محاذير العولمة
إن مواجهة الإفرازات العقائدية للعولمة الغربية لا تكون بالرفض السلبي، أو بالشكوى والتحذير السطحي؛ بل بالتعامل الموضوعي والجدِّي معها، والعودة إلى مكنون الفكر والتراث الإسلامي...
- التصنيفات: - ثقافة ومعرفة - مجتمع وإصلاح -
مع الترحيب بالعولمة "المرشدة" ومع انتقادِ مَن وقف منها موقفَ الحذر؛ فقد كانت الخصوصية - بمفهومها الأعم - هي أوَّلَ مَحاذير العولمة؛ بحُكم أن العولمة قد تَسعى إلى القضاء على الخصوصية، تلك المحاذير التي يتحدث عنها (محسن أحمد الخضيري) بقدرٍ من الشمولية التي تُلخِّص رؤية معظم المتحفِّظين على هذا التيار الذي يؤكد على أنه تلبيسُ أساليبَ ومناهجَ قديمةٍ لباسًا عصريًّا، بمصطلح غيرِ متوجَّسٍ منه، أخَذ اسم العولَمة، لكنه لم يستطع أن يُخفي وراءه مخلَّفات الماضي التي كانت تشير دائمًا إلى فرض الهيمنة على الشعوب والحكومات، فيما يسمى بدول العالم الثالث، أو الدول النَّامية.
ولم تتوقف أساليب هذه الهيمنة عند هذه الشعوب والحكومات، بل إنها في النهاية سوف تلتفُّ على ذاتها؛ ليأكل بعضُها بعضًا، مما حتَّم وجود تكتُّلات وتحالفات؛ تحسُّبًا للقادم، فجاءت هذه المحاذير لتنبِّه هذه الشعوب والحكومات على هذا الخطر القادم.
ويمكن إجمال تلك المحاذير في الآتي:
1) محاذير انعدام الخصوصية وشيوع العمومية.
2) محاذير "التغريب" والاغتراب عن الذات.
3) محاذير غياب الوعي، والاستلاب من الداخل.
4) محاذير التراجع والارتداد والنُّكوص، والجمود والتحجر.
5) محاذير التماثل في مجالات إدارة الأعمال والمال، والتجارة والمعلومات.
6) محاذير حرية الحركة، وإعطاء المعنى، والتفاوض عليه.
7) محاذير اتساع الفجوة الاجتماعية الاتصالية.
8) محاذير تَسارُع الحَراك الاجتماعي.
9) محاذير التخلي عن الواجبات والمسؤوليات، سواء من جانب الدولة، أو من جانب الأعمال.
10) محاذير الاطِّراد المتنامي، والانخراط المتناظِم في إطار مفروض بقوة فوقية[1].
في هذا الصدد يقول الخبير الاقتصادي عبدالعزيز بن إسماعيل داغستاني عن العولمة: "إن مواجهة الإفرازات العقائدية للعولمة الغربية لا تكون بالرفض السلبي، أو بالشكوى والتحذير السطحي؛ بل بالتعامل الموضوعي والجدِّي معها، والعودة إلى مكنون الفكر والتراث الإسلامي، وإعادته إلى موقع الريادة والمقدِّمة، وطرحه ليس كبديل معاصر؛ بل كأصلٍ تَغافَل الناس عنه، وانغمسوا في بدائلَ واهنة، لا تَرقى إلى مضمونه؛ فإن مواجهة التداعيات المادية للعولمة لا تكون هي الأخرى ذاتَ جدوى إذا لم تقترن بعمل منهجي لإصلاح هيكل الاقتصاد العربي؛ ليكون شريكًا فاعلًا في رسم معالم العولمة وصانعًا لاستحقاقاتها، وهي مَعالمُ ما زالت غضَّة، تستوعب القادرين على تعديل مَعالمها وتوجُّهاتها، والقدرة مرحلة متقدمة من صراع الإنسان مع قدراته الذاتية والمكتسَبة، وهو صراع حضاري لا يمكن التغلب عليه بالانكفاء والتخاذل والرفض"[2].
وهذا ما يؤكده كذلك عبدالحي زلوم في كتابه: "نذر العولمة"[3]؛ حيث يُترجِم هذه الجملة من المحاذير إلى نماذجَ حية من سُوء التعامل مع مفهوم العولمة ذاتِ الاتجاهِ الواحد، وقَسيمها؛ بافتقارها إلى العدل الذي نادت به جميعُ الأديان، وحثَّت عليه.
فقد جاءت الشرائع والديانات كافة - على سبيل المثال - "ضد الفوائد الرِّبوية التي أُعلِنَت كخطيئةٍ ضد سِفْر التكوين، وحظَر الإسلام الرِّبى وتخزين الذَّهب والأموال على نحوٍ يُبعِدها عن المجالات الإنتاجية"[4].
[1] انظر: محسن أحمد الخضيري، العولمة الاجتماعية، القاهرة: مجموعة النيل العربية، 2001م، ص 221 - 232.
[2] انظر: عبدالعزيز إسماعيل داغستاني، العولمة: المبدأ والبعد الاقتصادي، ص 183 - 187، في: خواطر اقتصادية، الرياض: دار الداغستاني 1423هـ/ 2003م، ص 200.
[3] انظر: عبدالحي زلوم، نذر العولمة: هل يستطيع العالم أن يقول: لا للرأسمالية المعلوماتية؟ - ط 2، بيروت المؤسسة العربية للدراسات والنشر، 2000م. وانظر بالخصوص: الفصل الثاني والعشرين: المطلوب: بالله، لا بالأموال، ثقتنا، ص 377 - 387.
[4] انظر: عبدالحي زلوم، نذر العولمة، المرجع السابق، ص 282.
___________________________________________________
الكاتب: أ. د. علي بن إبراهيم النملة