علاج العين
إن العين حق، ونفي حقيقتها جهل بالشرع ومكابرة في جحد المشاهد، فقد صح من طريق أبي هريرة - رضي الله عنه -، عن النبي صلى الله عليه وسلم، قال: «العين حق».
- التصنيفات: الذكر والدعاء - - آفاق الشريعة -
الحمد لله، وأصلي وأسلم على رسوله ومصطفاه محمد بن عبدالله وعلى آله وصحبه ومن والاه، أما بعد: فإن العين حق، ونفي حقيقتها جهل بالشرع ومكابرة في جحد المشاهد، فقد صح من طريق أبي هريرة - رضي الله عنه -، عن النبي صلى الله عليه وسلم، قال: «العين حق» ، (رواه البخاري برقم 5944 ومسلم برقم 2187).
وهي تقع من الحبيب، ففي حديث سهل بن حنيف، أن أباه حدثه: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم خرج، وساروا معه نحو مكة، حتى إذا كانوا بشعب الخزار من الجحفة، اغتسل سهل بن حنيف وكان رجلا أبيض، حسن الجسم، والجلد، فنظر إليه عامر بن ربيعة أخو بني عدي بن كعب وهو يغتسل، فقال: ما رأيت كاليوم، ولا جلد مخبأة فلبط بسهل، فأتي رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقيل له: يا رسول الله، هل لك في سهل؟ والله ما يرفع رأسه، وما يفيق، قال: «هل تتهمون فيه من أحد» ؟» قالوا: نظر إليه عامر بن ربيعة فدعا رسول الله صلى الله عليه وسلم عامرا، فتغيظ عليه وقال: «علام يقتل أحدكم أخاه» ؟ هلا إذا رأيت ما يعجبك بركت؟» ثم قال له: «اغتسل له» فغسل وجهه، ويديه، ومرفقيه، وركبتيه، وأطراف رجليه، وداخلة إزاره في قدح، ثم صب ذلك الماء عليه، يصبه رجل على رأسه، وظهره من خلفه، يكفئ القدح وراءه، ففعل به ذلك، فراح سهل مع الناس ليس به بأس. (رواه مالك برقم 3460 وأحمد برقم 15980 واللفظ لأحمد. ورواه مالك برقم 3459).
ولفظه أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: «إن العين حق. توضأ له» . فتوضأ له عامر. وبوب له الإمام مالك - رحمه الله – بباب: الوضوء من العين. وطريقة علاج العين التي وردت عن النبي - صلى الله عليه وسلم – على النحو الآتي:
1. الاغتسال أو الوضوء، وإعطاء الماء للمصاب، لحديث سهل بن حنيف - رضي الله عنه - المتقدم.
2. الرقية، لحديث سهل بن حنيف، يقول: مررنا بسيل، فدخلت فاغتسلت فيه، فخرجت محموما، فنمى ذلك إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال: «مروا أبا ثابت يتعوذ»، قالت: فقلت: يا سيدي، والرقى صالحة؟ فقال: «لا رقية إلا فى نفس، أو حمة، أو لدغة». (أخرجه أحمد برقم (16074) وأبو داود برقم 3888.
وعن عائشة - رضي الله عنها - قالت: كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يأمرني أن أسترقي من العين (رواه البخاري برقم 2195، (خ) 5406).
وفي حديث أم سلمة - رضي الله عنها - أنها قالت: رأى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في بيتي جارية في وجهها سفعة فقال: «استرقوا لها، فإن بها النظرة». (خ) 5407، (م) 2197).
وصح عن عائشة - رضي الله عنها - قالت: دخل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فسمع صوت صبي يبكي، فقال: «ما لصبيكم هذا يبكي؟، هلا استرقيتم له من العين» ؟. (رواه أحمد 24486، وصححه الألباني في الصحيحة: 1048).
وقد صح عن النبي - صلى الله عليه وسلم – بعض الرقى التي يرقى بها المصاب بالعين، فمن ذلك:
1) باسم الله أرقيك، من كل شيء يؤذيك، من شر كل نفس أو عين حاسد، الله يشفيك باسم الله أرقيك. (رواه مسلم برقم 2186 عن أبي سعيد الخدري - رضي الله عنه - ).
2) وصح عن عائشة - رضي الله عنها – أنها قالت: كنت أرقي رسول الله - صلى الله عليه وسلم - من العين، فأضع يدي على صدره وأقول: «امسح البأس رب الناس، بيدك الشفاء، لا كاشف له إلا أنت». (رواه أحمد برقم 25039، وصححه الألباني في الصحيحة برقم 1526).
3) وصحت بعض الرقى الوقائية كما في حديث ابن عباس - رضي الله عنهما - قال: كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يعوذ الحسن والحسين، يقول: «أعيذكما بكلمات الله التامة من كل شيطان وهامة ومن كل عين لامة». ويقول: «إن أباكما كان يعوذ بها إسماعيل وإسحاق» (رواه البخاري برقم 3191).
4) ومما يقي من العين الاستعاذة منها، ففي حديث أبي سعيد، أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يتعوذ من الجان، ومن عين الإنسان. أخرجه النسائي وابن ماجه، والترمذي وحسنه.
حكم الاغتسال للمصاب: يشرع لمن طلب منه الاغتسال ليصب ماء الغسل على المصاب بالعين، ولو لم يحصل يقين أن المغتسل هو العائن، فهو سبب من أسباب الشفاء، فقد صح عن عبد الله بن عباس - رضي الله عنهما - عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم- «العَينُ حق، ولو كان شيء سَابق القَدَرَ سَبقتْهُ العينُ، وإذا اسْتُغْسلتم فاغسِلوا» (أخرجه مسلم برقم (2188).
وفي مصنف ابن أبي شيبة (3647) قال الزهري: الغسل أن يؤتى بالقدح، فيدخل الغاسل كفيه جميعا فيه، ثم يغسل وجهه في القدح، ثم يدخل يده اليمنى، فيغسل صدره في القدح، ثم يدخل يده فيغسل ظهره، ثم يأخذ بيده اليسرى يفعل مثل ذلك، ثم يغسل ركبتيه، وأطراف أصابعه من ظهر القدم، ويفعل ذلك بالرجل اليسرى، ثم يعطي ذلك الإناء قبل أن يضعه بالأرض الذي أصابه العين، ثم يمج فيه، ويتمضمض ويهريق على وجهه، ويصب على رأسه، ويكفيء القدح من وراء ظهره
قال ابن الأثير في جامع الأصول 7/583: كان من عادتهم: أن الإنسان إذا أصابته العين من أحدٍ جاء إلى العائن، فجرِّد من ثيابه وغسل جسده، ومعاطفه ووجهه وأطرافه وأخذ المعين ذلك الماء فصبَّه عليه، فيبرأ بإذن الله تعالى.
وفي حديث عائشة - رضي الله عنها - قالت: «كان يُؤمَرُ العَائِنُ: فيتوضأُ، ثم يغتسلُ منه الَمعيِنُ» (أخرجه أبو داود برقم 3880، وسنده حسن).
ومن أعظم ما تتقى به العين أن من أعجبه شيء من نفس أو مال أن يدعو بالبركة، لحديث سهل بن حنيف - رضي الله عنه - المتقدم وفيه: هلا برَّكْت!. قال ابن القيم - رحمه الله - أي: قلت: اللهم بارك عليه. (الطب النبوي ص 126).
وروى هشام بن عروة، عن أبيه، أنه كان إذا رأى شيئا يعجبه، أو دخل حائطا من حيطانه، قال: ما شاء الله، لا قوة إلا بالله. ودليل ذلك قوله تعالى: «ولولا إذ دخلت جنتك قلت ما شاء الله لا قوة إلا بالله».
ستر المحاسن: ذكر البغوي في كتاب «شرح السنة» : أن عثمان رضي الله عنه رأى صبيا مليحا، فقال: دسموا نونته لئلا تصيبه العين، ثم قال في تفسيره ومعنى: دسموا نونته أي سودوا نونته، والنونة النقرة التي تكون في ذقن الصبي الصغير.
وقال الخطابي في «غريب الحديث» له عن عثمان: إنه رأى صبيا تأخذه العين، فقال: دسموا نونته. فقال أبو عمرو سألت أحمد بن يحيى عنه، فقال أراد بالنونة النقرة التي في ذقنه. والتدسيم التسويده أراد: سودوا ذلك الموضع من ذقنه، ليرد العين. وأما إن علم أن العائن حاسد للمصاب بالعين وليس معجبا فإن للمصاب أن يدعو عليه.
ومن طريف ما يروى ما ورد عن أبي عبدالله الساجي، أن ناقته أصيبت بعين حاسد فقال: بسم الله، حَبْسٌ حَابِسٌ، وحَجَرٌ يابِسٌ، وشِهابٌ قابِسٌ، رددت عين العائن عليه، وعلى أحب الناس إليه، في كلوتيه وشيق، وفي ماله يليق، فارجع البصر هل ترى من فطور، ثم ارجع البصر كرتين ينقلب إليك البصر خاسئاً وهو حسير، فخرجت حدقتا العائن، وقامت الناقة لا بأس بها. ويلحظ أنه دعى على أحب الناس إليه، وهذا من الاعتداء، إلا أن الدعوة لم تصب إلا العائن، مصداقاً لحديث: «ما لم يدع بإثم أو قطيعة رحم».
__________________________________________________
كتبه: عبدالعزيز الدغيثر