نعمة الإسلام
نعمة الإسلام من عرف حقيقتها من الكفار تمناها لقومه, فقد قال هرقل ملك الروم لبطارقته: يا معشر الروم هل لكم في الفلاح والرشد, وأن يثبت ملكم فتبايعوا هذا النبي
الحمد لله رب العالمين, والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين, نبينا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين...أما بعد: فمن نعم الله عز وجل التي لا تعد ولا تحصى: نعمة الإسلام, وهي أعظم نعم الله جل وعلا, قال سبحانه وتعالى: { اليوم أكملت لكم دينكم وأتممت عليكم نعمتي ورضيت لكم الإسلام ديناً} [المائدة:3] قال الحافظ ابن كثير رحمه الله: هذه أكبر نعم الله تعالى على هذه الأمة, حيث أكمل تعالى لهم دينهم فلا يحتاجون إلى دين غيره, ولا إلى نبي غيره صلوات الله وسلامه عليه.
نعمة الإسلام من عرف حقيقتها من الكفار تمناها لقومه, فقد قال هرقل ملك الروم لبطارقته: يا معشر الروم هل لكم في الفلاح والرشد, وأن يثبت ملكم فتبايعوا هذا النبي.[أخرجه البخاري] لكنهم لم يستجيبوا له, ومع أنه دعائهم إلى الإسلام فإنه لم يسلم, والسبب في ذلك أنه خاف على نفسه من القتل, فقد ورد عند الطبراني كما ذكر الحافظ في الفتح من طريق ضعيف أنه قال: لا أستطيع أن أفعل, إن فعلت ذهب ملكي, وقتلني الروم.
ولو أن الله جل وعلا وفقه لعلم أنه إذا أسلم سلِم من عذاب الله في الدنيا والآخرة فقد كتب له رسول الله صلى عليه وسلم يدعوه إلى الإسلام, وكان مما جاء في كتابه له: (( أسلم تسلم )), قال الحافظ ابن حجر العسقلاني رحمه الله: لو تفطن هرقل لقوله صلى الله عليه وسلم في الكتاب الذي أرسل إليه (( أسلم تسلم )), وحمل الجزاء على عمومه في الدنيا والآخرة, لسلِم لو أسلم من كل ما يخافه, ولكن التوفيق بيد الله تعالى.
ــــــــــــ
إن نعمة الإسلام نعمة عظيمة, فللإسلام فضائل كثيرة على تدين به, ومن مصنفات الإمام محمد بن عبدالوهاب رحمه الله, رسالة بعنوان " فضل الإسلام ", يقول الشيخ صالح بن عبدالعزيز آل الشيخ في شرحها: فضل الإسلام يُراد به أمور, منها: أن الإسلام هو الذي رضيه الله عز وجل, وما دام رضيه فمعنى ذلك أنه وأهله محبوبون عند الله عز وجل, وهذا يُثمر توفيق الله لعبده, ونصرته له وتثبيته, وهدايته وتوفيقه له, وهذا مستقى من قول الله سبحانه وتعالى: ﴿ { اليوم أكملت لكم دينكم وأتممت عليكم نعمتي ورضيت لكم الإسلام ديناً} ﴾ [المائدة:3]...ومنها: أن من اتقى الله عز وجل وخافه, وآمن برسوله, يعني: أسلم الإسلام الصحيح, فإن الله عز وجل ينعم عليه ويتفضل عليه, بأن يؤتيه كفلين من رحمته, يعني: يؤتيه حظين من رحمته الواسعة ومن مغفرته, وأيضاً يجعل الله عز وجل له نوراً يمشى به في ظلمات الشبهات وظلمات الشهوات, التي إذا دخلت القلوب فإنها قد تجعل تلك القلوب تنتكس بعد استقامتها أو ترتد بعد سلوكها السبيل القويم...ومن فضل الإسلام على أهل الإسلام أن يُغفر لأهله قال سبحانه وتعالى: ﴿ { ويغفر لكم والله غفور رحيم} ﴾ [الحديد:28] ومن فضل الإسلام على أهل الإسلام أنهم يوم القيامة يستريحون من هوله قبل الأمم, فهم الآخرون في الدنيا _ يعني مجيئاً _ واليهود والنصارى سبقوهم من حيث الزمن, لكن يوم القيامة جعل الله عز وجل هذه الأمة قبل الأمم جميعاً, فهم أول من يحاسبون, وأول من توزن أعمالهم, وأول من يحوزون الصراط, وأول من يدخلون الجنة, وهذا فيه فضل وأيما فضل...والله عز وجل بارك لأهل الإسلام في أعمالهم وإن قلت, فهي أبرك وأكثر أجراً وأعظم نفعاً لعاملها وفاعلها من الذين ابتدعوا وسلكوا غير طريق الإسلام السوى أو من الذين لم يؤمنوا أصلاً بهذا الإسلام."
ــــــــــــــــ
ومن فضل الإسلام على معتنقيه ما ذكره شيخ الإسلام ابن تيمية من سداد عقولهم, يقول رحمه الله: كُلّ من استقرأ أحوال العالم وجد المسلمين أحدَّ وأسدَّ عقلاً وأنهم ينالون في المدة اليسيرة من حقائق العلوم والأعمال أضعاف ما يناله غيرهم في قرون وأجيال.
وفضائل الإسلام كثيرة فيا من وفقه الله وهداه إلى دين إلى الإسلام, ولم يجعله من الكفار اعرف قدر هذه النعمة العظيمة, يقول الشيخ سعد بن ناصر الشثري: وجود الكفار...ليس شراً محضاً, بل فيه مصالح عظيمة. من معرفة نعمة الله عليك أيها العبد إذ لم يجعلك مثلهم, وهداك لدين الإسلام الذي تسعد به في الدنيا والآخرة.
إن معرفة المسلم عظم نعمة الله عليه بهدايته إلى دين الإسلام يستلزم منه شكرها, قال العلامة عبدالرحمن بن ناصر السعدي رحمه الله: ﴿ {ورضيت لكم الإسلام ديناً } ﴾ أي: اخترته واصطفيته لكم ديناً كما ارتضيكم له, فقوموا به شكراً لربكم, واحمدوا الذي منَّ عليكم بأفضل الأديان وأفضلها وأكملها.
وشكر نعمة الإسلام يكون بأمور ٍكثيرةٍ, منها: الفخر بدين الإسلام والاعتزاز به, يقول العلامة محمد بن صالح العثيمين رحمه الله: يجب أن نكون فخورين به, لقوله: ﴿ { أكملت لكم دينكم } ﴾ فأضافه الله إلينا لنفخر به ونعتز به."
فلا ينبغي أن يستحيي المسلم من الانتساب إلى دين الإسلام, بل عليه أن يفخر به, وأن يظهر عليه ما يدل على أنه مسلم معتز بإسلامه, من لبس اللباس الذي لا يتجاوز الكعبين, ومن توفير لحيته, والمسلمة تعتز بحجابها الإسلامي, وتستر وجهها عن الرجال الأجانب, وغير ذلك من أمور, ويكون ذلك في البلاد الإسلامية, وفي بلاد الكفار.
ــــــــــــــــ
ومنها: الإكثار من دعاء الله جل وعلا بالثبات على هذا الدين, فعن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: كان رسول صلى الله عليه وسلم يُكثر أن يقول: (( «يا مُقلب القلوب ثبّت قلبي على دينك» )) فقلتُ: يا نبي الله أمنّا بك وبما جئت به, فهل تخاف علينا ؟ قال: (( « نعم, إن القلوب بين أصبعين من أصابع الله يُقلبها كيف يشاء » )) [أخرجه الترمذي, وقال: هذا حديث حسن صحيح]
ومنها: دعوة غير المسلمين إلى دين الإسلام بكل الوسائل الممكنة, ففي دعوتهم الأجر العظيم, فقال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم, يوم خيبر لعلي بن أبي طالب رضي الله عنه: « انفذ على رسلك حتى تنزل بساحتهم, ثم ادعهم إلى الإسلام, وأخبرهم بما يجب عليهم من حق الله تعالى فيه, فوالله لأن يهدي الله بِك رجلاً واحداً خير لك من حمر النعم» [متفق عليه] قال العلامة صالح بن فوزان الفوزان: بيَّن صلى الله عليه وسلم لعليِّ فضل الدعوة إلى الله وأن الداعية إذا حصل على يديه هداية رجل واحدٍ فذلك خير له من أنفس الأموال الدنيوية, فكيف إذا حصل على يديه هداية أكثر من ذلك.
إن دعوة غير المسلمين إلى الإسلام قد تكون سبب لهدايتهم للإسلام, وفي ذلك نجاتهم من النار, فعن أنس رضي الله عنه قال: كان غلام يهودي يخدم النبي صلى الله عليه وسلم فمرض فأتاه النبي صلى الله عليه وسلم يعُودُهُ, فقعد عند رأسه فقال له: (( أسلم )), فنظر إلى أبيه وهو عنده فقال له: أطع أبا القاسم صلى الله عليه وسلم, فأسلم فحرج النبي صلى الله عليه وسلم وهو يقول: « الحمد لله الذي أنقذه من النار» [أخرجه البخاري ]
فطوبى لمسلمٍ كان سبباً في نجاة إنسان من النار.
ــــــــــــــــــ
ومنها: التمسك بجميع أحكام هذا الدين وآدابه, فلا يترك المسلم منه شيء, بل يطبقه كاملاً, قال الله سبحانه وتعالى: { يا أيها الذين آمنوا ادخلوا في السلم } [البقرة:208] قال العلامة العثيمين رحمه الله: يعني ادخلوا في الإسلام كله, أي: نفذوا أحكام الإسلام جميعاً. وقال: من فوائد الآية: وجوب تطبيق الشرع جملة وتفصيلاً, لقوله تعالى: { ادخلوا في السلم } .
فينبغي التنبه لهذا فليس في الإسلام قشور ولباب كما يقول البعض, يقول العلامة عبدالعزيز بن باز رحمه الله: ليس في الدين قشور بل كله لب وصلاح وإصلاح.
ومنها: الدفاع عن دين الإسلام, وعن رسوله صلى الله عليه وسلم, ويتأكد ذلك عند قيام بعض الجهال الضلال بالسخرية من شرائع الإسلام, أو رسوله عليه الصلاة والسلام.
كتبه / فهد بن عبدالعزيز بن عبدالله الشويرخ
- التصنيف: