جذور تأخّر المسلمين
هاني مراد
وقعت انحرافات تاريخية كبرى كان لها بالغ الأثر على طبيعة تشكل الحضارة الإسلامية، وتذبذبها بين مراحل ارتقاء وانحطاط عبر تاريخها.
- التصنيفات: قضايا إسلامية -
وقعت انحرافات تاريخية كبرى كان لها بالغ الأثر على طبيعة تشكل الحضارة الإسلامية، وتذبذبها بين مراحل ارتقاء وانحطاط عبر تاريخها.
وكان أول هذه الانحرافات، انفصال الحكم عن الشريعة. وهو ما أشار إليه الحديث الشريف: " «لتنقضنّ عُرى الإسلام عروة عروة، فكلما انتقضت عروة، تشبث الناس بالتي تليها. وأولهن نقضا الحكم وآخرهنّ الصلاة» ." وبعد أحداث الفتنة الكبرى، وقتل الحجاج لعبد الله بن الزبير وانتهاء دولته وثورته، تفاقم ذلك الانفصال باضطراد منذ ذلك الوقت.
وتبع ذلك الانفصال، انفصال آخر وقع بالضرورة، حيث انفصل العلم عن الحياة السياسية، ولم يعد العلم أو التقوى من معايير اختيار الأمراء والحكام، وانزوى العلم بعيدا عن القرار السياسي الذي كان ملازما له في عصور الازدهار.
وأصبح قدر كبير من المجهود العلمي ينصرف إلى النظرية والإسهاب في الفروع والافتراضات واختلاف الآراء، وأسهب العلماء في شروح الفقه وفروعه، حتى أصبح فقه العبادات والمعاملات وتشعباته المذهبية من أكبر مجالات العلم والتصنيف عند المسلمين، إن لم يكن أكبرها على الإطلاق، مع أن مفهوم الفقه في القرآن الكريم أكبر كثيرا من التعريف النمطي للفقه: "استنباط الأحكام الشرعية من أدلتها التفصيلية!" فتضاءل المفهوم الصحيح الشامل الواسع للفقه، في الوقت الذي تضخم فيه جانب الخلاف والتنظير الفرعي للعبادات، وأصبح العلماء منقسمين بين منزوٍ على الفقه أو التصوف، أو مُعذّب ومُلقى في السجون إذا تجرأ على النطق بكلمة الحق!
وعندما ظهر في التاريخ الإسلامي، نوابغ وعباقرة من علماء الرياضيات والكيمياء مثل جابر بن حيان، والحسن بن الهيثم، والخوارزمي، وغيرهم، لم تحفل بهم الجماهير، بل كان يُنظر إلى علومهم، نظرة ازدراء، لأنها علوم لا تنفع في الآخرة!
وهكذا، انحرف المسلمون عن المعنى الصحيح للعلم، ووقعت تشوهات كبرى في تاريخهم، فتأخروا وتقدم غيرهم!