ما رأيت أحدا يحب أحدا كما يحب أصحاب محمد محمدا
إن صفات رسول الله صلى الله عليه وسلم السامية وأخلاقه العالية أسست لحب عميق في نفوس أصحابه، عبروا عن هذا الحب في مواقف ظلت مثالًا فريدًا وصورًا نادرة عبر التاريخ الإسلام
- التصنيفات: محبة النبي صلى الله عليه وسلم -
الحمد لله ذي الجلال والإكرام والفضل والإنعام، أحمده سبحانه وتعالى حمدًا يليق بجلال وجهه وعظيم سلطانه، وأصلي وأسلم وأبارك على حبيبنا ونبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم تسليمًا كثيرًا، وبعد:
إن صفات رسول الله صلى الله عليه وسلم السامية وأخلاقه العالية أسست لحب عميق في نفوس أصحابه، عبروا عن هذا الحب في مواقف ظلت مثالًا فريدًا وصورًا نادرة عبر التاريخ الإسلامي، ضربوا المثل في حبه صلى الله عليه وسلم، ونالوا شرف لقائه صلى الله عليه وسلم فكان لهم النصيب الأوفى من محبته وتعظيمه.
وقد كان التعبير عن ذلك الحب تعبيرًا عمليًّا لم يكن أقوالًا، تفردوا بما لم يسبقوا إليه ولن يستطيع أحد بعدهم أن يفعل مثلما فعلوا، يقول أبو سفيان رضي الله عنه: "ما رأيت أحدًا يحب أحدًا كما يحب أصحاب محمدٍ محمدًا " (السيرة النبوية: ابن هشام، ج4، ص 126).
وسئل علي بن أبي طالب - كرم الله وجهه- كيف كان حبكم لرسول الله صلى الله عليه وسلم؟ قال: "كان والله أحبَّ إلينا من أموالنا وأولادنا وآبائنا وأمهاتنا، ومن الماء البارد على الظمأ"؛ (الشفا بتعريف حقوق سيدنا المصطفى صلى الله عليه وسلم: القاضي عياض، ج2، ص 567).
وقال عمرو بن العاص رضي الله عنه "وَمَا كَانَ أَحَدٌ أَحَبَّ إِلَيَّ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَلا أَجَلَّ في عينيَّ مِنْهُ، وَمَا كُنْتُ أُطِيقُ أَنْ أَمْلأَ عينيَّ مِنْهُ إِجْلالًا لَهُ، وَلَوْ سُئِلْتُ أَنْ أَصِفَهُ مَا أَطَقْتُ؛ لأَنِّي لَمْ أَكُنْ أَمْلأُ عينيَّ مِنْهُ"؛ (أخرجه مسلم: في كتاب الإيمان، باب كون الإسلام يهدم ما قبله، وكذا الهجرة، ج1، ص78، ح336).
فكان حب الصحابة لرسول الله صلى الله عليه وسلم وما بذلوا من أجله من أوضح الحقائق وأفصحها، وإن بدت من فرط إعجازها كالأساطير. إنها حقائق تُشكل كل ما كان يفعله الصحابة لنبيهم محمد صلى الله عليه وسلم. أحبوه أكثر من أنفسهم، بذلوا أرواحهم وأموالهم لأجل الإسلام ولأجل رسوله صلى الله عليه وسلم، آمنوا به، ونصروه، وأخلصوا له فتركوا إلى الأبد وثنية القرون الأولى، وفي مثل سرعة الضوء استطاعوا أن يضيئوا الضمير الإنساني بحقيقة التوحيد، أولئك الرجال الأبرار- رضي الله عنهم- مثلوا أروع نماذج البشرية الفاضلة في حبهم لنبيهم صلوات ربي وسلامه عليه، وعلموا أن الحياة التي كانت خير برهان على صدق صاحبها حين قال لهم: {إِنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلَيْكُمْ جَمِيعًا} [الأعراف: 158]، كانت عظيمة حقًّا، وكانت بعظمتها وطهرها خير برهان على صدق المعلم العظيم والرسول الكريم صلى الله عليه وسلم، فإن مستواها من العظمة والتفوق لم يهبط لحظة ولم يتغير؛ بل كما هو من المهد إلى الممات، فعرفوا ذلك ولم يتخاذلوا، فكان دفاعهم ونصرتهم لرسول الله صلى الله عليه وسلم، كالمعجزة التي أيد الله تعالى بها نبيهم فطوبى لهم!
وهذه نماذج مما كان يفعله الصحابة من أجل نبيهم صلى الله عليه وسلم، وهي تنوب عن الألوف العديدة من تضحيات الصحابة رضوان الله عليهم الذين عاصروا الرسول- عليه أفضل الصلاة وأتم التسليم - وآمنوا به ونصروه.
فمن صور الحب العظيم لرسول الله صلى الله عليه وسلم: مبايعة الأنصار لرسول الله صلى الله عليه وسلم في بيعة العقبة الثانية حين بايعوه على أن يمنعوه مما يمنعون منه نساءهم وأبناءهم، وأن يأخذوه على مصيبة الأموال، وقتل الأشراف ولا يسلموه أبدًا؛ (السيرة النبوية: ابن هشام، ج3، ص15).
وحين أذن الله سبحانه وتعالى لنبيه بالهجرة، أتى رسول الله صلى الله عليه وسلم أبا بكر فأخبره بذلك، فقال أبو بكر رضي الله عنه: "الصُّحْبَةَ يَا رَسُولَ اللّهِ، قَالَ: «الصُّحْبَةَ»، قَالَتْ عائشة رضي الله عنها: "فَوَاَللّهِ مَا شَعَرْتُ قَطّ قَبْلَ ذَلِكَ الْيَوْمِ أَنّ أَحَدًا يَبْكِي مِنْ الْفَرَحِ، حَتّى رَأَيْت أَبَا بَكْرٍ يَبْكِي يَوْمَئِذٍ"، وعندما هاجر مع رسول الله صلى الله عليه وسلم أخذ كل ماله وانطلق به معه، فأبو بكر رضي الله عنه يبكي من الفرح مع علمه أن قريشًا سترسل في طلبهما، وتأمر بقتلهما إلا أنه لم يُبالِ؛ (السيرة النبوية: ابن هشام، ج2، ص 292- 295).
وحينما اجتمعت قريش في دار الندوة وتشاوروا في أمره صلى الله عليه وسلم واستقر أمرهم على قتله صلى الله عليه وسلم، أتى جبريلُ عليه السلام رسولَ الله صلى الله عليه وسلم، فقال: "لا تَبِتْ هَذِهِ اللّيْلَةَ عَلَى فِرَاشِك الّذِي كُنْتَ تَبِيتُ عَلَيْهِ" أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم عليًّا رضي الله عنه بأن يبيت مكانه؛ (السيرة النبوية: ابن هشام، ج2، ص 91)، فلم يتردد عليٌّ رضي الله عنه ونام مكان رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقد كان مستعدًّا للتضحية بنفسه من أجله صلى الله عليه وسلم.
وانظر إلى أدب أبي أيوب الأنصاري رضي الله عنه عندما هاجر الرسول صلى الله عليه وسلم إلى المدينة ونزل عنده قال: "لما نزل عليَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم في بيتي، نزل في السُّفل، وأنا وأم أيوب في العلو، فقلت له: يا نبي الله، بأبي أنت وأمي، إني لأكره وأعظم أن أكون من فوقك، وتكون تحتي، فاظهر أنت فكن في العُلو، وننزل نحن فنكون في السُّفل. قال: «يا أبا أيوب، إن أرفق بنا وبمن يغشانا، أن نكون في سُفل البيت»، قال: فكان رسول الله صلى الله عليه وسلم في سُفله، وكنا فوقه في المسكن، قد انكسر حُبٌّ لنا- أي: جرة لنا- فيه ماء فقمت أنا وأم أيوب بقطيفة لنا، ما لنا لحاف غيرها، نكشف بها الماء؛ تخوُّفًا أن يقطر على رسول الله صلى الله عليه وسلم منه شيء فيؤذيه"؛ (السيرة النبوية: ابن هشام، ج3، ص27).
وروي عن أبي بكر رضي الله عنه أنه قال للنبي صلى الله عليه وسلم: "والذي بعثك بالحق لإسلام أبي طالب كان أقرَّ لعيني من إسلامه- يعني: أباه أبا قحافة- وذلك أن إسلام أبي طالب كان أقرَّ لعينك"؛ (الشفا بتعريف حقوق سيدنا المصطفى صلى الله عليه وسلم: القاضي عياض، ج2، ص22).
ونحوه عن عمر بن الخطاب قال للعباس رضي الله عنه: "أسلم فوالله إن تسلم أحبُّ إليَّ من أن يسلم الخطاب؛ لأن ذلك أحبُّ إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم"؛ (تفسير ابن كثير: ج2، ص327)
فأي حُبٍّ هذا الذي ملأ قلوبهم؟! لقد أحبوه أكثر من أولادهم وآبائهم وأنفسهم.
وقال سعد بن معاذ رضي الله عنه للنبي صلى الله عليه وسلم يوم بدر: "يَا نَبِيَّ اللّهِ، أَلا نَبْنِي لَك عَرِيشًا تَكُونُ فِيهِ نُعِدّ عِنْدَك رَكَائِبَك، ثُمّ نَلْقَى عَدُوّنَا، فَإِنْ أَعَزّنَا اللّهُ وَأَظْهَرَنَا عَلَى عَدُوِّنَا، كَانَ ذَلِكَ مَا أَحْبَبْنَا، وَإِنْ كَانَتْ الأُخْرَى، جلست على رَكائِبِك، فلحقت بِمَنْ وَرَاءَنَا، فَقَدْ تَخَلّفَ عَنْك أَقْوَامٌ يَا نَبِيَّ اللّهِ مَا نَحْنُ بِأَشَدّ لَك حُبًّا مِنْهُمْ وَلَوْ ظَنّوا أَنّك تَلْقَى حَرْبًا مَا تَخَلّفُوا عَنْك، يَمْنَعُك اللّهُ بِهِمْ يُنَاصِحُونَكَ وَيُجَاهِدُونَ مَعَك، فَأَثْنَى عَلَيْهِ رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه وسلم خَيْرًا، وَدَعَا لَهُ بِخَيْرٍ، ثُمّ بُنِيَ لِرَسُولِ اللّهِ صلى الله عليه وسلم عَرِيشٌ فَكَانَ فِيهِ"؛ (تفسير ابن كثير: ج4، ص68).
وفي يوم بدر عَدَّل رسول الله صلى الله عليه وسلم صفوف أصحابه، وفي يده قِدْحٌ -أي: سهم- يعدل به القوم، فمر بسَواد بن غَزِيَّة، حليف بني عدي بن النجار وهو مستنصل - خارج - من الصف فطعنه في بطنه بالقدح، وقال: «اسْتَوِ يَا سَوَّادُ»، فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللّهِ، أَوْجَعْتنِي وَقَدْ بَعَثَك اللّهُ بِالْحَقّ وَالْعَدْلِ، قَالَ: «فَأَقِدْنِي» - طلب منه القصاص- فَكَشَفَ رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه وسلم عَنْ بَطْنِهِ، وَقَالَ: «اسْتَقِدْ»، قَالَ: فَاعْتَنَقَهُ فَقَبّلَ بَطْنَهُ، فَقَالَ: «مَا حَمَلَك عَلَى هَذَا يَا سَوادُ» ؟، قَالَ: يَا رَسُولَ اللّهِ، حَضَرَ مَا تَرَى، فَأَرَدْتُ أَنْ يَكُونَ آخِر الْعَهْدِ بِك أَنْ يَمَسّ جِلْدِي جِلْدَك. فَدَعَا لَهُ رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه وسلم بِخَيْرِ؛ (البداية والنهاية: ابن كثير، ج3، ص331. والسيرة النبوية: ابن هشام، ج4، ص 173-174).
وانظر إلى سعد بن الربيع رضي الله عنه وهو في آخر رمق، يجده رجل بين القتلى، إذ به يقول: بلِّغ رسول الله صلى الله عليه وسلم مني السلام، وقل له: إني لأجد ريح الجنة، وقل لقومي من الأنصار: لا عُذْرَ لَكُمْ عِنْدَ اللهِ أَنْ يخلص إِلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وفيكم شفر - أَصلُ مَنْبِتِ الشعر في الجَفْنِ- يطرفُ - يبصر- (أخرجه الحاكم في مستدركه على الصحيحين: في كتاب معرفة الصحابة رضي الله عنهم، ذكر مناقب سعد بن الربيع بن عمرو، ج3، ص221، ح4906، وقال: "هذا حديث صحيح الإسناد ولم يخرجاه).
ويوم أحد قال طلحة بن عبيد الله رضي الله عنه لرسول الله صلى الله عليه وسلم وقد كان يقوم ويجالد: "يَا نَبِيَّ اللهِ بِأَبِي أَنْتَ وَأُمِّي لا تُشْرِفْ، يُصِيبُكَ سَهْمٌ مِنْ سِهَامِ الْقَوْمِ نَحْرِي دُونَ نَحْرِكَ"؛ (أخرجه البخاري في صحيحه: في كتاب مناقب الأنصار، باب مناقب أبي طلحة رضي الله عنه، ج5، ص37، ح3811).
وأما أبو دجانة رضي الله عنه فقد ترس بنفسه دون رسول الله صلى الله عليه وسلم، يقع النّبْلُ في ظهره وهو منحنٍ عليه، حتى كثر فيه النَّبْل؛ (السيرة النبوية: ابن هشام، ج4، ص31).
وهذه نسيبة بنت كعب أم عمارة، امرأة تحمل السيف تذود - تدافع - عن رسول الله صلى الله عليه وسلم حينما تكشف عليه الرجال، فيقول لها: «سليني يا أم عمارة»، فتقول: أسألك مرافقتك في الجنة"؛ (موسوعة الدفاع عن رسول الله صلى الله عليه وسلم: علي بن نايف الشحود، ج12، ص144 ).
وهذه امرأة من الأنصار قتل زوجها وأخوها وأبوها مَعَ رَسُولِ اللّهِ صلى الله عليه وسلم بِأُحُد، فَلَمّا نُعُوا لَهَا، قَالَتْ: "فَمَا فَعَلَ رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه وسلم؟ قَالُوا: خَيْرًا يَا أُمّ فُلانٍ، هُوَ بِحَمْدِ اللّهِ كَمَا تُحِبّينَ، قَالَتْ: أَرُونِيهِ حَتّى أَنْظُرَ إلَيْهِ، فَأُشِيرَ لَهَا إلَيْهِ حَتّى إذَا رَأَتْهُ قَالَتْ: كُلُّ مُصِيبَةٍ بَعْدَك جَلَلٌ- يسيرة-"؛ (السيرة النبوية: ابن هشام، ج4، ص50).
ولقد [حكَّم الصحابة رضي الله عنهم رسول الله صلى الله عليه وسلم في أنفسهم وأموالهم فقالوا: هذه أموالنا بين يديك، فاحكم فيها بما شئت، وهذه نفوسنا بين يديك، لو استعرضت- أتيت- بنا البحر لخضناه- مشينا فيه- نقاتل بين يديك، ومن خلفك، وعن يمينك وعن شمالك]؛ (روضة المحبين ونزهة المشتاقين: ابن قيم الجوزية، ص277. وهذا القول قول سعد بن معاذ في غزوة بدر، كما ذكره أهل السير؛ السيرة النبوية: ابن هشام، ج3، ص162) وهذا أصدق تعبير عن المحبة.
وعندما كان خُبَيْب بن عَدِيّ على حبل المشنقة، وسأله المشركون: هل تُحِب أَنّ مُحَمّدًا فِي مَكَانِك وَأَنْتَ جَالِسٌ فِي بَيْتِك؟ قَالَ: "وَاللّهِ مَا أُحِبُّ أَنْ يُشَاك مُحَمّدٌ بِشَوْكَةٍ وَأَنَا جَالِسٌ فِي بَيْتِي!"؛ (المغازي: الواقدي، ج1، ص360).
وفي غزوة الخندق قال سعد بن معاذ رضي الله عنه: "اللَّهُمَّ إنْ كُنْتَ أبْقَيْتَ مِنْ حَرْب قُرَيْشٍ فَأَبْقِنِي لَهَا، فَإنَّهُ لا شَيْءَ أحَبُّ إلَيَّ مِنْ جِهَادِ قَوْمٍ آذوا رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم وَكَذبُوهُ وَأخْرَجُوهُ، وَإنْ كُنْتَ وَضَعْتَ الْحَرْبَ بَيْنَنَا وَبَيْنَهُمْ فَاجْعَلْهُ لي شَهَادَةً"؛ (أخرجه البخاري: في كتاب المغازي، باب مرجع النبي صلى الله عليه وسلم من الأحزاب، ج4، ص1511، ح3896).
وَلَمّا أَعْرَسَ رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه وسلم بِصَفِيّةَ، بِخَيْبَرِ أَوْ بِبَعْضِ الطّرِيقِ، فَبَاتَ بِهَا رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه وسلم فِي قُبّةٍ لَهُ، وَبَاتَ أَبُو أَيّوب خَالِدُ بْنُ زَيْدٍ رضي الله عنه، مُتَوَشّحًا سَيْفَهُ، يَحْرُسُ رَسُولَ اللّهِ صلى الله عليه وسلم وَيُطِيفُ بِالْقُبّةِ، حَتّى أَصْبَحَ رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه وسلم، فَلَمّا رَأَى مَكَانَهُ قَالَ: «مَا لَك يَا أَبَا أَيّوبَ» ؟ قَالَ: يَا رَسُولَ اللّهِ، خِفْت عَلَيْك مِنْ هَذِهِ الْمَرْأَةِ، وَكَانَتْ امْرَأَةً قَدْ قَتَلَتْ أَبَاهَا وَزَوْجَهَا وَقَوْمَهَا، وَكَانَتْ حَدِيثَةَ عَهْدٍ بِكُفْرِ، فَخِفْتهَا عَلَيْك. فَزَعَمُوا أَنّ رَسُولَ اللّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «اللّهُمّ احْفَظْ أَبَا أَيّوب كَمَا بَاتَ يَحْفَظُنِي»؛ (السيرة النبوية: ابن هشام، ج4، ص311).
ولما زار أبو سفيان ابنته أم حبيبة زوجة رسول الله صلى الله عليه وسلم رضي الله عنها في المدينة، ودخل عليها بيتها، ذَهَبَ لِيَجْلِسَ عَلَى فِرَاشِ رَسُولِ اللّهِ صلى الله عليه وسلم، فطَوَتْهُ عَنْهُ، فَقَالَ: يَا بُنَيّة، مَا أَدْرِي أَرَغِبْت بِي عَنْ هَذَا الْفِرَاشِ أَمْ رَغِبْت بِهِ عَنّي؟ قَالَتْ: "بَلْ هُوَ فِرَاشُ رَسُولِ اللّهِ صلى الله عليه وسلم، وَأَنْتَ مُشْرِكٌ نَجسٌ، فلم أحب أن تجلس على فراش رسول الله صلى الله عليه وسلم، فَقَالَ: وَاَللّهِ لَقَدْ أَصَابَك بَعْدِي شَرّ"؛ (السيرة النبوية: ابن هشام، ج5، ص50)، فهذا ليس بشر؛ وإنما حب رسول الله صلى الله عليه وسلم عندما يتغلغل في القلوب.
وقد وصف الصحابة حال جلوسهم واستماعهم للنبي صلى الله عليه وسلم بوصف عجيب جاء في أحاديث عدة، منها قول أبي سعيد الخدري: "وَسَكَتَ النَّاسُ كَأَنَّ عَلَى رُؤُوسِهِم الطَّيْرَ"؛ (أخرجه البخاري في صحيحه: في كتاب بدء الوحي، باب فضل النفقة في سبيل الله، ج4، ص32، ح2842).
كما كان شأنهم في تعظيمه وتوقيره أوضح وأظهر من أن يستدل عليه، وأجمل من وَصف شأنهم في ذلك عروة بن مسعود الثقفي رضي الله عنه حين فاوض النبي صلى الله عليه وسلم في صلح الحديبية، فلما رجع إلى قريش قال: "أَيْ قَوْم، وَاللَّهِ لَقَدْ وَفَدْتُ عَلَى الْمُلُوكِ وَوَفَدْتُ عَلَى قَيْصَرَ وَكِسْرَى وَالنَّجَاشِيِّ، وَاللَّهِ إِنْ رَأَيْتُ مَلِكًا قَطُّ يُعَظِّمُهُ أَصْحَابُهُ مَا يُعَظِّمُ أَصْحَابُ مُحَمَّدٍ صلى الله عليه وسلم مُحَمَّدًا، وَاللَّهِ إِنْ تَنَخَّمَ نُخَامَةً- بالضم، نَخِمَ الرجلُ نَخَمًا ونَخْمًا وتَنَخَّمَ: دفع بشيء من صَدْرِه أَو أَنفِه- إِلَّا وَقَعَتْ فِي كَفِّ رَجُلٍ مِنْهُمْ فَدَلَكَ بِهَا وَجْهَهُ وَجِلْدَهُ، وَإِذَا أَمَرَهُمُ ابْتَدَرُوا أَمْرَهُ، وَإِذَا تَوَضَّأَ كَادُوا يَقْتَتِلُونَ عَلَى وَضُوئِهِ، وَإِذَا تَكَلَّمَ خَفَضُوا أَصْوَاتَهُمْ عِنْدَهُ، وَمَا يُحِدُّونَ إِلَيْهِ النَّظَرَ تَعْظِيمًا لَهُ"؛ (أخرجه البخاري: في كتاب الشروط، باب الشروط في الجهاد والمصالحة مع أهل الحرب وكتابة الشروط، ج3، ص255، ح2732).
ومن شدة حرص الصحابة على إكرامه وتجنب إيذائه قول أنس بن مالك: "إن أبواب النبي صلى الله عليه وسلم كانت تقرع بالأظافير"؛ (أخرجه البخاري في الأدب المفرد: في كتاب الاستئذان، باب قرع الباب، ج1، ص371، ح1080).
ولما نزل قول الله تعالى: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَرْفَعُوا أَصْوَاتَكُمْ فَوْقَ صَوْتِ النَّبِيِّ وَلَا تَجْهَرُوا لَهُ بِالْقَوْلِ كَجَهْرِ بَعْضِكُمْ لِبَعْضٍ أَنْ تَحْبَطَ أَعْمَالُكُمْ وَأَنْتُمْ لَا تَشْعُرُونَ} [الحجرات: 2]، تحبط؛ أي: تبطل (تفسير القرطبي: ج16، ص 306). [فَمَا كَانَ عُمَرُ يُسْمِعُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم بَعْدَ هَذِهِ الآيَةِ حَتَّى يَسْتَفْهِمَهُ- أي: إن عمر رضي الله عنه بعد نزول هذه الآية إذا حدّث النبي صلى الله عليه وسلم بحديث حدثه كأخي السرار لم يسمعه حتى يستفهمه-]؛ (أخرجه البخاري في صحيحه: في كتاب تفسير القرآن، باب {تَرْفَعُوا أَصْوَاتَكُمْ فَوْقَ صَوْتِ النَّبِيِّ...} (الآية، ج6، ص171، ح4845).
عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ رضي الله عنه: "أنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم افْتَقَدَ ثَابِتَ بْنَ قَيْسٍ، فَقَالَ رَجُلٌ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، أَنَا أَعْلَمُ لَكَ عِلْمَهُ، فَأَتَاهُ فَوَجَدَهُ جَالِسًا فِي بَيْتِهِ مُنَكِّسًا رَأْسَهُ، فَقَالَ لَهُ: مَا شَأْنُكَ؟ فَقَالَ: شَرٌّ؛ من كَانَ يَرْفَعُ صَوْتَهُ فَوْقَ صَوْتِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فَقَدْ حَبِطَ عَمَلُهُ وَهُوَ مِنْ أَهْلِ النَّارِ. فَأَتَى الرَّجُلُ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم فَأَخْبَرَهُ: أَنَّهُ قَالَ كَذَا وَكَذَا، فَرَجَعَ إِلَيْهِ الْمَرَّةَ الْآخِرَةَ بِبِشَارَةٍ عَظِيمَةٍ، فَقَالَ: اذْهَبْ إِلَيْهِ فَقُلْ لَهُ: «إِنَّكَ لَسْتَ مِنْ أَهْلِ النَّارِ وَلَكِنَّكَ مِنْ أَهْلِ الْجَنَّةِ»؛ (أخرجه البخاري في صحيحه: في كتاب تفسير القرآن، باب {تَرْفَعُوا أَصْوَاتَكُمْ فَوْقَ صَوْتِ النَّبِيِّ...}، ج6، ص171، ح4846).
وانظر إلى حب الأنصار رضي الله عنهم لرسول الله صلى الله عليه وسلم: لَمَّا أَعْطَى رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم مَا أَعْطَى مِنْ تِلْكَ الْعَطَايَا فِي قُرَيْشٍ وَقَبَائِلِ الْعَرَبِ– بعد غزوة حنين- وَلَمْ يَكُنْ فِي الأَنْصَارِ مِنْهَا شَيْءٌ وَجَدَ هَذَا الْحَيُّ مِنَ الأَنْصَارِ فِي أَنْفُسِهِمْ، حَتَّى كَثُرَتْ فِيهِمُ الْقَالَةُ حَتَّى قَالَ قَائِلُهُمْ: لَقِيَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم قَوْمَهُ، فَدَخَلَ عَلَيْهِ سَعْدُ بْنُ عُبَادَةَ رضي الله عنه، فَقَالَ:"يَا رَسُولَ اللهِ، إِنَّ هَذَا الْحَيَّ قَدْ وَجَدُوا عَلَيْكَ فِي أَنْفُسِهِمْ لِمَا صَنَعْتَ فِي هَذَا الْفَيْءِ - ما حَصل لِلمُسلِمينَ من أَموالِ الكُفَّار من غير حَرْبٍ- الَّذِي أَصَبْتَ، قَسَمْتَ فِي قَوْمِكَ، وَأَعْطَيْتَ عَطَايَا عِظَامًا فِي قَبَائِلِ الْعَرَبِ، وَلَمْ يَكُ فِي هَذَا الْحَيِّ مِنَ الأَنْصَارِ شَيْءٌ، قَالَ: «فَأَيْنَ أَنْتَ مِنْ ذَلِكَ يَا سَعْدُ» ؟ قَالَ: يَا رَسُولَ اللهِ، مَا أَنَا إِلَّا امْرُؤٌ مِنْ قَوْمِي، وَمَا أَنَا؟ قَالَ: «فَاجْمَعْ لِي قَوْمَكَ فِي هَذِهِ الْحَظِيرَةِ»، قَالَ: فَخَرَجَ سَعْدٌ، فَجَمَعَ الأَنْصَارَ فِي تِلْكَ الْحَظِيرَةِ... فَلَمَّا اجْتَمَعُوا أَتَاهُ سَعْدٌ فَقَالَ: قَدِ اجْتَمَعَ لَكَ هَذَا الْحَيُّ مِنَ الأَنْصَارِ، قَالَ: فَأَتَاهُمْ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم فَحَمِدَ اللَّهَ وَأَثْنَى عَلَيْهِ بِالَّذِي هُوَ لَهُ أَهْلٌ، ثُمَّ قَالَ: «يَا مَعْشَرَ الأَنْصَارِ مَا مقَالَةٌ بَلَغَتْنِي عَنْكُمْ وَجِدَةٌ وَجَدْتُمُوهَا فِي أَنْفُسِكُمْ، أَلَمْ آتِكُمْ ضُلَّالًا فَهَدَاكُمُ اللَّهُ؟ وَعَالَةً- فقراء- فَأَغْنَاكُمُ اللَّهُ؟وَأَعْدَاءً فَأَلَّفَ اللَّهُ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ» ؟، قَالُوا: بَلى، اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمَنُّ وَأَفْضَلُ، قَالَ: «أَلا تُجِيبُونَنِي يَا مَعْشَرَ الأَنْصَارِ»، قَالُوا: وَبِمَاذَانُجِيبُكَ يَا رَسُولَ اللهِ،وَلِلَّهِ وَلِرَسُولِهِ الْمَنُّ وَالْفَضْلُ، قَالَ صلى الله عليه وسلم: «أَمَا وَاللَّهِ لَوْ شِئْتُمْ لَقُلْتُمْ فَلَصَدَقْتُمْ وَصُدِّقْتُمْ، أَتَيْتَنَا مُكَذَّبًا فَصَدَّقْنَاكَ، وَمَخْذُولًا –غير منصور- فَنَصَرْنَاكَ، وَطَرِيدًا فَآوَيْنَاكَ، وَعَائِلًا فَآسَيْنَاكَ، أَوَجَدْتُمْ فِي أَنْفُسِكُمْ يَا مَعْشَرَ الأَنْصَارِ فِي لُعَاعَةٍ –الشيء اليسير- مِنَ الدُّنْيَا، تَأَلَّفْتُ بِهَا قَوْمًا لِيُسْلِمُوا، وَوَكَلْتُكُمْ - استكفاه أمره ثقة بكفايته - إِلَى إِسْلامِكُمْ؟ أَفَلا تَرْضَوْنَ يَا مَعْشَرَ الأَنْصَارِ أَنْ يَذْهَبَ النَّاسُ بِالشَّاةِ وَالْبَعِيرِ، وَتَرْجِعُونَ بِرَسُولِ اللهِ فِي رِحَالِكُمْ؟ فَوَ الَّذِي نَفْسُ مُحَمَّدٍ بِيَدِهِ لَوْلا الْهِجْرَةُ لَكُنْتُ امْرَأً مِنَ الأَنْصَارِ، وَلَوْ سَلَكَ النَّاسُ شِعْبًا- طريقًا- وَسَلَكَتِ الأَنْصَارُ شِعْبًا لَسَلَكْتُ شِعْبَ الأَنْصَارِ، اللَّهُمَّ ارْحَمِ الأَنْصَارَ، وَأَبْنَاءَ الأَنْصَارِ، وَأَبْنَاءَ أَبْنَاءِ الأَنْصَارِ»، قَالَ: فَبَكَى الْقَوْمُ، حَتَّى أَخْضَلُوا لِحَاهُمْ- أي: بلوها- وَقَالُوا: رَضِينَا بِرَسُولِ اللهِ قِسْمًا وَحَظًّا، ثُمَّ انْصَرَفَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم وَتَفَرَّقُوا"؛ (أخرجه الإمام أحمد في مسنده: مسند أبي سعيد الخدري، ج3، ص76، ح11748، وأصله في الصحيحين).
وذات يوم خلع رسول الله صلى الله عليه وسلم نعليه فألقوا نعالهم وراءه فسألهم: «لم فعلتم ذلك» ؟، قالوا: رَأَيْنَاكَ أَلْقَيْتَ نَعْلَيْكَ، فَأَلْقَيْنَا نِعَالَنَا، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: «إِنَّ جِبْرِيلَ أَتَانِي، فَأَخْبَرَنِي أَنَّ فِيهِمَا قَذَرًا»؛ (أخرجه أحمد في مسنده: مسند أبي سعيد الخدري، ج18، ص379، ح11877).
كما أن عبد الله بن رواحة رضي الله عنه سَمِعَ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم وَهُوَ بِالطَّرِيقِ يَقُولُ: «اجْلِسُوا» فَجَلَسَ فِي الطَّرِيقِ، فَمَرَّ بِهِ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم فَقَالَ لَهُ: «مَا شَأْنُكَ» ؟، قَالَ: سَمِعْتُكَ تَقُولُ: اجْلِسُوا فَجَلَسْتُ، فَقَالَ لَهُ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم: «زَادَكَ اللَّهُ طَاعَةً»؛ (رواه عبد الرزاق في المصنف: في كتاب الجمعة، باب جلوس الناس حين يخرج الإمام، ج3، ص210، ح5367)، ما وسعه إلَّا الاستجابة لأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم.
وبعد عام من وفاته صلى الله عليه وسلم وقف أبو بكر رضي الله عنه على المنبر يقول: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم في هذا الموقف من عامي الأول، ثم استعبر - جرَتْ عَبْرتُه؛ أي: دمعَتُه- أبو بكر وبكى، ثم قال أخرى، سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم فلم يملك أن خنقته العبرة فبكى، ثم قال ثالثة فخنقته العبرة فبكى، ثم قال– لا يسمع صوته من نشيجه- قال صلى الله عليه وسلم: «لَمْ تُؤْتَوا بَعْدَ كَلِمَةِ الإِخْلاصِ مِثْلَ الْعَافِيَةِ، فَسَلُوا اللهَ الْعَافِيَةَ»؛ (أخرجه الإمام أحمد في مسنده: مسند أبي بكر الصديق رضي الله عنه، ج1، ص4، ح10) نسأل الله العافية.
ولما احتضر بلال بن رباح رضي الله عنه ونزل به الموت [نادت امرأته: واحزناه! فقال: واطرباه! غدًا ألقى الأحبة محمدًا وحزبه]؛ (الشفا بتعريف حقوق سيدنا المصطفى صلى الله عليه وسلم: ج2، ص240). فلقد كان الصحابة عند فراش الموت يشتاقون إليه صلى الله عليه وسلم.
ومن شدة حبهم له صلى الله عليه وسلم كانوا لا يتكلمون خوفًا من الزيادة عليه أو الإنقاص من قوله أو الافتراء عليه، بدليل أن أبا بكر وعمر وعثمان رواياتهم قليلة، حتى أن أبا هريرة رضي الله عنه كان يقول الحديث ثم يقول لعائشة: "أوليس كذلك يا صاحبة الحجرة"، فتقول: بلى، ولكن لم يكن يسرد الحديث كما تسردون (انظر مجموع الفتاوى: ابن تيمية، ج4، ص535. وسير أعلام النبلاء: الذهبي، ج4، ص29).
وذات يوم وقف عمر بن الخطاب رضي الله عنه عند الحجر الأسود بعد وفاة رسول الله صلى الله عليه وسلمفَقَبَّلَهُ وقال: "إِنِّي أَعْلَمُ أَنَّكَ حَجَرٌ لاَ تَضُرُّ، وَلا تَنْفَعُ وَلَوْلا أَنِّي رَأَيْتُ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم يُقَبِّلُكَ مَا قَبَّلْتُكَ"؛ (أخرجه البخاري في صحيحه: في كتاب الحج، باب ما ذكر في الحجر الأسود، ج2، ص 579، ح1520) فهو يقبله اقتداء برسول الله صلى الله عليه وسلم؛ ولذلك جاء بهذا الكلام، ليُعطي العالم الجواب الذي سيظل ناطقًا في التاريخ بأن النبي صلى الله عليه وسلم هو الذي فعل ذلك، فعمر رضي الله عنه أثارها شُبهة حتى يسمع منه الردّ، ويظل سائرًا طول الزمن.
أحبوه فامتثلوا أوامره واجتنبوا نواهيه صلى الله عليه وسلم فبينما بعضهم يصلي صلاة العصر إذ حُوِّلت القبلة إلى الكعبة، فمرّ عليهم رجل صلى مع النبي صلى الله عليه وسلم، فقال: "أشهد أني صليت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم، وقد وُجِّه إلى الكعبة فانحرفوا وهم ركوع في صلاة العصر" وذلك تأسيًا برسول الله صلى الله عليه وسلم.
وعندما نزل تحريم الخمر: {فَهَلْ أَنْتُمْ مُنْتَهُونَ} [المائدة: 91]، أُريقت الخمر حتى جرت بها سكك المدينة ولسان حالهم يقول: انْتَهَيْنَا انْتَهَيْنَاـ (كان الذي قال: انْتَهَيْنَا انْتَهَيْنَا عمر بن الخطاب رضي الله عنه؛ (انظر تفسير القرطبي: ج6، ص292).
وغيرها من النماذج التي توضح مدى حب الصحابة لرسول الله صلى الله عليه وسلم. فكيف لا يحبونه وهو الذي أخرجهم من الظلمات إلى النور بإذن ربه؟! فكان لهم القائد والمربي والأب والرسول- فداه أبي وأمي ونفسي- صلوات الله وسلامه عليه.
لقد قام في قلوب أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم ما قصرت همم المسلمين أن تقوم بأقله، وأحيوا في شعورهم ما ماتت مشاعر المسلمين الآن دونه، وتعلقت أبصارهم فيما وراء الطرف في حين لم تتجاوز أبصار المسلمين الآن أطرافهم، لقد ترجموا المحبة والنصرة قولًا وعملًا؛ لأنهم علموا أن محبته صلى الله عليه وسلم ونصرته هي عقيدتهم وبدونها فلا إيمان لهم، فكانوا خير أصحاب لخير نبي.
وصلِّ اللهم وسلم وبارك على حبيبي ونبيِّي محمد وعلى آله وصحبه وسلم تسليمًا كثيرًا
_______________________________________________________
الكاتب: د. حسناء عبدالله أحمد باعبود