كيف تحافظ على صلاة الفجر؟

منذ 2023-09-03

إن صلاة الفجر لها منزلة كبيرة ولها وسائل يستطيع المسلم بها المحافظة على صلاة الفجر جماعة في المساجد...

الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَى وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَكَفَى بِاَللَّهِ شَهِيدًا، وَأَشْهَدُ أَنْ لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، إقْرَارًا بِهِ وَتَوْحِيدًا، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولَهُ، صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَأَصْحَابِهِ وَسَلَّمَ تَسْلِيمًا كَثيرًا، أمَّا بَعْدُ:

فإن صلاة الفجر لها منزلة كبيرة ولها وسائل يستطيع المسلم بها المحافظة على صلاة الفجر جماعة في المساجد، فأقول وبالله تعالى التوفيق:

منزلة صلاة الفجر:

صلاة الفجر لها فضائل كثيرة نستطيع أن نوجزها في الأمور التالية:

(1) الله سبحانه أقسم اللهُ بالفجر:

قال الله تعالى:  {وَالْفَجْرِ * وَلَيَالٍ عَشْرٍ * وَالشَّفْعِ وَالْوَتْرِ * وَاللَّيْلِ إِذَا يَسْرِ * هَلْ فِي ذَلِكَ قَسَمٌ لِذِي حِجْرٍ} [الفجر: 1 – 5].

 

أقسم اللهُ تعالى بالفجر، وهذا دليلٌ على شرف هذا الوقت ومنزلته العالية عند الله تعالى.

 

قال ابنُ جرير الطبري (رحمه الله): هذا قسمٌ، أقسم ربنا جلَّ ثناؤه بالفجر، وهو فجر الصبح؛ (تفسير الطبري جـ 27صـ 365).

 

روى ابنُ جرير الطبري عن ابن عباس قوله: (وَالْفَجْر) يعني: صلاة الفجر؛ (تفسير الطبري جـ 27صـ 366).

 

(2) الملائكة الكرام تشهد صلاة الفجر:

روى مسلمٌ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالََ: «تَجْتَمِعُ مَلَائِكَةُ اللَّيْلِ وَمَلَائِكَةُ النَّهَارِ فِي صَلَاةِ الْفَجْرِ» ، قَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ اقْرَؤُوا إِنْ شِئْتُمْ: ( {وَقُرْآنَ الْفَجْرِ إِنَّ قُرْآنَ الْفَجْرِ كَانَ مَشْهُودًا} ) (مسلم حديث:649).

 

(3) صلاة الفجر سبيل الجنة:

روى الشيخانِ عَنْ أَبِي مُوسَى الْأَشْعَرِيِّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «مَنْ صَلَّى الْبَرْدَيْنِ دَخَلَ الْجَنَّةَ»؛ (البخاري حديث574/مسلم حديث635).

 

البردان: صلاة الفجر والعصر.

قال الخطَّابي (رحمه الله): سُميتا بَردين لأنهما تُصليان في بَردى النهار، وهما طرفاه حين يطيب الهواء وتذهب سَوْرَة الحر؛ (فتح الباري لابن حجر العسقلاني جـ2صـ64).

 

(4) صلاة الفجر جماعة في المسجد أمان للمسلم من النار.

روى مسلمٌ عَنْ عُمَارَةَ بْنِ رُؤَيْبَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: ( «لَنْ يَلِجَ (يدخل) النَّارَ أَحَدٌ صَلَّى قَبْلَ طُلُوعِ الشَّمْسِ وَقَبْلَ غُرُوبِهَا» )؛ يَعْنِي: الْفَجْرَ وَالْعَصْرَ؛ (مسلم حديث: 634).

 

(5) الله سبحانه يباهي بالمحافظين على صلاة الفجر الملائكة:

روى الشيخانِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «يَتَعَاقَبُونَ فِيكُمْ مَلَائِكَةٌ بِاللَّيْلِ وَمَلَائِكَةٌ بِالنَّهَارِ، وَيَجْتَمِعُونَ فِي صَلَاةِ الْفَجْرِ وَصَلَاةِ الْعَصْرِ، ثُمَّ يَعْرُجُ الَّذِينَ بَاتُوا فِيكُمْ، فَيَسْأَلُهُمْ وَهُوَ أَعْلَمُ بِهِمْ: كَيْفَ تَرَكْتُمْ عِبَادِي؟ فَيَقُولُونَ: تَرَكْنَاهُمْ وَهُمْ يُصَلُّونَ وَأَتَيْنَاهُمْ وَهُمْ يُصَلُّونَ»؛ (البخاري حديث555/مسلم حديث632).

 

قال ابنُ حجر العسقلاني (رحمه الله): الحكمة في سؤال الله تعالى للملائكة - وهو أعلم - استدعاء شهادتهم لبني آدم بالخير، واستنطاقهم بما يقتضي التعطف عليهم؛ وذلك لإظهار الحكمة في خلق نوع الإنسان في مقابلة مَن قال مِن الملائكة: {أَتَجْعَلُ فِيهَا مَنْ يُفْسِدُ فِيهَا وَيَسْفِكُ الدِّمَاءَ وَنَحْنُ نُسَبِّحُ بِحَمْدِكَ وَنُقَدِّسُ لَكَ قَالَ إِنِّي أَعْلَمُ مَا لَا تَعْلَمُونَ} [البقرة:30]؛ أي: وقد وُجِدَ فيهم من يسبح ويقدِّس مثلكم بنص شهادتكم؛ (فتح الباري لابن حجر العسقلاني جـ2صـ45:44).

 

وقال ابنُ حجر العسقلاني (رحمه الله): في هذا الحديث: إشارة إلى عِظَم هاتين الصلاتين، لكونهما تجتمع فيهما الطائفتان وفي غيرهما طائفة واحدة، وإشارة إلى شرف الوقتين المذكورين، وقد ورد أن الرزق يُقَسَّمُ بعد صلاة الصبح، وأن الأعمال تُرفع آخر النهار، فمن كان حينئذ في طاعة بُورك في رزقه وفي عمله؛ (فتح الباري لابن حجر العسقلاني جـ2صـ45).

 

(6) جلوس المسلم بعد الفجر حتى الشروق له ثواب الحج والعمرة:

روى الترمذيُّ عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «مَنْ صَلَّى الْغَدَاةَ فِي جَمَاعَةٍ، ثُمَّ قَعَدَ يَذْكُرُ اللَّهَ حَتَّى تَطْلُعَ الشَّمْسُ، ثُمَّ صَلَّى رَكْعَتَيْنِ كَانَتْ لَهُ كَأَجْرِ حَجَّةٍ وَعُمْرَةٍ تَامَّةٍ تَامَّةٍ تَامَّةٍ»؛ (حديث صحيح) (صحيح الترمذي للألباني حديث 480).

 

(7) صلاة الفجر تجعل المسلم في أمان الله تعالى:

روى مسلمٌ عَنْ جُنْدَبَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «مَنْ صَلَّى صَلَاةَ الصُّبْحِ فَهُوَ فِي ذِمَّةِ اللَّهِ، فَلَا يَطْلُبَنَّكُمْ اللَّهُ مِنْ ذِمَّتِهِ بِشَيْءٍ، فَإِنَّهُ مَنْ يَطْلُبْهُ مِنْ ذِمَّتِهِ بِشَيْءٍ يُدْرِكْهُ، ثُمَّ يَكُبَّهُ عَلَى وَجْهِهِ فِي نَارِ جَهَنَّمَ»؛ (مسلم حديث:657).

ذمةُ الله: حفْظه ورعايته.

 

(8) صلاة الفجر من أسباب الأرزاق:

روى الترمذيُّ عن صَخْرٍ الْغَامِدِيِّ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ أن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «اللَّهُمَّ بَارِكْ لِأُمَّتِي فِي بُكُورِهَا» قَالَ: وَكَانَ (النبيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ) إِذَا بَعَثَ سَرِيَّةً أَوْ جَيْشًا، بَعَثَهُمْ أَوَّلَ النَّهَارِ، وَكَانَ صَخْرٌ رَجُلًا تَاجِرًا، وَكَانَ إِذَا بَعَثَ تِجَارَةً بَعَثَهُمْ أَوَّلَ النَّهَارِ، فَأَثْرَى وَكَثُرَ مَالُهُ؛ (حديث صحيح)، (صحيح الترمذي للألباني حديث 968).

 

روى ابنُ ماجه عَنْ أُمِّ سَلَمَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهَا أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يَقُولُ إِذَا صَلَّى الصُّبْحَ حِينَ يُسَلِّمُ: «اللَّهُمَّ إِنِّي أَسْأَلُكَ عِلْمًا نَافِعًا وَرِزْقًا طَيِّبًا وَعَمَلًا مُتَقَبَّلًا»؛ ( حديث صحيح ) ( صحيح ابن ماجه للألباني حديث 753).

 

(9) سُّنة الفجر خيرٌ من الدنيا وما فيها:

روى مسلمٌ عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهَا عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «رَكْعَتَا الْفَجْرِ خَيْرٌ مِنْ الدُّنْيَا وَمَا فِيهَا»؛ (مسلم حديث:725).

 

اعلم أخي المسلم الكريم أن من سُّنة نبينا صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تخفيف ركعتي سُّنة الفجر؛ روى مسلمٌ عَائِشَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهَا قَالَتْ: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُصَلِّي رَكْعَتَيْ الْفَجْرِ إِذَا سَمِعَ الْأَذَانَ وَيُخَفِّفُهُمَا؛ (مسلم حديث:724).

 

روى مسلمٌ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَرَأَ فِي رَكْعَتَيْ الْفَجْرِ {قُلْ يَا أَيُّهَا الْكَافِرُونَ} {وَقُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ}؛ (مسلم حديث:726).

 

(10) صلاة الفجر في المساجد براءة للمسلم من صفات المنافقين:

روى مسلمٌ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «إِنَّ أَثْقَلَ صَلَاةٍ عَلَى الْمُنَافِقِينَ صَلَاةُ الْعِشَاءِ وَصَلَاةُ الْفَجْرِ وَلَوْ يَعْلَمُونَ مَا فِيهِمَا لَأَتَوْهُمَا وَلَوْ حَبْوًا، وَلَقَدْ هَمَمْتُ أَنْ آمُرَ بِالصَّلَاةِ، فَتُقَامَ ثُمَّ آمُرَ رَجُلًا فَيُصَلِّيَ بِالنَّاسِ، ثُمَّ أَنْطَلِقَ مَعِي بِرِجَالٍ مَعَهُمْ حُزَمٌ مِنْ حَطَبٍ إِلَى قَوْمٍ لَا يَشْهَدُونَ الصَّلَاةَ، فَأُحَرِّقَ عَلَيْهِمْ بُيُوتَهُمْ بِالنَّارِ»؛ (مسلم حديث:651).

 

(11) صلاة الفجر تجعل للمسلم نصيبًا من قيام الليل:

روى مسلمٌ عَنْ عُثْمَانَ بْنِ عَفَّانَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: «مَنْ صَلَّى الْعِشَاءَ فِي جَمَاعَةٍ، فَكَأَنَّمَا قَامَ نِصْفَ اللَّيْلِ، وَمَنْ صَلَّى الصُّبْحَ فِي جَمَاعَةٍ، فَكَأَنَّمَا صَلَّى اللَّيْلَ كُلَّهُ»؛ (مسلم حديث:656).

 

(12) الاستيقاظ لصلاة الفجر يجعل المسلم يدرك وقت الدعاء المُستجاب:

روى مسلمٌ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «يَنْزِلُ اللَّهُ إِلَى السَّمَاءِ الدُّنْيَا كُلَّ لَيْلَةٍ حِينَ يَمْضِي ثُلُثُ اللَّيْلِ الْأَوَّلُ، فَيَقُولُ: أَنَا الْمَلِكُ أَنَا الْمَلِكُ مَنْ ذَا الَّذِي يَدْعُونِي فَأَسْتَجِيبَ لَهُ، مَنْ ذَا الَّذِي يَسْأَلُنِي فَأُعْطِيَهُ، مَنْ ذَا الَّذِي يَسْتَغْفِرُنِي فَأَغْفِرَ لَهُ، فَلَا يَزَالُ كَذَلِكَ حَتَّى يُضِيءَ الْفَجْرُ»؛ (مسلم حديث:758).

 

(13) صلاة الفجر من أسباب النصر على الأعداء:

روى البخاريُّ عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ إِذَا غَزَا بِنَا قَوْمًا لَمْ يَكُنْ يَغْزُو بِنَا حَتَّى يُصْبِحَ؛ (البخاري حديث:610).

 

ومعلوم أن النهار يبدأ من الفجر، فإذا أدى الجنود صلاة الفجر جماعة، ودعوا الله بالنصر على أعدائهم، استجاب الله دعاءهم.

 

روى الترمذيُّ عن صَخْرٍ الْغَامِدِيِّ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ أن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «اللَّهُمَّ بَارِكْ لِأُمَّتِي فِي بُكُورِهَا» ، قَالَ: وَكَانَ (النبيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ) إِذَا بَعَثَ سَرِيَّةً أَوْ جَيْشًا، بَعَثَهُمْ أَوَّلَ النَّهَارِ؛ (حديث صحيح) (صحيح الترمذي للألباني حديث 968).

 

(14) صلاة الفجر تضيء وجوه المؤمنين يوم القيامة:

روى أبو داودَ عَنْ بُرَيْدَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «بَشِّرْ الْمَشَّائِينَ فِي الظُّلَمِ إِلَى الْمَسَاجِدِ بِالنُّورِ التَّامِّ يَوْمَ الْقِيَامَةِ»؛ (حديث صحيح) (صحيح أبي داود للألباني حديث 525).

 

قال شمس الحق العظيم أبادي (رحمه الله):

قوله صلى الله عليه وسلم: (بَشِّرْ الْمَشَّائِينَ) جمع المشاء، وهو كثير المشي (فِي الظُّلَمِ) جمع ظلمة (بِالنُّورِ) متعلق ببشر (التَّامِّ يَوْمَ الْقِيَامَةِ) قال الطيبي: في وصف النور بالتام وتقييده بيوم القيامة تلميح إلى وجه المؤمنين يوم القيامة في قوله تعالى: {نُورُهُمْ يَسْعَى بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَبِأَيْمَانِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنَا أَتْمِمْ لَنَا نُورَنَا} [التحريم:8]، وإلى وجه المنافقين في قوله تعالى: {انْظُرُونَا نَقْتَبِسْ مِنْ نُورِكُمْ} (الحديد:13)؛ (عون المعبود شرح سنن أبي داود جـ2صـ188).

 

(15) المحافظة على صلاة الفجر من أسباب رؤية الله تعالى يوم القيامة:

روى الشيخانِ عَنْ جَرِيرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: كُنَّا عِنْدَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَنَظَرَ إِلَى الْقَمَرِ لَيْلَةً يَعْنِي الْبَدْرَ، فَقَالَ: «إِنَّكُمْ سَتَرَوْنَ رَبَّكُمْ كَمَا تَرَوْنَ هَذَا الْقَمَرَ، لَا تُضَامُّونَ فِي رُؤْيَتِهِ، فَإِنْ اسْتَطَعْتُمْ أَلَا تُغْلَبُوا عَلَى صَلَاةٍ قَبْلَ طُلُوعِ الشَّمْسِ وَقَبْلَ غُرُوبِهَا فَافْعَلُوا» ، ثُمَّ قَرَأَ: {وَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ قَبْلَ طُلُوعِ الشَّمْسِ وَقَبْلَ الْغُرُوبِ} [طه:130]؛ (البخاري حديث 554/ مسلم حديث633).

 

وسائل المحافظة على صلاة الفجر:

ذكر بعض أهل العلم وسائل يمكن أن تساعد المسلم على المحافظة على صلاة الفجر جماعة في المساجد، يمكن أن نوجزها فيما يلي:

(1) إخلاص النية لله تعالى وحده:

يجب على المسلم أن يعزم النية بقلبه على الاستيقاظ لصلاة الفجر ابتغاءَ وجه الله تعالى وحده، وليس طلبًا لمدح الناس؛ قال اللهُ تعالى: {وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ حُنَفَاءَ وَيُقِيمُوا الصَّلَاةَ وَيُؤْتُوا الزَّكَاةَ وَذَلِكَ دِينُ الْقَيِّمَةِ} [البينة:5].

 

روى البخاريُّ عن عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ: «إِنَّمَا الْأَعْمَالُ بِالنِّيَّاتِ وَإِنَّمَا لِكُلِّ امْرِئٍ مَا نَوَى»؛ (البخاري حديث: 1).

 

(2) الابتعاد عن السهر والتبكير بالنوم:

ينبغي لمن يريد أن يحافظ على صلاة الفجر أن يتجنَّب السهر بعد صلاة العشاء، إلا لأمر فيه مصلحة، كدراسة العلوم الشرعية أو الدنيوية التي تعود بالنفع على المسلم، أو أمور دنيوية مباحة، كالحديث مع أفراد أسرته، أو السمر مع الضيوف، أو ما أشبَه ذلك؛ روى البخاريُّ عَنْ أَبِي بَرْزَةَ الْأَسْلَمِيِّ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يَكْرَهُ النَّوْمَ قَبْلَ الْعِشَاءِ وَالْحَدِيثَ بَعْدَهَا؛ (البخاري حديث:568).

 

قال ابنُ حجر العسقلاني (رحمه الله): لأن النوم قبلها قد يؤدي إلى إخراجها عن وقتها مطلقًا أو عن الوقت المختار، والسمر بعدها قد يؤدي إلى النوم عن الصبح، أو عن وقتها المختار، أو عن قيام الليل، وكان عمر بن الخطاب يضرب الناس على ذلك، ويقول: أسمرًا أول الليل ونومًا آخره؛ (فتح الباري لابن حجر العسقلاني جـ2صـ87).

 

(3) استخدام وسائل التنبه الحديثة التي تساعد على الاستيقاظ:

إذا كنا نحرص على الذهاب إلى العمل في الوقت المحدد، خشية العتاب أو التعرض للعقوبة من المسؤول عن العمل، ونأخذ بكل الوسائل التي تجعلنا نذهب إلى العمل مبكرين.

 

إن الاستيقاظ لحضور صلاة الفجر جماعة في المساجد، أحقُّ من حرصنا على العمل، يستطيع المسلم أن يستخدم المنبه، أو هاتفه المحمول، أو أي وسيلة أخرى لمساعدته على الاستيقاظ لصلاة الفجر.

 

(4) الاستعانة ببعض أهل الخير على الاستيقاظ لصلاة الفجر:

ينبغي على المسلم أن يوصي أهل بيته، أو من يسكن بجواره، أو أحدًا من أصدقائه الصالحين، بإيقاظه لصلاة الفجر، وهذا من باب التعاون على الخير؛ قال الله تعالى: {وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلَا تَعَاوَنُوا عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ} [المائدة:2].

 

وقال سبحانه: {وَالْعَصْرِ * إِنَّ الْإِنْسَانَ لَفِي خُسْرٍ * إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ} [العصر:3:1].

 

(5) نضح قليل من الماء برفق في وجه النائم:

إذا كان المسلم ثقيل النوم، نضحنا برفق في وجهه قليلًا من الماء، مع مراعاة ألا يترتب على ذلك منكر، وهذه طريقة فعالةٌ لطرد النوم، وقد أرشدنا إليها نبينا محمد صلى الله عليه وسلم في سُنَّته المباركة.

 

روى أبو داودَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «رَحِمَ اللَّهُ رَجُلًا قَامَ مِنْ اللَّيْلِ فَصَلَّى، وَأَيْقَظَ امْرَأَتَهُ فَصَلَّتْ، فَإِنْ أَبَتْ نَضَحَ فِي وَجْهِهَا الْمَاءَ، رَحِمَ اللَّهُ امْرَأَةً قَامَتْ مِنْ اللَّيْلِ فَصَلَّتْ، وَأَيْقَظَتْ زَوْجَهَا، فَإِنْ أَبَى نَضَحَتْ فِي وَجْهِهِ الْمَاءَ»؛ ( حديث حسن صحيح ) ( صحيح أبي داود للألباني حديث: 1287).

 

قال شمس الحق العظيم أبادي (رحمه الله):

قوله صلى الله عليه وسلم (نَضَحَ)؛ أي رش (فِي وَجْهِهَا الْمَاءَ)، والمراد التلطف معها والسعي في قيامها لطاعة ربها مهما أمكن؛ قال تعالى: {وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى} [المائدة:2]؛ (عون المعبود شرح سنن أبي داود جـ4صـ228).

 

(6) ذِكر الله تعالى عقب الاستيقاظ مباشرة:

ينبغي على المسلم أن يذكر الله تعالى ويقول دعاء الاستيقاظ الثابت عن نبينا محمد صلى الله عليه وسلم، فإن هذا من أفضل وسائل التغلب على النوم؛ روى الشيخانِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّ رَسُولَ اللَّه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «يَعْقِدُ الشَّيْطَانُ عَلَى قَافِيَةِ رَأْسِ أَحَدِكُمْ إِذَا هُوَ نَامَ ثَلَاثَ عُقَدٍ يَضْرِبُ كُلَّ عُقْدَةٍ عَلَيْكَ لَيْلٌ طَوِيلٌ فَارْقُدْ، فَإِنْ اسْتَيْقَظَ فَذَكَرَ اللَّهَ انْحَلَّتْ عُقْدَةٌ، فَإِنْ تَوَضَّأَ انْحَلَّتْ عُقْدَةٌ، فَإِنْ صَلَّى انْحَلَّتْ عُقْدَةٌ، فَأَصْبَحَ نَشِيطًا طَيِّبَ النَّفْسِ وَإِلَّا أَصْبَحَ خَبِيثَ النَّفْسِ كَسْلَانَ»؛ (البخاري حديث1142/مسلم حديث776).

 

روى البخاريُّ عَنْ حُذَيْفَةَ بْنِ الْيَمَانِ قَالَ:كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا أَوَى إِلَى فِرَاشِهِ قَالَ: «بِاسْمِكَ أَمُوتُ وَأَحْيَا» وَإِذَا قَامَ قَالَ: «الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي أَحْيَانَا بَعْدَ مَا أَمَاتَنَا وَإِلَيْهِ النُّشُورُ»؛ (البخاري حديث:6312).

 

روى الترمذيُّ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «إِذَا قَامَ أَحَدُكُمْ عَنْ فِرَاشِهِ ثُمَّ رَجَعَ إِلَيْهِ، فَلْيَنْفُضْهُ بِصَنِفَةِ إِزَارِهِ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ، فَإِنَّهُ لَا يَدْرِي مَا خَلَفَهُ عَلَيْهِ بَعْدُ، فَإِذَا اضْطَجَعَ فَلْيَقُلْ: بِاسْمِكَ رَبِّي وَضَعْتُ جَنْبِي وَبِكَ أَرْفَعُهُ، فَإِنْ أَمْسَكْتَ نَفْسِي فَارْحَمْهَا، وَإِنْ أَرْسَلْتَهَا فَاحْفَظْهَا بِمَا تَحْفَظُ بِهِ عِبَادَكَ الصَّالِحِينَ، فَإِذَا اسْتَيْقَظَ فَلْيَقُلْ: الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي عَافَانِي فِي جَسَدِي وَرَدَّ عَلَيَّ رُوحِي وَأَذِنَ لِي بِذِكْرِهِ»؛ (حديث حسن) (صحيح الترمذي للألباني حديث 2757).

 

(7) عدم الإكثار من تناول الطعام قبل النوم:

كثرة تناول الطعام قبل النوم من أسباب النوم الثقيل، ولذا ينبغي على المسلم أن يقتصد عند تناول طعامه قبل النوم، فتستريح معدته، ويسهل عليه الاستيقاظ لصلاة الفجر جماعة في المسجد، وأرشدنا نبينا صلى الله عليه وسلم إلى ذلك في سُّنته المباركة؛ روى الترمذيُّ عَنْ الْمِقْدَامِ بْنِ مَعْدِي كَرِبَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: «مَا مَلَأَ آدَمِيٌّ وِعَاءً شَرًّا مِنْ بَطْنٍ بِحَسْبِ ابْنِ آدَمَ أُكُلَاتٌ يُقِمْنَ صُلْبَهُ، فَإِنْ كَانَ لَا مَحَالَةَ فَثُلُثٌ لِطَعَامِهِ، وَثُلُثٌ لِشَرَابِهِ، وَثُلُثٌ لِنَفَسِهِ»؛ (حديث صحيح)، (صحيح الترمذي للألباني حديث 1939).

 

(8) اجتناب المعاصي والحرص على الطاعات وتجديد التوبة:

الحرص على طاعة الله تعالى من أهم الأسباب التي تساعد المسلم على المحافظة على صلاة الفجر.

إن العبد قد يحرمه اللهُ تعالى من التوفيق إلى الطاعة بسبب ذنوبه من غير توبة نصوح.

• قال رجلٌ للحسن البصري: يا أبا سعيد، إني أبيت معافى (في صحة جيدة)، وأحب قيام الليل وأعد طهوري، فما بالي لا أقوم؟ فقال الحسن: ذنوبك قيدتك؛ (إحياء علوم الدين للغزالي جـ 1صـ 356).

• قال سفيانُ الثوري (رحمه الله): حُرمت قيام الليل خمسة أشهر بذنب أذنبته، قيل: وما ذاك الذنب؟ قال: رأيت رجلًا يبكي، فقلت في نفسي: هذا مُراءٍ؛ (إحياء علوم الدين للغزالي جـ 1صـ 356).

• قال أبو سليمان الداراني (رحمه الله): لا تفوت أحدًا صلاة الجماعة إلا بذنب؛ (إحياء علوم الدين للغزالي جـ 1صـ 356).

 

(9) الحرص على الوضوء وقراءة أذكار النوم الثابتة عن نبينا محمد صلى الله عليه وسلم.

 

(10) تذَكُّر ثواب صلاة الفجر وأن ذلك يُثقِل ميزان حسنات المؤمن يوم القيامة.

 

ختامًا:

أسألُ اللهَ تعالى بأسمائه الحسنى وصفاته العُلا أن يجعلَ هذا العمل خالصًا لوجهه الكريم، وأن يجعله ذُخْرًا لي عنده يوم القيامة {يَوْمَ لَا يَنْفَعُ مَالٌ وَلَا بَنُونَ * إِلَّا مَنْ أَتَى اللَّهَ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ}، كما أسأله سُبحانه أن ينفع به طلابَ العِلْمِ الكرام.

 

وَآخِرُ دَعْوَانَا أَنِ الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ.

وَصَلَّى اللَّهُ وَسَلَّمَ عَلَى نَبِيِّنَا مُحَمَّدٍ، وَعَلى آلِهِ، وَأَصْحَابِهِ، وَالتَّابِعِينَ لَهُمْ بِإِحْسَانٍ إلَى يَوْمِ الدِّينِ.

___________________________________________________________

الكاتب: الشيخ صلاح نجيـب الدق

  • 2
  • 0
  • 2,016

هل تود تلقي التنبيهات من موقع طريق الاسلام؟

نعم أقرر لاحقاً