نم صالحاً
فهد بن عبد العزيز الشويرخ
إذن أهم شيء أن يصل الإيمان إلى قرارة القلب, وإذا وصل إلى قرار القلب سهل على الإنسان الطاعات في كل شيء, ولكن البلاء كلّ البلاء ممن إيمانه حلقوم فقط, فهذا على خطر."
- التصنيفات: التقوى وحب الله -
الحمد لله رب العالمين, والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين, نبينا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين...أما بعد: فمن نعم الله عز وجل التي لا تعد ولا تحصى, والتي قد لا يتنبه إليها كثير من الناس: نعمة النوم, وهي نعمة عظيمة في حياة الإنسان, لا يعرف قيمتها إلا من حرمها, ممن يعانون من قلة النوم, ومن الأرق, ومن الأحلام المزعجة, ونحو ذلك من اضطرابات النوم, نسأل الله الكريم أن يشفيهم.
إن من رحمة الله جل وعلا بعباده أن جعل الليل لباساً ليناموا وترتاح أجسادهم, قال عز وجل: ﴿ {وهو الذي جعل لكم الليل لباساً والنوم سباتاً وجعل النهار نشوراً} ﴾ [الفرقان:47] قال العلامة السعدي رحمه الله: أي: من رحمته بكم ولطفه, أن جعل الليل بمنزلة اللباس الذي يغشاكم, حتى تستقروا فيه, وتهدأوا بالنوم, وتسبت حركاتهم, أي: تنقطع عند النوم.
ونعمة النوم تقطعُ التعب عن الإنسان, وتجدد نشاطه, قال العلامة العثيمين رحمه الله: الإنسان يكون متعباً ثم ينام فإذا نام انتقض تعبُه, فهو في الحقيقة قطع للتعب الماضي وتجديد لنشاط المستقبل.
والإنسان يباح له أن ينام بالليل والنهار, لكن النوم المريح نوم الليل, قال الله سبحانه وتعالى: ﴿ {ومن آياته منامكم بالليل والنهار} ﴾ [الروم:23], قال العلامة العثيمين رحمه الله: من فوائد الآية الكريمة: جواز النوم ليلاً ونهاراً, لأن الله تعالى جعله من آياته التي امتنَّ بها على العباد...لكن أصحهما نوم الليل بالاتفاق.
لذا ينبغي للإنسان أن لا يسهر بالليل إذا لم يوجد ضرورة, فقد كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يكره النوم قبل صلاة العشاء والحديث بعدها.[متفق عليه]
وإذا كان النوم المريح في الدنيا نعمة, فهناك نعمة أعظم من ذلك, وهي أن يُقال للمسلم في قبره: نم صالحاً, فعن هشام بن عروة, عن امرأته فاطمة, عن جدتها أسماء بنت أبي بكر أنها قالت: «أتيت عائشة, زوج النبي صلى الله عليه وسلم حين خسفت الشمس, فإذا الناس قيام يصلون, وإذا هي قائمة تصلى, فقلتُ: ما للناس ؟ فأشارت بيدها نحو السماء, وقالت: سبحان الله, قُلتُ: آية ؟ فأشارت أن نعم, فقمت حتى تجلاني الغشي, وجعلت أصب فوق رأسي الماء ماءً, فلما انصرف رسول الله صلى الله عليه وسلم حمد الله وأثنى عليه, ثم قال: (( ما من شيء كنتُ أراه إلا قد رأيته في مقامي هذا حتى الجنة والنار, ولقد أوحي إلي أنكم تفتنون في القبور مثل أو قريباً من فتنة الدجال. )) _ لا أدري أي ذلك قالت أسماء _ (( يؤتى أحدكم فيقال له: ما علمك بهذا الرجل ؟ فأما المؤمن أو الموقن )) _ لا أدري أي ذلك قالت أسماء _ (( فيقول هو محمد رسول الله جاءنا بالبينات والهدي فأجبنا وآمنا واتبعنا, فيقال: نم صالحاً فقد علمنا إن كنت لمؤقناً, وأما المنافق أو المرتاب )) _ لا أدري أي ذلك قالت أسماء _ ((فيقول: لا أدري, سمعت الناس يقولون شيئاً فقلته ))» [أخرجه البخاري ومسلم]
قال الإمام ابن بطال رحمه الله: قوله: (( صالحاً )) أي منتفعاً بأعمالك, وأحوالك إذ الصلاح كون الشيء في حد الانتفاع.وقال الإمام الكرماني رحمه الله: يقال لا روع عليك, مما يروع به الكفار, من عرضهم على النار, أو غيره من عذاب القبر, ويجوز أن يكون معناه صالحاً لأن تكرم بنعيم الجنة.
وحتى ينال المسلم هذه النعمة بأن يقال له: نم صالحاً, فلا بدّ له أن يكون الإيمان في قلبه لا في لسانه وأن لا يكون شاكاً في دينه وأن يبتعد عن خصال وأعمال المنافقين ــــــــــ
يقول العلامة محمد بن صالح العثيمين رحمه الله: " الناس يُفتنون في قبورهم, أي: يختبرون في قبورهم, فيأتي الميت ملكان...فيجلسانه إجلاساً حقيقةً, ويسألانه عن ربه ونبيه ودينه, فأما المؤمن الذي وقر الإيمان في قلبه فيجيب بالصواب, لأنه موقن, فيُحيب بأن ربه هو الله عز وجل, ونبيه محمد صلى الله عليه وسلم, ودينه الإسلام, وكذلك مرتكب الكبائر, وأما المنافق أو المرتاب...فهذا لا يجيب, لأنه ليس عنده إيمان, إنما يقول سمعت الناس يقولون شيئاً فقلتُه....
ولهذا يجب على الإنسان أن يحرص غاية الحرص على دخول الإيمان في قلبه, فلا يكن إيمانك إيمان حلقوم كإيمان الخوارج, بل حاول أن تدخله قلبك, وذلك بتذكر الله عز وجل دائماً....
إذن أهم شيء أن يصل الإيمان إلى قرارة القلب, وإذا وصل إلى قرار القلب سهل على الإنسان الطاعات في كل شيء, ولكن البلاء كلّ البلاء ممن إيمانه حلقوم فقط, فهذا على خطر."
فليجاهد المسلم لنفسه, وليبادر إلى التوبة والإنابة إلى الله, وليكن القبر له على بال, وليهفو قلبه أن يُقال له فيه: " نم صالحاً " وما أحلى هذه النومة وما أسرعها, قال العلامة محمد بن صالح العثيمين رحمه الله: نم صالحا وهذه النومة ما أسرعها ثم تقوم الساعة، لأن الإنسان في النوم وفي الموت أيضا يمضي عليه الزمن بسرعة، بسرعة هائلة، أصحاب الكهف بقوا في كهفهم ثلاثمئة سنين وازدادوا تسعاً، ولما صحوا قالوا لبثنا يوماً أو بعض يوم، والذي أماته الله مئة عام قال له : كم لبث ؟ قال لبثت يوماً أو بعض يوم، فكيف إذا نام في القبر وقد فتح له باب إلى الجنة يأتيه من روحها ونعيمها، سوف تمضي عليه الدهور والأزمان وملايين السنين وكأنها لحظة.
ــــــــ كتبه / فهد بن عبدالعزيز بن عبدالله الشويرخ