ذم الفخر والتباهي

منذ 2022-11-16

إن من آيات الله عزّوجلّ أن خلق الناس مختلفين، ورفع بعضهم فوق بعض درجات، لكن هذا الاختلاف لا يعني أفضلية أحد على أحد. فليس الغني بأفضل من الفقير، ولا ذو الحسب والنسب بأفضل ممن ليس كذلك.

الحمد لله الذي خلق الإنسان من طين، ثم جعل نسله من سلالة من ماء مهين، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدا عبده ورسول سيد المتواضعين، وأفضل خلق الله أجمعين، وبعد:
فإن من آيات الله عزّوجلّ أن خلق الناس مختلفين، ورفع بعضهم فوق بعض درجات، قال تعالى: {نَحْنُ قَسَمْنَا بَيْنَهُمْ مَعِيشَتَهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَرَفَعْنَا بَعْضَهُمْ فَوْقَ بَعْضٍ دَرَجَاتٍ لِيَتَّخِذَ بَعْضُهُمْ بَعْضًا سُخْرِيًّا}[الزخرف : 32]، لكن هذا الاختلاف لا يعني أفضلية أحد على أحد. فليس الغني بأفضل من الفقير، ولا ذو الحسب والنسب بأفضل ممن ليس كذلك. قال الله تعالى: {فلا تزكوا أنفسكم هو أعلم بمن اتقى} [النجم: 32]. أي: لا تبرئوها عن الآثام ولا تمدحوها بحسن أعمالها.


وعن عياض بن حمار - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: «إن الله تعالى أوحى إلي أن تواضعوا حتى لا يبغي أحد على أحد، ولا يفخر أحد على أحد» (رواه مسلم).
ولو دققت النظر لوجدت غالب ما يفخر به الناس ليس من كسبهم، كالنسب والغنى والصحة والوظيفة...إلخ.

التفاخر بالأنساب:
إن أساس التفاضل بين الناس عند الله تعالى هو التقوى، قال تعالى: {يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ}[الحجرات: 13]. إلّا أنّ بعض الناس قد يجعل من نسبه أو وضعه الاجتماعي أو المادي مصدراً للفخر والمباهاة، وقد نهى ديننا الحنيف عن التفاخر والتعالي على الناس بسبب النسب، وجعله من بقايا الجاهلية.

قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «أَرْبَعٌ في أُمَّتي مِن أمْرِ الجاهِلِيَّةِ لا يَتْرُكُونَهُنَّ: الفَخْرُ في الأحْسابِ، والطَّعْنُ في الأنْسابِ، والاسْتِسْقاءُ بالنُّجُومِ، والنِّياحَةُ»  (رواه مسلم).  وأعلنها رسول الله صلى الله عليه وسلم صريحة أن الأنساب لا تغني عن العبد شيئا ما لم يكن ذا عمل يقربه من ربه فقال: «مَن بطأ به عمله لم يسرع به نسبه» (رواه مسلم).


ولا شك أنّ للنسب مكانة بين الناس، لذلك لم يأتِ الإسلام بإلغائه نهائياً، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «تعلَّموا مِن أنسابِكم ما تصِلونَ بهِ أرحامَكم، فإنَّ صلةَ الرَّحمِ محبَّةٌ في الأهلِ مَثراةٌ في المالِ مَنسَأةٌ في الأثَرِ» (رواه الترمذي وأحمد). وإنّما دعا إلى تهذيبه وعدم التفاخر والتعالي على الناس بسببه. وما جعل الله الناس شعوباً وقبائل إلّا لأجل أن يعرف بعضهم بعضاً بتميز القبيلة والجنس كالتميّز بالاسم لا لأجل التفاخر. أما حينما يستعمل في الفخر المذموم والتعالي على الناس فقد حذر منه الشرع أشد التحذير، حتى إن رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «إنَّ اللهَ عزَّ وجلَّ أذهبَ عنكم عُبَّيَّةِ الجاهليةِ [أي: كبرها] وفخرَها بالآباءِ، الناسُ بنو آدمَ، وآدمُ من ترابٍ، مؤمنٌ تقيٌّ، وفاجرٌ شقيٌّ، لَيَنتهينَّ أقوامٌ يفتخرون برجالٍ إنما هم فحمُ جهنَّمَ، أو ليكوننَّ أهونَ على اللهِ من الجُعلانِ ؛ التي تدفعُ النَّتنَ بأنفِها» (رواه الترمذي).

التفاخر بالمال:
كما نهى الإسلام عن التفاخر والمباهاة بالمال، وبيَّن أنّ ملكيته الحقيقية لله عزّوجلّ، فقال تعالى: {لِلهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الأرْضِ}[البقرة: 284]، وأنّ الإنسان مستخلف فيما خوله من فضله ومنحه من رزقه، قال تعالى: {وَأَنفِقُوا مِمَّا جَعَلَكُم مُّسْتَخْلَفِينَ فِيهِ}[الحديد: 7] وقال عز وجل: {وَرَفَعَ بَعْضَكُمْ فَوْقَ بَعْضٍ دَرَجَاتٍ لِيَبْلُوَكُمْ فِي مَا آتَاكُمْ}[الأنعام: 165]، يقول ابن عطية رحمه الله: (ليختبركم في الذي أنعم به عليكم، أي امتحنكم ليختبر الغني في غناه ويسأله عن شكره، والفقير في فقره ويسأله عن صبره). وفي صحيح مسلم أنّ النبيّ صلى الله عليه وسلم قال: «إنّ الدنيا حلوة خضرة، وإنّ الله مستخلفكم فيها فناظر كيف تعملون» (رواه مسلم)، لذلك على المسلم ألا يفخر ولا يباهي الآخرين بماله، بل عليه أن يعرف أنّ الله عزّوجلّ هو مَن وهب ومنح، وأنّ من واجبه الشكر وصرفه في وجوهه المشروعة؛ لأنه مسؤول عن هذا المال كما أخبر بذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لا تَزولُ قدَما عَبدٍ يومَ القِيامةِ حتَّى يُسأَلَ عن أربَعٍ : عَن عُمُرِهِ فيمَ أَفناهُ، وعَن عِلمِهِ ماذا عَمِلَ به وعَن مالِهِ مِن أينَ أكتسبَهُ وفيمَ أنفقَهُ، وعَن جسمِهِ فيمَ أبلاهُ»  (رواه الترمذي).

التفاخر بالعلم:
الأصل أن العبد كلما ازداد علما ازداد تواضعا لله عز وجل وخشية له، قال الله تعالى: {إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ}[فاطر: 28]. قال ابن كثير رحمه الله: أي : (إنما يخشاه حق خشيته العلماء العارفون به؛ لأنه كلما كانت المعرفة للعظيم القدير العليم الموصوف بصفات الكمال المنعوت بالأسماء الحسنى - كلما كانت المعرفة به أتم والعلم به أكمل، كانت الخشية له أعظم وأكثر).


لكن بعض الناس إذا تعلم تكبر بعلمه، وارتفع على الناس، وقد حذر النبي صلى الله عليه وسلم أشد التحذير من المراءاة والتكبر بالعلم وابتغاء غير وجه الله تعالى بهذا العلم، فقال: «مَن طلبَ العِلمَ ليُجاريَ بهِ العلَماءَ أو ليُماريَ بهِ السُّفَهاءَ أو يصرِفَ بهِ وجوهَ النَّاسِ إليهِ أدخلَهُ اللَّهُ النَّارَ» (رواه ابن ماجه). فالأصل أن يكون طلب العلم لوجه الله؛ ليعمل به العبد ويتقرب إلى مولاه. ومن كان كذلك زاده علمه تواضعا كما كان حال النبي صلى الله عليه وسلم يرقع ثوبه بنفسه، ويحلب شاته، ويجلس على الأرض، ويصافح الغني والفقير، ويقول: «أنا سيد ولد آدم يوم القيامة ولا فخر» (رواه أحمد والترمذي).
وهناك أسباب أخرى تدعو بعض الناس إلى المباهاة والتفاخر كالمنصب والجمال، ولو تفكر العبد وتدبر لوجد أنّ الله عزّوجلّ هو المنعم المتفضل؛ فلا معنى لعجب عامل بعمله، ولا جميل بجماله ولا ذو مال بماله.

تواضعوا:
قال النبي صلى الله عليه وسلم: «إن الله أوحى إلي أن تواضعوا..». وفي هذا علاج لكثير من آفات النفوس وإعجاب المرء بنفسه أو بشيء مما أنعم الله به عليه. وإذا جعل الإنسان التواضع شعارا له كان من ذوي الخصال الحميدة والشيم الكريمة من الرحمة وحسن الخلق وسلامة الصدر، لذلك نجد الله عزّوجلّ يعد المتواضعين الذين لا يقوم في نفوسهم خاطر الاستعلاء والمباهاة بما أنعم الله عزّوجلّ عليهم بقوله: {تِلْكَ الدَّارُ الآخِرَةُ نَجْعَلُهَا لِلَّذِينَ لا يُرِيدُونَ عُلُوًّا فِي الأرْضِ وَلا فَسَادًا وَالْعَاقِبَةُ للْمُتَّقِينَ} [القصص: 83].


وقد اشتهر عن علي رضي الله عنه وأرضاه أنه قال:
الناس من جهة التمثيل أكفـاء   ***   أبوهم آدم والأم حــــــــــواء
نفس كنفس وأرواح مشاكلــة   ***   وأعظم خلقت فيهم وأعضاء
فإن يكن لهم من أصلهم نسب   ***   يفاخرون به فالطين والمــاء

نسأل الله تعالى أن يرزقنا الإخلاص والصدق والتواضع، وأن يجنبنا مساوئ الأخلاق، وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.

  • 3
  • 0
  • 1,504

هل تود تلقي التنبيهات من موقع طريق الاسلام؟

نعم أقرر لاحقاً