واجبنا نحو رسولنا ﷺ وأصحابه رضي الله عنهم
اعلموا أيها الإخوة المؤمنونَ أَنَّهُ يجبُ علينا أنْ نُصَدِّقَ رسولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم في كلِّ ما أخبرَ بهِ صلى الله عليه وسلم؛ لأنَّه يُخبرُ عنِ اللهِ سبحانه وتعالى، ومن كذَّبَ بشيءٍ مما جاءَ به فقد كذَّب بالقرآنِ.
اعلموا أيها الإخوة المؤمنونَ أَنَّهُ يجبُ علينا أنْ نُصَدِّقَ رسولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم في كلِّ ما أخبرَ بهِ صلى الله عليه وسلم؛ لأنَّه يُخبرُ عنِ اللهِ سبحانه وتعالى، ومن كذَّبَ بشيءٍ مما جاءَ به فقد كذَّب بالقرآنِ.
قَالَ تَعالى: {وَمَا يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَى * إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى} [النجم: 3، 4].
وقَالَ تَعالى: {وَلَمَّا رَأَى الْمُؤْمِنُونَ الْأَحْزَابَ قَالُوا هَذَا مَا وَعَدَنَا اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَصَدَقَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَمَا زَادَهُمْ إِلَّا إِيمَانًا وَتَسْلِيمًا} [الأحزاب: 22].
ويجبُ علينا الائْتِمَارُ بمَا أَمرَ به رسولُنا صلى الله عليه وسلم.
قَالَ تَعالى: {وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ رَسُولٍ إِلَّا لِيُطَاعَ بِإِذْنِ اللَّهِ وَلَوْ أَنَّهُمْ إِذْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ جَاءُوكَ فَاسْتَغْفَرُوا اللَّهَ وَاسْتَغْفَرَ لَهُمُ الرَّسُولُ لَوَجَدُوا اللَّهَ تَوَّابًا رَحِيمًا} [النساء: 64].
وقَالَ تَعالى: {وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَاحْذَرُوا فَإِنْ تَوَلَّيْتُمْ فَاعْلَمُوا أَنَّمَا عَلَى رَسُولِنَا الْبَلَاغُ الْمُبِينُ} [المائدة: 92].
وقَالَ تَعالى: {إِنَّ الَّذِينَ يَكْفُرُونَ بِاللَّهِ وَرُسُلِهِ وَيُرِيدُونَ أَنْ يُفَرِّقُوا بَيْنَ اللَّهِ وَرُسُلِهِ وَيَقُولُونَ نُؤْمِنُ بِبَعْضٍ وَنَكْفُرُ بِبَعْضٍ وَيُرِيدُونَ أَنْ يَتَّخِذُوا بَيْنَ ذَلِكَ سَبِيلًا * أُولَئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ حَقًّا وَأَعْتَدْنَا لِلْكَافِرِينَ عَذَابًا مُهِينًا} [النساء: 150، 151].
وقَالَ تَعالى: {قُلْ يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلَيْكُمْ جَمِيعًا الَّذِي لَهُ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ يُحْيِي وَيُمِيتُ فَآمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ النَّبِيِّ الْأُمِّيِّ الَّذِي يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَكَلِمَاتِهِ وَاتَّبِعُوهُ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ} [الأعراف: 158].
ورَوَى البُخَارِيُّ ومُسْلِمٌ عَنِ ابْنِ عُمَرَ رضي الله عنهما أَنَّ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «أُمِرْتُ أَنْ أُقَاتِلَ النَّاسَ[1] حَتَّى يَشْهَدُوا[2] أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ، وَأَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللهِ، وَيُقِيمُوا الصَّلَاةَ، وَيُؤْتُوا الزَّكَاةَ، فَإِذَا فَعَلُوا ذَلِكَ عَصَمُوا[3] مِنِّي دِمَاءَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ إِلَّا بِحَقِّ الإِسْلَامِ[4]، وَحِسَابُهُمْ عَلَى اللهِ[5]»[6]».
ولكنَّ الأمرَ مقيَّدٌ بالاستطاعةِ، فمن عجزَ عن فعلِ أمرٍ سقط عنه.
رَوَى البُخَارِيُّ ومُسْلِمٌ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «إِذَا أَمَرْتُكُمْ بِأَمْرٍ فَأْتُوا مِنْهُ مَا اسْتَطَعْتُمْ»[7].
ويجبُ علينا الانْتهاءُ والكفُّ عن كلِّ ما نَهى عنْهُ رسولُنا صلى الله عليه وسلم.
قَالَ تَعالى: {وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ} [الحشر: 7].
ورَوَى البُخَارِيُّ ومُسْلِمٌ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «دَعُونِي مَا تَرَكْتُكُمْ، إِنَّمَا هَلَكَ مَنْ كَانَ قَبْلَكُمْ بِسُؤَالِهِمْ وَاخْتِلَافِهِمْ عَلَى أَنْبِيَائِهِمْ، فَإِذَا نَهَيْتُكُمْ عَنْ شَيْءٍ فَاجْتَنِبُوهُ، وَإِذَا أَمَرْتُكُمْ بِأَمْرٍ فَأْتُوا مِنْهُ مَا اسْتَطَعْتُمْ»[8].
وعلينا أنْ نتشَبَّهَ برسولِ الله صلى الله عليه وسلم في أقواله وأفعاله الظاهرةِ والباطنة، كالصلاةِ، والصيامِ، والحجِّ، والزكاةِ، والاستنانِ بهِ صلى الله عليه وسلم في كيفيَّةِ أكلِه وشربِه ونومِه، وخوفه من الله، ومحبته لله، وإنابتهِ إلى الله، ورجائه فيما عند الله، وأخلاقِه كحِلمِه، وكَرمِهِ، وشجاعتِهِ.
قَالَ تَعَالَى:{لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيرًا} [الأحزاب: 21].
وقَالَ تَعَالَى: {قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ} [آل عمران: 31].
فالذي يحب النبي صلى الله عليه وسلم هو من يعمل بما أمر به صلى الله عليه وسلم ويجتنب ما نهى عنه صلى الله عليه وسلم فمن ادعى محبته صلى الله عليه وسلم، ولم يعمل بشرعه، فإن محبته كاذبة.
وعلينا أن نصلِّيَ ونُسَلِّمَ عليهِ صلى الله عليه وسلم عِند ذِكْرهِ صلى الله عليه وسلم،وهذا من كمال توقيرِه صلى الله عليه وسلم؛ قَالَ تَعَالَى: {إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا} [الأحزاب: 56].
ورَوَى مُسْلِمٌ عنْ عبدِ اللهِ بنِ عَمرِو بنِ العاصِ رضي الله عنهما عن النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم أنَّه قَالَ: «مَنْ صَلَّى عَلَيَّ صَلَاةً صَلَّى الله عَلَيْهِ بِهَا عَشْرًا»[9].
ورَوَى التِّرْمِذِيُّ بِسَنَدٍ صَحِيحٍ عَنْ حُسَيْنِ بْنِ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: «البَخِيلُ الَّذِي مَنْ ذُكِرْتُ عِنْدَهُ فَلَمْ يُصَلِّ عَلَيَّ»[10].
ومعنى: «اللهم صلِّ على محمدٍ»: اللهمَّ امدحْهُ، وأثنِ عليه في الملأِ الأعلى.
وقد صرَّحَ العلماءُ بوجوبِ الصلاةِ على النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم في الجملةِ، ونقلَ بعضُهم الإجماعَ على ذلكَ[11].
المحور الثاني: واجبنا نحو أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم:
اعلموا أيها الإخوة المؤمنون أن مما يجب علينا نحو رسولِنا صلى الله عليه وسلم أن نُحِبَّ، ونوقِّرَ أصحابَهُ رضي الله عنهم فهم خيرُ القرونِ، وأَفضلُ هذه الأمةِ بعدَ النبي صلى الله عليه وسلم وهم الذين نقلوا لنا سنته صلى الله عليه وسلم.
ومما يجب علينا نحو أصحابِ رسول اللهِ صلى الله عليه وسلم:
الأول: اعتقادُ فضلِهِم على غيرهِم، وأنَّهم أفضلُ الناسِ بعد الأنبياءِ.
قَالَ تَعَالَى: {وَالسَّابِقُونَ الْأَوَّلُونَ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارِ وَالَّذِينَ اتَّبَعُوهُمْ بِإِحْسَانٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ وَأَعَدَّ لَهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي تَحْتَهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا ذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ} [التوبة: 100].
وقالَ تَعَالى: {لَقَدْ رَضِيَ اللَّهُ عَنِ الْمُؤْمِنِينَ إِذْ يُبَايِعُونَكَ تَحْتَ الشَّجَرَةِ فَعَلِمَ مَا فِي قُلُوبِهِمْ فَأَنْزَلَ السَّكِينَةَ عَلَيْهِمْ وَأَثَابَهُمْ فَتْحًا قَرِيبًا} [الفتح: 18].
وقَالَ تَعَالَى:{لِلْفُقَرَاءِ الْمُهَاجِرِينَ الَّذِينَ أُخْرِجُوا مِنْ دِيَارِهِمْ وَأَمْوَالِهِمْ يَبْتَغُونَ فَضْلًا مِنَ اللَّهِ وَرِضْوَانًا وَيَنْصُرُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ أُولَئِكَ هُمُ الصَّادِقُونَ * وَالَّذِينَ تَبَوَّءُوا الدَّارَ وَالْإِيمَانَ مِنْ قَبْلِهِمْ يُحِبُّونَ مَنْ هَاجَرَ إِلَيْهِمْ وَلَا يَجِدُونَ فِي صُدُورِهِمْ حَاجَةً مِمَّا أُوتُوا وَيُؤْثِرُونَ عَلَى أَنْفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ وَمَنْ يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ * وَالَّذِينَ جَاءُوا مِنْ بَعْدِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلِإِخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالْإِيمَانِ وَلَا تَجْعَلْ فِي قُلُوبِنَا غِلًّا لِلَّذِينَ آمَنُوا رَبَّنَا إِنَّكَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ} [الحشر: 8-10].
ورَوَى البُخَارِيُّ ومُسْلِمٌ عَنْ عَبْدِ اللهِ بنِ مسْعُودٍ رضي الله عنه عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «خَيْرُ النَّاسِ قَرْنِي، ثُمَّ الَّذِينَ يَلُونَهُمْ، ثُمَّ الَّذِينَ يَلُونَهُمْ»[12].
ورَوَى أَبُو دَاودَ بِسَنَدٍ صَحِيحٍ عَنْ جَابِرٍ رضي الله عنه عَنْ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم أَنَّهُ قَالَ: «لَا يَدْخُلُ النَّارَ أَحَدٌ مِمَّنْ بَايَعَ تَحْتَ الشَّجَرَةِ»[13].
الثاني: محبَّتُهُم ومُوالاتُهُم؛ لأنهم حملةُ هذا الدينِ، فالطعنُ فيهم طعنٌ في الدِّينِ كلِّه؛ لأنَّهُ وصلَنا عن طريقِهم.
قَالَ تَعَالَى: {وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَيُقِيمُونَ الصَّلَاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَيُطِيعُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ أُولَئِكَ سَيَرْحَمُهُمُ اللَّهُ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ} [التوبة: 71].
ورَوَى البُخَارِيُّ ومُسْلِمٌ عنْ أَنَسٍ رضي الله عنه عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «آيَةُ[14] الإِيمَانِ حُبُّ الأَنْصَارِ، وَآيَةُ النِّفَاقِ بُغْضُ الأَنْصَارِ»[15].
الثالث: الكَفُّ عمَّا شجرَ بينهُم، وأنَّهُم مجتهدُونَ، فمن أصابَ فلَه أجرانِ، ومنهم من أخطأَ فله أجرٌ واحدٌ، فمنْ تنقَّصَهم، أو سبَّهم، أو نالَ من أحدٍ منهم فهو من شرِّ الخليقةِ؛ لأنَّ عملَهُ هذا اعتداءٌ على الدِّينِ كلِّهِ.
فيجبُ على المسلمينَ عدمُ الخوضِ فيما جَرى بينهُم مِن خلافٍ، وتَركُ سرائرِهِم إلى اللهِ تَعالى.
رَوَى البُخَارِيُّ ومُسْلِمٌ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: «لَا تَسُبُّوا أَحَدًا مِنْ أَصْحَابِي، فَإِنَّ أَحَدَكُمْ لَوْ أَنْفَقَ مِثْلَ أُحُدٍ ذَهَبًا، مَا أَدْرَكَ مُدَّ أَحَدِهِمْ، وَلَا نَصِيفَهُ»[16].
وروى ابنُ أَبي شَيبَةَ بِسندٍ حَسنٍ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: «مَنْ سَبَّ أَصْحَابِي فَعَلَيْهِ لَعْنَةُ اللهِ، وَالمَلَائِكَةِ، وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ» [17]»[18].
ورَوَى البُخَارِيُّ ومُسْلِمٌ عَنْ عَمْرِو بْنِ العَاصِ رضي الله عنهما أَنَّهُ سَمِعَ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ: «إِذَا حَكَمَ الحَاكِمُ فَاجْتَهَدَ ثُمَّ أَصَابَ فَلَهُ أَجْرَانِ، وَإِذَا حَكَمَ فَاجْتَهَدَ ثُمَّ أَخْطَأَ فَلَهُ أَجْرٌ»[19].
وَقَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مَسْعُودٍرضي الله عنه: «مَنْ كَانَ مُسْتَنًّا فَلْيَسْتَنَّ بِمَنْ قَدْ مَاتَ، أُولَئِكَ أَصْحَابُ مُحَمَّدٍ صلى الله عليه وسلم كَانُوا خَيْرَ هَذِهِ الأُمَّةِ، أَبَرَّهَا قُلُوبًا، وَأَعْمَقَهَا عِلْمًا، وَأَقَلَّهَا تَكَلُّفًا، قَوْمٌ اخْتَارَهُمُ اللهُ لِصُحْبَةِ نَبِيِّهِ صلى الله عليه وسلم وَنَقْلِ دِينِهِ، فَتَشَبَّهُوا بِأَخْلاقِهِمْ وَطَرَائِقِهِمْ، فَهُمْ كَانُوا عَلَى الهَدْيِ المُسْتَقِيمِ»[20].
وقَالَ عَليٌّ رضي الله عنه: «إِنَّ اللهَ نَظَرَ فِي قُلُوبِ الْعِبَادِ، فَوَجَدَ قَلْبَ مُحَمَّدٍ صلى الله عليه وسلم خَيْرَ قُلُوبِ الْعِبَادِ، فَاصْطَفَاهُ لِنَفْسِهِ، فَابْتَعَثَهُ بِرِسَالَتِهِ، ثُمَّ نَظَرَ فِي قُلُوبِ الْعِبَادِ بَعْدَ قَلْبِ مُحَمَّدٍ، فَوَجَدَ قُلُوبَ أَصْحَابِهِ خَيْرَ قُلُوبِ الْعِبَادِ، فَجَعَلَهُمْ وُزَرَاءَ نَبِيِّهِ»[21].
المحور الثالث: كرامات الأولياء:
اعلموا أيها المسلمون أن من أصولِ الإيمانِ التي يجب على المسلمِ أن يُصَدِّق بها كراماتُ الأولياءِ.
والأولياء: همُ المؤمنونَ الأتقياءُ، فكلُّ مؤمنٍ تقيٍّ وليٌّ للهِ سبحانه وتعالى.
ولا تثبتُ الكرامة لأحدٍ حتى يكونَ مؤمنًا تقيًّا متَّبِعًا للنبي صلى الله عليه وسلم؛ لقَولِهِ تَعَالى: {أَلَا إِنَّ أَوْلِيَاءَ اللَّهِ لَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ * الَّذِينَ آمَنُوا وَكَانُوا يَتَّقُونَ * لَهُمُ الْبُشْرَى فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الْآخِرَةِ لَا تَبْدِيلَ لِكَلِمَاتِ اللَّهِ ذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ} [يونس: 62 - 64].
قال العلماء: «من كان مؤمنا تقيًّا كان لله وليًّا»[22].
وكراماتُ الأولياءِ كثيرةٌ منها:
• قصة زكريا عليه السلام كلما دخل على مريم وجد عندها فاكهة الشتاء في الصيف، وفاكهة الصيف في الشتاء[23]، كما قال الله تعالى: {فَتَقَبَّلَهَا رَبُّهَا بِقَبُولٍ حَسَنٍ وَأَنْبَتَهَا نَبَاتًا حَسَنًا وَكَفَّلَهَا زَكَرِيَّا كُلَّمَا دَخَلَ عَلَيْهَا زَكَرِيَّا الْمِحْرَابَ وَجَدَ عِنْدَهَا رِزْقًا قَالَ يَا مَرْيَمُ أَنَّى لَكِ هَذَا قَالَتْ هُوَ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَرْزُقُ مَنْ يَشَاءُ بِغَيْرِ حِسَابٍ} [آل عمران: 37].
• قصة الثلاثة الذين انطبق عليهم الغار، فلم يستطيعوا الخروج حتى ذكر كل واحد منهم عملا أخلصه لله تعالى؛ حيث توسل الأول بإخلاصِه في برِّه بوالديه، وتوسل الثاني بخوفه من عذاب الله سبحانه وتعالى بتركه الزنا ببنتِ عمه بعد أن قدَر عليه، وتوسل الثالث بصدقه وأمانته بإعطائه أجرة أجيره كاملة بعد أن نمَّاها له[24].
• ومشى العلاء الحضرمي رضي الله عنه وجَيشُه على الماء، فما ابتلت قَدمٌ، ولا خُفُّ بعيرٍ، ولا حافرُ دابَّةٍ، وكان الجيش أربعةَ آلاف[25].
[1] أقاتل الناس: أي بعد عرض الإسلام عليهم.
[2] يشهدوا: أي يعترفوا بكلمة التوحيد أي يسلموا، أو يخضعوا لحكم الإسلام إن كانوا أهل كتاب يهودا، أو نصارى.
[3] عصموا: أي حفظوا وحقنوا، والعصمة الحفظ والمنع.
[4] إلا بحق الإسلام: أي إلا إذا فعلوا ما يستوجب عقوبة مالية، أو بدنية في الإسلام، فإنهم يؤاخذون بذلك قصاصًا.
[5] وحسابهم على الله: أي فيما يتعلق بسرائرهم وما يضمرون.
[6] متفق عليه: رواه البخاري (25)، ومسلم (20).
[7] متفق عليه: رواه البخاري (7288)، ومسلم (1337).
[8] متفق عليه: رواه البخاري (7288)، ومسلم (1337).
[9] صحيح: رواه مسلم (384).
[10] صحيح: رواه الترمذي (3546), والنسائي في «الكبرى» (9802)، وصححه الألباني.
[11] انظر: «الشفا بتعريف حقوق المصطفى»، للقاضي عياض (2/ 61).
[12] متفق عليه: رواه البخاري (2652)، ومسلم (2533).
[13] صحيح: رواه أبو داود (4653)، والترمذي (3860)، وقال: حسن صحيح، وأحمد (14778)، وصححه الألباني.
[14]آية: أي علامة.
[15] متفق عليه: رواه البخاري (17)، ومسلم (3784).
[16] متفق عليه: رواه البخاري (3673)، ومسلم (2541).
[17] هذا وعيد شديد لمن ارتكب هذا، ومعناه: أن الله تعالى يلعنه، وكذا يلعنه الملائكة، والناس أجمعون، وهذا مبالغة في إبعاده عن رحمة الله تعالى، فإن اللعن في اللغة هو الطرد، والإبعاد، والمراد باللعن هنا العذاب الذي يستحقه على ذنبه والطرد عن الجنة أول الأمر، وليست هي كلعنة الكفار الذين يبعدون من رحمة الله تعالى كل الإبعاد. [انظر: «شرح صحيح مسلم»، للنووي (9/ 141)].
[18]حسن: رواه ابن أبي شيبة في «مصنفه» (32419)، والطبراني في «الكبير» (12/ 142)، عن عطاء مرسلا، وحسنه الألباني في «السلسلة الصحيحة» (3340).
[19] متفق عليه: رواه البخاري (7352)، ومسلم (1716).
[20]انظر: «شرح السنة»، للبغوي (1/ 214)، و«حلية الأولياء»، للأصبهاني (1/ 305).
[21] صحيح: رواه أحمد (1/ 379)، والطبراني في «الكبير» (8/ 12-13)، والبغوي في «شرح السنة» (1/ 214-215)، وصحح إسناده أحمد شاكر.
[22]انظر: «مجموع الفتاوى»، لابن تيمية (2/ 244).
[23] انظر: «كرامات الأولياء»، للالكائي، صـ (72).
[24]متفق عليه: رواه البخاري (3465)، ومسلم (2743)، من حديث ابْنِ عُمَرَ رضي الله عنهما.
[25] انظر: «كرامات الأولياء»، للالكائي، صـ (162).
_________________________________________________________
الكاتب: د. خالد بن محمود بن عبدالعزيز الجهني
- التصنيف: