أمتنا وتحديات العولمة
من التحديات الكبيرة التي تواجهها الأمم عامةً وأمتنا خاصة مسألةُ طمسٍ الهوية كنتاج للعولمة التي تحاول من خلالها الأمم الغربية فرضَ أنماط سلوكها، ومعايير معيشتها على جميع الشعوب والمجتمعات...
من التحديات الكبيرة التي تواجهها الأمم عامةً وأمتنا خاصة مسألةُ طمسٍ الهوية كنتاج للعولمة التي تحاول من خلالها الأمم الغربية فرضَ أنماط سلوكها، ومعايير معيشتها على جميع الشعوب والمجتمعات، والعمل على تقويض منظوماتها التراثية، وطمس هويتها، من خلال زعزعة الروابط بين الأمم ولغاتها الأصلية، والطعن في موروثاتها بدعوى تقادمها، وعدم صلاحيتها ونجاعتها في العصر الحديث، وكذلك السعي لمحو ذاكراتها، وطرح بدائل مجدية حسب زعمهم.
وإن أي مجتمع استهدفتْهُ العولمة، ثم شرع في التخلي عن موروثاته لا شكَّ أنه سيكون بذلك قد خطا خطواته الأولى في طريق الانزلاق والضياع، والاستلاب والانخلاع، وإذا تم محوُ ذاكرته، فسيصبح عديم الكِيان متخبطًا في كل الشِّعَبِ والوديان، لا يهتدي إلى سبل الرشاد وطرق العرفان، ولعله من المؤكد أن أمتنا في أمسِّ الحاجة إلى التغيير والتطور من أجل الارتقاء والنماء، وجودة الخدمات، وحسن التسيير، والحكمة في التدبير، ومواكبة التكنولوجيا، وفرض المكانة في عصر التنافس والتشمير.
ولكن لا ينبغي أن يكون ذلك على حساب الهوية وفقدان الشخصية، ونحن أمة سيد البرية عليه الصلاة والسلام، وعلى آله وصحبه، ومن سار على نهجه واتبع سنته الزكية.
إن أمتنا المجيدة مطالَبةٌ اليوم وأكثر من أي وقت مضى بالتخلي عن التبعية، والمبادرة إلى انتهاج مناهج تتجلى فيها بوضوح معالم التميز والخصوصية، من خلال تطويع معالم العولمة بما يتوافق مع تطلعات أبناء أمتنا الأبية.
إنه لمن المؤسف حقًّا أن نرى من ينتسب إلى هذه الأمة الإسلامية، فتراه يصلي ويصوم ويضحي، وربما قد حجَّ ولهج بالتلبية، ولكنه مع ذلك ينصب شجرة في الكريسماس، ويحتفل بالسنة الميلادية، وكذلك أن نرى من يدعو إلى إباحة اللواط والإجهاض والعلاقات "الرضائية"، والمساواة في الميراث، ويستهجن الحدود، ويطالب بحرية الجسد والإباحية، والأدهى من ذلك حرية المعتقد، ناهيك عن الطعن في السنة والقرآن، والصحابة عليهم الرضوان، وأئمة الحديث، وأعلام الهدى، ودعاة التوحيد والإيمان.
أضِفْ إلى ذلك ما نشاهده من تأثر بعض الشباب بالتفاهات المستوردة، وكأنهم بين عشية وضحاها قد انسلخوا من الهوية، وتحولوا عن الشخصية، ويظهر ذلك جليًّا في المظهر والجوهر، وطرق اللباس والتدبير، وأساليب النقاش والتفكير.
وصدق سيد البشرية الذي أخبر بوحيِ الله بكثير من الأمور الغيبية، وكأنه يرى الأحداث المستقبلية:
قال صلى الله عليه وسلم: «لتتبعنَّ سَنَنَ من قبلكم شبرًا بشبر، وذراعًا بذراع حتى لو سلكوا جحر ضبٍّ لسلكتموه»، والسنن: هي الطرائق والأفعال؛ (الراوي: أبو سعيد الخدري، المحدث: البخاري، المصدر: صحيح البخاري).
إن الفرصة ذهبية أمام أمتنا كي تراجع حساباتها، وتحدد أولوياتها وتقفز على خلافاتها، وتنهض من سُباتها، وتحمي تراثها، وتدافع عن مقدساتها، وتتوحد تحت راية التوحيد، وتتطلع إلى عهد جديد، بعد زوال هذا الداء، وذهاب البلاء، بفضل رب الأرض والسماء، الذي أراد لنا الخيرية والرفعة والسناء: {كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَلَوْ آمَنَ أَهْلُ الْكِتَابِ لَكَانَ خَيْرًا لَهُمْ مِنْهُمُ الْمُؤْمِنُونَ وَأَكْثَرُهُمُ الْفَاسِقُونَ} [آل عمران: 110].
قال صلى الله عليه وسلم: «بشِّر هذه الأمة بالسناء والدين والرفعة، والتمكين في الأرض، فمن عمِل منهم عمل الآخرة للدنيا، لم يكن له في الآخرة من نصيب»؛ (الراوي: أبي بن كعب، المحدث: الألباني، المصدر: صحيح الترغيب).
___________________________________________________
الكاتب: محمد بنغالب
- التصنيف: