

[29] انظر للفائدة: ناسخ الحديث ومنسوخه (ص: 76 - 79) لأبي بكر الثرم.

[30] سنن الترمذي (1/ 315). وانظر: شرح معاني الآثار (4/ 330) للطحاوي.


 


الكاتب: بكر البعداني

  • 2
  • 0
  • 990

هل تود تلقي التنبيهات من موقع طريق الاسلام؟

نعم أقرر لاحقاً