أبناؤنا في الزمن الصعب
إن أبناءنا يعيشون اليوم في زمن كثرت فيه أسباب الفساد وانتشرت فيه وسائل الشر فتن تموج كموج البحر كما أخبر بها النبي صلى الله عليه وسلم.
- التصنيفات: التربية والأسرة المسلمة - تربية الأبناء في الإسلام -
أبناؤنا هم ثمرة القلب وعماد الظهر وفلذة الكبد فولدك هو حياة لك فوق حياتك.
أبناؤنا زينة حياتنا وهدية الله سبحانه وتعالى لنا فلابد أن نعطيهم جل اهتمامنا وأن نجعل تربيتهم أكبر همنا قال تعالى: {الْمَالُ وَالْبَنُونَ زِينَةُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَالْبَاقِيَاتُ الصَّالِحَاتُ خَيْرٌ عِنْدَ رَبِّكَ ثَوَابًا وَخَيْرٌ أَمَلًا}.
لقد اهتم الإسلام العظيم اهتماماً عظيماً بمسألة الأولاد وذلك من بداية الأمر حيث حث على الزواج بالمرأة الصالحة يقول النبي صلى الله عليه وسلم «تنكح المرأة لأربع لمالها ولحسبها ولجمالها ولدينها فاظفر بذات الدين تربت يداك».
أيها الآباء:
إن أبناءنا يعيشون اليوم في زمن كثرت فيه أسباب الفساد وانتشرت فيه وسائل الشر فتن تموج كموج البحر كما أخبر بها النبي صلى الله عليه وسلم.
فتن الشهوات والقنوات التي امتلأت بها الديار وعظمت بسببها الأخطار، وفتن الأسواق والنساء التي يستغلها الأعداء لإفساد أبناء المسلمين وبناتهم، وفتن الأصدقاء والأخلاء الذين قال الله عنهم: {الْأَخِلَّاءُ يَوْمَئِذٍ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ إِلَّا الْمُتَّقِينَ}، وهنا تعظم المسئولية على الآباء في المحافظة الجادة على الأبناء وحمايتهم من مستنقعات الرذيلة والفساد والخنا يقول النبي صلى الله عليه وسلم «كل مولود يولد على الفطرة فأبواه يهودانه أو ينصرانه أو يمجسانه».
عباد الله:
إن الأبناء إما أن يكونوا فخراً وزينة ونعمة لآبائهم وإما أن يكونوا شراً ووبالاً ونقمة على أبائهم فالله الذي قال: {الْمَالُ وَالْبَنُونَ زِينَةُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا}، قال: {إِنَّمَا أَمْوَالُكُمْ وَأَوْلَادُكُمْ فِتْنَةٌ} فكم من أبناء اليوم يعذبون أبائهم وكم من أباء يبكون من أبنائهم لأنهم أهملوا تربيتهم في الصغر فعذبوهم في الكبر قال تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّ مِنْ أَزْوَاجِكُمْ وَأَوْلَادِكُمْ عَدُوًّا لَكُمْ فَاحْذَرُوهُمْ وَإِنْ تَعْفُوا وَتَصْفَحُوا وَتَغْفِرُوا فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ}.
ولهذا فإن أنبياء الله قد سألوا الله الذرية الطيبة والأبناء الصالحين ولم يسألوه مجرد الأبناء قال تعالى عن إبراهيم أنه قال: {رَبِّ هَبْ لِي مِنَ الصَّالِحِينَ} وقال سبحانه عن زكريا عليه السلام: {قَالَ رَبِّ هَبْ لِي مِنْ لَدُنْكَ ذُرِّيَّةً طَيِّبَةً إِنَّكَ سَمِيعُ الدُّعَاءِ}.
كم من الآباء من يرى أبناؤه يضيعون الصلاة أو يراهم في الشوارع والأسواق في أوقات الصلاة ثم بعد ذلك لا يضغط عليهم ولا يأمرهم بالمحافظة على الصلاة يقول الله: {وَأْمُرْ أَهْلَكَ بِالصَّلَاةِ وَاصْطَبِرْ عَلَيْهَا}، وامتدح الله نبيه إسماعيل فقال: {وَكَانَ يَأْمُرُ أَهْلَهُ بِالصَّلَاةِ وَالزَّكَاةِ وَكَانَ عِنْدَ رَبِّهِ مَرْضِيًّا}، وفي دعاء إبراهيم عليه السلام قال: {رَبِّ اجْعَلْنِي مُقِيمَ الصَّلَاةِ وَمِنْ ذُرِّيَّتِي رَبَّنَا وَتَقَبَّلْ دُعَاءِ}. يقول النبي صلى الله عليه وسلم: «مروا أبناءكم بالصلاة لسبع واضربوهم عليها لعشر وفرقوا بينهم في المضاجع».
كم من الآباء من يرى أبنائه ينظرون إلى الأفلام الخليعة والمسلسلات المفسدة التي تخدش الحياء وتظهر فيها صور العاهرات والعاريات من النساء، أفلام قبيحة قذرة منتنة تفسد الأخلاق وتخرب العقول وتعمي الأبصار والبصائر يتابعها كثير من أبنائنا وبناتنا بمرأى ومسمع من أبائهم وأمهاتهم فويل ثم ويل ثم ويل لذلك الأب الذي يسمح لأبنائه بمشاهدة تلك الأفلام ومتابعتها قال النبي صلى الله عليه وسلم: «ما من عبد يسترعيه الله رعية يموت يوم يموت وهو غاش لرعيته إلا حرم الله عليه الجنة» ولذلك فإن نبينا صلى الله عليه وسلم بعد أن قال مروا أبناءكم بالصلاة لسبع قال مباشرة: وفرقوا بينهم في المضاجع. حتى يتربى الأبناء منذ الصغر على العفة والحشمة والصيانة والديانة قال تعالى: {إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُولَئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْئُولًا}.
عباد الله:
اسمعوا إلى هذه النصائح الذهبية والوصايا والربانية التي يسديها والد لولده ويعظ بها ابن ابنه قال تعالى عن لقمان الحكيم {وَإِذْ قَالَ لُقْمَانُ لِابْنِهِ وَهُوَ يَعِظُهُ يَا بُنَيَّ لَا تُشْرِكْ بِاللَّهِ إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ وَوَصَّيْنَا الْإِنْسَانَ بِوَالِدَيْهِ حَمَلَتْهُ أُمُّهُ وَهْنًا عَلَى وَهْنٍ وَفِصَالُهُ فِي عَامَيْنِ أَنِ اشْكُرْ لِي وَلِوَالِدَيْكَ إِلَيَّ الْمَصِيرُ وَإِنْ جَاهَدَاكَ عَلَى أَنْ تُشْرِكَ بِي مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ فَلَا تُطِعْهُمَا وَصَاحِبْهُمَا فِي الدُّنْيَا مَعْرُوفًا وَاتَّبِعْ سَبِيلَ مَنْ أَنَابَ إِلَيَّ ثُمَّ إِلَيَّ مَرْجِعُكُمْ فَأُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ يَا بُنَيَّ إِنَّهَا إِنْ تَكُ مِثْقَالَ حَبَّةٍ مِنْ خَرْدَلٍ فَتَكُنْ فِي صَخْرَةٍ أَوْ فِي السَّمَاوَاتِ أَوْ فِي الْأَرْضِ يَأْتِ بِهَا اللَّهُ إِنَّ اللَّهَ لَطِيفٌ خَبِيرٌ يَا بُنَيَّ أَقِمِ الصَّلَاةَ وَأْمُرْ بِالْمَعْرُوفِ وَانْهَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَاصْبِرْ عَلَى مَا أَصَابَكَ إِنَّ ذَلِكَ مِنْ عَزْمِ الْأُمُورِ وَلَا تُصَعِّرْ خَدَّكَ لِلنَّاسِ وَلَا تَمْشِ فِي الْأَرْضِ مَرَحًا إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ كُلَّ مُخْتَالٍ فَخُورٍ وَاقْصِدْ فِي مَشْيِكَ وَاغْضُضْ مِنْ صَوْتِكَ إِنَّ أَنْكَرَ الْأَصْوَاتِ لَصَوْتُ الْحَمِيرِ}.
وهذا رسولنا صلى الله عليه وسلم ينصح غلاماً طاشت يده في الصحفة كان يأكل بشماله ولم يتأدب بآداب الأكل فقال له: يا غلام سم الله وكل بيمينك وكل مما يليك.
هذه هي تربية المصطفى صلى الله عليه وسلم وهكذا تكون التربية.
أيها الآباء:
{يُوصِيكُمُ اللَّهُ فِي أَوْلَادِكُمْ} إنها وصية من الله لكم في منْ في أولادكم، إنهم مسئولية في أعناقكم أنتم مسئولون عنهم أمام الله يقول صلى الله عليه وسلم «كلكم راع وكلم مسئول عن رعيته فالإمام راع وهو مسئول عن رعيته والرجل راع في أهله وهو مسئول عن رعيته والمرأة راعية في بيت زوجها وهي مسئولة عن رعيتها والخادم راع في مال سيده وهو مسئول عن رعيته والرجل راع في مال أبيه وهو مسئول عن رعيته فكلكم راع وكلكم مسئول عن رعيته».
عباد الله:
إن على الأب أن يكون وسطاً في تربية أبنائه بين الشدة والتساهل والإرخاء والجفاء فلا تكن ليناً فتعصر ولا صلباً فتكسر فإن من الآباء من يقسوا على أبنائه أكثر من اللازم ومنهم من يتساهل مع أبنائه أكثر من اللازم وخير الأمور الوسط الوسيط وشرها الإفراط والتفريط عن أبي هريرة رضي الله عنه أن الأقرع بن حابس أبصر النبي صلى الله عليه وسلم وهو يُقبل حسينا فقال إن لي عشرة من الولد ما فعلت هذا بواحد منهم فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم «من لا يرحم لا يرحم».
كذلك يجب على الأب أن يكون قدوة صالحة قال تعالى: {وَكَانَ أَبُوهُمَا صَالِحًا} فإياك أيها الأب أن يسمعك أبناؤك لعاناً أو سباباً أو شتاماً أو يرونك مخزناً أو مدخناً أو كذاباً فإنهم يقتفون أثرك ويقتدون بك ويعكسون صورتك ويعملون مثل عملك.
كذلك يجب على الأم أن تكون قدوة لبناتها في حيائها وحجابها ولسانها قال تعالى: {وَالَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا هَبْ لَنَا مِنْ أَزْوَاجِنَا وَذُرِّيَّاتِنَا قُرَّةَ أَعْيُنٍ وَاجْعَلْنَا لِلْمُتَّقِينَ إِمَامًا}.
أيها الآباء:
إن التربية مسئولية عظيمة ومهمة صعبة لكن أجرها كبير وثوابها عظيم قال النبي صلى الله عليه وسلم: «إذا مات ابن آدم انقطع عمله إلا من ثلاث صدقة جارية أو علم ينتفع به أو ولد صالح يدعو له»، ولا يكون الولد الصالح إلا بالتربية الصالحة وقال صلى الله عليه وسلم «من كان له ثلاث بنات فصبر عليهن وأطعمهن وسقاهن وكساهن من جدته كن له حجابا من النار يوم القيامة».
فالمحافظة المحافظة على الأبناء والبنات من الفتن والمغريات وأصناف الشهوات والشبهات.
____________________________________________________
الكاتب: د. مراد باخريصة