هَمَسات .. في كلمات ... (15)

منذ 2022-11-26

ها قد وصلنا بفضل الله ومنَّته إلى الحلقة الخامسة عشر من هذه السلسة التي نسأل الله أن يجعل لها القبول، وأن تكون لبنة في سبيل الإصلاح وراية تهدي إلى طريق الفلاح

الحمد لله العزيز الوهاب، الكبير المتعال، والصلاة والسلام على أشرف خلق الله وأزكاهم، وأعبدهم وأتقاهم، سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم، أما بعد فها قد وصلنا بفضل الله ومنَّته إلى الحلقة الخامسة عشر من هذه السلسة التي نسأل الله أن يجعل لها القبول، وأن تكون لبنة في سبيل الإصلاح وراية تهدي إلى طريق الفلاح:

من مفاخر ديننا الحنيف أنه دعا إلى محاسن الأخلاق ونبذ وحارب مساوئها، ومن هذه الفضائل الاعتراف لكل ذي فضل بفضله، فالله سبحانه هو الوهاب المنان الكريم، وأفضل البشر منة علينا هم الأنبياء عموماً ونبينا محمد صلى الله عليه وسلم خصوصاً، وأيضا وورثة الأنبياء لأنهم هم من نقلوا لنا هدي النبي صلى الله عليه وسلم ، وهم أعلم الناس بمراد الله ومراد رسوله صلى الله عليه وسلم، لذلك توجهت سهام الأعداء إلى العلماء لأسقاطهم في نفوس الناس، لكي يخلو لهم الجو ليتلاعبوا بنصوص الوحيين ويفسرونها حسب أهوائهم وأهواء أسيادهم، وأكثر من حاولوا إسقاطهم هم السلف الصالح من الصحابة والتابعين ومن تبعهم بإحسان، فإسقاط فضل العلماء من السلف هدم للدين من أساسه لأنهم نقلته إلينا، فإن استطاعوا تشكيكك في الأصل فقد أسقطوا ما دونه من باب أولى، ومن أصحاب الفضل كذلك  الوالدين وحملة القرآن وكبار السن وذووا السلطان.

لا تستقيم حياة بدون حقوق وواجبات، ويتعكر صفو الحياة عندما نطالب بحقوقنا ولا نؤدي واجباتنا، وكثير من الناس يتعامل مع الحقوق والواجبات كأنها سلعة يبيعها نقدا بنقد، ويدًا بيد، فإن حصل على حقٍ رضي بتقديم واجب، وإن كان لا، فلا، وبهذا تنشأ كثير من المشاكل ويعيش هؤلاء في تعاسة وشقاء، وإثم وخطيئة، قد يكون بعدها عذاب، وإذا كانت هذه المعادلة هي تحكم حياة بيت فرَّت منه السكينة والمودة والرحمة، وقرَّت فيه التعاسة والشقاء،  فكل واحد ينتظر من الآخر المبادرة بالقيام بواجبه، مع عدم قيامه هو بما عليه، وإذا عدنا إلى شرعنا الحنيف نجد أن حل هذه المشكلة ميسور وسهل، ففي ظل العقيدة الإسلامية، جميع حقوقك مضمونة إن لم تأخذها في الدنيا أخذتها في يوم أنت أحوج إليها فيه من يومك هذا، وهو يوم الحساب، {(يَوْمَ يَفِرُّ الْمَرْءُ مِنْ أَخِيهِ * وَأُمِّهِ وَأَبِيهِ * وَصَاحِبَتِهِ وَبَنِيهِ * لِكُلِّ امْرِئٍ مِنْهُمْ يَوْمَئِذٍ شَأْنٌ يُغْنِيهِ)} ، فما عليك إلا أن تتفقد قيامك بواجباتك كما أمرك الله، أما حقوقك فلا تخف عليها ولا تحزن، وأعظم واجب هو القيام بحق الله تعالى بالتوحيد ونبذ الشرك وأهله، ثم القيام بحقوق المخلوقين بدء بالأنبياء فالوالدين فالزوج والأولاد والجيران والحكام وسائر الناس بما فيهم الكفار، وقد لخص لنا الرسول صلى الله عليه وسلم هذا المبدأ بقوله (أدوا الذي عليكم وسلوا الله الذي لكم)، فنم قرير العين مرتاح البال لأن سيأتي يوم القيامة {(فَلَا تُظْلَمُ نَفْسٌ شَيْئًا وَإِنْ كَانَ مِثْقَالَ حَبَّةٍ مِنْ خَرْدَلٍ أَتَيْنَا بِهَا وَكَفَى بِنَا حَاسِبِينَ)} ، ولو عفوت عن حقك {(وَأَنْ تَعْفُوا أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى)} فأنت ناجح ومحمود ولك من الثواب الجزيل من الكريم المنان سبحانه {(فَمَنْ عَفَا وَأَصْلَحَ فَأَجْرُهُ عَلَى اللَّهِ)} .

نحن نكرر كل يوم مرات عديدة في صلاتنا وفي غيرها أسمين من أسماء الله تعالى هما(الرحمن الرحيم)، ومن أبرز مظاهر رحمته بنا سبحانه أن بعث إلينا رسولا لينقذنا به من النار، وجعل الله تعالى الطريق الوحيد لمرضاته هو باتباع رسوله، وهذا يدل على أن لهذا الرسول فضل عظيم جدا على البشر، أكثر من فضل آباءهم وأمهاتهم، ومن أسماء الله تعالى (الشكور)، حيث أنه رفع من شأن نبيه صلى الله عليه وسلم، وأمرنا وحثنا على تعظيم وتعزيره وتوقيره وما يؤذن مؤذن إلا رفع ذكره بقوله (أشهد أن محمدا رسول الله)، وفي الصلاة في التشهد والصلاة الإبراهيمية كذلك، وبعد الوضوء ويوم وليلة الجمعة وكل ما ذُكِرَ علينا أن نصلي عليه ونسلِّم تسليما، ومن صلى عليه صلاة صلى الله عليه بها عشرا، بل جاء في الحديث «(لا يَجزي ولدٌ والدًا، إلا أن يجده مملوكًا فيشتريه فيعتقه)» ، وقال الله في حق الزوجين فيما بينهما بعد الفراق {(وَلَا تَنْسَوُا الْفَضْلَ بَيْنَكُمْ)} سبحان الله هذا في حق الوالدين والزوجين فكيف بحق النبي صلى الله عليه وسلم وحقه أعظم من حق أي مخلوق كائنا من كان، وهكذا يعلمنا ربنا ويؤدبنا على الاعتراف بالفضل لذوي الفضل من الخلْق وأعظمهم الأنبياء، وقبل ذلك خالقنا القائل سبحانه {(وَاللَّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ)} .

لو أن إماما صلى بالناس الظهر وجَهَرَ فيها بالقراءة لأنكَرَ عليه كل من خلفه تقريبًا، مع أنَّ الإسرار والجهر في الصلوات من السنة وليس بواجب، ولكن الناس تعودوا فأنكروا خلاف ما تعودوا، هذا ينبئنا عن أهمية محاربة البدع ونشر السنن، فالبدعة إذا ما نشء عليها الصغير وشاب عليها الكبير، فإن اقتلاعها من مجتمع ما يكون بصعوبة بالغة ويحتاج إلى تضحيات، والوقاية خير من العلاج، فيحاربُ الناس السنةَ ويستمسكون بالبدعة ظنا منهم أنها السنة، بينما ينظرون  للسنة وكانها دين جديد مبتدَع، وتحذير السلف من البدع وأهلها كثير ومستفيض في كتبهم، وهكذا كل تغيير في الدين كلما طال أمده صعب اجتثاثه، وأدت محاربته إلى الصدام مع عامة الناس بما فيهم أصحاب القرار، فعلى سبيل المثال يظن كثير من الناس أن الدين لا علاقة له بالسياسة أو على الأقل بالحكم، وما ذلك إلا للهجوم الشرس والمتواصل منذ أكثر من مائة سنة على تحكيم شرع الله، هذا الهجوم أنفقت في أموال طائلة، وجهود جبارة، وكتابات كثيرة، وأقحم في المناهج الدراسية والثقافة العامة والتوجه العام للدول ومرت السنوات تلو السنوات، حتى أصبح كثير من العامة يؤمنون بالديمقراطية ويرون أن الخير كل الخير في تنحية الشريعة الإسلامية عن الحكم، مع العلم أنهم يصلون ويصومون ويحبون شعائر الإسلام، لكن بسبب التضليل المتواصل، أصبحوا يهاجمون الحق وينصرون الباطل، ولكن(لا تظهر بدعة, إلا ترك مثلها من السنة)  كما قال غضيف بن الحارث رحمه الله تعالى.

من معاني العقل والحكمة التوظيف الأمثل للموارد بل وتحويل العقبات إلى إنجازات واستخراج المنح من المحن، والتربية من الأمور الشاقة والتي تحتاج إلى طول نفس للوصول إلى قطف ثمارها، والتفيء بظلالها، والملاحظ أن الأطفال الصغار في زماننا يستهويهم الجوال وهذا يعرفه الوالدان وكل من له احتكاك بالصغار، بل أنجح وسيلة لإسكات الطفل إعطاءه جوالا يقلبه بين يديه الصغيرتين، هذا التعلق بالجوال والشغف به والبكاء عند مفارقته، والتنازع مع الإخوة للاستحواذ عليه، يمكن أن يستغله المربي في تعليم الطفل وتقويمه وإكسابه الكثير من الأخلاق والمهارات وذلك بعرض بعض مقاطع الصوت أو الصوت والصورة النافعة، وكذلك الكثير من الألعاب النافعة وهي بفضل الله كثيرة ومتوفرة حتى لعُمرِ ما دون الخامسة، بل إن الجوال يمكن أن يكون بديلا مناسبا ومنافسا لقنوات الأطفال الفاسدة وما أكثرها التي تهدم عقيدة الطفل وتلطِّخ فطرته، ففي الجوال أنت من تختار لابنك ما يشاهد، فيتابع وأنت مطمئن البال لما يتلقَّى طفلك،  فالحمد لله على نعمة الجوال، ومن شكر النعمة استعمالها في ما يرضي الله عز وجل بما في ذلك تحويل شغف ابنك بالجوال إلى وسيلة لتعليمه وتهذيب أخلاقه وبذلك تكون تخلصت من مساوئ الجوال بل وحولتها إلى منافع.

وإلى اللقاء في همسات أخريات، بإذن العزيز الوهاب

[email protected]

 

  • 4
  • 0
  • 788

هل تود تلقي التنبيهات من موقع طريق الاسلام؟

نعم أقرر لاحقاً