أين الإسلام من الفضائيات والبنوك الإسلامية؟!
المشاهدون يريدون مسرحًا معتدلا، يقدم لهم كل أنواع المسرحيات الهادفة لتغنيهم عن الغثاء الهائل الذي أفسد عليهم حياتهم وأسرهم وأبناءهم، وما لم تقم القنوات الإسلامية بهذا العمل فلن يلتفت إليها أحد.
كنت وما زلت من أشد المتحمسين لوجود فضائية إسلامية معتدلة، وكذلك وجود مصرف إسلامي يطبق المفهوم السليم للاقتصاد الإسلامي؛ لقناعتي أن في الإسلام حلولًا لمعالجة كل أدواء المجتمع، ولكن ليس بالضرورة أن تتحقق الأمنيات كما نرغبها، فالإسلام تتجاذبه أطراف من هنا وهناك، وكلٌّ يدّعي وصلًا بليلى، ولكن هذه (الليلى) لم تفصح بعد عن الاتجاه الذي ترغب في التوجه إليه.
كنت.. وما زلت.. أسمع أن هناك "رقصًا إسلاميًّا" و"أغاني إسلامية" و"موسيقى إسلامية" وكنت أخشى أن أسمع أن هناك تعريًا على الطريقة الإسلامية، وقبلات إسلامية وسواها مما لا أود ذكره، وأمام تسابق معظم الفضائيات العربية على تقديم كل ما لذّ وطاب في شهر رمضان لكي يصوم المسلمون "على الطريقة الإسلامية" فيقوموا الليل على الطريقة نفسها ويناموا النهار بنفس الطريقة؛ لكي تتحول حياتهم إسلامية بامتياز كنت أتمنى أن يكون هناك قناة معتدلة يستفيد منها المسلمون؛ علمًا وثقافة ومتعة ولهوًا، كبارهم وصغارهم لكي تساعدهم على الوصول للحياة الإسلامية المتوازنة المعتدلة.
أعرف أن في فضائنا اليوم مجموعة من الفضائيات "الإسلامية" بعضها يتحدث العربية والبعض يتحدث بغيرها، وأعرف أن بعض مالكي هذه القنوات حاولوا البحث لها عن مديرين من هنا وهناك ممن يوصفون بـ"الاعتدال" لعلهم يستطيعون تقديم ما يصلح للمشاهد المسلم، ولكني أتوقع - ولا أريد أن أقول أكثر من ذلك - أن هذه القنوات مجتمعة أخفقت في تقديم مادة إعلامية نافعة تنافس ما تقدمه القنوات الأخرى وتدفع المشاهد لمتابعة برامجها والتقليل من متابعة الكثير من الغثاء الموجود في القنوات العربية الأخرى..
تعتمد هذه القنوات مجتمعة على مجموعة من "العلماء" يتكررون هنا وهناك ليقدموا برامج "متعبة، صعبة الهضم" وبطريقة مملة أحيانًا ومضحكة أحيانًا أخرى.
أذكر أن إحدى القنوات أرادت أن تبتكر طريقة جديدة في جذب المشاهدين، فأحضرت أحد مشايخها فجعلته يعظ المشاهد مرة وهو جالس، وأخرى واقفًا، وثالثة بجانب بحيرة جميلة وحديقة غنَّاء، مرة مبتسمًا وأخرى عابسًا، كل هذا في الحلقة نفسها، وكأنها بهذا العمل المضحك قد أتت بما لم تأتِ به الأوائل، فكانت هذه الحلقات مادة دسمة للتندر على الشيخ والقناة.
قناة أخرى أرادت عمل دعاية لكبار مشايخها، فصورت مجموعة منهم على لوحات ووزعتها في معظم مدن المملكة، وكانت طريقة التصوير مضحكة لا تليق بهم، وكأن هذه القناة كانت تعتقد أن هذه الطريقة الغريبة هي التي ستجلب لها "الزبائن".
العمل الإعلامي لا تكفي فيه النيات الطيبة، بل لا بد من التخصص والدراسات المتأنية لكي نخرج عملا قويًا قادرًا على المنافسة، ولو أن أصحاب القنوات "الإسلامية" وحّدوا إمكاناتهم في قناة واحدة قوية وذات كفاءة لكان عملهم أفضل بكثير من وجود قنوات متعددة لا تقوى على المنافسة، ولا تحقق الهدف الذي قامت من أجله.
المشاهدون يريدون تفسيرًا غير منحاز لقضاياهم السياسية والاجتماعية والاقتصادية، وما لم تهتم تلك القنوات بمثل هذه القضايا فلن يهتم بهم أحد.
المشاهدون يريدون مسرحًا معتدلا، يقدم لهم كل أنواع المسرحيات الهادفة لتغنيهم عن الغثاء الهائل الذي أفسد عليهم حياتهم وأسرهم وأبناءهم، وما لم تقم القنوات الإسلامية بهذا العمل فلن يلتفت إليها أحد.
أثرياء المسلمين لديهم الإمكانات الهائلة لعمل قناة إسلامية جادة، وليتهم يلتفتون إلى أهمية هذا العمل الذي سيحقق لهم مالا في الدنيا وأجرًا في الآخرة.
وليت القنوات القائمة تتحد فيما بينها ليكون لديها الإمكانات المادية والعلمية لتستطيع تقديم برامج متنوعة تحقق المصلحة والفائدة للمشاهدين.
أما البنوك الإسلامية الحالية فهي نسخة من كل البنوك الأخرى غير أنها اتخذت الإسلام لتزيد من أرصدتها ومكاسبها ولا شيء آخر!! وللقارئ الكريم أن يفهم من هذا العمل الأهداف الحقيقية لـ(أسلمة) البنوك!! الإسلام لا ينبغي أن يتخذ شعارًا لتحقيق مكاسب مادية، فالبنوك إذا أرادت أن تتعامل بالإسلام كما تقول فعليها أن تفهم مقاصد الإسلام الحقيقية في التعامل المالي.. وأهم شيء طريقة التعامل مع المقترضين لأنها الطريقة الوحيدة التي تكشف الفرق بين بنوك تدّعي الإسلام في التعامل وأخرى لا تدّعيه..
الواقع يقول: إن معظم البنوك "الإسلامية" تستغل حاجة المقترض، وتسلخه "على الطريقة الإسلامية" أكثر مما تفعله البنوك الأخرى، فهل هذا هو الإسلام؟!
بنك واحد فقط بدأ المحاولة الصحيحة للعمل الإسلامي البنكي - وليته يستمر - هذا البنك قرر أن يعطي زبائنه أصحاب الحسابات الجارية جزءًا من أرباحه باعتبار أن أرباح البنك إنما هي من هذه الحسابات وأشياء أخرى، هذا العمل لم يفعله أي بنك "إسلامي" آخر. هناك أشياء أخرى كثيرة كان من واجب هذه البنوك أن تفعلها لكن "إسلامها" منعها من ذلك!!
أتمنى أن تعيد القنوات "الإسلامية" ومثلها "البنوك الإسلامية" النظر في طريقة وآلية عملها لتحقق الإسلام الحق الذي نتمناه جميعًا.
_________________________________________________
الكاتب: د. محمد بن علي الهرفي
- التصنيف: