أزف إليك البشرى (هو علي هين)
أتريد أن تُزَفَّ إليك البُشْريات تِلْوَ البُشْريات؟ إذًا فعليك بمفاتيح إجابة الدعاء؛ (الصلاة، التضرُّع والخفية والمناجاة، الإلحاح، وحسن الظن والطمع فيما عند الله، الضعف والفقر إلى الله، التوسُّل إلى الله بأسمائه الحسنى...
- التصنيفات: الذكر والدعاء -
إليك يا مَن تشعَّبت بك الهموم في كل وادٍ، إليك يا مَن أخذ منك الحزنُ كُلَّ مأخذٍ، إليك يا مَن انقطعت بك الأسبابُ، إليك يا مَن طال بك البلاءُ وطال انتظارُك للفرج، إليك يا مَن تأخَّر رزقُك حتى شاب شعرُك، إليك يا مَن لم تُرْزَق الولد حتى وهَنَ عظمُك.
ألم تدرك أن رحمة ربِّك قريبة منك؛ ولكن لا تُحسِن استمطارَها؟! ألم تسمع عن رحمة ربِّك بعبده زكريا بعد أن كبر وشاب شعرُ رأسِه؟! ألم تعلم كيف عوَّضَه الله بيحيى نبيًّا وسيِّدًا وتقيًّا، بارًّا به وبأُمِّه ولم يكن لهم عصيًّا، أخذ الكتاب بقوَّة وآتاه الله الحكم صبيًّا؟!
لعلك تعلم القصة؛ بل تحفظها عن ظهر قلب؛ لكنك يومًا لم تتدبَّرْها وتُسقِطها على حالك؟!
ألم تَرَ كيف كان صبره كل هذه السنين دون شكوى حتى كبر وأصبح عتيًّا؟! ولكنه لما رأى رزق الله لمريم دون سبب منها طمع {وَادْعُوهُ خَوْفًا وَطَمَعًا} [الأعراف: 56] في فضل الله، قال تعالى: {هُنَالِكَ دَعَا زَكَرِيَّا رَبَّهُ قَالَ رَبِّ هَبْ لِي مِنْ لَدُنْكَ ذُرِّيَّةً طَيِّبَةً إِنَّكَ سَمِيعُ الدُّعَاءِ} [آل عمران: 38].
ألم ترَ كيف لجأ لمحرابه وأخذ يصلي ويُناجي ربَّه؟ {فَنَادَتْهُ الْمَلَائِكَةُ وَهُوَ قَائِمٌ يُصَلِّي فِي الْمِحْرَابِ} [آل عمران: 39]، ألم تسمعه يُناجي ربَّه في خفية وتضرع؟ {إِذْ نَادَى رَبَّهُ نِدَاءً خَفِيًّا} [مريم: 3]، فهو يعلم أنَّ ربَّه قريب، قال تعالى: {ادْعُوا رَبَّكُمْ تَضَرُّعًا وَخُفْيَةً إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ} [الأعراف: 55]، قالَ رَسولُ اللَّهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ: «ارْبَعُوا علَى أنْفُسِكُمْ؛ إنَّكُمْ لا تَدْعُونَ أصَمَّ ولَا غَائِبًا؛ إنَّكُمْ تَدْعُونَ سَمِيعًا قَرِيبًا وهو معكُمْ».
ألم تسمع تذَلُّله إلى الله بضعفه وقِلَّة حيلته ووهن عظمه؟ {قَالَ رَبِّ إِنِّي وَهَنَ الْعَظْمُ مِنِّي وَاشْتَعَلَ الرَّأْسُ شَيْبًا وَلَمْ أَكُنْ بِدُعَائِكَ رَبِّ شَقِيًّا} [مريم: 4]، ألم تنصت لقوله: {وَلَمْ أَكُنْ بِدُعَائِكَ رَبِّ شَقِيًّا} [مريم: 4] متوسلًا لربِّه بقديم إحسانه عليه، فيقول له: يا رب، قد عوَّدْتَني على إجابة الدعاء قبل ذلك فلا تحرمني ممَّا عوَّدْتَني عليه، فهذا ظنِّي الجميل بك أنك تجيبني فأنت السميع المجيب؟
كان أحد السلف يقول: "أسألك تذلُّلًا فأعطني تفضُّلًا"، وَعَنْ بَعْضِهِمْ: أَنَّ مُحْتَاجًا سَأَلَهُ وَقَالَ: أَنَا الَّذِي أَحْسَنْتَ إِلَيْهِ فِي وَقْتِ كَذَا، فَقَالَ: مَرْحَبًا بِمَنْ تَوَسَّلَ بِنَا إِلَيْنَا، وَقَضَى حَاجَتَهُ.
ألم ترَ خوفَه؟! ألا يوجد مِن أقاربه مَن يحمل هَمَّ الدِّينِ بعدَه؟! {وَإِنِّي خِفْتُ الْمَوَالِيَ مِنْ وَرَائِي} [مريم: 5]، ألم تسمع إظهاره افتقاره الأسباب قائلًا: {وَكَانَتِ امْرَأَتِي عَاقِرًا} [مريم: 5]؟
ثم بعد كل هذه المقدمات دعا ربَّه، بعد الصبر والتذلُّل، والخلوة في المحراب، والصلاة والافتقار لله، والتوسُّل إليه بسابق إحسانه عليه، وبيان نيَّتِه الصالحة في طلب الولد، بعد كل هذا قال: {فَهَبْ لِي مِنْ لَدُنْكَ وَلِيًّا} [مريم: 5]، هبة من عندك يا رب لي تقر عيني برؤيته، وتسعد نفسي بصلاحه، ويمتد أثري بميلاده، هَبْ لي من لدنك وليًّا، فجاءته البشارة سريعًا: {يَازَكَرِيَّا إِنَّا نُبَشِّرُكَ بِغُلَامٍ اسْمُهُ يَحْيَى} [مريم: 7]؛ فاستغرب لذلك وطلب آيةً من الله ليزداد يقينُه، فكانت آيتُه ألا يستطيع الكلام ثلاث ليالٍ رغم أنه ليس مريضًا.
ففرح بالبشارة، وخرج من المحراب مسرعًا لقومه، وأشار إليهم أن يُسبِّحوا شكرًا لله على هذه المعجزة التي وهبَها الله إيَّاه دون أسباب.
كما قال سيدنا إبراهيم: {الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي وَهَبَ لِي عَلَى الْكِبَرِ إِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ إِنَّ رَبِّي لَسَمِيعُ الدُّعَاءِ} [إبراهيم: 39]، ثم يرزق بيحيى نبيًّا صالحًا تقيًّا زكيًّا بارًّا بوالديه ودودًا ورحيمًا بوالديه وبعباد الله، وتنتهي قصة هذه المعجزة؛ ولكن لا تنتهي معها العبرة لك أيها المسلم.
ألم تضَع يديك على أسرار إجابة دعاء سيدنا زكريا عليه الصلاة والسلام؟ أتريد أن يُستجابَ دعاؤك ويَتَيسَّر أمرُك ويُفرَّج كربُك؟
أتريد أن تُزَفَّ إليك البُشْريات تِلْوَ البُشْريات؟ إذًا فعليك بمفاتيح إجابة الدعاء؛ (الصلاة، التضرُّع والخفية والمناجاة، الإلحاح، وحسن الظن والطمع فيما عند الله، الضعف والفقر إلى الله، التوسُّل إلى الله بأسمائه الحسنى (رب) وبالأعمال الصالحة وبسابق إحسانه)، واعلم أنه لا مستحيل مع الدعاء، وأن الله لا يعجزه شيء سبحانه {وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُعْجِزَهُ مِنْ شَيْءٍ فِي السَّمَاوَاتِ وَلَا فِي الْأَرْضِ إِنَّهُ كَانَ عَلِيمًا قَدِيرًا} [فاطر: 44]، وأن فضل الله واسع فاستكثر من فضله؛ عن أبي هريرة قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «يَدُ اللهِ ملْأَى لا يُغِيضُها نَفَقَةٌ، سحَّاءُ اللَّيْلَ والنهارَ، أرأيتم ما أنفَقَ منذُ خلَقَ السماواتِ والأرضِ؟ فإِنَّهُ لم يَغِضْ ما في يدِهِ، وكان عرْشُهُ على الماءِ، وبيدِهِ الميزانُ، يخفِضُ ويرْفَعُ»؛ (أخرجه البخاري ومسلم).
وتيقَّنْ أنه مهما كان ما تريد صعبًا فهو على الله هيِّن {هُوَ عَلَيَّ هَيِّنٌ} [مريم: 9].
ها قد وضعت بين يديك مفاتيح إجابة الدعاء فالزمها ليفتح لك الباب، وإن لم يُفتَح فاعلم أن الحكيم يُخبِّئ لك الخير فلم يحِنْ وقتُه بعد، فثِقْ في اختياره لك، واصبر على قضائه {إِنَّمَا يُوَفَّى الصَّابِرُونَ أَجْرَهُمْ بِغَيْرِ حِسَابٍ} [الزمر: 10].
__________________________________________________
الكاتب: سمر سمير