حقوق الإنسان بين الغزو الأجنبي (الأنجلوأمريكي) والفتح الإسلامي
من الأمور الدالة على عظمة الإسلام، ما جاء به نبي الإسلام محمد ﷺ من قوله في إحدى وصاياه لأصحابه الذين هم جند الحق: «انطلقوا باسم الله وبالله وعلى ملة رسول الله، ولا تقتلوا شيخاً فانياً، ولا طفلاً صغيراً، ولا امرأة، ولا تغلوا، وضموا غنائمكم، وأصلحوا، وأحسنوا إن الله يحب المحسنين»
- التصنيفات: - آفاق الشريعة -
من الأمور الدالة على عظمة الإسلام والتي تدعو إلى المزيد من التعقل والتأمل، ما جاء به نبي الإسلام محمد صلوات الله وسلامه عليه من قوله في إحدى وصاياه لأصحابه الذين هم جند الحق: «انطلقوا باسم الله وبالله وعلى ملة رسول الله، ولا تقتلوا شيخاً فانياً، ولا طفلاً صغيراً، ولا امرأة، ولا تغلوا، وضموا غنائمكم، وأصلحوا، وأحسنوا إن الله يحب المحسنين» (رواه أبو داود في سننه عن أنس)، والنهي عن الاعتداء على النساء يعني بالضرورة النهي عن التحرش بهن جنسياً وانتهاك أعراضهن ولو بكلمة نابية {إن الذين يرمون المحصنات الغافلات المؤمنات لعنوا في الدنيا والآخرة ولهم عذاب عظيم} .. [النور/23]، والحال كذلك بالنسبة للأطفال، والحق أننا نظلم الإسلام إن نحن قارناه- فيما لفت نبي الإسلام هنا أنظارنا إليه إبان إظهاره وأصحابه نور الله وهدايته للعالمين وأثناء نشره وإياهم رسالة السماء إلى الأرض، وفيما يعد نظاماً غير قابل للتعديل إلى قيام الساعة- نظلمه أن نحن قارناه بما يجري الآن على أرض الواقع في العراق على سبيل المثال من هجمة شرسة ليس لها ما يبررها، سوى نهب نفط وثروات البلاد والعباد بالقوة بعد سقوط النظام العراقي وبعد أن اتضح منذ البداية كذب ما ادعوه عن وجود أسلحة دمار شامل.
ففي إحصائية لعدد القتلى من المدنيين والمصابين ذكرت وكالات الأنباء منذ أيام أن اقتحام بلدة الفالوجة أسفر في غضون أيام قلائل عن قتل ما يزيد عن سبعمائة قتيل وألف مصاب كان معظمهم من النساء والأطفال، وأعاد هذا الخبر إلى الأذهان ما حدث- دون ما حساب ولا عقاب- في بلاد الرافدين العام الماضي وتحديداً في شهري مارس وأبريل، حيث ذكرت وكالات الأنباء ومنظمات حقوق الإنسان أن قوات الاحتلال المجتلبة من بلاد الديمقراطيات بدافع الحقد على الإسلام والمسلمين وبزعم الدفاع عن الشعب العراقي ضد الدكتاتورية، ألقت ما يزيد عن 13000 ثلاث عشر ألف قنبلة وقذيفة عنقودية في مناطق مزدحمة بالسكان مما أدى إلى قتل وجرح ما يزيد عن ألف مدني أغلبهم من النساء والعجائز والأطفال، وفي تقرير إحصائي آخر كشفت عنه القيادة الوسطى للجيش الأمريكي أوضح أن هذه القيادة ألقت 10782من هذه القذائف المحرمة دولياً تحتوي بداخلها على مليون و800 ألف قنبلة صغيرة، كما ألقت القوات البريطانية70 قذيفة عنقودية من الجو و2100 أخرى تحتوي على113190 قنبلة صغيرة أطلقت من البر، وأن نسبة كبيرة من هذه القنابل المرفوضة دولياً استقرت في المناطق السكنية وكان النصيب الأكبر منها لأحياء بغداد والناصرية وراح ضحيتها آلاف الأبرياء أغلبهم أيضاً من النساء والأطفال، وأن سجلات مستشفيات الحِلّة والنجف والناصرية رصدت في يوم 31مارس من نفس العام استشهاد وإصابة 2279 مدنياً خلال الشهرين المذكورين، ومنذ ذلك التاريخ وإلى اليوم تسقط مئات وآلاف الضحايا من المدنيين معظمهم أيضاً من النساء والأطفال.
وفي مجال الاغتصاب وانتهاك الأعراض تشير لجنة حقوق الإنسان في العراق إلى اتهام قوات التحالف الأمريكية والبريطانية باغتصاب العشرات من نساء العراق، ليس هذا فحسب بل والأطفال أيضاً، وذكرت اللجنة في رسالة موجهة منها إلى المنظمة العربية لحقوق الإنسان أنها سجلت خلال شهرين فقط من الاحتلال57 حالة اغتصاب لنساء و27 حالة اغتصاب لأطفال، كما اتهم العديد من سكان الفالوجة جنود الاحتلال الأمريكي بالتحرش بنسائهم مؤكدين أن ذلك يمثل إهانة تستوجب مقاومة المحتلين وقتلهم، وفي يناير الماضي قام الجنود الأمريكان باغتصاب العراقيات المعتقلات بسجن (أبو غريب)، وأكد بيان نشرته وكالة (قدس برس) الذي حمل نداء استغاثة، أن كثيرات من المعتقلات فقدن عذريتهن وأن بعضهن يحملن في أحشائهن أجنة من جراء عملية الاغتصاب، ولم يكتف هؤلاء الهمج الرعاع بما فعلوه بل نشروا صورة على عدة مواقع على شبكة الأنترنت لجندي أمريكي يشير بعلامة النصر ويقف بجواره طفلان يبتسمان ويحمل أحدهما لوحة مكتوب عليها باللغة الإنجليزية التي لا يفهمانها (هذا الجندي قتل والدي واغتصب أختي)، الأمر الذي أثار ردود فعل غاضبة حتى في بعض الأوساط الأمريكية نفسها، فأية خسة هذه وأية نذالة، وصدق الله القائل: {والذين كفروا يتمتعون ويأكلون كما تأكل الأنعام والنار مثوى لهم} .. [محمد/12] .. والذي ينبغي أن تعلمه القوات الغازية وكل عراقي حتى أولئك الذين لا يزالون يدعمون التواجد الأجنبي وأعمال الاحتلال بمشاركتهم من خلال مجلس الحكم المحلي في تنفيذ سياسة العدو ولا ينتفضون في وجهه لقاء دراهم معدودة[حيث أعلنت مصادر أمريكية منذ شهر تقريباً أن أحمد الجلبي أحد أعضاء المجلس يتلقى شهرياً340 ألف دولار مقابل التجسس ونقل معلومات عن المقاومة إلى قوات الاحتلال، ومن الأعضاء الـ 25 الذين عينتهم قوات الاحتلال والمنوط بهم حكم العراق مدير المخابرات محمد عبد الله الشهواني الذي منحته أمريكا مائة مليون دولار لاستخدامها لتجنيد عملاء داخل العراق]، ليعلم هؤلاء جميعاً أن إخراج العدو من بلاد المسلمين واجب على الجميع لا فرق بين عظيم ووضيع، وأن الجهاد ما شرع إلا لنشر الدعوة ودفع العدو ومنعه عن انتهاك حرمة الدين والوطن والعرض {وما لكم لا تقاتلون في سبيل الله والمستضعفين من الرجال والنساء والولدان} .. [النساء/75]، {وقاتلوهم حتى لا تكون فتنة ويكون الدين لله} .. [البقرة/193]، وأن رسول الإنسانية محمد صلى الله عليه وسلم قد أجلى يهود بني قينقاع عن بكرة أبيهم على فعل ما هو أقل مما ذكرنا بكثير، وعلّمنا عليه السلام أن «من قتل دون عرضه فهو شهيد»، وأن انتهاك عرض مسلمة واحدة لا يكفيه نقض عروش قوى التحالف مجتمعة، وأن المعتصم بالله أعلن عن تجهيز جيش بأكمله عندما علم أن مسلمة قد احتبسها عظيم الروم الذي كان يمثل قوة عظمى كأمريكا الآن حتى انتهى الأمر بالإفراج صاغراً ورغم أنفه عن هذه السيدة العفيفة، كما يجب عليهم أن يعرفوا أن إجماع المسلمين على أنه "إذا حضر العدو البلد الذي يقيم به المسلمون، فإنه يجب على أهل البلد جميعاً أن يخرجوا لقتاله، ولا يحل لأحد أن يتخلى عن القيام بواجبه نحو مقاتلته"[فقه السنة3/85]، والإجماع كما هو معروف حجة ومصدر تشريعي يأتي عقب الكتاب والسنة.
على أن ما يحدث على هذا النحو الذي ذكرنا في العراق من مجازر جماعية ومن قتل للآلاف من الأطفال والنساء والعجائز وانتهاك للأعراض، وقل أضعاف أضعافه في أفغانستان وفي البوسنة والهرسك ومن قبل ذلك في أندونيسيا، يدعونا إلى الجزم بأن هذا هو كل ما تمخضت عنه حضارة الغرب، وهو ما يجعل من المحتم البحث عن شريعة أخرى- غير شريعة الغاب تلك- تضبط حركة الحياة والأحياء في الحرب والسلم ويعيش الناس جميعاً أقلية وأغلبية في ظلها في أمن وأمان وليس ذلك إلا في الإسلام دين محمد العظيم، كما أن ما حدث وما يزال في هذه البلاد المسلمة الفقيرة والمغلوب على أمر أهلها، يجعلنا نلتمس العذر لهذه الشبيبة المؤمنة التي قيضها الله لتدافع عن أوطان المسلمين وأعراضهم حتى لا يصبحان كلأ مباحاً لكلاب ضالة وذئاب جريحة تريد أن تفترس كل ما أمامها بأي شكل ودون وازع من ضمير أو دين ودون رادع من شريعة أو قانون ودون ما مراعاة لأدنى معاني الإنسانية لكون ما يفعلونه لا يمت إلى القيم أو المبادئ أو المثل بأدنى صلة، وعلى قدر ما يكون الفعل يكون رد الفعل، ولا أظن أن منصفاً ولو من غير المسلمين يخالفني هذا الرأي.
كما أن ما حدث يكشف عن زيف ما تنادي به هذه الديمقراطيات التي عفى عليها الزمن وأضحت لا تصلح لإدارة هذا العالم لما أفصحت عنه من عنصرية ومن انتهاك لحرمة الآدمي ومن إهدار لحقه في الحياة ومن فضح لما تدعيه من المناداة بحقوق للمرأة أو للطفل، فلا حرمة لدى هذه الديمقراطيات الزائفة ديمقراطيات القتل والاغتصاب والتدمير والإبادة الجماعية وهدم أماكن العبادة، لامرأة مسلمة، ولا حرمة لمسجد ولا حرمة لعجوز ولا حرمة لعالم دين ولا حرمة لطفل رضيع أو فطيم، الكل يهان والكل يباد والكل- وفي بلاده- يسجن، والكل يواجه بفوهات البنادق والدبابات ويقصف بصواريخ المدافع والطائرات، إنها الهمجية التترية التي فاقت بعجرفتها وفي شراستها الجاهلية الأولى وجاهلية العصور الوسطى، ولا بد من بديل يقيم العدل وينصف الظالم من المظلوم، إذ حاشاه سبحانه أن يترك أمر خلقه إلى حثالة من البشر ليس لها من عمل إلا الإباحية وإشباع الغريزة الجنسية من الحرام وإهلاك الحرث والنسل وإشاعة الفاحشة وإظهار الفساد في الأرض، فهو تعالى الرحيم بخلقه ومن رحمته أن أرسل إليهم من بعد عيسى عليه أزكى السلام، رسوله محمداً (بالهدى ودين الحق ليظهره على الدين كله ولو كره المشركون .. الصف/9) وليخرج (الناس من الظلمات إلى النور بإذن ربهم إلى صراط العزيز الحميد.. إبراهيم/1)، وما حل ما حل بشعب العراق الأبي إلا لإحسانه الظن منذ البداية بمن ليسوا على دينهم حتى مكنوا لهم وحدث ما حدث.
فما أعظمك يا نبي الله ويا رسول الإنسانية ومبعوث العناية الإلهية للخافقين، وأنت تستنكر كل هذه الأعمال الوحشية التي اتسم بها أهل الباطل، ما أعظمك وأنت توّجه قادة جندك وقد أحيط بهم من قِبَل أقوى قوتين في العالم يومئذ (الفرس والروم) توجههم لمعان الرحمة والإنسانية، ما أعظمك وأنت تغرس فيهم كل معان القيم والمبادئ والمثل وكل المعاني الإنسانية النبيلة، "لا تغلوا (أي لا تخونوا في الغنيمة وبالمناسبة فقد ذكرت مصادر عليمة أن خزينة البنك المركزي العراقي كانت بها أموالاً وسبائك ذهب تقدر بـ40 مليار دولار وجدت فارغة وأن أكثر من 170ألف قطعة آثار سرقت وتم تهريب أغلبها خارج البلاد وما خفي كان أعظم)، ولا تغدروا ولا تمثلوا(من هنا كان استنكار علماء المسلمين لما عُدّ خروجاً واستثناءً عما هو الأصل)، ولا تقتلوا وليداً (وحدث في ذلك عما يحدث من قوى الاحتلال الغاشمة ولا حرج)"، ما أعظمك يا رحمة الله للعالمين وأنت ترى امرأة مقتولة فما يكون منك إلا أن تقول مستنكراً: (ما كانت هذه لتقاتل)، وتنهى بعدها عن قتل النساء والصبيان[رواه مسلم عن ابن عمر]، ما أعظمك وأنت تعلم أتباع دينك ما جاء في وصية أبي بكر لأسامة حين بعثه إلى الشام: (ولا تقتلوا طفلاً صغيراً ولا شيخاً ولا امرأة ولا تعقروا نخلاً ولا تحرقوه ولا تقطعوا شجرة مثمرة ولا تذبحوا شاة ولا بقرة و بعيراً إلا لمأكلة، وسوف تمرون بأقوام قد فرّغوا أنفسهم في الصوامع- يريد الرهبان- فدعوهم وما فرغوا أنفسهم له"، ما أعظمك يا رحمة الله للعالمين وأنت تعلمهم أن ينبذوا إلى من يهموا بقتالهم فيُعِلموهم بذلك إعمالاً لقول الله تعالى: {وإما تخافن من قوم خيانة فانبذ إليهم على سواء} .. [الأنفال/58]، ما أعظمك وقد تركت ُمثُلاً ونبلاً لا ولن يصل إليه الشرق أو الغرب أو غيرهما ولو كان بعضهم لبعض ظهيراً.
وأكتفي في هذا الصدد بما ذكره البلاذرّي في فتوح البلدان من أن أهل سمرقند قالوا لعاملهم (سليمان بن أبي السُّري) إن قتيبة بن مسلم الباهلي غدر بنا وظلمنا وأخذ بلادنا- يعني دون أن يعلمنا- وقد أظهر الله العدل والإنصاف، فأْذن لنا فليفد منا وفد إلى أمير المؤمنين يشكو ظلامتنا.. فأذن لهم فوجهوا منهم قوماً إلى عمر بن عبد العزيز رضي الله عنه، فلما علم عمر ظلامتهم كتب إلى سليمان يقول له: إن أهل سمرقند قد شكوا إليّ ظلماً أصابهم، وتحاملاً من قتيبة عليهم حتى أخرجهم من أرضهم- يعني دون منابذة- فإن أتاك كتابي فأجلس لهم القاضي فلينظر في أمرهم، فإن قضى لهم فأخرجهم إلى معسكرهم كما كانوا وكنتم قبل أن ظهر عليهم قتيبة، فأجلسَ لهم سليمان (جميع بن حاضر) القاضي، فقضى بأن يخرج عرب سمرقند إلى معسكرهم وينابذوهم على سواء فيكون صلحاً جديداً أو ظفراً عنوة، فقال لهم أهل السند: بل نرضى بما كان ولا نجدد حرباً، لأن ذوي رأيهم قالوا: قد خالطنا هؤلاء القوم وأقمنا معهم وأمّنونا وأمّناهم، فإن عدنا إلى الحرب لا ندري لمن يكون الظفر، وإن لم يكن لنا كنا قد اجتلبنا عداوة في المنازعة، فتركوا الأمر على ما كان ورضوا ولم ينازعوا بعد أن عجبوا من عدالة الإسلام والمسلمين وأكبروهم، وكان ذلك سبباً في دخولهم الإسلام مختارين، وقالوا أن هذا عمل لم نعلم أن أحداً وصل في العدل إليه.
والحق أن الكلام في هذا وفي صون حرمة غير المسلم في بلاد المسلمين والحفاظ على كرامته، أكثر من أن يحصى وأعظم من أن يحيط به مجرد مقال، ولا عجب في هذا فالتاريخ وجميع الحقائق تشهد بأنه ما عاش أهل الأديان في ظل دين كفل لمخالفيه كرامتهم وصان حقوقهم وحريتهم الدينية، سوى دين المسلمين الذي هو في الأساس دين عيسى عليه السلام ودين جميع الأنبياء والذي قال عنه رب العزة سبحانه {شرع لكم من الدين ما وصى به نوحاً والذي أوحينا إليك وما وصينا به إبراهيم وموسى وعيسى أن أقيموا الدين ولا تتفرقوا فيه} .. [الشورى/13]، وعليه فـ {من يبتغ غير الإسلام ديناً فلن يقبل منه وهو في الآخرة من الخاسرين}.
____________________________________________________
الكاتب: أ.د./ محمد الدسوقي بن على