الإيمان يزيدُ بالطاعة، ويَنْقُصَ بالمعصية

منذ 2022-10-30

زيادة الإيمان ثابتة في القرآن الكريم في مواضع وآيات كثيرة، فإذا ثبتت الزيادة، فالنقصان ثابت باللزوم، لأن الزيادة تستلزم النقص، ولأن قبول الشيء للزيادة يستدعي قبوله للنقص.

الإيمان مِنْ أجَلِّ وأعظم نعم الله عز وجل علينا، قال الله تعالى: {وَلَكِنَّ اللَّهَ حَبَّبَ إِلَيْكُمُ الْإِيمَانَ وَزَيَّنَهُ فِي قُلُوبِكُمْ وَكَرَّهَ إِلَيْكُمُ الْكُفْرَ وَالْفُسُوقَ وَالْعِصْيَانَ أُولَئِكَ هُمُ الرَّاشِدُونَ}[الحجرات:7]، وقال تعالى: {يَمُنُّونَ عَلَيْكَ أَنْ أَسْلَمُوا قُلْ لَا تَمُنُّوا عَلَيَّ إِسْلَامَكُمْ بَلِ اللَّهُ يَمُنُّ عَلَيْكُمْ أَنْ هَدَاكُمْ لِلْإِيمَانِ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ}[الحجرات:17]. والإيمان يعني التصديق والاعتقاد الجازم بأن الله تعالى هو رب كل شيء ومليكه، وخالقه ومدبره، وأنه وحده الذي يستحق العبادة، وأنه المُتصف بصفات الكمال كلها، المُنَزَّه عن كل عيب ونقص {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ البَصِيرُ}[الشُّورى:11].


والإيمان يزيد بالطاعة وينقص بالمعصية، وتعريفه عند أهل السنة: "الإيمان: قوْلٌ باللسان، وعمَلٌ بالأرْكان (الجوارح)، وعَقْدٌ بالجَنَان (القلب)، يزيدُ بالطاعة، وينْقُصُ بالعصيان". وهذا التعريف للإيمان مما أجْمَع عليْه السلف وعلماء وأئمة أهل السنة، ونقل الإجماع عليه غيرُ واحد من أهل وأئمة العلم، كالشافعي، وأحمد، وابن عبد البر، والبغَوي، والبخاري، وغيرهم.. قال الذهبي في "سير أعلام النبلاء": "قال الإمام يحيى بن سعيد القطان: كل مَن أدركتُ من الأئمة كانوا يقولون: الإيمان قول وعمل، يزيد وينقص".

وقال ابن أبي يعلى في "طبقات الحنابلة": "قال الإمام أحمد: أجمع تسعون رجلاً من التابعين، وأئمة المسلمين، وأئمة السلف، وفقهاء الأمصار على أن السنة التي توفي عنها رسول الله صلى الله عليه وسلم، فذكر أموراً منها: والإيمان قول وعمل، يزيد بالطاعة وينقص بالمعصية". وقال ابن أبي العز الحنفي في "شرح الطحاوية": "والأدلة على زيادة الإيمان ونقصانه من الكتاب والسنة والآثار السلفية كثيرة جدًّا.. وكلام الصحابة رضي الله عنهم في هذا المعنى كثير أيضًا: منه: قول أبي الدرداء رضي الله عنه: مِن فقه العبد أن يتعاهد إيمانه وما نقص منه، ومِن فقه العبد أن يعلم أيزداد هو أم ينتقص.

وكان عمر رضي الله عنه يقول لأصحابه: هلموا نزدد إيمانًا، فيذكرون الله عز وجل. وكان ابن مسعود رضي الله عنه يقول في دعائه: اللهم زدنا إيمانًا، ويقينًا، وفقهًا".

والأدلة من القرآن الكريم والسنة النبوية وأقوال السلف وأئمة وعلماء السنة، على أن الإيمان يزيد بالطاعة وينقص بالعصيان كثيرة، ومن ذلك:
أولا: الأدلة من القرآن الكريم على زيادة الإيمان ونقصانه:


 قال الله تعالى: {إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ إِذَا ذُكِرَ اللهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ وَإِذَا تُلِيَتْ عَلَيْهِمْ آيَاتُهُ زَادَتْهُمْ إِيمَانًا وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ}[الأنفال:2]. قال ابن كثير: "وقد استدل البخاري وغيره من الأئمة بهذه الآية وأشباهها، على زيادة الإيمان وتفاضله في القلوب، كما هو مذهب جمهور الأمة، بل قد حكى الإجماع على ذلك غير واحد من الأئمة، كالشافعي، وأحمد بن حنبل".


2ـ قال تعالى: {الَّذِينَ قَالَ لَهُمُ النَّاسُ إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُواْ لَكُمْ فَاخْشَوْهُمْ فَزَادَهُمْ إِيمَاناً وَقَالُواْ حَسْبُنَا اللهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ}[آل عمران:173]. قال أبو السعود: "وهو دليلٌ على أن الإيمانَ يتفاوت زيادةً ونقصاناً".


3ـ قال تعالى: {وَإِذَا مَا أُنزِلَتْ سُورَةٌ فَمِنْهُم مَّن يَقُولُ أَيُّكُمْ زَادَتْهُ هَذِهِ إِيمَانًا فَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُواْ فَزَادَتْهُمْ إِيمَانًا وَهُمْ يَسْتَبْشِرُونَ}[التوبة:124]. قال السعدي: "وفي هذه الآيات دليل على أن الإيمان يزيد وينقص".


4ـ قال الله تعالى: {وَلَمَّا رَأَى الْمُؤْمِنُونَ الأَحْزَابَ قَالُوا هَذَا مَا وَعَدَنَا اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَصَدَقَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَمَا زَادَهُمْ إِلا إِيمَانًا وَتَسْلِيمًا}[الأحزاب:22]. قال ابن كثير: "قوله: {وَمَا زَادَهُمْ إِلا إِيمَانًا وَتَسْلِيمًا}: دليل على زيادة الإيمان وقوته بالنسبة إلى الناس وأحوالهم، كما قاله جمهور الأئمة: أن الإيمان يزيد وينقص".


5ـ قال تعالى: {وهُوَ الَّذِي أَنزَلَ السَّكِينَةَ فِي قُلُوبِ الْمُؤْمِنِينَ لِيَزْدَادُوا إِيمَانًا مَّعَ إِيمَانِهِمْ}[الفتح:4]. قال الشنقيطي في "أضواء البيان": "قوله تعالى: {لِيَزْدَادُوا إِيمَانًا مَّعَ إِيمَانِهِمْ} ما دلت عليه هذه الآية الكريمة من أن الإيمان يزيد دلت عليه آيات أخر من كتاب الله.. والحق الذي لا شك فيه أن الإيمان يزيد وينقص، كما عليه أهل السنة والجماعة، وقد دل عليه الوحي من الكتاب والسنة".


زيادة الإيمان ثابتة في القرآن الكريم في مواضع وآيات كثيرة، فإذا ثبتت الزيادة، فالنقصان ثابت باللزوم، لأن الزيادة تستلزم النقص، ولأن قبول الشيء للزيادة يستدعي قبوله للنقص.. قال الشيخ الشنقيطي بعد أن ذكر جملة من الآيات المصرحة بزيادة الإيمان: "وهذه الآيات المذكورة صريحة في أن الإيمان يزيد، مفهوم منها أن ينقصه أيضاً، كما استدل بها البخاري رحمه الله على ذلك، وهي تدل عليه دلالة صريحة لا شك فيها، فلا وجه معها للاختلاف في زيادة الإيمان ونقصه كما ترى". وفي "إرشاد القاري": "فظهر أن القرآن يدل على النقصان بمنطوقه، كما يدل على الزيادة بمنطوقه، إلا أن دلالته على الزيادة من قبيل العبارة، وعلى النقصان من باب الاقتضاء أو الإشارة، فالحق أن الإيمان إذا ثبت فيه الزيادة ثبت فيه النقصان".

وقال الكرماني في "الكواكب الدراري في شرح صحيح البخاري": "فإن قُلْتَ: هذه الآيات دلت على الزيادة فقط، والمقصود بيان الزيادة والنقصان كليهما؟! قلتُ: كل ما قَبِل الزيادة لابد وأن يكون قابلاً للنقصان ضرورة". وقال العيني في "عمدة القاري شرح صحيح البخاري": "فإن قلتَ: الآيات دلت على الزيادة فقط، والمقصود بيان الزيادة والنقصان كليهما؟! قلتُ: قال الكرماني: كل ما قَبِل الزيادة لا بد أن يكون قابلا للنقصان ضرورة".

ثانيا: الأدلة من الأحاديث النبوية على زيادة الإيمان ونقصانه:
1ـ عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «يدخل أهل الجنةِ الجنةَ، وأهل النارِ النارَ، ثم يقول عز وجل: أخرجوا من كان في قلبه مثقال حبة من خردل من إيمان» (رواه البخاري ومسلم). قال النووي: "(مثقال حبة) هو على ما تقدم وتقرر من زيادة الإيمان ونقصه".


عن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «لا يزني الزاني حين يزني وهو مؤمن، ولا يسرق السارق حين يسرق وهو مؤمن، ولا يشرب الخمر حين يشربها وهو مؤمن، ولا ينهب نُهبة ذات شرف يرفع الناس إليه فيها بأبصارهم حين ينتهبها وهو مؤمن» (رواه البخاري). هذا الحديث وما في معناه ليس المراد به نفي الإيمان مطلقاً، ولكن المقصود به نقصان الإيمان ونفي كماله.

قال النووي: "فالقول الصحيح الذي قاله المحققون أن معناه لا يفعل هذه المعاصي وهو كامل الإيمان، وهذا من الألفاظ التي تطلق على نفي الشيء ويراد نفي كماله". وقال ابن هبيرة: "أنه لا يفعل ذلك وهو كامل الإيمان". وقال ابن بطال: "وقد تعلق بظاهر هذا الحديث الخوارج، فكفروا المؤمنين بالذنوب. والذي عليه أهل السنة وعلماء الأمة أن قوله: (مؤمن) يعنى مُسْتَكْمَل الإيمان، لأن شارب الخمر والزاني أنقص حالا ممن لم يأت شيئًا من ذلك لا محالة، لا أنه كافر بذلك". وقال ابن هبيرة: "وقد دل الحديث على زيادة الإيمان ونقصانه".


عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «مَنْ رأى منكم منكراً فليغيره بيده، فإن لم يستطع فبلسانه، فإن لم يستطع فبقلبه وذلك أضعف الإيمان» (رواه مسلم). قوله صلى الله عليه وسلم: «وذلك أضعف الإيمان» صريح أن الإيمان يضعف والضعف نقصان بلا ريب. قال الشيخ ابن عثيمين: "«وذلك» أي الإنكار بالقلب، «أَضْعَفُ الإِيْمَان» أي أضعف مراتب الإيمان في هذا الباب، أي: في تغيير المنكر".


عن أنس رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «لا يؤمن أحدكم حتى أكون أحب إليه من ولده ووالده والناس أجمعين» (رواه مسلم). قال المباركفوري: "والحديث صريح في أن محبة الرسول من أمور الإيمان، والناس فيها متفاوتون، وهو يستلزم زيادة الإيمان ونقصانه".

ثالثا: بعض أقوال أئمة وعلماء السنة على أن الإيمان يزيد وينقص:
ـ قال ابن بطال في "شرح صحيح البخاري": "باب زِيَادَةِ الإيمَانِ وَنُقْصَانه.. وقد تقدم في أول كتاب الإيمان، أن القول بزيادة الإيمان ونقصانه هو مذهب أهل السُّنَّة وجمهور الأُمة". وقال الكرماني: "قالت الأئمة: الإيمان يزيد وينقص.. وقال سفيان بن عيينة: الإيمان قول وفعل، يزيد وينقص".


وقال الإمام الشافعيُّ ـ كما في "شرح أصول اعتقاد أهل السُّنَّة لِلالَكائي"ـ: "وكان الإجماع من الصحابة والتابعين مِنْ بعدهم مِمَّنْ أدْرَكْنا: أن الإيمان قولٌ، وعملٌ، ونيَّةٌ، لا يُجْزِئُ واحدٌ منَ الثَّلاثة عن الآخر". وقال: "قال علماء السلف: 

والإيمان: قول، وعمل، ونية، يزيد وينقص". وقال الإمام أحمد بن حنبل: "الإيمان قولٌ وعَمَلٌ، يزيد وينقص". 

وقال الإمام إسماعيل الصابوني: "ومِنْ مذهب أهل الحديث أنَّ الإيمانَ قولٌ وعَمَل، يزيد بالطاعة، ويَنْقُص بالمعصية".

وقال الحافظ عبد الغني المقدسي: "الإيمانُ قولٌ وعَمَلٌ ونيَّةٌ، يزيد بالطاعة ويَنْقُصُ بالمَعْصِيَة".

وقال ابن عبد البر: "أجْمَعَ أهلُ الفِقْهِ والحديث على أنَّ الإيمان قَوْلٌ وعَمَلٌ، ولا عَمَلَ إلا بِنِيَّةٍ، والإيمان عندهم يزيد بالطاعة، وينْقُصُ بالمعصية".

وقال البغويُّ: "اتَّفَقَت الصحابةُ والتابعون فَمَنْ بَعْدَهُمْ من علماء السنة على أنَّ الأعمالَ مِنَ الإيمان.. وقالوا إنَّ الإيمان قول وعمل وعقيدة، يَزِيدُ بالطاعة، ويَنْقُصُ بالمعصية على ما نَطَقَ به القرآن في الزيادة، وجاء في الحديث بالنُّقصان في وصف النساء".

وقال ابن أبي يعلي في الاعتقاد": "قول باللسان، وتصديق بالجنان، وعمل بالأركان، يزيده كثرةُ العمل والقول بالإحسان، وينقصهُ العصيان".

وقال ابن قدامة في "لمعة الاعتقاد": "الإيمان قول وعمل، والإيمان قول باللسان وعمل بالأركان، وعقد بالجنان، يزيد بالطاعة وينقص بالعصيان".

وقال ابن تيمية في "العقيدة الواسطية": "ومِن أصول أهل السنة: أنَّ الدِّينَ والإيمانَ قولٌ وعَمَل، قول القلب واللسان، وعمل القلب واللسان والجوارح، وأنَّ الإيمان يزيد بالطاعة وينقص بالمعصية".

وقال النووي: "قال عبد الرزاق: سمِعْتُ مَنْ أدْرَكْتُ مِنْ شُيُوخِنَا وأصحابِنَا: سفيان الثوريَّ، ومالك بن أنسٍ، وعبيد الله بن عمر، والأوزاعي، ومعمر بن راشد، وابنَ جُرَيْحٍ، وسفيان بن عيينة، يقولون: الإيمانُ قول وعمل، يزيد وينقص.

وهذا قول ابن مسعود، وحذيفة، والنخعي، والحسن البصري، وعطاء، وطاووس، ومجاهد، وعبد الله بن المبارك. فالمعنى الذي يستحق به العبد المدح والولاية من المؤمنين هو إتيانه بهذه الأمور الثلاثة: التصديق بالقلب، والإقرار باللسان، والعمل بالجوارح". وقال: "مَنْ كثرت عبادته زاد إيمانه ودينه، ومَنْ نَقَصَتْ عبادته نَقَصَ دينه".

مِن الفوارق بين أهل السُنَة وأهل البدع والأهواءـ على اختلاف مُسمّيَاتهم على حسب الزمان والمكانـ، أن أهل السنة وسط، وهذه الوسطيةـ لأهل السنةـ تتجلى في أمور الإيمان والعقيدة والسلوك وغير ذلك، وبعض الفِرَق التي ضَلَّت وابتعدت عن الفهم الصحيح للإيمان، يقولون: الإيمان لا يزيد ولا ينقص، والناس جميعا فيه سواء، لأنَّ الإيمان عندهم التصديق بالقلب فقط، فلا يزيد ولا ينقص. وبعض الفِرَق الأخرى يقولون: الإيمان لا يزيد ولا ينقص، فإما أن يذهب جميعه، وإما أن يبقى جميعُه، فهو ليس متفاضلاً يزيد وينقص.. وأما اعتقاد أهل السُنَّة في معنى وتعريف الإيمان يظهر في قولهم: "الإيمان اعتقاد بالجنان (بالقلب)، وعمل بالأركان، يزيد بالطاعة، وينقص بالعصيان". وهذا القول بزيادة الإيمان ونقصانه يؤيده ويدل عليه الكتاب والسنة، وتؤكده أقوال السلف وعلماء وأئمة أهل السنة، ويشهد له صحيح المعقول، وهذا ما كان عليه الصحابة رضوان الله عليهم. قال ابن تيمية في "جامع المسائل": "الصحابة وجمهور السلف على أن الإيمان يزيد وينقص".

وقال الشيخ ابن عثيمين: "أما بالنسبة لزيادة الإيمان ونقصانه، فإن الإيمان عند أهل السنة والجماعة هو الإقرار بالقلب، والنطق باللسان، والعمل بالجوارح، فهو يتضمن هذه الأمور الثلاثة: إقرار بالقلب، ونطق باللسان، وعمل بالجوارح، وإذا كان كذلك، فإنه سوف يزيد وينقص.. وقد جاء ذلك في الكتاب والسنة، أعني إثبات الزيادة والنقصان جاء في الكتاب والسنة". 

  • 3
  • 0
  • 3,016

هل تود تلقي التنبيهات من موقع طريق الاسلام؟

نعم أقرر لاحقاً