شهوة النساء 2

منذ 2022-12-24

إن لكل عبد بداية ونهاية، فمن كانت بدايته اتباع الهوى، كانت نهايته الذل والصغار والحرمان والبلاء المتبوع بحسب ما اتبع هواه

وقد تحدث شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله عن النظر المحرم، وما يؤول إليه من الوقوع في الفواحش.. بل وقد ينتهي بصاحبه إلى الشرك بالله تعالى فكان مما قاله: [وأما النظر والمباشرة فاللمم منها مغفور باجتناب الكبائر، فإن أصر على النظر أو على المباشرة صار كبيرة، وقد يكون الإصرار على ذلك أعظم من قليل الفواحش؛ فإن دوام النظر بالشهوة وما يتصل به من العشق والمعاشرة والمباشرة أعظم بكثير من فساد زنا لا إصرار عليه؛ ولهذا قال الفقهاء في الشاهد العدل: أن لا يأتي كبيرة، ولا يصر على صغيرة. بل قد ينتهي النظر والمباشرة بالرجل إلى الشرك، كما قال تعالى: {وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَتَّخِذُ مِنْ دُونِ اللَّهِ أَنْدَادًا يُحِبُّونَهُمْ كَحُبِّ اللَّهِ...[165]} [سورة البقرة]. ولهذا لا يكون عشق الصور إلا من ضعف محبة الله وضعف الإيمان. والله تعالى إنما ذكره في القرآن عن امرأة العزيز المشركة، وعن قوم لوط المشركين] (مجموع الفتاوى، 15/292، 293).

وقال ابن القيم رحمه الله: وقد جعل الله سبحانه العين مرآة القلب فإذا غضّ العبد بصره، غضّ القلب شهوته وإرادته، وإذا أطلق بصره أطلق القلب شهوته...- إلى أن قال-: والنظرة إذا أثّرت في القلب، فإن عجل الحازم، وحسم المادة من أولها؛ سهُل علاجه، وإن كرر النظر، ونقّب عن محاسن الصورة ونقلها إلى قلب فارغ فنقشها فيه؛ تمكنت المحبة، وكلما تواصلت النظرات كانت كالماء يسقي الشجرة، فلا تزال شجرة الحب تنمو حتى يفسد القلب، ويعرض عن الفكر فيما أمر به، فيخرج بصاحبه إلى المحن، ويوجب ارتكاب المحظورات والفتن (روضة المحبين، ص92، 94، 95).

ومن أشد الوسائل ضررًا وشرًا: اختلاط النساء بالرجال: فإن هذا الاختلاط أنكى وسيلة في الانغماس في الفواحش والقاذورات، وقد كثر في هذا الزمان من يطالب بهذا الاختلاط ويدعو إليه؛ حيث ينادون بمزاحمة النساء للرجال في جميع المجالات والأعمال، زاعمين أنهم يريدون الخير والإصلاح لمجتمعاتهم، ألا أنهم هم المفسدون ولكن لا يشعرون.

قال ابن القيم متحدثًا عن مفاسد الاختلاط: ولا ريب أن تمكين النساء من اختلاطهن بالرجال أصل كل بلية وشر، وهو من أعظم أسباب نزول العقوبات العامة، كما أنه من أسباب فساد أمور العامة والخاصة.. وهو من أسباب الموت العام والطواعين المهلكة. ولما اختلط البغايا بعسكر موسى عليه السلام، وفشت فيهم الفاحشة أرسل الله عليهم الطاعون فمات في يوم واحد سبعون ألفًا، والقصة مشهورة في كتب التفسير؛ فمن أعظم أسباب الموت العام كثرة الزنا بسبب تمكين النساء من اختلاطهن بالرجال، والمشي بينهم متبرجات متجملات (الطرق الحكمية، ص259).

الانكباب على الشهوات سببه ضعف التوحيد: فإن القلب كلما كان أضعف توحيدًا، وأقل إخلاصًا لله تعالى كان أكثر فاحشة وشهوة (انظر: الفوائد، لابن القيم، ص75). يقول شيخ الإسلام ابن تيمية في هذه المسألة: [وهذا-أي: العشق والشهوات- إنما يبتلى به أهل الإعراض عن الإخلاص لله الذين فيهم نوع من الشرك، وإلا فأهل الإخلاص، كما قال الله تعالى في حق يوسف عليه السلام:{...كَذَلِكَ لِنَصْرِفَ عَنْهُ السُّوءَ وَالْفَحْشَاءَ إِنَّهُ مِنْ عِبَادِنَا الْمُخْلَصِينَ[24]} [سورة يوسف]. فامرأة العزيز كانت مشركة فوقعت مع تزوجها فيما وقعت فيه من السوء، ويوسف عليه السلام مع عزوبته، ومراودتها له، واستعانتها عليه بالنسوة، وعقوبتها له بالحبس على العفة، عصمه الله بإخلاصه له؛ تحقيقًا لقوله: {فَبِعِزَّتِكَ لَأُغْوِيَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ[82]إِلَّا عِبَادَكَ مِنْهُمُ الْمُخْلَصِينَ[83]} [سورة ص]، قال تعالى: {إِنَّ عِبَادِي لَيْسَ لَكَ عَلَيْهِمْ سُلْطَانٌ إِلَّا مَنِ اتَّبَعَكَ مِنَ الْغَاوِينَ[42]} [سورة الحجر]. والغي هو اتباع الهوى(مجموع الفتاوى، 51/421).

 

الافتتان بالنساء والولع بهن يورث أنواعًا من العقوبات والمفاسد في الدنيا والآخرة:

تحدث شيخ الإسلام ابن تيمية عن عقوبات الشهوة المحرمة، فكان مما قاله: [فأما من استعبد قلبه صورة محرمة: امرأة أو صبي، فهذا هو العذاب الذي لا يَدان فيه، وهؤلاء من أعظم الناس عذابًا وأقلهم ثوابًا؛ فإن العاشق لصورة إذا بقي قلبه متعلقًا بها، مستعبَدًا لها، اجتمع له من أنواع الشر والفساد ما لا يحصيه إلا رب العباد. ومن أعظم هذا البلاء إعراض القلب عن الله؛ فإن القلب إذا ذاق طعم عبادة الله والإخلاص له، لم يكن عنده شيء قط أحلى من ذلك، ولا ألذ ولا أطيب][ (مجموع الفتاوى، 10/187).

وقال ابن القيم: [وليعلم اللبيب أن مدمني الشهوات يصيرون إلى حالة لا يلتذون بها، وهم مع ذلك لا يستطيعون تركها؛ لأنها قد صارت عندهم بمنزلة العيش الذي لا بد لهم منه، ولهذا ترى مدمن الخمر والجماع لا يلتذ بهما عشر معشار من يفعله نادرًا في الأحيان](روضة المحبين، ص470).

 

علاج شهوة النساء:

بعد أن فصّلنا الحديث عن هذه الشهوة نورد علاجها وسبيل النجاة منها، وقد بسط أبو الفرج ابن الجوزي في 'ذم الهوى' وابن القيم في 'روضة المحبين' الحديث عن العلاج.

قال ابن الجوزي: [فإن تكرار النظر قد نقش صورة المحبوب في القلب نقشًا متمكنًا؛ وعلامة ذلك: امتلاء القلب بالحبيب؛ فكأنه يراه حالاّ في الصدر، وكأنه يضمه إليه عند النوم ويحادثه في الخلوة، فاعلم أن سبب هذا الطمع في نيل المطلوب، وكفى بالطمع مرضًا، وقلّ أن يقع الفسق إلا في المطموع فيه؛ فإن الإنسان لو رأى زوجة الملك فهويها لم يكد قلبه يتعلق بها؛ لأجل اليأس من مثلها. فأما من طمع في شيء فإن الطمع يحمله على طلبه، ويعذّبه إن لم يدركه.. وعلاج هذا المرض: العزم القوي على البعد عن المحبوب، والقطع الجازم على غض البصر عنه، وهجران الطمع فيه، وتوطين النفس على اليأس منه].

وقال في موضع آخر: ومما يُداوى به الباطن أن تفكّر، فتعلم أن محبوبك ليس كما في نفسك، فأعمل فكرك في عيوبه تَسْلُ؛ فإن الآدمي محشوّ بالأنجاس والأقذار، وإنما يرى العاشق معشوقه في حال الكمال، ولا يُصور له الهوى عيبًا؛ لأن الحقائق لا تنكشف إلا مع الاعتدال، وسلطان الهوى حاكم جائر يغطي المعايب، فيرى العاشق القبيح من معشوقه حسنًا. ولهذا قال ابن مسعود رضي الله عنه: (إذا أعجبت أحدَكم امرأةٌ فليذكر مناتنها).

 

وأما ما حرّره ابن القيم في سبيل التخلص من شراك هذه الشهوات، فنختار منها بعضها:

فمن ذلك قوله: [التفكر في أنه لم يُخلق للهوى، وإنما هُيّئ لأمر عظيم لا يناله إلا بمعصيته للهوى كما قيل:

قد هيؤوك لأمر لو فطنت له فاربأ بنفسك أن ترعى مع الهملِ

"أن يأنف لنفسه من ذل طاعة الهوى؛ فإنه ما أطاع أحد هواه قط إلا وجد في نفسه ذلاّ، ولا يغتر بصولة أتباع الهوى وكِبرهم؛ فهم أذل الناس بواطنَ، قد جمعوا بين خصلتي الكبر والذل"

 أن يعلم أن الهوى ما خالط شيئًا إلا أفسده، فإن وقع في العلم أخرجه إلى البدعة والضلالة وصار صاحبه من جملة أهل الأهواء، وإن وقع في الزهد أخرج صاحبه إلى الرياء ومخالفة السنة، وإن وقع في الحكم أخرج صاحبه إلى الظلم وصدّه عن الحق، وإن وقع في الولاية والعزل أخرج صاحبه إلى خيانة الله والمسلمين حيث يولّي بهواه ويعزل بهواه.

إن اتباع الهوى يغلق عن العبد أبواب التوفيق، ويفتح عليه أبواب الخذلان، فتراه يلهج بأن الله لو وفّقه لكان كذا وكذا، وقد سدّ على نفسه طرق التوفيق باتباعه هواه. قال الفضيل بن عياض: من استحوذ عليه الهوى واتباع الشهوات انقطعت عنه موارد التوفيق.

إن التوحيد واتباع الهوى متضادان، فإن الهوى صنم ولكل عبد صنم في قلبه بحسب هواه، وإنما بعث الله رسله بكسر الأصنام وعبادته وحده لا شريك له، وليس مراد الله تعالى كسر الأصنام المجسّدة وترك الأصنام التي في القلب، بل المراد كسرها من القلب أولًا.

إن لكل عبد بداية ونهاية، فمن كانت بدايته اتباع الهوى، كانت نهايته الذل والصغار والحرمان والبلاء المتبوع بحسب ما اتبع هواه، بل يصير له ذلك في نهايته عذابًا يُعذّب به في قلبه كما قال القائل:

مآرب كانت في الشباب لأهلها عِذابًا فصارت في المشيب عَذابًا

فلو تأملت حال كل ذي حالة سيئة زرية لرأيت بدايته الذهاب مع هواه وإيثاره على عقله، ومن كانت بدايته مخالفة هواه وطاعة داعي رشده كانت نهايته العز والشرف والغنى والجاه عند الله وعند الناس. قيل للمهلب ابن أبي صفرة: بِمَ نلت ما نلت؟ قال: بطاعة الحزم وعصيان الهوى. فهذا في بداية الدنيا ونهايتها، وأما الآخرة فقد جعل الله سبحانه الجنة نهاية من خالف هواه، والنار نهاية من اتبع هواه.

وبالجملة: فإنه ما من داء إلا وله دواء عَلِمه من علمه، وَجهِله من جهله، والمتعيّن على من ابتلي بشيء من هذه الشهوات أن يبادر إلى أسباب النجاة ووسائلها.. بالعزيمة الصادقة، والصبر والمصابرة، وعلو الهمة، والاشتغال بمعالي الأمور، والابتعاد عن سفاسفها، والمجاهدة في ذات الله، ونهي النفس عن الهوى وإصلاح الخواطر والإرادات، وصحبة الصالحين، ودوام التضرع إلى الله والانكسار بين يديه سبحانه.

وصلى الله وسلم على نبينا محمد والحمد لله رب العالمين

  • 9
  • 0
  • 2,177

هل تود تلقي التنبيهات من موقع طريق الاسلام؟

نعم أقرر لاحقاً