كراهة المسألة للناس
عبد الله بن حمود الفريح
عَنْ ابْنِ عُمَرَ أنَّ رَسُولَ اللّهِ قَالَ: «مَا يَزَالُ الرَّجُلُ يَسْأَلُ النَّاسَ، حَتَّى يَأْتِيَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَلَيْسَ فِي وَجْهِهِ مُزْعَةُ لَحْمٍ».
- التصنيفات: شرح الأحاديث وبيان فقهها - الآداب والأخلاق -
عَنْ ابْنِ عُمَرَ أنَّ رَسُولَ اللّهِ قَالَ: «مَا يَزَالُ الرَّجُلُ يَسْأَلُ النَّاسَ، حَتَّى يَأْتِيَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَلَيْسَ فِي وَجْهِهِ مُزْعَةُ لَحْمٍ».
عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللّهِ: «مَنْ سَأَلَ النَّاسَ أَمْوَالَهُمْ تَكَثُّرًا، فَإِنَّمَا يَسْأَلُ جَمْرًا، فَلْيَسْتَقِلَّ أَوْ لِيَسْتَكْثِرْ»؛ (رواه مسلم) .
عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللّهِ يَقُولُ: «لأَنْ يَحْتَزِمَ أَحَدُكُمْ حُزْمَةً مِنْ حَطَبٍ، فَيَحْمِلَهَا عَلَى ظَهْرِهِ فَيَبِيعَهَا، خَيْرٌ لَهُ مِنْ أَنْ يَسْأَلَ رَجُلًا، يُعْطِيهِ أَوْ يَمْنَعُهُ».
عن عَوْفُ بْنُ مَالِكٍ الأَشْجَعِيُّ قَالَ: كُنَّا عِنْدَ رَسُولِ اللّهِ تِسْعَةً أَوْ ثَمَانِيَةً أَوْ سَبْعَةً، فَقَالَ: «أَلا تُبَايِعُونَ رَسُولَ اللّهِ»؟، وَكُنَّا حَدِيثَ عَهْدٍ بِبَيْعَةٍ، فَقُلْنَا: قَدْ بَايَعْنَاكَ يَا رَسُولَ اللّهِ ثُمَّ قَالَ: «أَلاَ تُبَايِعُونَ رَسُولَ اللّهِ»؟، فَقُلْنَا: قَدْ بَايَعْنَاكَ يَا رَسُولَ اللّهِ ثُمَّ قَالَ: «أَلاَ تُبَايِعُونَ رَسُولَ اللّهِ»؟ قَالَ: فَبَسَطْنَا أَيْدِيَنَا وَقُلْنَا: قَدْ بَايَعْنَاكَ يَا رَسُولَ اللّهِ، فَعَلاَمَ نُبَايِعُكَ؟ قَالَ: «عَلَى أَنْ تَعْبُدُوا اللّهَ وَلاَ تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا، وَالصَّلَوَاتِ الْخَمْسِ، وَتُطِيعُوا وَأَسَرَّ كَلِمَةً خَفِيَّةً وَلاَ تَسْأَلُوا النَّاسَ شَيْئًا»، فَلَقَدْ رَأَيْتُ بَعْضَ أُولئِكَ النَّفَرِ يَسْقُطُ سَوْطُ أَحَدِهِمْ، فَمَا يَسْأَلُ أَحَدًا يُنَاوِلُهُ إِيَّاهُ؛ رواه مسلم.
شرح ألفاظ الأحاديث:
«مُزْعَةُ لَحْمٍ»: بضم الميم وإسكان الزاي؛ أي قطعة لحم.
قيل: يأتي يوم القيامة وهو ذليلٌ ساقط لا وجه له عند الله.
وقيل: هو على ظاهره، فيحشر يوم القيامة ووجهه عظم لا لحم فيه، عقوبة له وعلامة بذنبه حين طلب وسأل بوجهه، والقولان حكاهما القاضي عياض والخطابي؛ (انظر شرح النووي لمسلم حديث (1040)، وانظر الفتح حديث (1474)).
«مَنْ سَأَلَ النَّاسَ أَمْوَالَهُمْ تَكَثُّرًا»: أي استكثارًا من الأموال من غير حاجة ولا ضرورة، وقوله - صلى الله عليه وسلم «تَكَثُّرًا»: يفيد أنه لو سأل من فقر وحاجة أن ذلك مباح ولا يعاقب عليه؛ لأن هذا حقه من الزكاة والصدقة ونحو ذلك.
«فَإِنَّمَا يَسْأَلُ جَمْرًا»: قيل: معناه أنه يعاقب بالنار جزاء مسألة المتكثر بها.
وقيل: هو على ظاهره، وأن الذي يأخذه يكون جمرًا يُكوى به، كما ثبت في مانع الزكاة، وكلا القولين حكاهما القاضي عياض - رحمه الله؛ (انظر: شرح مسلم للنووي حديث (1041)).
«فَلْيَسْتَقِلَّ أَوْ لِيَسْتَكْثِرْ»: أي فليستقل من تلك المسألة التي تكون حجرًا عليه يوم القيامة أو ليستكثر، فسيجازى على القليل والكثير، وهو أمر على وجه التهديد، ويصح أن يكون على وجه الإخبار.
((وَكُنَّا حَدِيثَ عَهْدٍ بِبَيْعَةٍ))؛ أي: إننا بايعنا النبي - صلى الله عليه وسلم – قريبًا وحديثًا؛ ظنًّا منهم أنه لا يريد إلا ما تقدَّم، ولذا قالوا: ((قَدْ بَايَعْنَاكَ يَا رَسُولَ اللّهِ))، والنبي - صلى الله عليه وسلم – يكرر عليهم: «أَلاَ تُبَايِعُونَ رَسُولَ اللّهِ»؟، حتى بسطوا أيديهم فبايعوه على أمور، ومنها التعفف عن المسألة حين قال لهم: «وَلاَ تَسْأَلُوا النَّاسَ شَيْئًا».
من فوائد الأحاديث:
الفائدة الأولى: في الحديث دلالة على الحث على التعفف وذم السؤال.
الفائدة الثانية: في حديث ابن عمر - رضي الله عنهما – دلالة على أن من سأل الناس من غير ضرورة ولا حاجة أنه يأتي يوم القيامة، وليس في وجهه قطعة لحم؛ لأنه أراق ماء حياء وجهه بسؤال الناس، والجزاء من جنس العمل.
الفائدة الثالثة: في حديث أبي هريرة - رضي الله عنه - عقوبة أخرى لمن سأل الناس تكثرًا ليس من حاجة واستحقاق، وإنما ليكثر بذلك ماله، فإن ما يأخذه سواء كان قليلًا أو كثيرًا يكون عذابًا عليه يوم القيامة.
الفائدة الرابعة: في حديثي ابن عمر وأبي هريرة - رضي الله عنهم – دلالة على تحريم سؤال الناس، وطلبهم أن يتصدقوا عليه من دون حاجة لذلك، وهذا يدل على تحريم الإسلام السؤال من غير حاجة لذلك، وهذا يدل على تحريم الإسلام السؤال من غير حاجة، واتخاذ التسول مهنة وحرفة لمن كان قادرًا لا محتاجًا.
الفائدة الخامسة: في حديث أبي هريرة - رضي الله عنه - الآخر الحث على الأكل من عمل اليد، والسعي للكسب من عمل اليد، ولا يبقى المرء عالة على الناس يسألهم، فربما أعطوه أو منعوه، لما في ذلك ذل النفس ومهانتها بالتعرض للناس مع قدرته على التكسب، وذكر الاحتطاب ليس مرادًا، وإنما طلب الكسب بأي طريق مباح.
الفائدة السادسة: في حديث عوف بن مالك - رضي الله عنه - بيان ما كان عليه الصحابة - رضوان الله عليهم - من الامتثال لأمر النبي - صلى الله عليه وسلم - وتعظيم أوامره، وبيان ما هم عليه من التعفف عن المسألة ولو كان شيئًا يسيرًا، "يَسْقُطُ سَوْطُ أَحَدِهِمْ، فَمَا يَسْأَلُ أَحَدًا يُنَاوِلُهُ إِيَّاهُ"، وفي هذا غاية الامتثال، وأروع نماذج التطبيق وحمل النفس وتنزيهها عن السؤال، وتعليمها الصبر على كل الأحوال، ومنها عدم السؤال ولو كان شيئًا يسيرًا، ليس فيه منة؛ سدًّا لهذا الباب وطلبًا للكمال في الامتثال.
مستلة من إبهاج المسلم بشرح صحيح مسلم (كتاب الزكاة)