غلاء المهور

منذ 2022-10-18

يسِّروا أمرَ الزواج، واحرِصوا على مَن ترْضَوْن دِينه وخلُقه، وإيَّاكم مِن الرغبة في المال دون الدِّين، فالمال عَرَض زائل وعارية مستردة، والبقاء للدِّين، واحرِصوا - رحمكم الله - على تيسير أمورِكم والبُعد عن الإسراف والتبذير

الزواج مِن سُنن الله تعالى، وهو ارتباطٌ حيوي وثِيق، يحفظ الله به النسلَ البشَري، ويحقِّق به العفَّة والنَّزاهة والطُّهر لكلا الزوجين، بل وللمجتمع كلِّه. وقد جعَل الله لهذا الزواج أتَمَّ نِظام وأكمله، فحقَّق به السعادة لكلاَ الزوجين، وحفِظ لهما الحقوق، وبيَّن ما عليهما مِن الواجبات.

وفي طليعة هذا النِّظام أنْ فرَض للمرأة حقًّا على الرجل، ألا وهو الصَّداق الذي يعطيه لها دَلالةً على صِدق اقترانه بها ورغبته فيها، وأنَّها موضع حبِّه وبِرِّه، وعطفه ورعايته.

 

ولقد تفرَّدتْ شريعة الإسلام على غيرها مِن الشرائع والقوانين، بأنَّها كرَّمت المرأة، وأحسنتْ إليها، وأثبتتْ لها حقَّها في التملُّك وحيازة المال بعدَ أن كانت في الجاهلية كسقط المتاع، تُباع وتُشترى، ولهذا أوجب الإسلامُ على من يتقدَّم لخِطبة المرأة أن يدفَع لها الصَّداق، وهو عبارة عن نوْع من التقدير والاحترام، وليس ثمنًا أو قِيمةً لها؛ {وَآتُوا النِّسَاءَ صَدُقَاتِهِنَّ نِحْلَةً فَإِنْ طِبْنَ لَكُمْ عَنْ شَيْءٍ مِنْهُ نَفْسًا فَكُلُوهُ هَنِيئًا مَرِيئًا} [النساء: 4].

ولا يَظننَّ أحدٌ أنَّ المهر ثمن للمرأة، أو ثَمَن لجمالها، أو للاستمتاع بها، أو ما يعتقده بعضُ العامَّة أنه قِيمة لها، بل الحق أنَّ المهر هديَّة مِن الرجل للمرأة، وهو حقٌّ لها تتصرَّف فيه كيف شاءتْ.

والإسلام لم يُحدِّد مقدار المهر وكميته؛ وذلك لتباينِ الناس واختلاف أحوالهم وعاداتهم، ولكنَّه ندَب إلى التقليل فيه، فذاك أقربُ لرُوح الدين الداعي دائمًا إلى التيسير لا التعسير، ويكون ذلك حسبَ القُدرة وحسبَ التفاهم والاتفاق، لكن هذا المهر وتبعاته المبتدَعة صارتْ مدعاةً للتفاخر والرِّياء والسُّمعة عند الكثيرين.

 

أيها المسلمون:

لقدِ ازدادتْ مشكلة غلاء المهور، حتى صار الزواج عندَ بعض الناس من الأمور الشاقَّة والمستحيلة، وبلَغ المهر في بعض البقاع حدًّا خياليًّا لا يُطاق إلا بجبال مِن الديون التي تثقل كاهلَ الزوج، ويُؤسف كلَّ غيور أن يصِل الجشع ببعض الأولياء أن يطلُب مهرًا باهظًا من شابٍّ اختاره ليحصِّنَ به ابنته.

 

فيا سبحان الله! كم بلَغ الطمعُ وحبُّ الدنيا ببعض الناس! وكيف تُعرَض المرأة المسلمة سلعةً للبيع والمزايدة وهي أكرمُ مِن ذلك كله؟! لقد غدَتْ كثيراتٌ من العوانس حبيساتٍ في المنازل؛ بسبب ذلك التعنُّتِ والتصرُّف الأرعن ومجاراة بعضِ العادات الجاهلية.

 

يقول الفاروق - رضي الله عنه -: "ألا لا تُغَالُوا بِصُدُقِ النِّساء؛ فإنَّها لو كانت مكرمة في الدنيا، أو تقوى عند الله؛ لكان أولاكم بها النبي - صلَّى الله عليه وسلَّم - ما أصْدَق رسولُ الله - صلَّى الله عليه وسلَّم - امرأةً من نسائه، ولا أُصْدِقَتِ امرأةٌ من بناته أكثرَ من ثِنْتَيْ عَشْرَةَ أُوقِيَّةً"؛ (رواه أبو داود النسائي) ، وابن ماجه، ولعلَّه لا يَزيد في عملتنا المعاصرة على عشرين دينارًا فقط، فإذا كان هذا في حقِّ أمهات المؤمنين، وبنات سيِّد العالمين، فما بالنا نحن؟!

وقدْ ثبت أنَّ النبيَّ  - صلَّى الله عليه وسلَّم - زوَّج بما تيسر مهما كان قليلاً، فإنَّ الله وعْد أن يبارك فيه: {وَأَنْكِحُوا الْأَيَامَى مِنْكُمْ وَالصَّالِحِينَ مِنْ عِبَادِكُمْ وَإِمَائِكُمْ إِنْ يَكُونُوا فُقَرَاءَ يُغْنِهِمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ} [النور: 32].

 

وعنْ سهْلِ بن سعْد قال: جاءتِ امرأةٌ إلى رسولِ الله - صلَّى الله عليه وسلَّم - فقالت: إنِّي وهبتُ مِن نفسي فقامتْ طويلاً، فقال رجل: زوجنيها إنْ لم تكن لك بها حاجة، قال: «هل عندَك مِن شيء تصدقها» ؟ قال: ما عندي إلا إزاري، فقال: « إن أعطيتها إيَّاه جلست لا إزار لك فالْتمس شيئًا» ، فقال: ما أجد شيئًا، فقال: «التمسْ ولو خاتمًا من حديد»، فلم يجد فقال: «أمَعَك من القرآن شيءٌ» ؟، قال: نعم سورة كذا وسورة كذا لسور سمَّاها، فقال: «قد زوجناكها بما معكَ مِن القرآن»؛ (رواه البخاري).

أجلْ إنَّه التيسير على الشباب المقبِل على مشروع العِفَّة والطهارة والإحصان.

 

عن أبي هريرة أن رسول الله - صلَّى الله عليه وسلَّم - قال: «ثلاثةٌ حقٌّ على الله عونهم: المكاتب الذي يُريد الأداء، والناكِح الذي يُريد العفافَ، والمجاهِد في سبيلِ الله»؛ (رواه النسائي، وأبو داود، والترمذي).

بل إنَّ النِّكاح كان فرصةً كبيرة للدعوة إلى الإسلام عندَ بعض مَن تربَّوا في مدرسة النبي - صلَّى الله عليه وسلَّم.

 

عن أنس - رضي الله عنه - قال: "خطَب أبو طلحة أمَّ سُليم، فقالت: واللهِ ما مِثلُك يا أبا طلحةَ يُرَدُّ، ولكنَّك رجلٌ كافِر وأنا امرأةٌ مسلمة، ولا يحلُّ لي أن أتزوَّجك، فإنْ تُسلِم فذاك مهْري وما أسألك غيرَه، فأسْلَم، فكان ذلك مهرَها.

قال ثابت: فما سمعتُ بامرأة قطُّ كانتْ أكرمَ مهرًا من أمِّ سليم الإسلام، فدخَل بها فولَّدتْ له"؛ (رواه النسائي).

وهذا عبدالرحمن بن عوف، وهو مِن أغْنى أهل المدينة، والذي تُوفِّي عن أربعة وستِّين مليون دينار، تزوَّج على وزن نواةٍ مِن ذهب - كما في البخاري.

 

وهذا سعيد بن المسيِّب - رحمه الله تعالى - سيِّد التابعين، يتقدَّم لخِطبة ابنته الخليفة عبدالملك بن مرْوان لابنه الوليد ولي العهْد، فيرفض، ويزوِّجها لتلميذ له صالِح صاحِب دِين وخُلُق، اسمه عبدالله بن أبي وداعة، ماتتْ زوجته، فقال له شيخُه بعدَ بضعة أيام: وهل استحدثتَ امرأةً غيرها؟ قال: ومَن يزوِّجني وما أملِك إلا درهمين أو ثلاثة؟! فقال: أنا أزوِّجك، وزوَّجه بابنته على درهمين أو ثلاثة؛ يقول التلميذ عبدالله بن أبي وَداعة: فدخلتُ بها، فإذا هي من أجملِ النِّساء، وأحفظ الناس لكتابِ الله، وأعلمِهم بسُنَّة رسول الله، وأعرَفهم بحقِّ الزوج، وبعدَ شهر عاد إلى شيخِه سعيد، فدَفَع له شيخُه عشرين ألف درهم، وسأله عن حال امرأتِه، وقال له: إنْ رابك شيءٌ منها فالعصَا.

 

معاشر الإخوة:

إنَّ هذه القصة توبيخٌ لمَن باع ابنته بالدِّرهم والدينار، واشترط لها أموالاً طائلة، وتكاليفَ باهظة، لقد آثَر سعيدٌ ما يبقى على ما يفْنَى، والسعادة - واللهِ - ليستْ في الأموال، وإنما في الإيمان بالله والعمل الصالح؛ قال تعالى لأمهات المؤمنين: {وَمَنْ يَقْنُتْ مِنْكُنَّ لِلَّهِ وَرَسُولِهِ وَتَعْمَلْ صَالِحًا نُؤْتِهَا أَجْرَهَا مَرَّتَيْنِ وَأَعْتَدْنَا لَهَا رِزْقًا كَرِيمًا * يَا نِسَاءَ النَّبِيِّ لَسْتُنَّ كَأَحَدٍ مِنَ النِّسَاءِ إِنِ اتَّقَيْتُنَّ} [الأحزاب: 31 - 32].

وقدْ أنكر الرسولُ - صلَّى الله عليه وسلَّم - على المغالين في المهور؛ جاء رجل إلى النبيِّ - صلَّى الله عليه وسلَّم - فقال: إنِّي تزوجتُ امرأةً مِن الأنصار، فقال له النبيُّ - صلَّى الله عليه وسلَّم -: «على كَمْ تَزوَّجْتَها» ؟ قال: على أَرْبَعِ أَوَاقٍ، فقال له النبيُّ - صلَّى الله عليه وسلَّم -: «على أَرْبَعِ أَواقٍ! كَأَنَّما تَنحِتون الفِضَّة من عرْض هذا الجبل! ما عندنا ما نعطيك».

 

أحبتي في الله:

إنَّ بعض الأولياء - هداهم الله - خانوا الأمانةَ التي حُمِّلوها في بناتهم بمنعهنَّ من الزواج مِن الأكْفَاء دينًا وخُلقًا وأمانة، فقد يتقدَّم إليهم الخاطب الكفء فيُماطلونه، ويعتذرِون له بأعذار واهية، وينظُرون فيه إلى أمورٍ شكلية وجوانبَ كمالية، يسألون عن مالِه، وعن وظيفتِه وشهادته، وعن وجاهتِه ومكانته، ويَغفُلون أمْرَ دِينه وخلقه وأمانته، يتساهلون في شأن كبائر الذُّنوب كتَرْك الصلاة ونحوها، بل لقدْ وصل ببعضِ الأولياء الجشَعُ والطمع أن يعرِض ابنته سلعةً للمساومة وتجارةً للمزايدة - والعياذ بالله - وما درى هؤلاء المساكين أن هذا عضلٌ وظلم وخيانة، ألَم يسمع هؤلاء بالقصص الواقعية لضحايا هذه الظاهِرة؟! ألَم يقرؤوا الرسائل المؤلِمة المفجعة التي سطَّرتْها دموع العوانس هؤلاء؟! إنها صرخةُ نذير في آذان الآباء والأولياء، ورسالةٌ عاجِلة إليهم أن يتداركوا شرفَهم وعِفَّتهم وعرضهم قبل فوات الأوان.

ولو عقل هؤلاءِ لبَحثوا هم لبَناتِهم عن الأزواج الأكفاء، فهذا عمر بن الخطَّاب - رضي الله عنه - يعرِض ابنته حفصةَ على أبي بكر ليتزوَّجها، ثم على عثمان - رضي الله عنهم أجمعين.

وهذا شُعيب - عليه السلام - يعرِض ابنته على موسى الفقيرِ المطارَد؛ {إِنِّي أُرِيدُ أَنْ أُنْكِحَكَ إِحْدَى ابْنَتَيَّ هَاتَيْنِ} [القصص: 27]، وليستْ بناتنا بأفضل مِن بناتهم بالتأكيد.

 

أيها المسلمون:

إنَّ الإسلام لم يشْرَع في نفقات العقد والزفاف سوى المهر للمرأة، والوليمة لحفلة العُرس، وإكرام الضيْف بما يُناسِب الحال، أمَّا ما عداها مِن الهدايا والنَّفَقات؛ كغُرفة النوم وأثاث البَيت والملابس والذَّهب، والهدايا لأقاربِ العروسين، العم والخال، ونفَقات الجاهة، وأُجرة الصالون، ونفَقات حفلة الزفاف، التي طالما فُسِختْ عقود مِن أجلها، ناهيك عن المهْر المؤجَّل الذي يبقى دَينًا على الزوج في حياته ومماته، آلاف الدَّنانير هي تكاليفُ الزواج عندنا.

 

حدَّثني أخٌ فاضل عن قصَّته أو قصصه في البحْث عن عروس لابنه، قال لقد طلبتْ إحداهن مرَّةً أن تضَع في حفل عقدها أغنية: (لافرشلِك بستان وورود) فرفَض بدايةً لحُرمة الأغاني والمعازف، فلما أصرَّتْ واشترطتْ ذلك، وافقوا، فقالتْ: هذه الأغنية لها توابع، قال: يشتري العريس 400 ورْدة بسعر دينارين للوردة تُوزَّع أثناء سماع الأغنية، مباشرةً رفض الأب، وقال: لو كانت ستلد أبطالاً لا حاجةَ لنا بها.

 

كل هذا على مَن؟! على عامِل أو على موظَّف متخرِّج حديثًا راتبه لا يَكفي لحاجاتِه الضروريَّة، فكيف سيوفِّر آلاف الدنانير؟! كم سَنَة يحتاجها لتوفيرِ هذا المبلغ؟! شباب فُقراء مساكين في مجتمع لا يرحَم، يحلمون بالزواج وكأنَّه أصبح ضربًا مِن الخيال، فيا أولياء الأمور، أين الرحمةُ بهؤلاء؟! بل أين الرحمةُ ببناتكم؟! «الراحمون يرْحَمُهم الرحمن -تبارك وتعالى- ارْحموا مَن في الأرض يرحمْكم مَن في السماء»، وهل تتذكَّرون كيف تزوجتُم أنتم؟ وكم أصدقتم؟ إلى متَى تتركون سُنَّة الحبيب المصطفى؟!

الرَّسول لم يُزَوِّج ولم يَتَزَوَّج بأكثرَ مِن عشرين دينارًا بمستوى معيشتنا، وأمَّته في هذا البلد لم تُزَوِّج ولم تَتَزَوَّج بأقلَّ مِن ثمانية آلاف دينار.

 

أيها المؤمنون:

يقول النبي - صلَّى الله عليه وسلَّم -: «إذا أتاكم مَن ترْضَوْن دِينه وخُلُقه فزوِّجوه، إلا تفعلوا تكُنْ فتنةٌ في الأرض وفسادٌ كبير»، وهذا خطابٌ للرِّجال العقلاء، لا للنِّساء اللواتي قلدن أمر الزواج في هذا المجتمع.

لقدْ صار بيَدِ المرأة الموافقة على الزواج، وبيدها تحديدُ المهر، فكثُرتِ العوانس، وغلتِ المهور، وتضاعفتْ نفقات الزواج، ولا شكَّ أنَّ المرأة بما جبلت عليه من فِعال وعاطفة، وبما تحبُّه مِن المظاهر والمفاخَرة وحبِّ الظهور أمامَ الناس، لا يمكن أن يتحقَّق على يديها خِطبة أو زواج، إلا إذا كانتْ تزِن الأمور بميزان الشَّرْع والدِّين، ومِثل ذلك قليل، فكم سمعنا عن أمهات يُفْسِدْن زواج بناتهنَّ؛ لأنَّ الواحدة منهنَّ تدَّعي أن ابنتها ليستْ بأقلَّ مِن بنت فلان!

 

إنَّ المرأة - أيها الناس - مهما بلغتْ فهي ناقِصة عقل، ولا تكاد تعرِف عواقب الأمور؛ لذلك قال الرسول - صلَّى الله عليه وسلَّم-: «لن يُفلِح قوم ولَّوْا أمرهم امرأة»؛ (رواه البخاري)؛ ولذلك جعَل الله أمرَ التزويج بأيدي الرِّجال الراشدين والأولياء الصالحين؛ قال - تعالى -: {وَأَنْكِحُوا الأَيَامَى مِنْكُمْ وَالصَّالِحِينَ مِنْ عِبَادِكُمْ وَإِمائِكُمْ إِنْ يَكُونُوا فُقَرَاءَ يُغْنِهِمُ اللَّهُ مِن فَضْلِهِ} [النور:32]، هذا أمرُ الله للأولياء بتزويجِ أبنائهم وبناتِهم، ووعْد منه برِزقهم ورعايتهم، ومَن أصْدَق مِن الله قيلاً؟!

إنَّ العار إذا لَحِق إنما يلحَق بالرِّجال، فاحْذروا - أيُّها الرِّجال - فالقوامة لكم لا لنِسائكم.

فيا أيها الأولياء، اتَّقوا الله فيمَن تحتَ أيديكم مِن البنات، بادروا بتزويجهنَّ متى ما تقدَّم الأكْفاء في دِينهم وأخلاقهم، «إلا تَفْعلوا تكُن فِتنةٌ في الأرض وفسادٌ كبير».

 

أمَّةَ الإسلام:

لقد حثَّ الإسلامُ على تسهيلِ الزواج وتيسير أموره، ونهَى عن المغالاة في المهور، والمبالَغة في تكاليفه، فهذا خيرُ البشَر محمَّد - صلَّى الله عليه وسلَّم - يزوِّج ابنته فاطمة - رضي الله عنها - بعَليِّ بن أبي طالب بما يساوي أربعةَ دراهم، والإسلام اعتبر أنَّ المرأةَ كلما كان مهرُها قليلاً كان خيرُها كثيرًا؛ قال رسول الله - صلَّى الله عليه وسلَّم -: «إنَّ أعْظمَ النِّكاح بركةً أيسرُه مؤونة»، وقال: «إنَّ مِن يُمن المرأة تيسيرَ خِطبتها وتيسير صَداقها وتيسير رحِمها».

فاتَّقوا الله عبادَ الله، ويسِّروا أمْرَ الزواج، واحرِصوا على مَن ترْضَون دِينه وخلُقه، وإيَّاكم والرغبةَ في المال دون الدِّين، فالمال عَرَض زائل وعارية مسترَدَّة، والبقاء للدِّين.

 

وإني لأدعوكم - أيها الإخوة - للعودة إلى المهْر المحدود المقطوع، كما كان قديمًا، به تشتري العروسُ ما شاءتْ، ولا تسأله غيرَ هذا المهر، حقًّا خالصًا لها، كخُطوة أولى نحوَ إحياء سُنة الحبيب المصطفى - صلَّى الله عليه وسلَّم؛ ليتزوَّج العُزَّاب، ويُعدِّد المتزوِّجون، وتقلُّ نِسبة العوانس، ويَستغني الشبابُ بالحلال عن الحرام.

ولعلَّ هذا الكلام - أيها الأحبة - قد لا يُعجِب بعضَ السامعين، فيستخفون به، ويعترضون عليه، ظانِّين بأنَّ هذا يُقلِّل مِن قيمة بناتهم.

 

فأقول لهؤلاء: إنَّ بناتِكم ونساءَكم لسْنَ بأشرفَ مِن بنات ونساء الرسول - صلَّى الله عليه وسلَّم - اللواتي قبِلْنَ بأقل مِن هذا، وهنَّ أشرف وأطهر نِساء الأرض، وأنتم لستُم بأفضل مِن رسول الله - صلَّى الله عليه وسلَّم - الذي قبِل بأقل مِن ذلك لبناته وأزواجه.

فاتَّقوا الله أيُّها الناس، وقُوموا بمسؤولياتكم، {وَأَنْكِحُوا الْأَيَامَى مِنْكُمْ وَالصَّالِحِينَ مِنْ عِبَادِكُمْ وَإِمَائِكُمْ} [النور: 32].

 

فيا إخوةَ الإسلام:

أنْكِحوا الصالحين مِن عبادكم، فالإسلامُ في حرْصه على إقامة الحياة الزوجيَّة الهانئة إنَّما يُقيمها على الدِّين والخلُق، وهذا الذي اشترَطه للعروسين.

عن أبي هُريرَة - رضي الله عنه - عن النبيِّ - صلَّى الله عليه وسلَّم - أنه قال: «تُنكَح المرأة لأربع: لمالها ولحسبها، ولجمالها ولدِينها، فاظفرْ بذات الدِّين ترِبَت يداك»؛ رواه ابن ماجه.

وعن أبي حاتم المُزَني قال رسولُ الله - صلَّى الله عليه وسلَّم -: «إذا جاءَكم مَن ترْضَوْن دِينه وخلُقه فأنكحوه، إلا تفعلوا تكُن فتنةٌ في الأرض وفساد كبير»؛ (رواه الترمذي).

 

فاتَّقوا الله - عباد الله - ويسِّروا أمرَ الزواج، واحرِصوا على مَن ترْضَوْن دِينه وخلُقه، وإيَّاكم مِن الرغبة في المال دون الدِّين، فالمال عَرَض زائل وعارية مستردة، والبقاء للدِّين، واحرِصوا - رحمكم الله - على تيسير أمورِكم والبُعد عن الإسراف والتبذير، فالأيَّام المقبِلة أيام أعراس، فاحرِصوا - رحمكم الله - على ما ترضون به ربَّكم وتُسعِدون به أنفسَكم.

اللهم وفِّقنا لما تحبُّه وترضاه، واجعلْنا ممَّن يستمع القولَ فيتبع أحسنَه.

وآخِر دعوانا أنِ الحمدُ لله ربِّ العالمين.

_______________________________________________

الكاتب: محمد بديع موسى

  • 1
  • 0
  • 2,289

هل تود تلقي التنبيهات من موقع طريق الاسلام؟

نعم أقرر لاحقاً